|
|||
(466)
فيؤذن ثم يقيم ثم يصلي ، فيقول : ربك للملائكة : انظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه أحد غيري ، فينزل سبعون ألف ملك يصلون وراه ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم. ورجل قام من الليل فصلى وحده فسجد ونام وهو ساجد ، فيقول الله تعالى : انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده ساجد. ورجل في زحف فر أصحابه وثبت هو يقاتل حتى يقتل.
يا أباذر : ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الارض إلا شهدت له بها يوم القيامة. وما من منزل ينزله قوم إلا وأصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم. يا أباذر : ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الارض ينادي بعضها بعضا يا جارة هل مر بك من ذكر الله تعالى أو عبد وضع جبهته عليك ساجدا لله ؟ فمن قائلة : لا ، ومن قائلة نعم ، فإذا قالت : نعم اهتزت وانشرحت وترى أن لها الفضل على جارتها. يا أباذر : إن الله جل ثناؤه لما خلق الارض وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الارض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة فلم تزل الارض والشجر كذلك حتى تكلم فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة ، قولهم : اتخذ الله ولدا فلما قالوها اقشعرت الارض وذهبت منفعة الاشجار. يا أباذر : إن الارض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا. يا أباذر : إذا كان العبد في أرض قفر فتوضأ أو تيمم ثم أذن وأقام وصلى ، أمر الله عزوجل الملائكة فصفوا خلفه صفا لا يرى طرفاه ، يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه. يا أباذر : من أقام ولم يؤذن لم يصل معه إلا ملكاه اللذان معه. يا أباذر : ما من شاب ترك الدنيا وأفنى شبابه في طاعة الله إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقا. يا أباذر : الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين. يا أباذر : الجليس الصالح خير من الوحدة ، والوحدة خير من جليس السوء. وإملاء الخير خير من السكوت ، والسكوت خير من إملاء السوء. يا أباذر : لا تصاحب إلا مؤمنا. ولا يأكل طعامك إلا تقي. ولا تأكل طعام الفاسقين. يا أباذر : أطعم طعامك من تحبه في الله. وكل طعام من يحبك في الله عزوجل. (467)
يا أباذر : إن الله عزوجل عند لسان كل قائل ، فليتق الله امرؤ وليعلم ما يقول.
يا أباذر : اترك فضول الكلام وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك. يا أباذر : كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع. يا أباذر : ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان. يا أباذر : إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ، وإكرام حملة القرآن العاملين ، وإكرام السلطان المقسط. يا أباذر : ما عمل من لم يحفظ لسانه. يا أباذر : لا تكن عيابا ولا مداحا ولا طعانا ولا مماريا. يا أباذر : لا يزال العبد يزداد من الله بعد ما ساء خلقه. يا أباذر : الكلمة الطيبة صدقة ، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة. يا أباذر : من أجاب داعي الله وأحسن عمارة مساجد الله كان ثوابه من الله الجنة. فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله كيف يعمر مساجد الله ؟ قال : لا يرفع فيها الاصوات ولا يخاض فيها بالباطل ولا يشتري فيها ولا يباع ، فاترك اللغو ما دمت فيها ، فإن لم تفعل فلا تلومن يوم القيامة إلا نفسك. يا أباذر : إن الله تعالى يعطيك ما دمت جالسا في المسجد بكل نفس تنفست فيه درجة في الجنة ، وتصلي عليك الملائكة ، ويكتب لك بكل نفس تنفست فيه عشر حسنات ويمحى عنك عشر سيئات. يا أباذر : أتعلم في أي شيء أنزلت هذه الاية اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ؟ قلت : لا أدري فداك أبي وأمي ، قال : في انتظار الصلاة خلف الصلاة. يا أباذر : إسباغ الوضوء في المكاره من الكفارات. وكثرة الاختلاف إلى المساجد فذلكم الرباط. يا أباذر : يقول الله تبارك وتعالى : إن أحب العباد إلى المتحابون من أجلي ، المتعلقة قلوبهم بالمساجد والمستغفرون بالاسحار ، اولئك إذا أردت بأهل الارض عقوبة ذكرتهم فصرفت العقوبة عنهم. يا أباذر : كل جلوس في المسجد لغو إلا ثلاث : قراءة مصل ، أو ذكر الله ، (468)
أو سائل عن علم.
يا أباذر : كن بالعمل بالتقوى أشد اهتماما منك بالعمل ، فإنه لا يقل عمل بالتقوى وكيف يقل عمل يتقبل ، يقول الله عزوجل : إنما يتقبل الله من المتقين. يا أباذر : لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه ، فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه ومن أين ملبسه ، أمن حل أم من حرام. يا أباذر : من لم يبال من أين يكتسب المال لم يبال الله عزوجل من أين أدخله النار. يا أباذر : من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله عزوجل. يا أباذر : إن أحبكم إلى الله جل ثناؤه أكثركم ذكرا له. وأكرمكم عندالله عز وجل أتقاكم له. وأنجاكم من عذاب الله أشدكم له خوفا. يا أباذر : إن المتقين الذين يتقون من الشيء الذي لا يتقى منه ، خوفا من الدخول في الشبهة. يا أباذر : من أطاع الله عزوجل فقد ذكر الله وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن. يا أباذر : ملاك الدين الورع ورأسه الطاعة. يا أباذر : كن ورعا تكن أعبد الناس ، وخير دينكم الورع. يا أباذر : فضل العلم خير من فضل العبادة ، واعلم أنكم لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا وصمتم حتى تكونوا كالاوتار ما ينفعكم ذلك إلا بورع. يا أباذر : إن أهل الورع والزهد في الدنيا هم أولياء الله تعالى حقا. يا أباذر : من لم يأت يوم القيامة بثلاث فقد خسر. قلت : وما الثلاث ، فداك أبي وأمي ؟ قال : ورع يحجزه عما حرم الله عزوجل عليه ، وحلم يرد به جهل السفهاء ، وخلق يداري به الناس. يا أباذر : إن سرك أن تكون أقوى الناس فتوكل على الله عزوجل. وإن سرك أن تكون أكرم الناس فاتق الله. وإن سرك أن تكون أغنى الناس فكن بما في يدالله عزوجل أوثق منك بما في يدك. يا أباذر : لو أن الناس كلهم أخذوا بهذه الاية لكفتهم : ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره. (469)
يا أباذر : يقو الله جل ثناؤه : وعزتي وجلالي لا يؤثر عبدي هواي على هواه إلا جعلت غناه في نفسه وهمومه في آخرته وضمنت السموات والارض رزقه وكففت عنه ضيقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر.
يا أباذر : لو أن ابن آدم فر من رزقه كما يفر من الموت لادركه كما يدركه الموت. يا أباذر : ألا أعلمك كلمات ينفعك الله عزوجل بهن ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : احفظ الله يحفظك. احفظ الله تجده أمامك. تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة. وإذا سألت فاسأل الله عزوجل. وإذا استعنت فاستعن بالله ، فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ، فلو أن الخلق كلهم جهدوا أن ينفعوك بشيء لم يكتب لك ما قدروا عليه ، ولو جهدوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك ما قدروا عليه. فإن استطعت أن تعمل لله عزوجل بالرضا في اليقين فافعل ، وإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا. وإن النصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسرا. يا أباذر : استغن بغنى الله يغنك الله ، فقلت : وما هو يا رسول الله ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : غداء يوم وعشاء ليلة ، فمن قنع بما رزقه الله فهو أغنى الناس. يا أباذر : إن الله عزوجل يقول : إني لست كلام الحكيم أتقبل ولكن همه وهواه ، فإن كان همه وهواه فيما أحب وأرضى جعلت صمته حمدا لي وذكرا [ ووقارا ] وإن لم يتكلم. يا أباذر : إن الله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وأقوالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم. يا أباذر : التقوى ههنا التقوى ههنا ، وأشار إلى صدره. يا أباذر : أربع لا يصيبهن إلا مؤمن : الصمت وهو أول العبادة ، والتواضع لله سبحانه ، وذكر الله تعالى في كل حال وقلة الشيء يعني قلة المال. يا أباذر : هم بالحسنة وإن لم تعملها لكيلا تكتب من الغافلين. يا أباذر : من ملك ما بين فخذيه وبين لحييه دخل الجنة ، قلت : يا رسول الله وإنا لنؤاخذ بما تنطق به ألسنتنا ؟ قال : يا أباذر : وهل يكتب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم ، إنك لا يزال سالما ما سكت فإذا تكلمت كتب الله لك أو عليك. (470)
يا أباذر : إن الرجل يتكلم بالكلمة في المجلس لينصحكم بها فهوى في جهنم ما بين السماء والارض.
يا أباذر : ويل للذي يحدث ويكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له ويل له. يا أباذر : من صمت نجا ، فعليك بالصدق ولا تخرجن من فيك كذبا أبدا. قلت : يا رسول الله فما توبة الرجل الذي كذب متعمدا ؟ قال : الاستغفار والصلوات الخمس تغسل ذلك. يا أباذر : إياك والغيبة ، فإن الغيبة أشد من الزنا ، قلت : يا رسول الله ولم ذلك بأبي أنت وأمي ؟ قال : لان الرجل يزني ويتوب إلى الله فيتوب الله عليه ، والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها. يا أباذر : سباب المؤمن فسوق ، وقتالة كفر ، وأكل لحمه من معاصي الله ، وحرمة ماله كحرمة دمه. قلت : يا رسول الله وما الغيبة ؟ قال : ذكرك أخاك بما يكره ، قلت : يا رسول الله فإن كان فيه ذاك الذي يذكر به ؟ قال : اعلم إنك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته. يا أباذر : من ذب عن أخيه المسلم الغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار. يا أباذر : من اغتيب عنده أخوه المسلم وهو يستطيع نصره فنصره نصره الله عزوجل في الدنيا والاخرة ، فإن خذله هو يستطيع نصره خذله الله في الدنيا والاخرة. يا أباذر : لا يدخل الجنة قتات ، قلت : وما القتات ؟ قال : النمام. يا أباذر : صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله عزوجل في الاخرة. يا أباذر : من كان ذا وجهين ولسانين في الدنيا فهو ذو لسانين في النار. يا أباذر : المجالس بالامانة وإفشاء سر أخيك خيانة فاجتنب ذلك واجتنب مجلس العشيرة. يا أباذر : تعرض أعمال أهل الدنيا على الله من الجمعة إلى الجمعة في يوم الاثنين والخميس فيستغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال : أتركوا عمل هذين حتى يصطلحا. يا أباذر : إياك وهجران أخيك ، فإن العمل لا يتقبل مع الهجران. يا أباذر : أنهاك عن الهجران ، وإن كنت لابد فاعلا تهجره فوق ثلاثة أيام (471)
[ كملا ] ، فمن مات فيها مهاجرا لاخيه كانت النار أولى به.
يا أباذر : من أحب أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار. يا أباذر : من مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر لم يجد رائحة الجنة إلا أن يتوب قبل ذلك. فقال رجل : يا رسول الله إني ليعجبني الجمال حتى وددت إن علاقة سوطي وقبال نعلي حسن فهل يرهب على ذلك ؟ قال : كيف تجد قلبك ؟ قال : أجده عارفا للحق مطمئنا إليه. قال : ليس ذلك بالكبر ولكن الكبر أن تترك الحق وتتجاوزه إلى غيره وتنظر إلى الناس ولا ترى إن أحدا عرضه كعرضك ولا دمه كدمك. يا أباذر : أكثر من يدخل النار المستكبرون. فقال رجل : وهل ينجو من الكبر أحد يا رسول الله ؟ قال : نعم ، من لبس الصوف وركب الحمار وحلب الشاة وجالس المساكين. يا أباذر : من حمل بضاعته فقد برئ من الكبر يعني ما يشترى من السوق. يا أباذر : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله عزوجل إليه يوم القيامة. يا أباذر : أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه ولا جناح عليه فيما بينه وبين كعبيه. يا أباذر : من رفع ذيله وخصف نعله وعفر وجهه فقد برئ من الكبر. يا أباذر : من كان له قميصان فليلبس أحدهما وليلبس الاخر أخاه. يا أباذر : سيكون ناس من أمتي يولدون في النعيم ويغذون به ، همتهم ألوان الطعام والشراب ويمدحون بالقول اولئك شرار أمتي. يا أباذر : من ترك لبس الجمال وهو يقدر عليه تواضعا لله عزوجل في غير منقصة وأذل نفسه في غير مسكنة وأنفق ما جمعه في غير معصية ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة ، طوبى لمن صلحت سريرته وحسنت علانيته وعزل عن الناس شره ، طوبى لمن عمل بعلمه وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله. يا أباذر : البس الخشن من اللباس ، والصفيق من الثياب لئلا يجد الفخر فيك مسلكا. يا أباذر : يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم ، يرون أن لهم الفضل بذلك على غيرهم اولئك تلعنهم ملائكة السموات والارض. يا أباذر : ألا أخبرك بأهل الجنة ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : كل أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لابره. (472)
قال أبوذر رضي الله عنه. ودخلت يوما على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو في المسجد جالس وحده فاغتنمت خلوته ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا أباذر : إن للمسجد تحية ، قلت : وما تحيته يا رسول الله ؟ قال : ركعتان تركعهما.
ثم التفت إليه فقلت : يا رسول الله أمرتني بالصلاة ، فما الصلاة ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الصلاة خير موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أكثر. قلت : يا رسول الله أي الاعمال أحب إلى الله عزوجل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الايمان بالله ، ثم الجهاد في سبيله. قلت : يا رسول الله أي المؤمنين أكمل إيمانا ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أحسنهم خلقا. قلت : وأي المؤمنين أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من سلم المسلمون من لسانه ويده. قلت : وأي الهجرة أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : من هجر السوء. قلت : وأي الليل أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : جوف الليل الغابر. قلت : فأي الصلاة أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : طول القنوت. قلت فأي الصوم أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : فرض مجزئ وعندالله أضعاف ذلك. قلت : وفأي الصدقة أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : جهد من مقل إلى فقير في سر. قلت : وأي الزكاة أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها. قلت : وأي الجهاد أفضل ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما عقر فيه جواده واهريق دمه. قلت : وأي آية أنزلها الله عليك أعظم ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : آية الكرسي. قال قلت : يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم ( عليه السلام ) ؟ قال : كانت أمثالا كلها : أيها الملك المسلط المبتلي إني لم أبعثك لتجتمع الدنيا بعضها على بعض ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم ، فإني لا أردها وإن كانت من كافر أو فاجر فجوره على نفسه. وكان فيها أمثال : وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ثلاث ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ، وساعة يفكر فيها في صنع الله تعالى ، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدم وأخر ، وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال من المطعم والمشرب. وعلى العاقل أن يكون ظاعنا إلا في ثلاث : تزود لمعاد ، أو مرمة لمعاش ، أو لذة في غير محرم. وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه. ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه. (473)
قلت : يا رسول الله فما كانت صحف موسى ( عليه السلام ) ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : كانت عبرا كلها : عجب لمن أيقن بالنار ثم ضحك ، عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، عجب لمن أبصر الدنيا وتقلبها بأهلها حالا بعد حال ثم هو يطمئن إليها ، عجب لمن أيقن بالحساب غدا ثم لم يعمل.
قلت : يا رسول الله فهل في الدنيا شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام مما أنزله الله عليك ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إقرأ يا أباذر : قد أفلح من تزكى ، وذكر اسم ربه فصلى ، بل تؤثرون الحياة الدنيا ، والاخرة خير وأبقى ، إن هذا ـ يعني ذكره هذه الاربع الايات ـ لفي الصحف الاولى ، صحف إبراهيم وموسى. قلت : يا رسول الله أوصني ؟ قال : أوصيك بتقوى الله ، فإنه رأس أمرك كله. فقلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : عليك بتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل ، فإنه ذكر لك في السماء ونور في الارض. قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : عليك بالجهاد ، فإنه رهبانية أمتي. قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : عليك بالصمت إلا من خير ، فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على امور دينك. قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إياك وكثرة الضحك ، فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه. قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : انظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك ، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك. قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : صل قرابتك وإن قطعوك. وأحب المساكين وأكثر مجالستهم. قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : قل الحق وإن كان مرا. قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا تخف في الله لومة لائم. قلت : يا رسول الله زدني ؟ قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا أباذر : ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك ولا تجر عليهم فيما تأتي ، فكفى بالرجل عيبا أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه ويجر عليهم فيما يأتي. قال : ثم ضرب على صدري وقال : يا أباذر : لا عقل كالتدبير ، ولا ورع كالكف عن المحارم ، ولا حسب كحسن الخلق. (474)
عن الصادق ( عليه السلام ) : أول يوم من الشهر سعد يصلح للقاء الامراء وطلب الحوائج والشراء والبيع والزراعة والسفر. الثاني منه يصلح للسفر وطلب الحوائج. الثالث منه ردئ لا يصلح لشيء جملة. الرابع منه صالح للتزويج ويكره السفر فيه. الخامس منه ردئ نحس. السادس منه مبارك يصلح للتزويج وطلب الحوائج. السابع منه مبارك مختار يصلح لكل ما يراد ويسعى فيه. الثامن منه يصلح لكل حاجة سوى السفر ، فإنه يكره فيه. التاسع منه مبارك يصلح لكل ما يريده الانسان ، ومن سافر فيه رزق مالا ويرى في سفره كل خير. العاشر صالح لكل حاجة سوى الدخول على السلطان. ومن فر فيه من السلطان اخذ. ومن ضلت له ضالة وجدها. وهو جيد للشراء والبيع. ومن مرض فيه برئ. الحادي عشر يصلح للشراء والبيع ولجميع الحوائج وللسفر ما خلا الدخول على السلطان. وإن التواري فيه يصلح. الثاني عشر يوم صالح مبارك ، فاطلبوا فيه حوائجكم واسعوا لها ، فإنها تقضى. الثالث عشر يوم نحس مستمر فاتقوا فيه جميع الاعمال. الرابع عشر جيد للحوائج ولكل عمل.
الخامس عشر صالح لكل حاجة تريدها ، فاطلبوا فيه حوائجكم ، فإنها تقضى. السادس عشر ردئ مذموم لكل شيء. السابع عشر صالح مختار ، فاطلبوا فيه ما شئتم ، وتزوجوا وبيعوا واشتروا وازرعوا وابنوا وادخلوا على السلطان في حوائجكم فإنها تقضى. الثامن عشر مختار صالح للسفر وطلب الحوائج ومن خاصم فيه عدوه خصمه وغلبه وظفر به بقدرة الله. التاسع عشر مختار صالح لكل عمل ، ومن ولد فيه يكون مباركا. العشرون جيد مختار للحوائج والسفر والبناء والغرس والعرس والدخول على السلطان يوم مبارك بمشية الله. الحادي والعشرون يوم نحس مستمر. الثاني والعشرون مختار صالح للشراء والبيع ولقاء السلطان والسفر والصدقة. الثالث والعشرون مختار جيد خاصة للتزويج والتجارات كلها والدخول على السلطان. الرابع والعشرون يوم نحس مشيءوم. الخامس والعشرون ردئ مذموم يحذر فيه من كل شيء. السادس والعشرون صالح لكل حاجة سوى التزويج والسفر. وعليكم بالصدقة فيه ، فإنكم تنتفعون به السابع والعشرون جيد مختار للحوائج ولكل ما يراد ولقا السلطان. الثامن والعشرون ممزوج. التاسع والعشرون مختار جيد لكل حاجة ما خلا الكاتب ، فإنه يكره له (475)
ذلك. ولا أرى له أن يسعى في حاجة إن قدر على ذلك. ومن مرض فيه برئ سريعا.
ومن سافر فيه أصاب مالا كثيرا. ومن أبق فيه رجع. الثلاثون مختار جيد لكل شيء ولكل حاجة من شراء وبيع وزرع وتزويج. ومن مرض فيه برئ سريعا. ومن ولد فيه يكون حليما مباركا ويرتفع أمره ويكون صادق اللسان صاحب وفاء. ( ما يقال إذا اضطر الانسان إلى التوجه في أحد الايام )
لا حول ولا قوة إلا بالله افرج بها كل كربة ، لا حول ولا قوة إلا بالله أحل بها كل عقدة. لا حول ولا قوة إلا بالله أجلو بها كل ظلمة. لا حول ولا قوة إلا بالله أفتح بها كل باب. لا حول ولا قوة إلا بالله أستعين بها على كل شدة ومصيبة. لا حول ولا قوة إلا بالله أستعين بها على كل أمر ينزل بي. لا حول ولا قوة إلا بالله أعتصم بها من كل محذور أحاذره. لا حول ولا قوة إلا بالله أستوجب بها العفو والعافية والرضا من الله. لا حول ولا قوة إلا بالله تفرق أعداء الله وغلبت حجة الله وبقي وجه الله. لا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم رب الارواح الفانية ورب الاجساد البالية ورب الشعور المتمعطة ورب الجلود الممزقة ورب العظام النخرة ورب الساعة القائمة أسألك يا رب أن تصلي على محمد وأهل بيته الطاهرين وافعل بي كذا بخفي لطفك يا ذا الجلال والاكرام آمين آمين يا رب العالمين.
( التي نهى عن السعي فيها في دبر كل فريضة وهو من أدعية الفرج ) ولما افتتحت هذا الكتاب بخطبة أمير المؤمنين صلوات الله عليه تبركا بها ولانها حاوية لمجامع الاداب والاخلاق أردت أن أختتم بخطبته الموسومة بسمات المؤمنين المرموقة بصفات المتقين إذ هو خير إمام للمؤتمين وأنجع موعظة للمتقين. فاختتمت بذلك الكتاب فصار ختامه مسك. روي أن صاحبا له يقال له همام كان رجلا عابدا ، فقال له يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم ؟ فتثاقل علي ( عليه السلام ) عن جوابه ثم قال : يا همام اتق الله وأحسن فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ، فلم يقنع همام بذلك القول حتى عزم عليه ، قال : فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال : أما بعد ، فإن الله سبحان وتعالى خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم ، (476)
آمنا من معصيتهم ، لانه لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه. فقسم بينهم معايشهم ، ووضعهم من الدنيا مواضعهم. فالمتقون فيها هم أهل الفضائل. منطقهم الصواب ، وملبسهم الاقتصاد ، ومشيهم التواضع. غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم ، وقصروا أسماعهم على العلم النافع لهم ، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء.
لولا الاجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم شوقا إلى الثواب ، وخوفا من العقاب. عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم ، فهم والجنة كمن قد رآها ، فهم فيها متنعمون ، وهم والنار كمن قد رآها ، فهم فيها معذبون. قلوبهم محزونة ، وشرورهم مأمونة ، وأجسادهم نحيفة ، وحاجتهم خفيفة ، وأنفسهم عفيفة ، ومعونتهم في الاسلام عظيمة. وصبروا أياما قصيرة فأعقبتهم راحة طويلة وتجارة مربحة يسرها لهم رب كريم. أرادتهم الدنيا ولم يريدوها ، وطلبتهم فأعجزوها ، وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها. أما الليل فصافون أقدامهم تالين لاجزاء القرآن يرتلونها ترتيلا. يحزنون به أنفسهم ويستبشرون به دواء دائهم. فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا وتطلعت نفوسهم إليها شوقا وظنوا أنها نصب أعينهم. وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في اصول آذانهم ، فهم حانون على أوساطهم ، يمجدون جبارا عظيما ، مفترشون لجباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم ، يطلبون إلى الله في فكاك رقابهم. وأما النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء. قد براهم الخوف بري القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض. ويقول : قد خولطوا ولقد خالطهم أمر عظيم. لا يرضون من أعمالهم القليل ولا يستكثرون الكثير. فهم لانفسهم متهمون. ومن أعمالهم مشفقون إذا زكي أحد منهم خاف مما يقال له فيقول : أنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم بنفسي مني. اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون إنك أنت علام الغيوب وستار العيوب. فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين وحزما في لين وإيمانا في يقين وحرصا في علم وعلما في حلم وقصدا في غنى وخشوعا في عبادة وتجملا في فاقة وصبرا في شدة وطلبا في حلال ونشاطا في هدى وتحرجا عن طمع. يعمل الاعمال الصالحة وهو على وجل. يمسي وهمه الشكر ويصبح وهمه الذكر. يبيت حذرا ويصبح فرحا ، حذرا (477)
لما حذر من الغفلة ، وفرحا بما أصاب من الفضل والرحمة. وإن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحب. قرة عينه فيما لا يزول. وزهادته فيما لا يبقى. يمزج الحلم بالعلم ، والقول بالعمل. تراه قريبا أمله ، قليلا زلله ، خاشعا قلبه ، قانعة نفسه ، منزورا أكله ، سهلا أمره ، حريزا دينه ، ميتة شهوته ، مكظوما غيظه ، قليلا شره ، كثيرا ذكره ، صادقا قوله. الخير منه مأمول ، والشر منه مأمون. وإن كان في الغافلين كتب في الذاكرين. وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين. يعفو عمن ظلمه.
ويعطي من حرمه. ويصل من قطعه. وبعيدا فحشه. لينا قوله. غائبا منكره. حاضرا معروفه. مقبلا خيره. مدبرا شره. في الزلازل وقور. وفي المكاره صبور. وفي الرخاء شكور. لا يحيف على من يبغض. ولا يأثم فيمن يحب. ولا يدعي ما ليس له ولا يجحد حقا هو عليه. يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه. ولا يضيع ما استحفظ. ولا ينسي ما ذكر. ولا يتنابز بالالقاب. ولا يضار بالجار. ولا يشمت بالمصائب. سريعا إلى الصلوات مؤديا للامانات. بطيئا عن المنكرات. يأمرون بالمعروف وينهى عن المنكر. لا يدخل في الباطل ولا تخرج من الحق. إن صمت لم يغمه صمته. وإن نطق لم يقل حظه. وإن ضحك لم يعل صوته قانع بالذي هو له. لا يحمح به الغيظ ولا يغلبه الهوى ولا يقهره الشح. يخالط الناس ليعلم. ويصمت ليسلم. ويسأل ليفهم. ويتجر ليغنم. ولا يعمل الخير ليفخر به. ولا يتكلم به لتتجبر به على من سواه. وإن بغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له. نفسه منه في غناء. والناس منه في راحة أتعب نفسه لاخرته ، وأراح الناس من نفسه. بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة. ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة. ليس تباعده تكبرا وعظمة ، ولا دنوه لمكر ولا خديعة. قال : فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها. فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أما والله لقد كنت أخافها عليه. ثم قال : هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها. فقال له قائل : فما بالك أنت يا أمير المؤمنين ؟ فقال ( عليه السلام ) : ويحك إن لكل أجل وقتا لن يعدوه وسببا لا يتجاوزه. فمهلا لا تعد لمثلها ، فإنما نفث الشيطان على لسانك. هذا آخر ما أردنا أن نجمعه من السير النبوية والاداب المروية وقد وفينا بما شرطناه نسأل الله أن يوفقنا للعمل بذلك خالصا لوجهه وموجبا لرضوانه ومغفرته وموصلا إلى جناته وكرامته بمنه وجوده وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. |
|||
|