مفاهيم القرآن ـ جلد الأول ::: 521 ـ 530
(521)
التوسل بالأسباب غير الطبيعية
    إلى هنا تبيَّن أنّ النظرة إلى الأسباب الطبيعية بلحاظ أنّها علل غير مستقلة عين التوحيد ، وبلحاظ استقلالها في التأثير عين الشرك ، وأمّا غير الطبيعية من العلل فحكمها حكم الطبيعية حيث إنّ التوسل على النحو الأوّل عين التوحيد ، وعلى النحو الثاني عين الشرك حرفاً بحرف ، غير أنّ الوهابيين جعلوا التوسل بغير الطبيعية من العلل توسّلاً ممزوجاً بالشرك ويقول المودودي في ذلك :
    « فالمرء إذا كان أصابه العطش ـ مثلاً ـ فدعا خادمه وأمره بإحضار الماء لا يطلق عليه حكم « الدعاء » ولا أنّ الرجل اتخذ الخادم إلهاً ، وذلك إنّ كل ما فعله الرجل جار على قانون العلل والأسباب ، ولكن إذا استغاث بولي في هذا الحال فلا شك انّه دعاه لتفريج الكربة و اتَّخذه إلهاً.
    فكأنِّي به يراه سميعاً بصيراً ، ويزعم أنّ له نوعاً من السلطة على عالم الأسباب ممّا يجعله قادراً على أن يقوم بإبلاغه الماء ، أو شفائه من المرض.
    وصفوة القول : إنّ التصوّر الذي لأجله يدعو الإنسان الإله ويستغيثه ويتضرع إليه هو لا جرم تصوّر كونه مالكاً للسلطة المهيمنة على قوانين الطبيعة وللقوى الخارجة عن دائرة نفوذ الطبيعة.
    إنّ الحديث حول هذا المقام يقع في موردين :
    الأوّل : إذا اعتقد إنسان بأنّ للظاهرة المعينة سببين : طبيعياً ، وغير طبيعي. فإذا يئس من الأوّل ولاذ بالثاني ، فهل يعد فعله شركاً أو لا ؟
    الثاني : إذا اعتقد بأنّ لشخص خاص سلطة غيبية على الكون بإذنه سبحانه ، فهل يعد هذا الاعتقاد اعتقاداً بإلوهيته؟


(522)
    وقد حققنا القول حول الأمر الثاني ونركّز البحث على الأمر الأوّل ، فنقول :
    إذا اعتقد إنسان بأنّ لبرئه من المرض طريقين أحدهما طبيعي والآخر غير طبيعي ، وقد سلك الطريق الأوّل ولم يصل إلى مقصوده فعاد يتوسل إلى مطلوبه بالتمسك بالسبب الثاني كمسح المسيح يديه عليه ، فهل يعد اعتقاد هذا وطلبه منه شركاً وخروجاً عن جادة التوحيد أو لا ؟
    وأنت إذا لاحظت الضوابط التي قد تعرفت عليها في تمييز الشرك عن غيره لقدرت على الإجابة بأنّه لا ينافي التوحيد ولا يضاده بل يلائمه كمال الملاءمة فإنّه يعتقد بأنّ اللّه الذي منح الأثر للأدوية الطبيعية أو جعل الشفاء في العسل هو الذي منح المسيح قدرة يمكنه أن يبرئ المرضى بإذنه سبحانه ، ومعه كيف يعد اعتقاده هذا شركاً؟
    وبكلام آخر : انّ الشرك عبارة عن الاعتقاد باستقلال شيء في التأثير بمعنى أن يكون أثره مستنداً إليه لا إلى خالقه وبارئه والمفروض عدمه ، ومع ذلك كيف يكون شركاً ، والتفريق بين التوسل بالأسباب الطبيعية وغيرها بجعل الأوّل موافقاً للتوحيد دون الثاني تفريق بلا جهة ، فإنّ نسبتها إلى اللّه سبحانه في كون التأثير بإذنه سواسية.
    نعم يمكن لأحد أن يخطّئ القائل في سببية شيء ، ويقول بأنّ اللّه لم يمنح للولي الخاص تلك القدرة وانّه عاجز عن الإبراء ، ولكنه خارج عن محط بحثنا ، فإنّ البحث مركز على تمييز الشرك عن غيره لا على إثبات قدرة لأحد أو نفيها عنه وأظن أنّ القائلين بكون هذا الاعتقاد والطلب شركاً لو ركزوا البحث على تشخيص ملاك الشرك عن غيره لسهل لهم تمييز الحق عن غيره ، إذ أي فرق بين الاعتقاد بأنّ اللّه وهب الإشراق للشمس والإحراق للنار وجعل الشفاء في العسل ،


(523)
وبين أنّه هو الذي أقدر وليه مثل المسيح وغيره على البرء ، أو أنّه أعطى للأرواح المقدسة من أوليائه قدرة على التصرف في الكون وإغاثة الملهوف.
    وقد ورد في القرآن الكريم نماذج من إعطاء آثار خاصة لعلل غير طبيعية تلقي الضوء على ما ذكرنا ، فإليك بيانها :
    1. انّ القرآن يصف عجل السامري بقوله : ( فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ). (1)
    فبعد ما رجع موسى من الميقات ورأى الحال ، سأل السامري عن كيفية عمله ، وانّه كيف قدر على هذا العمل البديع؟ فأجاب : ( بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ). (2)
    فعلّل عمله هذا بأنّه أخذ قبضة من أثر الرسول فعالج بها مطلوبه فعاد العجل ذا خوار ، وهذا يعطي أنّ التراب المأخوذ من أثر الرسول كان له أثر خاص وقد توسل به السامري.
    2. انّ القرآن يصف كيفية برء يعقوب مما أصاب عينيه ، ويقول حاكياً عن يوسف أنّه قال : ( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ). (3)
    1 ـ طه : 88.
    2 ـ طه : 96.
    3 ـ يوسف : 93.


(524)
    ( فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلْمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) . (1)
    فإذا اعتقد الإنسان بأنّ الذي خلق في التراب المأخوذ من أثر الرسول المعين أثراً خاصاً بحيث إذا امتزج مع الحلي يجعلها ذات خوار ، أو منح للقميص ذلك الأثر العجيب هو الذي أعطى لسائر العلل غير الطبيعية آثاراً خاصة يستفيد منها الإنسان في ظروف معينة ، فهل يجوز لنا رمي المعتقد بهذا ، بأنّه مشرك ، وأي فرق بين ما أخذ السامري من أثر الرسول وقميص يوسف وسائر العلل مع أنّ الجميع علل غير مألوفة.
    إنّ التوسل بالأرواح المقدسة والاستمداد بالنفوس الطاهرة الخالدة عند ربها نوع من التمسك بالأسباب في اعتقاد المتمسك وقد قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَقُوا اللّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ). (2)
    وأمّا البحث عن أنّ هذه الأرواح والنفوس هل في مقدورها أن تغيث من يستغيث بها أو لا؟ فهو خارج عما نحن بصدده.
    1 ـ يوسف : 96.
    2 ـ المائدة : 35.


(525)
8
المعايير الثلاثة المتوهمَّة للشِّرك
    1. هلالحياة والموت حدّان للتوحيد والشرك؟
    لا شك أنّ التعاون ، والتعاضد بين أبناء الإنسان أساس الحياة ، وما التاريخ الإنساني إلاّ حصيلة الجهود البشرية التي نبعت من التعاون ، وتقاسم المسؤوليات والاستفادة المتبادلة من الطاقات الإنسانية.
    والقرآن حافل بنماذج كثيرة من استمداد البشر بمثله ، إذ يقول : ( فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ). (1)
    إذن فاستمداد الإنسان بالإنسان الآخر أمر واقع في الحياة البشرية وجائز عند جميع الأُمم غير أنّ للوهابيين تفصيلاً في المقام يرونه هو الحد الطبيعي الفاصل بين التوحيد والشرك.
    فيقولون : إنّ التوسل بالأنبياء والأولياء جائز في حال حياتهم دون مماتهم
    1 ـ القصص : 15.

(526)
ويقول : محمد بن عبد الوهاب في هذا الصدد :
    « وهذا جائز في الدنيا والآخرة أن تأتي رجلاً صالحاً تقول له : ادع اللّه لي كما كان أصحاب رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) يسألونه في حياته ، وأمّا بعد مماته فحاشا وكلا أن يكونوا سألوا ذلك ، بل أنكر السلف على من قصد دعاء اللّه عند قبره فكيف بدعاء نفسه ». (1)
    إنّ للتوحيد والشرك معايير خاصة بها يمتاز أحدهما عن الآخر وإنّ الإسلام لم يترك تحديد تلك المعايير إلينا ، بل حدّد كل واحد بحد خاص.
    وقد ألمعنا بها فيما سبق ولم يذكر في تلك المعايير أنّ الحياة والموت حدّان للتوحيد والشرك.
    وستعرف أنّه لا مدخلية لحياة المستغاث منه ومماته في تحديد الشرك أو التوحيد مطلقاً ، لأنّ الاستمداد والاستغاثة بالحي مع الاعتقاد باستقلاله في القدرة والتأثير ، وأصالته في إغاثة المستغيث يوجب الشرك ، وكون الاستغاثة بالحي أمراً رائجاً بين العقلاء لا يوجب صحتها إذا كانت مقرونة مع الاعتقاد باستقلال المستغاث في الإغاثة ، لأنّ الدارج بين العقلاء هو : أصل الاستغاثة بالحي لا باعتباره مستقلاً في العمل.
    فلا تكون استغاثة شيعة موسى مطابقة للتوحيد إلاّ في صورة واحدة وهي : أن لا يعتقد معها باستقلال موسى في التأثير ، بل يجعل قدرته ، وتأثيره في طول القدرة الإلهية ، ومستمدة منه تعالى.
    1 ـ كشف الارتياب : 271 نقلاً عن كشف الشبهات تأليف محمد بن عبد الوهاب ، طبع مصر ص 70.

(527)
    إنّ نفس هذه الحقيقة جارية في الاستمداد ، والاستغاثة ب ـ « الأرواح المقدسة » العالمة الشاعرة حسب إخبار القرآن وتأييد العلوم الحديثة ، فإذا استغاث شيعة موسى ( عليه السَّلام ) به بعد خروج روحه عن بدنه بهذه العقيدة لم يكن عمله شركاً ، ولم يجعل موسى شريكاً للّه لا في الذات ولا في الصفات ولا في الأفعال ، ولا في العبادة ، ولم يعبد موسى بهذه الاستغاثة والطلب.
    وأمّا لو استغاث به وهو يعتقد باستقلال روحه في الإغاثة ويعتقد بأنّها قادرة على التأثير دون القدرة الإلهية ، فإنّ هذا المستغيث يعد مشركاً ويكون موسى ـ كما يقتضي اعتقاد هـ في صف الآلهة.
    ولو كانت حياة المستغاث ومماته مؤثرة في الأمر ، فإنّما تكون مؤثرة في جدوائية الاستغاثة أوّلاً ، لا في تحديد التوحيد والشرك ، والبحث عن الجدوائية وخلافها خارج عن موضوع بحثنا.
    ومن العجب العجاب اعتبار التوسل والاستغاثة بالحي والاستشفاع به عين التوحيد ، وعد هذه الاستغاثة والاستشفاع ـ مع نفس الخصوصيات ـ بميت شركاً وفاعلها واجب الاستتابة مستحق القتل.
    إنّ الوهابيين يسلمون انّ اللّه سبحانه أمر العصاة بأن يذهبوا إلى النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ويطلبوا منه أن يستغفر لهم أخذاً بظاهر الآية (النساء ـ 64) ، كما يسلمون أنّ أولاد يعقوب طلبوا من أبيهم أن يستغفر لهم (يوسف 97 ـ 98) غير أنّهم يقولون : إنّ هذين الموردين إنّما ينطبقان مع أُصول التوحيد لأجل حياة المستغاث ، وأمّا إذا سئل ذلك في مماته عدّ شركاً.
    غير أنّ القارئ النابه جد عليم بأنّ حياة الرسول ومماته لا يغيِّران ماهية العمل ، إذ لو كان التوسل شركاً حقيقة للزم أن يكون كذلك في الحالتين من دون


(528)
فرق بين حالتي الحياة والممات.
    ولو اعترض على الاستغاثة بالميت بأنّه عمل عبثي أوّلاً ، وبدعة لم يرد في الشرع ثانياً فيقال في جوابه :
    أوّلاً : انّ هذا العمل إنّما يصطبغ بلون البدعة إذا أتى به المستغيث بعنوان كونه وارداً في الشرع وأمّا لو أتى به من جانب نفسه من دون أن ينسبه إلى مقام فلا يعد بدعة وإحداثاً في الدين ، لأنّ البدعة هو إدخال ما ليس من الدين في الدين ، وهو فرع الإتيان بالعمل بما أنّه أمر ديني.
    وثانياً : أنّ البحث في المقام إنّما هو عن تحديد التوحيد والشرك ولا عن كون العمل مفيداً أو غيره أو بدعة وغير بدعة ، فكل ذلك خارج عن بحثنا ، أضف إلى ذلك أنّه قد ثبت في محله مشروعية التوسّل بالأرواح المقدسة بالدلائل النقلية الصريحة. (1)
    وعلى كل حال لا يمكن اعتبار الاستغاثة بالميت شركاً ، إذ هو لم يشرك بعمله باللّه أبداً لا في الذات ولا في الصفات ولا في الفعل ليخرج بذلك عن توحيد الربوبية ، ولا في العبادة ليخرج عن التوحيد في العبادة.
    إنّ المفتاح لحل هذه المشكلة هو ما ذكرناه في تحديد معنى الشرك والتوحيد وهو انّ الاعتقاد باستقلال الفاعل في ذاته وفعله والتوجه به كذلك يعد شركاً في العبادة ، كما أنّ الاعتقاد بعدم استقلاله في ذاته وصفاته وأفعاله يعد اعترافاً بعبوديته ويعد التوجّه به تكريماً واحتراماً ، ولو تناسينا هذه القاعدة لما وجد على أديم الأرض موحد أبداً.
    1 ـ راجع للوقوف على تلك الأدلة كشف الارتياب : 301.

(529)
    وفيما لي نلفت نظر القارئ الكريم إلى كلام لتلميذ ابن تيمية في هذا المجال ، يقول ابن القيم :
    ومن أنواع الشرك طلب الحوائج من الموتى ، والاستعانة بهم ، والتوجه إليهم ، وهذا أصل شرك العالم ، فإنّ الميت قد انقطع عمله ، وهو لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ». (1)
    وما ذكره من الدليل لا يثبت مدّعاه لأنّ قوله : « فإنّ الميت قد انقطع عمله » دليل على عدم فائدة الاستغاثة بالميت ، وليس دليلاً على كونها شركاً ، وهو لم يفرق بين الأمرين ، والأغرب من ذلك قوله : « وهو لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً » ، إذ لا فرق في ذلك بين الحي والميت ، فلا يملك أحد ضراً لنفسه ولا نفعاً بدون إذن اللّه وإرادته ، سواء أكان حياً أم ميتاً ، ومع الإذن الإلهي يملكون النفع والضر أحياء كانوا أم أمواتاً.
    ومن هذا اتضح ضعف ما أفاده ابن تيمية ، إذ قال :
    كل من غلا في نبي ، أو رجل صالح وجعل فيه نوعاً من الإلهية مثل أن يقول : يا سيدي فلان انصرني أو أغثني ، ... فكلّ هذا شرك وضلال ، يستتاب صاحبه ، فإن تاب ، وإلاّ قتل. (2)
    إذا كانت الاستغاثة ب ـ « الأرواح المقدسة » (الأموات حسب تعبير الوهابيين) ملازمة لنوع من الاعتقاد بإلوهية تلك الأرواح ، إذن يلزم أن تكون الاستغاثة بأي شخص ـ أعم من الحي والميت ـ ملازمة لمثل هذا الاعتقاد ، لأنّ حياة المستغاث ومماته حد لجدوائية الاستغاثةولا جدوائيتها لا أنّها حد التوحيد ، وللشرك في حين
    1 ـ فتح المجيد : 68 الطبعة السادسة.
    2 ـ المصدر السابق : 167.


(530)
انّ الاستغاثة بالحي يعد من أشد ضروريات الحياة الاجتماعية البشرية ، ومما به قوامها.
    وإليك فيما يلي نبذة أُخرى من كلام ابن تيمية في هذا الصدد ، فهو يقول :
    « والذين يدعون مع اللّه آلهة أُخرى مثل المسيح والملائكة والأصنام لم يكونوا يعتقدون أنّها تخلق الخلائق ، أو تنزل المطر وإنّما كانوا يعبدونهم أو يعبدون قبورهم ، أو يعبدون صورهم يقولون ما نعبدهم إلاّ ليقربونا إلى اللّه زلفى ، أو هؤلاء شفعاؤنا ». (1)
    إنّ قياس الاستغاثة بأولياء اللّه بما كان يقوم به المسيحيون والوثنيون ابتعاد عن الموضوعية ، لأنّ المسيحيين كانوا يعتقدون في حق المسيح بنوع من الإلوهية ، وكان الوثنيون يعتقدون بأنّ الأوثان تملك بنفسها مقام الشفاعة ، بل كان بعضهم ـ على ما نقل ابن هشام ـ يعتقد بأنّها متصرفة في الكون ، ومرسلة الأمطار (2) ـ على الأقل ـ ، ولأجل هذا الاعتقاد كان طلبهم واستغاثتهم بالمسيح وبتلك الأوثان عبادة لها.
    فعلى هذا إذا كانت الاستغاثة مقرونة بالاعتقاد بالوهية المستغاث كانت شركاً حتماً ، وأمّا إذا كانت الاستغاثة ـ بالحي أو الميت ـ خالية وعارية عن هذا القيد لم تكن شركاً ولا عبادة بل استغاثة بعبد نعلم أنّه لا يقوم بشيء إلاّ بإذنه سبحانه.
    نعم يجب في موارد الاستغاثة بالموتى أن نبحث في فائدة مثل هذه الاستغاثة وعدم فائدتها ، لا في كونها شركاً وعبادة لغير اللّه ، والكلام إنّما هو في الثاني دون الأوّل.
    1 ـ المصدر السابق : 167.
    2 ـ راجع قصة عمرو بن لحي المذكورة في ص 382 من هذا الكتاب.
مفاهيم القرآن ـ جلد الأول ::: فهرس