عنوانه وصورته ، فبالنسبة لروابط الحكومة الإسلامية وعلاقتها مع الأجانب ـ مثلاً ـ لا يمكن اتخاذ نظر واحد غير متغييّر. فقد توجب بعض الظروف أن تتعامل الحكومة الإسلامية مع الأجانب وتوسّع الروابط السياسية والثقافية والتجارية معها ، وربما أوجبت ظروف أُخرى أن تقطع هذه العلاقات أو تحرمها إلى أمد ، أو تحددها على الأقل ، غير أنّ هذا التغيير والتبدّل إنّما هو في شكل هذا القانون الحاكم على العلاقات وفي كيفية التطبيق والتنفيذ لا في أصل القانون وحقيقته ، لأنّ على الحاكم الإسلامي أن يصون مصالح الأُمّة الإسلامية ، ويحفظ مكانتها العالية ، ولا يسمح لأن تقع تحت سيطرة الكفار والمستعمرين ، وهذا القانون هو ما يصرح به القرآن ، إذ يقول : ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرينَ عَلَى الْمُؤْمِنينَ سَبِيلاً ) . (1). وتدل الآيات والأحاديث الأُخرى على أنّ هذا القانون لا يقبل التغيّر والتبدّل أبداً ، غاية ما في الأمر أنّ صيانة الكيان الإسلامي قد تكون في قطع الروابط وقد تكون في إقامتها مع الآخرين. وأنت إذا لاحظت الآيتين التاليتين تقف على أنّ أساس السياسة الإسلامية مع الدول الأُخرى مذكور فيهما بوضوح قال سبحانه : ( لا يَنْهَاكُمْ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّما يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الذَّينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَولَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ). (2).
1 ـ النساء : 141. 2 ـ الممتحنة : 8 ـ 9.
(622)
وحاصل الآيتين : أنّ اللّه سبحانه ينهى عن إيجاد العلاقات الدبلوماسية مع الأُمم المحاربة للإسلام والمسلمين الذين أخرجوهم عن أوطانهم وظاهروا على عدوانهم. وأمّا الأُمم المسالمة مع الحكومة الإسلامية فلا ضير في إقامة العلاقات معها وبذل البر والقسط إليهم. قل لي بربك ، هل يمكن أن نعتبر عمل حكومة مصر « لا شعبها » عملاً إسلامياً منطبقاً مع الموازين الإسلامية التي جاء بها القرآن؟ أوما أخرجت إسرائيل الأُمّة الإسلامية من وطنها السليب فلسطين؟! أوما ظاهرت على إخراجهم ، وانتزعت منهم حقوقهم المشروعة و شرّدتهم شرّ تشريد ، وفرّقتهم شر تفريق؟! وهكذا الأمر في مسألة تقوية بنية الدفاع الإسلامي فإنّ هناك أصلاً كليّاً بيّنه القرآن على هذا الصعيد ، إذ قال : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة ). (1) فهذا القانون الذي يقرر ضرورة التفوق العسكري الإسلامي على جميع الجيوش العالمية قانون لا يتبدل ولا يقبل التغيير ، غاية ما في الباب أنّ طريقة تطبيقه هي التي تقبل التغيير حسب الأدوار المختلفة. ففي ما مضى كان الجيش الإسلامي يتسلّح بالرماح والسهام والسيوف ويتخذ من هذه الأسلحة ما كان يضمن له التفوق والغلبة ، غير أنّ تطبيق هذا
1 ـ الأنفال : 60.
(623)
القانون في هذا العصر يقتضي تسليح الجيش الإسلامي بأحدث الأسلحة وأكثرها تطوراً ، وقوّة وتفوقاً ، في كل المجالات البرية والجوية والبحرية. وخلاصة القول : إنّ زمام التشريع الإلهي ليس في أيدي الناس حتى هذا القسم من القوانين الأساسية التي ينبغي أن تساير تطور الحياة البشرية ، فهي ثابتة روحاً وجوهراً ، متغيرة تطبيقاً وشكلاً حسب ما تقتضي الظروف المتجددة. ومع الإمعان في هذين المثالين والموردين يتضح حكم الموارد الأُخرى من القوانين المتغيرة :
الصنف الخامس وهي الآيات التي تذم اليهود والنصارى لاتّخاذهم أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه ، كقوله تعالى : ( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ بْنَ مَرْيَمَ ). (1) كيف كانوا يتخذون رهبانهم وأحبارهم أرباباً ، هل كانوا يعبدونهم؟ كلا ، بل كانوا يعطونهم حق التشريع الذي هو من الشؤون الإلهية ، فإذا أحل الرهبان والأحبار لهم شيئاً أو حرّموا اتّبعوهم في ذلك. أخرج الكليني ، عن الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) في تفسير قول اللّه جل وعزّ ( اتَّخذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللّهِ ). (2) : « واللّه ما صاموا لهم ، ولا صلّوا لهم ، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم
1 ـ التوبة : 31. 2 ـ التوبة : 31.
(624)
حلالاً فاتّبعوهم ». (1) وروى الثعلبي باسناده عن عدي بن حاتم قال : أتيت رسول اللّه وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال لي : « يا عدي اطرح هذا الربق من عنقك » قال : فطرحته ، ثم انتهيت إليه وهو يقرأ هذه الآية : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً ) حتى فرغ منها ، فقلت : إنّا لسنا نعبدهم ، فقال : « أليس يحرّمون ما أحله اللّه فتحرمونه ، ويحلّون ما حرّم اللّه فتستحلّونه؟ » قال : فقلت : بلى ، قال : « فتلك عبادة ». (2) وفي حديث آخر : « أمّا واللّه ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ، ولو دعوهم ما أجابوهم ، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون ». (3)
الصنف السادس تحثّ آيات هذا الصنف على أن لا يتقدّم المؤمنون على اللّه ورسوله واتّباعه على ما يأمر وينهى ، إذ يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ). (4) وقد ورد في المأثور أنّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أمر بالإفطار في السفر غير أنّ بعضهم تمرّدوا عليه فسماهم رسول اللّه عصاة. (5) 1 ـ أُصول الكافي : 1/53 وقد روى العلاّمة البحراني في تفسيره البرهان أحاديث جمة بهذا المضمون فراجع : 2/120. 2 ـ أُصول الكافي : 1/53 وقد روى العلاّمة البحراني في تفسيره البرهان أحاديث جمة بهذا المضمون فراجع : 2/120. 3 ـ البرهان : 2/121. 4 ـ الحجرات : 1. 5 ـ وسائل الشيعة : 4/125 باب وجوب الإفطار في السفر.
(625)
ولأجل هذا يستنكر القرآن الكريم بشدة ـ في هذه السورة اتباع طلب النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ـ لآراء الناس ومشتهياتهم فيقول : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِير مِنَ الأمْرِ لََعَنِتُّم ) (1). أي لأصابكم بسبب ذلك العنت والنصب. وهنا يمكن أن ندرك عمق ما قاله الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) ، إذ
قال : « لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبها أحد من قبلي ، ألا وإنّ الإسلام هو التسليم ، والتسليم هو اليقين ، واليقين هو التصديق ، والتصديق هو الإقرار ، والإقرار هو الأداء ، والأداء هو العمل ». (2)
ماذا يراد من الشرك في التشريع؟ إذا وقفت على مضامين هذه الآيات وعرفت أنّ اللّه تعالى لم يعط زمام التشريع لأحد من عباده ، تقف على أنّ العدول عنه عدول عن جادة التوحيد وتورط في الشرك. إنّ التقنين والتشريع من الأفعال الإلهية التي يقوم سبحانه بها حسب ، فلو أنّ أحداً اعتقد بأنّ غير اللّه يملك هذا الحق إلى جانب اللّه وإنّ الحبر اليهودي أو الراهب النصراني مثلاً أو من يشاكلهما له الحق في أن يسن للناس القوانين ، ويعين من لدن نفسه لهم الحلال والحرام ، فإنّه اتخذ سوى اللّه ربّاً ، وبذلك نسب فعل اللّه إلى غيره ، وتجاوز حد التوحيد بتعميم هذا الحق على غيره سبحانه ، وكان بذلك مشركاً.
1 ـ الحجرات : 7. 2 ـ نهج البلاغة الكلمات القصار : الرقم 120.
(626)
فلو اعتقد أحد بأنّ لغيره سبحانه حق التقنين وأنّ بيده زمام التحليل والتحريم ومصير العباد في حياتهم الاجتماعية والفردية فقد اتخذه ربّاً أي مالكاً لما يرجع إلى عاجل العباد وآجلهم ، فلو خضع مع هذا الاعتقاد أمامه صار خضوعه عبادة ، وعمله شركاً. ولأجل هذا نجد القرآن يقول : إنّ اليهود والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً ، إذ معنى الربوبية في هذا المورد هو امتلاك الأمر وامتلاك زمام الاختيار في التحليل والتحريم ، في حين أنّ اللّه سبحانه لم يعط لأحد مثل هذا الاختيار. سؤال وإجابة إذا ثبت أنّ زمام التشريع بيده سبحانه دون سواه فكيف يفسر ما ورد في الأحاديث من : 1. انّ اللّه فرض الصلاة ركعتين ركعتين ، ليكون المجموع عشر ركعات ، فأضاف رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) إلى الركعتين ركعتين ، وإلى المغرب ركعة. 2. انّ اللّه فرض في السنة صوم شهر رمضان وسنَّ رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) صوم شعبان وثلاثة أيام من كلِّ شهر. 3. انّ اللّه حرم الخمر بعينها وحرم رسول اللّهصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم المسكر من كل شراب. 4. انّ اللّه فرض الفرائض في الإرث ولم يقسم للجد شيئاً ، ولكن رسولاللّهصلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم أطعمه السدس. (1) ؟
1 ـ أُصول الكافي : 1/ 266 ، الحديث 4.
(627)
يمكن أن يقال : انّ اللّه سبحانه أدّب رسوله فأحسن تأديبه وعلّمه مصالح الأحكام ومفاسدها وأوقفه على ملاكاتها ومناطاتها ، ولما كانت الأحكام تابعة لمصالح ومفاسد كامنة في متعلّقاتها ، وكان النبي بتعليم منه سبحانه واقفاً على المصالح والمفاسد على اختلاف درجاتها ومراتبها كان له أن ينص على أحكامه سبحانه من طريق الوقوف على عللها وملاكاتها ، ولا يكون الاهتداء إلى أحكامه سبحانه من طريق التعرّف على عللها بأقصر من الطرق الأُخر التي يقف بها النبي على حلاله وحرامه ، وإلى هذا يشير الإمام أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) بقوله : « عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية ، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل ». (1) غير أنّ اهتداءه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) إلى الأحكام وتنصيصه بها من هذا الطريق قليل جداً لا يتجاوز عما ذكرناه ، وبذلك يعلم حال الأئمّة المعصومين ( عليهم السَّلام ) في هذا المورد. وقد يجاب عنه أنّ عمل الرسول لم يكن في هاتيك الموارد سوى مجرّد طلب وقد نفذ اللّه طلبه ، لا أنّه قام بنفسه بتشريع وتقنين ، ويشير إلى ذلك قوله : « فأجاز اللّه عزّ وجل له ذلك ». ولو أنّ النبي كان يمتلك زمام التشريع وكان قد فوّض إليه أمر التقنين ـ على نحو ما تفيده كلمة التفويض (2) ـ إذن لما احتاج إلى إذنه وإجازته المجدّدة ، ولما كان للجملة المذكورة أي معنى.
1 ـ نهج البلاغة : الخطبة 234 طبعة محمد عبده. 2 ـ أي أنّ اللّه فوض هذا الحق إلى رسول اللّه واعتزل هو ليفعل النبي ما يشاء.
(628)
قد تبيّن من هذا البحث الضافي أنّه لا مكان للسلطة التشريعية بمفهومها الشائع في ظل النظام الإسلامي ، فليس لأحد ولا لجماعة حق في سن القانون ، غير أنّه يبقى هناك سؤال ، وهو : ماذا يخلف هذه السلطة في الحكومة الإسلامية؟ نقول يخلفها جهازان : 1. فريق الإفتاء ، وهم المجتهدون الذين يستنبطون الأحكام الشرعية عن الأدلّة وهؤلاء الجماعة يستكشفون الأحكام ببركة الأدلة وليست لآرائهم وأفكارهم من دون الاستناد إلى إحدى الأدلة الشرعية أيّة قيمة. 2. فريق الشورى ، ووظيفته تخطيط شؤون البلاد في الاقتصاد والسياسة والعمران على ضوء القوانين الإسلامية. وأمّا تفصيل عمل هذين الفريقين فموكول إلى الجزء الثاني من كتابنا ، الذي يتضمن البحث عن شؤون النبوة وقيادة النبي الأعظم ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) .
الشيعة وفكرة حق التشريع للأئمّة نشر الكاتب إبراهيم السليمان الجهمان مقالاً في مجلة « الدعوة » تحت عنوان « مزاعم طائفة الشيعة » جاء فيه بأكاذيب وافتراءات على هذه الطائفة هم برآء منها ، وممّا جاء فيه : أنّ الشيعة تزعم أنّ للأئمّة حق التشريع والنسخ (أي نسخ الأحكام). إن هذا إلاّ افتراء وكذب ألصقه بهم هذا الكاتب غير المكترث بما يقول ، ونحن نرشد ـ هنا ـ القارئ الكريم إلى عقيدة الشيعة في حق أئمتهم بنقل ما تواتر عن إمامهم الخامس أبي جعفر الباقر ( عليه السَّلام ) حيث قال مخاطباً لجابر : « يا جابر أنّا لو كنا نحدثكم برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ، ولكنّا نحدثكم
(629)
بأحاديث نكنزها عن رسول اللّه كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم ». وفي رواية أُخرى : « ولكنّا نفتيهم بآثار من رسول اللّه وأُصول علم عندنا نتوارثها كابراً عن كابر ». وفي رواية محمد بن شريح عن الصادق ( عليه السَّلام ) : « واللّه ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا ، ولا نقول إلاّ ما قال ربنا ». وفي رواية عنه ( عليه السَّلام ) : « مهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول اللّه ، لسنا نقول برأينا من شيء » (1). إلى غير ذلك من الأحاديث المتضافرة عنهم وكلّها تفيد أنّ علومهم وأحاديثهم مأخوذة عن نبيهم وجدهم الأطهر. غير أنّا لا نريد أن نؤاخذ بالمثل ، ولا نريد أن نعكر الصفو ، فإنّ ما نسبه إلى تلك الطائفة أولى بأن ينسب إلى غيرهم فإنّ منهم من يعد الصحابة ممن حق لهم التشريع!! يقول مؤلّف « السنّة قبل التدوين » : انّه تطلق السنّة أحياناً على ما عمل أصحاب رسول اللّه وإن لم يكن في القرآن ، أو في المأثور عنه ، وقد كان يفرق بعض المحدثين فيرى الحديث هو ما ينقل عن النبي والسنّة ما كان عليه العمل المأثور في الصدر الأوّل ، وعلى ذلك يحمل قول عبد الرحمن بن مهدي : لم أر أحداً قط أعلم بالسنة ولا بالحديث الذي يدخل في السنّة من حماد بن زيد ، وقوله : سفيان الثوري إمام في الحديث وليس بإمام في السنّة ، والأوزاعي إمام في السنّة وليس بإمام في الحديث ، ومالك إمام فيهما ، ومن أبرز ما ثبت في السنّة بهذا المعنى سنّة
1 ـ راجع جامع أحاديث الشيعة ، المقدمة : 1/17.
(630)
الصحابة في الخمر ، وتضمين الصناع ، ويحتج بذلك بقوله : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسّكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. وبما قال علي بن أبي طالب بعد ما جلد الشارب أربعين جلدة : « كف ، جلد رسول اللّه أربعين ، وأبو بكر أربعين وكملها عمر ثمانين ، وكل سنّة ». وقال ابن قيم الجوزية ، في توجيه الحديث الأوّل : فقرن سنّة خلفائه بسنته ، وأمر باتّباعها كما أمر باتّباع سنَّته ، وهذا يتناول ما أفتوا به وسنّوه للأُمّة وإن لم يتقدّم من بينهم فيه شيء وإلاّ كان ذلك سنَّته. (1) وهذه الروايات تدل على أنّ للصحابة سنة كسنّة النبي وآراءهم وفتاواهم حجة كحديث رسول اللّه ، فعندهم سنَّة أبي بكر ، سنَّة عمر ، وسنَّة علي. وما أتفه ما رواه السيوطي في « تاريخ الخلفاء » قال : قال حاجب بن خليفة شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب وهو خليفة فقال في خطبته : ألا إنّ ما سنّ رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وصاحباه ، فهو دين نأخذ به وننتهي إليه وما سنَّ سواهما فإنّا نرجئه. (2) وفي محاورة ثعلبة بن أبي مالك القرضي مع عبد الملك بن مروان : وليست سنّة أحب إلي من سنّة عمر وقد أخّر صلاته إلى مزدلفة. (3) ومنهم من يجعل قول الصحابي حجة ، من دون تسميته سنّة ، فقد نقل الشيخ أبو زهرة عن ابن القيم انّه استدل على حجية آرائهم بنحو ستة وأربعين وجهاً.
1 ـ السنّة قبل التدوين : 18 ، راجع أعلام الموقعين : 4/140. 2 ـ تاريخ الخلفاء : 160. 3 ـ طبقات ابن سعد : 5/172.