مفاهيم القرآن ـ جلد السابع ::: 1 ـ 10
مفاهيم القرآن
الجزء السابع
يبحث عن شخصيّة النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم )
وحياته في القرآن الكريم
تأليف
جعفر السبحاني
نشر ـ مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السلام )


(3)
بسم الله الرحمن الرحيم
عواطف ساخنة و مشاعر تقدير
    من أرض الذكريات الإسلاميّة : الحبشة ( أثيوبيا )
    وصلنا كتاب من العالم الجليل الاُستاذ محمد كمال آدم المدرس في مدرسة أهل البيت يحمل في طيّاته عواطف ساخنة ، حول « سلسلة مفاهيم القرآن » و ما فيها من بحوث في التوحيد و النبوّة ، و قد وجد فيها صاحب الرسالة ما يعالج مشاكل العصر التي تثيره الأقلّيّات الدينية في تلك الديار و إليك بعض ما ورد في الكتاب :
    حضرة العالم العلاّمة و الحجّة الفهّامة ، الاُستاذ جعفر سبحاني أطال اللّه بقاءه ذخراً للاسلام و المسلمين.
    السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته
    يسرّني غاية السرور و مزيد الفرحة أن تصل رسالتى هذه إليكم ، و أنتم في تمام الصحّة و العافية و أتمنّى لكم النجاح و التوفيق في كل أعمالكم.
    سيدي العزيز أنا أخوكم المسلم الأثيوبي محمد كمال آدم المدرس في مدرسة أهل البيت و إنّي أحد المتولّعين بمطالعة مؤلّفاتكم الكثيرة المفيدة ، و الرائعة ، التي قمتم بتأليفها لمعالجة المسائل الإسلامية معالجة جديدة و الدفاع عن حوزة الدين الإسلامي ، في جميع جهات المعركة الفكرية مع الأعداء ، فأوّل ما ظفرت به من مؤلّفاتكم هو كتاب « معالم التوحيد في القرآن الكريم » فطالعته سطراً بعد سطر فأثلج صدري بالفرح و السرور ، و الخطبة و الحبور ، و ألفيته قد انطبق على مسمّاه اسمه ، و تناسب تركيبه و رسمه.


(4)
    حقّاً إنّ هذا الكتاب يُسحر الألباب و يجذب الأحباب ، يحقِّقُ و يبيِّن الصواب ، و يفحم المتقوّل الكذّاب ، حيث يقوم بتوضيح التوحيد الخالص ، و يفنِّد مزاعم من يشوّهون مفاهيم الدين الإسلامي و يقومون بتكفير اخوانهم المسلمين.
    فقدجمع بين دفّتيه دراسات كثيرة و مناقشات عديدة ، فيا بشراكم انّكم من الذين أدركوا حقيقة الدين الإسلامي ، و حملتهم غيرتهم على دينهم إلى أن يطلعوا الآخرين على ثمرات الحقائق فجزاكم اللّه خير الجزاء.
    اُستاذي الحبيب نحن في أثيوبيا نفتخر بكم و بمؤلّفاتكم القيّمة و أستشعر شعوراً بأنّكم الحجّة و البرهان للدفاع عن الدين الإسلامي في هذا الزمان ، متّعنا اللّه بكم و وفّقنا لرؤيتكم.
    و أخيراً نرجوا أن تزوّدنا بمعلومات يكشف عن عدد مؤلّفاتكم لنكون قادرين على متابعتها و جمعها ، و نحن واثقون بأنّكم تحققون مطلبنا هذا في أسرع وقت ممكن ، و اللّه يجزيكم عن الإسلام و المسلمين خير الجزاء و دمتم في رعاية اللّه و حفظه و تقبّلوا فائق تحيّاتنا.
أديس أبابا ـ أثيوبيا
محمد كمال آدم
28/12/1411 هـ
الموافق 10 /7/1991 م


(5)
تقدير و اكبار
تفضل به الاُستاذ المجاهد و الكاتب القدير : الشيخ حسن الصفار
من علماء المنطقة الشرقية في الجزيرة العربية ( قطيف ) حيّاه اللّه و بيّاه
    سماحة العلاّمة الحجة الشيخ جعفر السبحاني ... حفظه اللّه
    السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته ... و مما جاء فيه :
    كما أنّ الجيش في ميدان القتال يحتاج إلى دعم و امداد بالمؤنة و العتاد « الوجستيك » كذلك الدعاة إلى اللّه و طلائع الحركة الإسلامية ، هم في أمسِّ الحاجة إلى من يرفدهم بالفكر العميق ، و الدراسات العلمية و البحوث الهادفة عن قضايا العقيدة و مفاهيم الإسلام.
    فالاُمّة الإسلامية تخوض اليوم صراعاً حضارياً ، فكريّاً ضارياً حيث يخشى الإستكبار العالمي من أن تعود للاُمّة ثقتها بدينها ، و تبني صرح الحضارة الإسلامية من جديد على أنقاض الحضارة الماديّة التي ذاق الإنسان ويلاتها ، و اتّضح لدية فسادها و انحطاطها.
    إنّ العدوان العسكري و الحرب المفروضة التي شنّت على الجمهوريّة الإسلاميّة و حملات الإرهاب ، و القمع الشرسة التي يواجهها المؤمنون الرساليون في كل مكان ، و أعاصير الإعلام المضلّل المناوئ للثورة و الحركة الإسلامية ... هذه كلّها مظاهر و وسائل للمعركة الرئيسية و الصراع الحقيقي بين الحضارة الإسلامية المرتقبة ، و الحضارة المادية المنحرفة.
    و إذا كانت القيادة الميدانيّة ، و الإدارة اليومية لشؤون التحرّك و الصراع مع الأعداء تأخذ كل وقت و جهد العلماء و المفكّرين الإسلاميين الواعين ، فإنّ ذلك سيترتك فراغاً خطيراً في مجال الدراسات العلمية العقائدية و العطاء الفكري.


(6)
    فلابدّ و أن تتوجّه ثلّة من العلماء و المفكّرين العارفين بأبعاد الصراع الحضاري ، و المدركين لتطلّعات الاُمّة ، ليقوموا بدور الإمداد و الدعم الفكري و العلمي ، خلف جبهة الصراع العسكري و السياسي و الإعلامي.
    و سماحتكم هو في طليعة من يطمئن و يعتمد عليه لملء هذا الفراغ الكبير و سدّ هذه الحاجة الماسَّة.
    إنّ اهتمامكم باصدار البحوث العقائدية و الفكرية الرائعة ليشكّل سنداً و دعماً ضرورياً لكل الرساليين المجاهدين لإعلاء كلمة اللّه و انقاذ العالم من حضيض الإنحطاط المادّي.
    لقد قرأت العديد من أجزاء موسوعتكم ( التفسير الموضوعي للقرآن ) و بحثكم القيّم حول ( التوحيد و الشرك ) فوجدت فيها الضالّة المنشودة من حيث الفكر العميق ، و الشموليّة الدقيقة و الطرح الهادئ الموضوعي فشكر اللّه سعيكم و أدام توفيقكم و نفع المسلمين بفيض علمكم.
    أرجو أن تتابعوا كتاباتكم و بحوثكم في مجال التفسير الموضوعي للقرآن كما أرى ضرورة الإسراع في ترجمة هذه البحوث إلى اللغات العالمية الحية ، و خاصّة اللغة الإنكليزية ، فهناك الكثيرون من المسلمين ممّن لايجيدون اللغة العربية ، يتطلّعون بفارغ الشوق إلى مثل هذه الدراسات العلمية ، كما أنّ بعض مفكّري الغرب و الشرق يهمّهم الإطّلاع على مفاهيم الإسلام من بعد ما لفتت الثورة الإسلامية المباركة أنظارهم نحو الإسلام.
    أسأل اللّه لكم دوام الصحّة و النشاط و لكلّ العاملين المؤمنين التوفيق و النجاح.
و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته
حسن موسى الصفار
القطيف


(7)
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
شخصية النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) و سيرته
في القرآن الكريم
    كانت حياة النبيّ الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) منذ ولادته و نعومة أظفاره ، و حتى ساعة رحلته ، و لقائه ربّه ، طافحة بالحوادث ، زاخرة بالوقائع ، وقدلفتت تلك الحوادث و الوقائع أنظار المفكّرين و الباحثين و دفعتهم إلى ضبط كلّ جليل و دقيق منها ، و هم بين مؤمن بدينه و رسالته ، و شريعته و كتابه ، و منكر لصلته باللّه سبحانه و بعثته من قبله و لكن مذعن بشخصيته الفذَّة ، و حياته المثالية ، فلاتجد شخصية في التاريخ وقعت محطّاً للبحث و الدراسة ، و لفتت نظر الباحثين كشخصية رسول الإسلام ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    و لو اُتيح لإنسان أن يقوم باستقصاء ما أُلِّف حول حياته طيلة هذه القرون ، أو ما جادت به القرائح من القصائد و الأراجيز ، لعثر على مكتبة ضخمة حافلة بآلاف الكتب و الرسائل ، و الدواوين ، و لاُذعن ـ عندئذ ـ كلّ قريب و بعيد ، و كل صديق و مناوئ بأنّ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نسيج وحده ، لم تسمع اُذنُ الدنيا بأحد مثله و لمتر عينالدهر نظيراً له.
    و قدخدم المؤرخون الاُمّة الاسلاميّة بل البشريّة جمعاء بتآليفهم و تصانيفهم حول حياته و شخصيّته و جهوده و مساعيه في سبيل إنقاذ البشريّة من أغلال الوثنيّة


(8)
والجنوح إلى كلّ معبود سوى اللّه تعالى ، غير أنَّ نظر كلّ مؤلِّف كان إلى زاوية خاصّة من زوايا حياته ، و إلى بعد واحد من أبعاد سيرته.
    فمن باحث عن أخلاقه المثاليّة ، و رأفته ، و عبادته و تهجّده ، و حسن سلوكه مع الناس ، و أمانته التي أقرَّ بها العدو و الصديق.
    إلى آخر يهتمَّ ببيان كيفيّة نزول الوحي عليه ، و قيامه ـ بمفرده ـ بنشر دعوته ، والإجهار برسالته ، و الصمود في سبيل عقيدته ، و تحمّل المشقّة كالجبل الراسخ لاتحرّكه العواصف.
    إلى ثالث يُلقي الضوء على الجانب السياسي من حياته ، فيجمع رسائله الموجّهة إلى الملوك و الساسة و رؤساء القبائل ، كوثائق و كتب سياسية.
    إلى رابع أعجبه ذكر مغازيه و بعثه للسرايا ، و جهاده ضدّ المشركين و المنافقين و الخونة من أهل الكتاب.
    إلى خامس ركّز اهتمامه على الجليل و الدقيق من حياته من دون أن يجنح لجانب دون جانب لكنّه جمع و حشّد من دون تحقيق و لاتنقيب ، فكتب كلّ ما عثر عليه في هذه المجالات.
    شكر اللّه مساعي الجميع حيث خدموا البشريّة ببحثهم عن هذه الفريدة و هذه الحلقة الأخيرة من سلسلة الأنبياء و المرسلين ، الّتي خصّها اللّه سبحانه بكتابه الخاتم ، و دينه الخالد ، و شريعته الأبديّة.
    و لقد استند هؤلاء في تصوير حياة النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووصف ما جرى عليه قبل البعثة ، و بعدها ، أو ما واجهه من الأحداث و الوقائع ، إلى الروايات المرويّة عن الصحابة و التابعين الذين شاهدوا نور الرسالة كما شاهدوا القضايا و الحوادث باُمّ أعينهم.
    و لكن هناك طريقاً آخر أمثل و أشرف من الطريق الأوّل لم يهتم به الباحثون اهتماماً كافياً و لازماً ، و إن التفتوا إليه في بعض الأحيان ، و هو الإستضاءة ـ في


(9)
تدوين معالم حياته ـ بكتاب اللّه الكريم ، المنزّل على قلبه ، ففيه تصريحات بمعالم حياته ، و إشارات إلى خصوصيّاتها.
    و القرآن الكريم و إن لم يكن كتاب تاريخ ، بل هو كما وصف نفسه ( هُدىً للنّاس ) أي كتاب هدي لجميع الناس إلى أن تقوم الساعة ، و لكنّه ربّما يتعرّض في بعض المناسبات لخصوصيّات حياته و أفعاله ، و جهوده و مساعيه ، ومن خلال ذلك يستطيع الإنسان المتتبّع أن يستخرج صورة وضّاءة لحياته بالتدبّر في هذا القسم من الآيات و يقف على خلقه و سلوكه و سائر شؤونه ، و بالتالي تتجلّى لناحياته من أوثق المصادر و أمتنها ، فيرى القارئ صورته في مرآة القرآن كما ترى سيرته في ثنايا الكتب و السير ، مع الفارق الكبير بين الصورتين ، و المرآتين.
    و هذا ما نقوم به في هذا الجزء من موسوعتنا القرآنية « مفاهيم القرآن » و نحن نعترف بأنّ هذا عب لايقوم به إلاّ لجنة تفسيريّة تتناول الموضوع بصورة شاملة و موسّعة و معمّقة غير أنّ الميسور لايسقط بالمعسور ، و ما نقوم به عمل فردي ليس له من المزايا ما للعمل الجماعي ، و لكن « ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه ». و توخّياً للتسهيل ، خصّصنا لكلّ موضوع و ما يناسبه فصلاً.
    و في الختام نتقدّم بالشكر الجزيل ، إلى العالم الجليل و الكاتب القدير ، الشيخ محسن آل عصور ـ حفظه اللّه ـ حيث ساعدنا في تأليف هذه الجزء و تحريره وترصيفه و تقريره حتى خرج بهذه الصورة البهيّة. شكر اللّه مساعيه الجميل.
    نسأله سبحانه أن يوفّقنا في هذا السبيل و يصوننا عن الزلل و الخطأ في فهم كتابه إنّه مجيب الدعاء.و يكتب التوفيق لكلّ مجاهد في سبيل القرآن ، و مخلص في خدمة الذكر الحكيم.
قم ـ مؤسسة الإمام الصادق ( عليه السلام )
جعفر السبحاني
مفاهيم القرآن ـ جلد السابع ::: فهرس