مفاهيم القرآن ـ جلد السابع ::: 401 ـ 410
(401)
رسول اللّه و كلّمه. قال له رسول اللّه مثل ما قاله لرجال خزاعة ، فرجع إلى قريش فأخبرهم بما قال.

3 ـ الحليس رسول ثالث لقريش
    ثمّ بعثت قريش رسولاً ثالثاً ، و هو الحليس ، و كان يومئذ سيد الأحابيش ، فلما رآه رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إنّ هذا من قوم يتألّهون (1) ، فابعثوا الهدي في وجهه حتّى يراه ، فلما رأى الهدي ، و قد أكل أوباره من طول الحبس ، رجع إلى قريش ، و لم يصل إلى رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إعظاماً لما رآى ، فقال لهم ذلك. فقالوا له : إجلس فإنّما أنت أعرابي لا علم لك.
    فقال الحليس مغضباً : يا معشر قريش ، و اللّه ما على هذا حالفناكم ، ولاعلى هذا عاقدناكم ، أيصد عن بيت اللّه من جاء معظّماً له ؟ و الذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد و بين ما جاء له ، أو لاُنفرنّ بالأحابيش نفرة رجل واحد. فقالوا له : مه ، كف عنّا يا حليس حتّى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به.
     4 ـ عروة بن مسعود رسول قريش
    و في المرة الرابعة بعثت قريش عروة بن مسعود الثقفي ، فخرج حتّى أتى رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فجلس بين يديه ثمّ قال : يا محمد ، أجمعت أوباش الناس ، ثمّ جئت بهم إلى بيضتك لتفضّها بهم ، إنّها قريش قد لبسوا جلود النمور ، يعاهدون اللّه لاتدخلها عليهم عنوة أبداً.
    و كلّمه رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بنحو ممّا كلّم به الآخرين ، وأخبره إنّه لم يأت يريد حرباً. فقام من عند رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم )
1 ـ يتعبّدون و يعظّمون أمر الإله.

(402)
وقد رأى ما يصنع به أصحابه ، لايتوضّأ إلاّ ابتدروا وضوءه ، و لايسقط من شعره شيء إلاّ أخذوه. فرجع إلى قريش فقال : يا معشر قريش إنّي قد رأيت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه ، و النجاشي في ملكه ، و إنّي و اللّه ما رأيت ملكاً في قومه قط مثل محمد في أصحابه ، و لقد رأيت قوماً لايسلمونه بشيء أبداً ، فروا رأيكم.

5 ـ رسول النبي إلى قريش
    إنّ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) دعا خراش بن اُميّة الخزاعي ، فبعثه إلى قريش ، و حمله على بعير له ليبلّغ أشرافهم عنه ما جاء له ، فعقروا به جمل رسولاللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، و أرادوا قتله ، فمنعتهم الأحابيش ، فخلّوا سبيله حتّى أتى رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    ثمّ إنّ قريشاً بعثوا أربعين أو خمسين رجلاً ، و أمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ليصيبوا لهم من أصحابه أحداً ، فبينماهم بهذا الصدد ، اُخذوا أخذاً ، فأتى بهم رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فعفى عنهم ، و خلّى سبيلهم ، و قدكانوا رموا في عسكر رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالحجارة و النبل.
     6 ـ عثمان رسول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى قريش
    إنّ النبي دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى قريش حتّى يبلّغ عنه أشرافها ما جاء له ، فامتنع من قبوله خوفاً على نفسه ، واقترح على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عثمان بن عفان ، وهو رجل أعزّبين قريش. فبعثه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى أبي سفيان ، وأشراف قريش يخبرهم أنّه لم يأت لحرب ، وإنّما جاء زائراً لهذا البيت ومعظّماً لحرمته ، فانطلق عثمان حتّى أتاهم ، فبلّغهم عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما أرسله به. فقالوا لعثمان حين فرغ من الرسالة : إن


(403)
شئت أن تطوف بالبيت فطف. فقال : ما كنت لأفعل حتّى يطوف به رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمسلمين أنّ عثمان قد قتل.

بيعة الرضوان
    لمّا بلغه خبر قتل عثمان ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لانبرح حتّى نناجز القوم ، فدعى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى البيعة فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة ، ولقد اختلفوا فمن قائل : بأنّهم بايعوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على الموت ، وآخر : على أن لا يفرّوا.
     سهيل بن عمرو رسول قريش إلى الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )
    بعثت قريش سهيل بن عمرو إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقالوا له : ائت محمداً فصالحه ، ولا يكن في صلحه إلاّ أن يرجع عنّا عامه هذا ، فوالله لا تحدّث العرب عنّا أنّه دخلها ( مكة ) علينا عنوة أبداً. فأتاه سهيل بن عمرو ، فلمّا رآه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مقبلاً ، قال : قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل ، فلمّا انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تكلّم ، فأطال الكلام ، وتراجع ثمّ جرى بينهما الصلح.
     عمر ينكر على رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الصلح
    فلمّا التئم الأمر ، ولم يبق إلاّ الكتاب ، وثب عمر بن الخطاب ، فأتى أبابكر ، فقال : يا أبابكر ، أليس برسول الله ؟ قال : بلى. قال : آولسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى. قال : أوليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى. قال : فعلام نعطي الدنيّة في ديننا ؟ فلمّا بلغ


(404)
كلامه رسول الله قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : أنا عبد الله ورسوله لن اُخالف أمره ، ولن يضيّعني! قال : فكان عمر يقول : ما زلت أتصدّق وأصوم واُصلّي و اعتق ، من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلّمت به حتّى رجوت أن يكون خيراً.

بنود الصلح
    دعى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) علي بن أبي طالب ( رض ) فقال : اُكتب بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل : لا أعرف هذا ، ولكن اُكتب « باسمك اللهم ». فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اُكتب « باسمك اللهم » ، فكتبها.
    ثمّ قال : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو.
    فقال سهيل : لو شهدت إنّك رسول الله لم اُقاتلك ، ولكن اُكتب اسمك واسم أبيك. فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي : أكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو.
    فقال علي : ما اَمحُو إسمك من النبوة أبداً. فمحاه رسول الله بيده.
    ثمّ كتب علي بنود الصلح ، وتمّ الإتفاق على اُمور :
    1 ـ وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأ من فيها الناس ، ويكف بعضهم عن بعض.
    2 ـ من أتى محمداً من قريش ولجأ إليه بغير إذن رده عليهم ، ومن جاء قريشاً ممن كان مع محمد لم يردّوه عليه.
    3 ـ تخيير الناس كافة ، فمن أحبّ أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل ، ومن أحبّ أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.
    4 ـ أن يكون الإسلام ظاهراً في مكه ، لايكره أحد على دينه ، ولا يؤذى ولا يعيّر.


(405)
    5 ـ إنّ محمداً وأصحابه يرجع عنهم عامه هذا ، ثمّ يدخل عليهم في العام القابل مكة ، فيقيم فيها ثلاثة أيام ، ولا يدخل عليهم بسلاح إلاّسلاح المسافر ، السيوف في القرب.

التاريخ يعيد نفسه :
    إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لعلي ( عليه السلام ) ـ بعد ما كتب الكتاب وشهد عليه المهاجرون والأنصار ـ : « يا علي انّك أبيت أن تمحو النبوة من إسمي ، فو الذي بعثني بالحق نبيّاً ، لتجيبنّ أبناءهم إلى مثلها ، وأنت مضيض مضطهد » فلمّا كان يوم صفين ، ورضوا بالحكمين كُتِبَ : « هذا ما اصطلح عليه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان » فقال عمرو بن العاص : لوعلمنا أنّك أميرالمؤمنين ما حاربناك ، ولكن أكتب هذا ما اصطلح عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. فقال أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) : « صدق الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أخبرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بذلك » ثمّ كتب الكتاب (1).
    قال ابن الأثير في وقعة صفين :
    حضر عمرو بن العاص عند علي ليكتب الكتاب ، فكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تقاظى عليه أميرالمؤمنين ، فقال عمرو : أكتب إسمه وإسم أبيه هو أميركم ، وأمّا أميرنا فلا ، فقال الأحنف : لا تمح إسم أميرالمؤمنين ، فإنّي أخاف إن محوتها أن لا ترجع إليك أبداً لا تمحها وإن قتل الناس بعضهم بعضاً ، فأبى ذلك علي مليّاً من النهار.
    ثم إنّ الأشعث قال : امح هذا الإسم ، فمحاه. فقال علي : الله أكبر سنة بسنة ، والله إنّي لكاتب رسول الله يوم الحديبيّة ، فكتبت رسول الله ، فقالوا : لست
1 ـ تفسير القمي ج2 ص313و314.

(406)
برسول الله ، ولكن أكتب إسمَك وإسم أبيك ، فأمرني رسول الله بمحوه. فقلت : لاأستطيع.
    فقال : أرنيه فاريته ، فمحاه بيده ، وقال : إنّك ستدعى إلى مثلها فتجيب. فقال عمرو : سبحان الله أنشبه بالكفّار ونحن مؤمنون.
    فقال علي : يا ابن النابغة ، و متى لم تكن للفاسقين وليّاً ، وللمؤمنين عدوّاً ؟ فقال عمرو : والله لا يجمع بيني وبينك مجلس بعد هذا اليوم أبداً. فقال علي : إنّي لأرجو أن يطهّر الله مجلسي منك ، ومن أشباهك. فكتب هذا ماتقاظى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان (1).
    فبينما رسول الله يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو ، جاء « أبوجندل » ابن سهيل بن عمرو ، يرسف في الحديد ، قد انفلت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد كان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خرجوا وهم لايشكّون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فلمّا رأوْا مارأوْا من الصلح والرجوع ، وما تحمل عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في نفسه ، دخل على الناس من ذلك أمر عظيم ، حتّى كادوا يهلكون ، فلمّا رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه ، وأخذ بتلبيبه ثمّ قال : يا محمد قد لجّت القضية بينى وببينك قبل أن ياتيك هذا. قال : صدقت. فجعل ينتره بتلبيبه ، ويجرّه ليرده إلى قريش ، وجعل أبوجندل يصرخ بأعلى صوته : يا معشر المسلمين أاُرد إلى المشركين ، يفتنوني في ديني ؟ فزاد ذلك الناس إلى ما بهم ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا أباجندل اصبر واحتسب ، فإنّ الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجا ، إنّا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً ، وأعطيناهم على
1 ـ الكامل لابن الأثير ج3 ص162.

(407)
ذلك ، وأعطونا عهد الله ، وإنّا لا نغدربهم (1).
    فلمّا فرغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الكتاب أشهد على الصلح رجالاً من المسلمين ، ورجالاً من المشركين وهم : أبوبكر ، وعمر بن الخطاب ، وعبد الرحمان بن عوف ، وعبد الله بن سهيل بن عمرو ، وسعد بن أبي وقاص ، ومحمود بن مسلمة ، ومكرزبن حفص وهو يومئد مشرك وعلي بن أبي طالب وكتب ، وكان هو كاتب الصحيفة.

نحر الرسول وحلقه :
    فلمّا فرغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الصلح قدم إلى هَدْيِه فنحره ، ثمّ جلس فحلق رأسه ، فلمّا رأى الناس أنّ رسول الله قد نحر وحلق ، تواثبوا ينحرون ويحلقون ، غير أنّ بعض الصحابة ، تخلّف عن الحلق والتقصير ، ولأجل الإيعاز إلى أنّ عملهم إنّما هو بمثابة تجاسر على مقام النبوّة ، قال رسول الله : رحم الله المحلقين ، مومياً بذلك على نحو الازدراء بالمتخلفين.
    ثم إنّ رسول الله رجع إلى المدينة فقال الناس : ألم تقل أنّك تدخل مكّة آمناً ؟ قال : بلى أفقلت من عامي هذا ؟ قالوا : لا. قال : فهو كما قال لي جبرئيل ( عليه السلام ) (2) .
     دروس وعبر :
    1 ـ كانت سفرة النبي سفرة سياسيّة هادفة تطمح بالدرجة الاُولى إلى قلب الرأي العام المتأجج ناراً ضد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) واتباعه ، ودعوته في نفوس مشركي قريش ، ومن ناحية اُخرى كانت تهدف لإ زاحة الستار الذي وضعه رؤوس
1 ـ و سنوافيك الخاتمة التي آل إليها أمر أبي جندل في آخر الفصل فترقب.
2 ـ السيرة النبويّة ج2 ص318 ـ 319.


(408)
المشركين على بصائر الناس ، والذي صوّر النبي ، وأتباعه مَردَة على شريعة إبراهيم الحنيفّية ، وأعداء القبلة التي بناها للعبادة.
    2 ـ إنّ النبي أثبت في عقد الصلح مع قريش براعته السياسيّة ، وحنكته القياديّة الفذّة ، حيث أظهر مرونةً لا نظير لها ، حتّى أنّه قبل أن يكتب « باسمك اللهم » مكان « بسم الله الرحمن الرحيم » ، وأن يحذف مقام الرسالة والنبوّة عن اسمه ، وذلك يُنبئ عن أنّه كان مهتمّاً على حفظ الدماء والأنفس ، وإقرار مبادئ الصلح والسلام على ربوع المنطقة ، وإشاعة الأمن في السبل والقفار ، حتّى يتمكّن في ظل تلك الاُمور من بث الدعوة الإسلامية ، فإنّه في ظل تحكيم مبادئ السلام يكون أكثر قدرة وفاعلية لنشر المبادئ السامية.
    3 ـ إعطاء صورة بديعة رائعة لمبدأ الحرية في الإسلام للبرهنة على أنّه لم يقم على أساس الجبر و الإلزام ، بشهادة انّه قبل بالبند الذي ينص على أنّ من فرّ من المسلمين إلى جانب مكّة ، وارتّدعن الإسلام أن لا يستردّه.
    4 ـ إنّ المستقبل أثبت أنّ المرونة التي أظهرها في القبول بأحد البنود الناصّة على لزوم ردّ من فرّ من مكّة إلى المدينة ، ولو اعتنق الإسلام كانت صائبة ، وإن أثارت حفائظ بعض الصحابة ، ودفعهم إلى القول بأنّه من قبيل تقبّل الدنيّة في طريق الدين (1) ، ولكن المستقبل أثبت خلاف ما خطر في أذهانهم من تصوّرات ، وإليك نص ما صرّح به أهل السير والتاريخ فى ذلك :
    « لمّا قدم رسول الله المدينة فرّ أبو بصيرمن مكة إلى المدينة. فقال رسول الله : يا أبابصير ، إنّا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر ، وانّ الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ، فانطلق إلى قومك. قال : يارسول الله أتردّني إلى المشركين يفتنوني في ديني ؟ قال : يا أبا بصير انطلق ، فإنّ الله تعالى سيجعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً.
1 ـ تعرفت على قائله.

(409)
    وقد بعثت قريش أزهربن عبد عوف ، والأخنس إلى رسول الله ، وبعث رجلاً من بني عامر ، ومعه مولى لهم ليردّا أبابصير إلى مكّة.
    فانطلق أبوبصير معهما حتّى إذا كان بذي الحليفة (1) جلس إلى جدار ، وجلس معه صاحباه ، فقال أبوبصير : أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر ؟ فقال : نعم. قال : أنظر إليه. قال : أنظر إن شئت. قال فاستلّه أبوبصير ثم علاه به حتّى قتله ، وخرج المولى سريعاً حتّى أتى رسول الله قال : ويحك ما لك ؟ قال : قتل صاحبكم صاحبي ، فو الله ما برح حتّى طلع أبوبصير متوشّحاً بالسيف ، حتّى وقف على رسول الله. فقال : يا رسول الله وفت ذمتك وأدّى الله عنك ، أسلمتني بيد القوم ، وقد امتنعت بديني أن أفتن فيّ ، أو يُعبث بي ، ثمّ خرج أبوبصير حتّى نزل العيس على ساحل البحر بطريق قريش ، التي كانوا يسلكونها إلى الشام ، فبلغ المسلمين الذين كانوا أحتبسوا بمكّة عمل أبي بصير وموقفه ، فخرجوا إلى أبي بصير ، فاجتمعوا إليه منهم قريب من سبعين رجلاً ، وكانوا قد ضيّقوا على قريش لا يظفرون بأحد منهم إلاّ قتلوه ، ولا تمربهم عير إلاّ أقتطعوها ، حتّى كتبت قريش إلى رسول الله تسأل بأرحامها إلاّ آواهم ، فلا حاجة لهم بهم ، فآواهم رسول الله ، فقد موا على المدينة ، فاُلغي ذلك البند.
    5 ـ كشف مخالفة بعض الصحابة أمر الرسول في الحلق والتقصير ، عن أنّ اُناساً منهم كانوا يتوانون عن امتثال أمر النبي ويقدّمون آراءهم على التشريع الإلهي الذي كان ينطق به النبي الأكرم.
    6 ـ إنّ عقد الصلح بين النبي وقريش ، أتاح لهم فرصة ثمينة لنشر الإسلام في الجزيرة العربية ، وإرسال الرسل إلى الملوك ، والسلاطين في أطراف العالم ، كدولة الروم والفرس و غيرهما من رؤساء القبائل والبلدان ، حتّى بلغت رسائلهم التبليغيّة إلى تسع وعشرين رسالة أثبتها التاريخ.
1 ـ ذو الحليفة قرية ، بينها و بين المدينة أميال قليلة ، و منها ميقات أهل المدينة و فيها مسجدالشجرة.

(410)
    7 ـ لمّا عقد الرسول الصلح ، اطمأنّ من جانب المشركين في الجهة الجنوبيّة ، وبذلك تمكّن من التفرّغ للجبهة الشماليّة ، فأمر بمحاصرة خيبر ، فاجتث اليهود القاطنين فيها عن بكرة أبيهم.
    كل تلك الثمرات التي اجتناها النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كانت نتيجة عقد الصلح مع المشركين ، وقد أشار الإمام الصادق إلى ذلك بقوله :
    « ما كان قضية أعظم بركة منها ».
    هذه بعض الدروس والعبر التي نستفيدها من سيرة النبي الأكرم ، وإليك نص ما يتحفنا به كتاب الله عزّ وجل بشأن تلك الحادثة التاريخيّة المهمّة حيث صرّح بما نصّه في سورة الفتح (1) ولأجل سهولة التفسير نأتي بالاَيات نجوما.

وقعة الحديبيّة في الذكر الحكيم
    ( سَيَقُولُ لَكَ المُخَلَّفُونَ مِنَ الاَعْرَابِ شَغَلَتْنَا اَمْوَالُنَا وَاَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ باَلْسِنَتِهِم مَا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِم قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً اِنْ اَرَادَبِكُم ضَرّاً أَوْ أَرَادَبِكُم نَفْعاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * بَلْ ظَنَنْتُمْ اَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالمُؤْمِنُونَ اِلى اَهْلِيهِمْ اَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِى قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُم قَوْماً بُوراً * وَمَنْ لَمْيُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَاِنَّا اَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالاَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * سَيَقُولُ المُخَلَّفُونَ اِذَا انْطَلَقْتُمْ اِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا تَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ اَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لاَ يَفْقَهُونَ اِلاَّ قَلِيلاً * قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الاَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ اِلَى قَوْم أُوْلِي بَأْس شَدِيد تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْيُسْلِمُونَ فَاِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ اَجْراً حَسَناً وَاِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً * لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّات
1 ـ أكثر المفسرين على أنّ سورة الفتح نزلت حين منصرفه من الحديبية ، و نحن نفسّر مايمت بهذه الوقعة على وجه الصراحة ، و لأجل ذلك شرعنا بالتفسير من الآية 11 فلاحظ.
مفاهيم القرآن ـ جلد السابع ::: فهرس