في رحاب
الزيارة الجامعة

البيان الكامل لفضائل اهل البيت عليهم السلام
ومناقبهم الرآئعة في زيارتهم الجامعة
السيد على الحسيني الصدر


       الاهداء
       الى رسول رب العالمين وسيّد اهل بيته الطّاهرين
       الى خاتم الانبياء وفخر الاصفياء
       الى افضل الكائنات واشرف الموجودات
       اهدي صحيفة ولايتي ومنشور خدمتي
       وارفع مناقب آله الاتقياء في زيارتهم الغرّآء
       والمامولمن رأفته ورحمته قبول القليل
       من اقلّ امته وذرّيّته
       قم المشرفة في ميلاد سيدة النسآء فاطمة الزهراء عليها السلام    1423هـ
       علي بن السيّد محمد الحسيني الصدر


7
المقدّمة
    أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين اصطفاهم الله تعالى لنفسه وجعلهم خلفاء في أرضه وخصّهم بفائق كراماته وجعل كامل معرفتهم منحصراً بذاته وخاتم رسله ، فلا يمكن العباد أن يعرفونهم حقّ المعرفة ، بل تكون معرفتهم بقدر ما يكون للبشر من طاقة ، وبمقدار ما يكون للإنسان من قدرة .
    وقد ذكرنا بمنّه تعالى شمّة بيان وخلاصة برهان لإمامتهم الحقّة ، وولايتهم المطلقة في كتاب العقائد (1) ضمن فصول خمسة تتلخّص في :
    (1) ضرورة الإمامة للبشر قاطبة .
    (2) الإمامة انتصابية من الله تعالى ، لا إنتخابية من الناس .
    (3) انحصار الإمامة في الهداة الغرر الأئمّة الإثنى عشر (عليهم السلام) .
    (4) خصوصيات الإمام والإمامة .
    (5) وظائف الاُمّة تجاه أهل بيت العصمة .
    وامتداداً لتلك الفصول نرجوا من الله الوصول إلى ما تيسّر من معرفة الأئمّة ، والتعرّف على سادة الاُمّة وعرفان الخصائص والفضائل الثابتة لهم ، إستفادةً من دليل معرفتهم وحديث فضيلتهم ، أعني زيارتهم الجامعة ولئاليهم
(1) العقائد الحقّة : ص257 ـ 353 الطبعة الاُولى .


8
اللامعة الواردة عن سيّدنا الإمام الهمام علي بن محمّد الهادي (عليهما السلام) . وهي أصحّ الزيارات سنداً ، وأتمّها مورداً ، وأفصحها لفظاً ، وأبلغها معنىً ، وأعلاها شأناً ، كما عبّر بذلك عنها العلاّمة المجلسي (قدس سره) (1) .
    وقد احتوت على الرياض النضرة والحدائق الخضرة .. المزدانة بأنوار المعارف والحكمة ، والمحفوفة بثمار أسرار أهل بيت العصمة .. في شطر وافر من حقوق اُولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم (2) ، والهداة الصراط الذين حثّ الله تعالى على متابعتهم (3) ، وذوي القربى الذين فرض الله مودّتهم (4) ، وأهل الذكر الذين أرشدنا الله إلى مسألتهم (5) .
    وقد أفاضوا أنفسهم (صلوات الله عليهم) علينا من معرفتهم ما يوجب لنا البلوغ إلى سعادة المآل ، والوصول إلى درجة الكمال ...
    وهم الصادقون الصدّيقون الذين اُمرنا أن نكون معهم (6) ، وورثة علم الرسول الذين اُلزمنا أن نأتي مدينة الحكمة من بابهم (7) .
    فما أجدر أن نعرف كمالاتهم بما جاء في كلماتهم ، وما أنسب أن نتوصّل إلى معرفتهم بالتوسّل إلى بيانات أنفسهم من خلال زيارتهم هذه ، الجامعة الكبرى ، التي هي مدرسة عُليا لنيل الكمالات ودرك الكرامات ...
(1) بحار الأنوار : ج102 ص144 .
(2) في سورة النساء : الآية 59 .
(3) في سورة الأنعام : الآية 153 .
(4) في سورة الشورى : الآية 23 .
(5) في سورة النحل : الآية 43 ، وسورة الأنبياء : الآية 7 .
(6) في سورة التوبة : الآية 119 .
(7) في الأحاديث المتواترة المتّفق عليها بين الفريقين .



9
    مضافاً إلى أنّ نفس التوجّه إليهم بزيارتهم في حدّ ذاتها هي من المعالم الراقية والتقرّبات الزاكية التي توجب وصول الزائر إلى الدرجات الرفيعة والمقامات المنيعة التي تلاحظها في مثل حديث شيخنا ابن قولويه القمّي باسناده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال لأمير المؤمنين (عليه السلام) : « ياعلي من زارني في حياتي أو بعد موتي ، أو زارك في حياتك أو بعد موتك ، أو زار إبنيك في حياتهما أو بعد مماتهما ضمنتُ له يوم القيامة أن اُخلّصه من أهوالها وشدائدها ، حتّى اُصيّره معي في درجتي » (1) .
    بل إنّ زيارتهم ممّا اُخذ عليها العهد فيلزم الوفاء به ، ولا يمكن تركه كما في حديث الوشا قال سمعت الرضا (عليه السلام) يقول : « إنّ لكلّ إمام عهداً (2) في عنق أوليائه وشيعته ، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبةً في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه كان أئمّتهم شفعاؤهم يوم القيامة » (3) .
    إلى غير ذلك من الأحاديث الشريفة التي تلاحظها في كتب المزار ، نذكر بعضها تعميماً وتكميلا للفائدة ، من ذلك :
    (1) ـ حديث جابر ، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : « زارنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد أهدت لنا اُمّ أيمن لبناً وزبداً وتمراً قدّمنا منه فأكل ، ثمّ قام إلى زاوية البيت فصلّى ركعات ، فلمّا كان في آخر سجوده بكى بكاءً شديداً ، فلم يسأله أحد منّا إجلالا وإعظاماً له ، فقام الحسين فقعد في حجره وقال له :
(1) كامل الزيارات : ص11 .
(2) والعهد هو الوصيّة والأمر ، والمعاهدة هي المعاقدة كما في مجمع البحرين : ص220 .
قال الله تعالى في سورة الإسراء : الآية 34 : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا) .
(3) بحار الأنوار : ج100 ص116 ب2 ح1 .



10
ياأبه ، لقد دخلت بيتنا فما سررنا بشيء كسرورنا بدخولك ، ثمّ بكيت بكاءً غمّنا ، فما أبكاك ؟
    فقال : يابنىْ أتاني جبرئيل (عليه السلام) آنفاً فأخبرني أنّكم قتلى وأنّ مصارعكم شتّى .
    فقال : ياأبه فما لمن يزور قبورنا على تشتّتها ؟
    فقال : يابني اُولئك طوائف من اُمّتي يزورونكم فيلتمسون بذلك البركة ، وحقيق عليّ أن آتيهم يوم القيامة حتّى اُخلّصهم من أهوال الساعة ومن ذنوبهم ويسكنهم الله الجنّة » (1) .
    (2) ـ حديث عيسى بن راشد قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) فقلت : جعلت فداك ما لمن زار قبر الحسين (عليه السلام) وصلّى عنده ركعتين ؟
    قال : « كتبت له حجّة وعمرة » .
    قال : قلت له : جعلت فداك وكذلك كلّ من أتى قبر إمام مفترض طاعته ؟
    قال : « وكذلك كلّ من أتى قبر إمام مفترض طاعته » (2) .
    (3) ـ حديث أبي عامر التبّاني واعظ أهل الحجاز قال : أتيت أبا عبدالله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) وقلت له : يابن رسول الله ما لمن زار قبره ـ يعني أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ وعمّر تربته ؟
    قال : ياأبا عامر حدّثني أبي ، عن أبيه ، عن جدّه الحسين بن علي (عليهما السلام) ، عن علي (عليه السلام) أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له : « والله لتُقتلنّ بأرض العراق وتُدفن بها .
    قلت : يارسول الله ما لمن زار قبورنا وعمّرها وتعاهدها ؟
(1) بحار الأنوار : ج100 ص118 ب2 ح11 .
(2) بحار الأنوار : ج100 ص119 ب2 ح18 .