451
(الصلوات قد نسبت في القرآن الكريم إلى الله تعالى ، وإلى الملائكة ، وإلى المؤمنين .
فهي من الله الرحمة والتزكية والثناء ، ومن الملائكة مدحهم وتزكيتهم ، ومن المؤمنين والناس الدعاء والتصديق والإقرار بالفضل وفعل العبادة كما يستفاد من الأخبار) (1) .
وهناك معنى إقتضائي دقيق للصلوات في حديث معاني الأخبار بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) جاء فيه :
« من صلّى على النبي (صلى الله عليه وآله) فمعناه أنّي أنا على الميثاق والوفاء الذي قبلتُ حين قوله : ألست بربّكم قالوا : بلى » (2) .
وولايتكم : من الولاية بالكسر وهي الأولوية الثابتة لهم (عليهم السلام) .
وقد تقرأ بفتح الواو فتكون بمعنى المحبّة .
وولايتهم (عليهم السلام) هي الولاية الإلهية التامّة المطلقة على الجميع ، الثابتة لله تعالى ولرسوله بقرينة المسانخة والحصر في قوله عزّ إسمه :
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (3) .
وهي الولاية الثابتة للنبي الأكرم في قوله تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلَى
(1) مرآة الأنوار : ص146 .
(2) معاني الأخبار : ص115 ح1 .
(3) سورة المائدة : الآية 55 .
452
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) (1) .
وقد أثبتها الرسول بأمر الله تعالى ، وجاءت في الأحاديث المتواترة بين الفريقين مثل حديث الغدير الشريف ، لأمير المؤمنين وأولاده المعصومين سلام الله عليهم أجمعين .
فولايتهم هي الولاية العظمى ، والإمامة الكبرى ، والمالكية المُثلى ، التي هي أساس الدين في شريعة سيّد المرسلين كما تشهد به الأحاديث المتظافرة (2) .
وقد تقدّم بيان ولايتهم التكوينية والتشريعية في فقرة : « والسادة الولاة » .
وطِيْباً : مفعول ثان لجَعَلَ ، والطيب يطلق على معان عديدة :
الأول : المستلذّ ، الثاني : ما حلّله الشارع ، الثالث : ما كان طاهراً ، الرابع : ما خلى عن الأذى في النفس والبدن ، والطيّب يقابله الخبيث (3) .
وطيب الخَلق : بفتح الخاء هي طهارة المولد ، يقال : فلان طاب مولده أي ولد من حلال .
وقد يقرأ طيب الخُلق بضمّ الخاء فهو بمعنى تزكية الأخلاق ، والأخلاق الحسنة .
فمعنى هذه الفقرة الشريفة أنّه جعل الله تعالى صلواتنا عليكم أهل البيت ، وموالاتكم التي خصّنا الله تعالى بها موجبة لطيب ولادتنا ، وسبباً لتزكية أخلاقنا ـ على قراءة ضمّ الخُلق ـ فإنّهم اُسوة الأخلاق الحسنة ، فالصلوات
(1) سورة الأحزاب : الآية 6 .
(2) الكافي : ج2 ص18 باب دعائم الإسلام الأحاديث .
(3) مجمع البحرين : ص125 .
453
عليهم يذكّر بأخلاقهم ويُبارك لشيعتهم ، وفي جدّهم جاء : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُق عَظِيم) (1) .
والصلوات حينما كانت تصديقاً بالنبي وآله ، وإقراراً بفضلهم ، ووفاءً بميثاقهم كانت قبولا لولايتهم ومحبّة لهم .
وقبول ولايتهم وحبّهم علامة لطيب الولادة ، وموجب لطهارة المولد كما إستفاضت وتواترت به الأخبار الشريفة ، ومنها :
أوّلا / أحاديث كتاب المحاسن مثل :
1 ـ حديث المدائني قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : « إذا برد على قلب أحدكم حبّنا فليحمد الله على اُولي النعم .
قلت : على فطرة الإسلام ؟
قال : لا ، ولكن على طيب المولد ، إنّه لا يحبّنا إلاّ من طابت ولادته ولا يبغضنا إلاّ الملزق الذي ] تأتي [ به اُمّه من رجل آخر فتلزمه زوجها ، فيطّلع على عوراتهم ويرثهم أموالهم ، فلا يحبّنا ذلك أبداً ، ولا يحبّنا إلاّ من كان صفوة ، من أي الجيل كان » .
2 ـ حديث إسحاق قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : « من وجد منكم برد حبّنا على قلبه فليحمد الله على أولى النعم .
قلت : وما أولى النعم ؟
قال : طيب الولادة » .
(1) سورة القلم : الآية 4 .
454
3 ـ حديث الحسين بن علوان عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « إذا كان يوم القيامة يُدعى الناس جميعاً بأسمائهم وأسماء اُمّهاتهم ستراً من الله عليهم إلاّ شيعة علي (عليه السلام) فإنّهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وذلك أن ليس فيهم عهر » (1) .
ثانياً / أحاديث كتاب البحار مثل :
1 ـ حديث الطبرسي ، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه قال لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) : « ياعلي لا يحبّك إلاّ من طابت ولادته ، ولا يبغضك إلاّ من خبثت ولادته ، ولا يواليك إلاّ مؤمن ولا يعاديك إلاّ كافر » .
2 ـ حديث الكرخي ، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال : « علامات ولد الزنا ثلاث : سوء المحضر ، والحنين إلى الزنا ، وبغضنا أهل البيت » .
3 ـ حديث قيس العطّار قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : « إنّما يحبّنا من العرب والعجم أهل البيوتات وذوو الشرف وكلّ مولود صحيح ، وإنّما يبغضنا من هؤلاء كلّ مدنّس مطرّد (2) » .
4 ـ حديث جابر بن عبدالله الأنصاري قال : كنّا بمنى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ بصرنا برجل ساجد وراكع ومتضرّع .
فقلنا : يارسول الله ما أحسن صلاته ؟
فقال (عليه السلام) : هو الذي أخرج أباكم من الجنّة .
فمضى إليه علي (عليه السلام) غير مكترث فهزّه هزّة أدخل أضلاعه اليمنى في
(1) المحاسن : ص104 باب9 طيب المولد الأحاديث 25 و26 و34 .
(2) يقال : دنّس ثوبه أي فعل به ما يشينه ، وطردته أي نفيته عنّي .
455
اليسرى واليسرى في اليمنى ، ثمّ قال : لأقتلنّك إن شاء الله .
فقال : لن تقدر على ذلك إلى أجل معلوم من عند ربّي ، ما لك تريد قتلي ؟ فوالله ما أبغضك أحد إلاّ سَبَقت نطفتي إلى رحم اُمّه قبل نطفة أبيه ، ولقد شاركت مبغضيك في الأموال والأولاد ، وهو قول الله عزّوجلّ في محكم كتابه : (وَشَارِكْهُمْ فِي الاَْمْوَالِ وَالاَْولاَدِ) (1) .
قال النبي (صلى الله عليه وآله) : صدق ياعلي لا يبغضك من قريش إلاّ سفاحي ، ولا من الأنصار إلاّ يهودي ، ولا من العرب إلاّ دعي ، ولا من سائر الناس إلاّ شقي ، ولا من النساء إلاّ سلقلقية وهي التي تحيض من دبرها .
ثمّ أطرق مليّاً ثمّ رفع رأسه فقال : معاشر الأنصار أعرضوا أولادكم على محبّة علي .
قال جابر بن عبدالله : فكنّا نعرض حبّ علي (عليه السلام) على أولادنا فمن أحبّ عليّاً علمنا أنّه من أولادنا ، ومن أبغض عليّاً انتفينا منه » (2) .
هذا كلّه في فضل الولاية ، وأمّا الفضائل الشامخات في أنواع الصلوات فتلاحظها مجموعة في كتاب الوصايا (3) عند بيان وصيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله : « ياعلي : من نسى الصلاة عليَّ فقد أخطأ طريق الجنّة .. » فلاحظها ، ومن تلك الفضائل السنيّة ما صرّحت به هذه الزيارة المباركة : أنّ الصلاة عليهم مع ولايتهم تكونان طيباً لخلقنا .
(1) سورة إسراء : الآية 64 .
(2) بحار الأنوار : ج27 ص145 ب5 الأحاديث الثلاثون ومنها الحديث1 و2 و14 و20 .
(3) وصايا الرسول لزوج البتول (عليهم السلام) : ص123 .
456
وَطَهارَةً لاَِنْفُسِنا (1) وَتَزْكِيَةً لَنا (2)
وفي نسخة الكفعمي : « وجعل صلواتنا عليكم وذكرنا لكم وما خصّنا به من ولايتكم وعرفناه من فضلكم طيباً لخلقنا » .
(1) ـ وطهارة لأنفسنا ، أي وتكونان يعني الصلوات والولاية سبباً لطهارة أي نزاهة أنفسنا أي أرواحنا .
فإنّ التطهّر هو التنزّه عن لوث الأرجاس والأنجاس والمعاصي والنقائص الظاهرية والباطنية .
والصلوات والولاية توجبان طهارة الباطن والنفس وصفائها ، وخلوصها عن الرذائل ، وتحليتها بالفضائل .
فإنّ ذكرهم مع ولايتهم عبادة مقبولة ومغفرة موفورة تقتضي القرب إليهم في الصفات الفضائل ، والبعد عن أعداءهم أصحاب الصفات الرذائل .
وخير صفاء للروح وكرامة للباطن يكون بإزدياد الولاء لأهل البيت (عليهم السلام)وارتقاء درجات الإيمان بهم ، كما تلاحظه في صفوة أصحابهم ، وخُلّص المؤمنين بهم ، من دون حاجة إلى الرياضات الباطلة .
فإنّ الولاء لهم يوجب الإطاعة لهم ، إذ المحبّ مطيعٌ لمن أحبّ ، وطاعتهم هي طاعة الله تعالى .
لذلك تكون الولاية محصّلة للتقوى التي هي طاعة الله في إتيان الواجبات وترك المحرّمات فتوجب طهارة النفس وتزكية الإنسان .
(2) ـ أي تطهيراً لنا من الأعمال القبيحة ، والعقائد الفاسدة ، والآراء الباطلة .
إذ التزكية هي : التطهير من الأخلاق الذميمة الناشئة من شَرَه البطن والكلام ، والغضب ، والحسد ، والبخل ، وحبّ الجاه ، وحبّ الدنيا ، والكبر ،
457
وَكَفّارَةً لِذُنُوبِنا (1)
والعجب (1) .
والزكاة هو : ما أخرجته من مالك لتطهّره به ، وزكى المال أي : نمى وزاد ، والزكيّ من الطعام : الطيّب الحلال ، ومن الناس الطاهر من الذنوب ، وقيل : التامّ في أفعال الخير (2) .
والصلوات والولاية توجبان طهارة نفوسنا ، للملاك المتقدّم أي القرب إليهم (عليهم السلام) .
والمحكي عن بعض النسخ هنا « وبركةً لنا » فإنّ الصلاة عليهم مع ولايتهم جالبة للبركة الدائمة والخيرات المهمّة ، فهم مستقر بركة الله كما تلاحظ شرحه في الفقرة المتقدّمة من هذه الزيارة الشريفة : « ومساكن بركة الله » .
(1) أي ماحيّةً لذنوبنا الكبائر والصغائر .
من التكفير الذي هو محو السيّئات والذنوب .
يقال : كفّر الله عنه الذنوب أي محاها ، ومنه الكفّارة ، وهي فَعّالة من الكَفر وهي التغطية ، لأنّها تكفّر الذنب عن الإنسان أي تمحوه وتستره وتغطّيه (3) .
وفي قوله تعالى : (فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا) (4) .
فُسّرت الذنوب بالكبائر ، والسيّئات بالصغائر (5) .
(1) مجمع البحرين : ص41 .
(2) مرآة الأنوار : ص115 .
(3) مجمع البحرين : ص301 .
(4) سورة آل عمران : الآية 193 .
(5) مجمع البحرين : ص115 .
458
فالصلوات والولاية توجبان محو الذنوب حتّى الكبائر .. للوجه المتقدّم مضافاً إلى الأدلّة الخاصّة في فضل الصلوات وأنّها تمحو الذنوب وقد ذكرناها في كتاب الوصايا فلا نعيد (1) .
وكذا الأدلّة الاُخرى في أنّ ولايتهم ومحبّتهم تحطّ الذنوب ، كما تلاحظه في باب ثواب حبّهم ونصرهم وولايتهم مثل :
1 ـ حديث الأزدي قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : « من أحبّنا نفعه الله بذلك ولو كان أسيراً في يد الديلم ، ومن أحبّنا لغير الله فإنّ الله يفعل به ما يشاء .
إنّ حبّنا أهل البيت ليحطّ الذنوب عن العباد كما تحطّ الريح الشديدة الورق عن الشجر » .
2 ـ حديث حفص الدهّان قال : قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : « إنّ فوق كلّ عبادة عبادة ، وحبّنا أهل البيت أفضل عبادة » .
3 ـ حديث الحسين بن مصعب قال : سمعت جعفر بن محمد (عليهما السلام) يقول : « من أحبّنا وأحبّ محبّنا لا لغرض دنيا يصيبها منه ، وعادى عدوّنا لا لإحنة كانت بينه وبينه ثمّ جاء يوم القيامة وعليه من الذنوب مثل رمل عالج وزبد البحر غفر الله تعالى له » .
4 ـ حديث جرير بن عبدالله البجلي قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً .
ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له .
(1) وصايا الرسول لزوج البتول (عليهم السلام) : ص124 .
459
ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً .
ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان .
ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير .
ألا ومن مات على حبّ آل محمّد يزفّ إلى الجنّة كما تزفّ العروس إلى بيت زوجها .
ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله زوّار قبره الملائكة بالرحمة .
ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السنّة والجماعة .
ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه : آيس من رحمة الله .
ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة » (1) .
بل ثبت في المؤمنين الذين تابوا وعملوا صالحاً أنّه تبدّل سيّئاتهم حسنات كما في سورة الفرقان (الآية 70) (2) وتلاحظ حكاية دعاء مولاهم الإمام المنتظر (عليه السلام) لهم بالغفران (3) .
كلّ هذا الفيض يضاف إليه : أنّ الصلاة عليهم مع لعن أعدائهم من مصاديق التولّي والتبرّي اللذين هما الركنان الأساسيان في الدين الحنيف .. « وهل
(1) بحار الأنوار : ج27 ص73 ب4 الأحاديث خصوصاً الحديث9 و48 و77 و84 .
(2) كنز الدقائق : ج9 ص431 .
(3) كتاب جنّة المأوى المطبوع في البحار : ج53 ص302 .
460
فَكُنّا عِنْدَهُ مُسَلِّمِينَ بِفَضْلِكُمْ (1)
الدين إلاّ الحبّ والبغض » (1) .
فلا عجب في أن يكون الولاء لهم والصلاة عليهم كفّارة للذنوب ، وماحية للعيوب .
(1) ـ قوله (عليه السلام) : « فكنّا » : مرتبط بجعل الصلاة والتولّي طيباً لخلقنا الخ ، وكبيان الوجه له .
وعنده : أي في علمه ، أو في اللوح المحفوظ .
ومسلّمين : بالتشديد أي منقادين ، من التسليم بمعنى الإنقياد .
وبفضلكم : أي بفضلكم على العالمين ، واعلائية درجتكم عليهم .
فالمعنى إنّه كنّا نحن في علم الله تعالى منقادين بالإنقياد القلبي الحقيقي بفضلكم أهل البيت على العالمين .
ويدلّ على هذا أخبار الطينة وعرض الولاية علينا في العالم السابق ، وقبولنا للولاية في الذرّ والأظلّة ، وقد أشرنا إليها في آخر الفصل الثاني في فقرة : « وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والاُولى » فراجع .
وتلاحظ أخبار الطينة مجموعة عند تفسير قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) (2) (3) .
واعلم أنّ في بعض النسخ مسمّين ـ بدل مسلّمين ـ أي كنّا مكتوبة
(1) بحار الأنوار : ج68 ص63 ب15 ح114 .
(2) سورة الأعراف : الآية 172 .
(3) كنز الدقائق : ج5 ص228 .