441
خَلَقَكُمْ اللّهُ اَنْواراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِينَ حَتّى مَنَّ عَلَيْنا بِكُمْ (1)

    « وأنّ أنواركم وأشباحكم وسناءكم وظلالكم وأرواحكم وطينتكم واحدة ، جلّت وعظمت وبوركت وقدّست وطابت وطهرت بعضها من بعض ، لم تزالوا بعين الله وعنده في ملكوته أنواراً تأمرون ، وله تخافون ، وإيّاه تسبّحون ، وبعرشه محدقون ، وبه حافّون ، حتّى مَنّ بكم علينا » .
    (1) أي خلقكم الله مُذ خلقكم ـ أنواراً من نور عظمته ـ كما تقدّم ـ فجعلكم بعرشه محدقين ، أي : طائفين حوله ..
    من أحدق بالشيء أي أطاف وأحاط به (1) .
    وأمّا معنى العرش فهو وإن كان لا يعلم حقيقته العليا إلاّ الله تعالى وأهل بيت الهدى (عليهم السلام) (2) إلاّ أنّا نستضىء بأشعّة ممّا يمكن فهمه فنقول :
    كلمة العرش أساساً في اللغة العربية جاءت لمعان عديدة منها :
    1 ـ سرير الملك ، ويكنّى به عن العزّة والسلطان والمملكة والملك .
    2 ـ عرش الرجل : قوام أمره ، فإذا زال عنه ذلك قيل ثُلَّ عرشه .
    3 ـ ركن القصر وجانبه .
    4 ـ سقف البيت .
    5 ـ ما عرّش من بناء يُستظلّ به .
    6 ـ عرش الكُرم إذا حمل على خشب ونحوه ليمتدّ عليه .
    7 ـ وعرش القوم رئيسهم المدبّر لأمرهم .
(1) مجمع البحرين : ص425 .
(2) جاء في دعاء تعقيب صلاة أمير المؤمنين (عليه السلام) : « وأسألك باسمك الذي خلقت به عرشك الذي لا يعلم ما هو إلاّ أنت » . بحار الأنوار : ج58 ص36 ب1 ح60 .



442
    8 ـ وعرش القدم ما ارتفع من ظهر القدم كما يستفاد من كتب اللغة (1) .
    وأمّا معناه الشرعي فقد قال الشيخ الصدوق (قدس سره) : (اعتقادنا في العرش أنّه جملة جميع الخلق .
    والعرش في وجه آخر هو العلم .
    فأمّا العرش الذي هو جملة جميع الخلق فحَمَلَته ثمانية من الملائكة .
    وأمّا العرش الذي هو العلم ، فحملته أربعة من الأوّلين ، وأربعة من الآخرين .
    فأمّا الأربعة من الأوّلين : فنوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى . وأمّا الأربعة من الآخرين : فمحمّد ، وعلي ، والحسن ، والحسين ، صلّى الله عليهم .
    هكذا روي بالأسانيد الصحيحة عن الأئمّة (عليهم السلام) في العرش وحملته) (2) .
    فيستفاد من كلامه (قدس سره) أنّ للعرش معنيان في الشرع .
    وجاء في التصحيح :
    (فأمّا العرش الذي تحمله الملائكة فهو بعض الملك ، وهو عرش خلقه الله تعالى في السماء السابعة ، وتعبّد الملائكة (عليهم السلام) بحمله وتعظيمه ، كما خلق سبحانه بيتاً في الأرض وأمر البشر بقصده وزيارته والحجّ إليه وتعظيمه .
    وقد جاء في الحديث : أنّ الله تعالى خلق بيتاً تحت العرش سمّاه : البيت
(1) العين : ج2 ص1171 ، مجمع البحرين : ص340 ، المفردات : ص329 ، مرآة الأنوار : ص160 ، لسان العرب : ج6 ص313 ، النهاية الأثيرية : ج3 ص207 ، المصباح : مادّة عرش ، القاموس : ج2 ص277 ، تاج العروس : ج4 ص331 ، أساس البلاغة : ص414 .
(2) الإعتقادات : ص45 .



443
المعمور ، تحجّه الملائكة في كلّ عام ، وخلق في السماء الرابعة بيتاً سمّاه الضرّاح وتعبّد الملائكة بحجّه والتعظيم له والطواف حوله ، وخلق البيت الحرام في الأرض وجعله تحت الضراح .
    وروي عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال : « لو اُلقي حجر من العرش لوقع على ظهر البيت المعمور ، ولو اُلقي حجر من البيت المعمور لسقط على ظهر البيت الحرام .
    ولم يخلق الله عرشاً لنفسه ليستوطنه ، تعالى الله عن ذلك . لكنّه خلق عرشاً أضافه إلى نفسه تكرمة له وإعظاماً وتعبّد الملائكة بحمله ، كما خلق بيتاً في الأرض ولم يخلقه لنفسه ولا ليسكنه ، تعالى الله ذلك كلّه . لكنّه خلقه لخلقه وأضافه لنفسه إكراماً له وإعظاماً ، وتعبّد الخلق بزيارته والحجّ إليه ») (1) .
    وأمّا الأحاديث الشريفة الواردة في ذلك فهي كثيرة وفيرة نتبرّك منها بما يلي :
    1 ـ حديث البرقي ، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) جاء فيه : « إنّ العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة : نور أحمر منه احمرّت الحمرة ، ونور أخضر منه اخضرّت الخضرة ، ونور أصفر منه اصفرّت الصفرة ، ونور أبيض منه ] ابيضّ [ البياض وهو العلم الذي حمّله الله الحملة ... » (2) .
    2 ـ حديث صفوان بن يحيى ، عن الإمام الرضا (عليه السلام) الذي جاء فيه : « العرش ليس هو الله ، والعرش اسم علم وقدرة ، وعرش فيه كلّ شيء ... » (3) .
(1) تصحيح الإعتقاد : ص76 .
(2) الكافي : ج1 باب العرش والكرسي ص129 ح1 .
(3) الكافي : ج1 ص130 ح2 .



444
    3 ـ حديث داود الرقي ، عن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى : (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَآءِ) (1) أنّه قال :
    « إنّ الله حمّل دينه وعلمه الماء قبل أن يكون أرض أو سماء أو جنّ أو إنس أو شمس أو قمر ، فلمّا أراد الله أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم : مَن ربّكم ؟
    فأوّل من نطق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والأئمّة صلوات الله عليهم فقالوا : أنت ربّنا ، فحمّلهم العلم والدين ... » (2) .
    4 ـ حديث مقاتل بن سليمان قال : سألت جعفر بن محمّد (عليهما السلام) عن قول الله عزّوجلّ : (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (3) .
    قال : « استوى من كلّ شيء فليس شيء أقرب إليه من شيء » (4) .
    5 ـ حديث المفضّل ، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن العرش والكرسي ما هما ؟
    فقال : « العرش في وجه هو جملة الخلق ، والكرسي وعاؤه ، وفي وجه آخر العرش هو العلم الذي أطلع الله عليه أنبياءه ورسله وحججه ، والكرسي هو العلم الذي لم يطلع الله عليه أحداً من أنبيائه [ ورسله ] وحججه (عليهم السلام) » (5) .
(1) سورة هود : الآية 7 .
(2) الكافي : ج1 ص132 ح7 .
(3) سورة طه : الآية 5 .
(4) التوحيد : ص317 ح7 ، معاني الأخبار : ص29 ح1 .
(5) معاني الأخبار : ص29 ح1 .



445
فَجَعَلَكُمْ فِي بُيُوت اَذِنَ اللّهُ اَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ (1)

    هذا تفسير العرش في الأحاديث التي بيّنها الأئمّة الطاهرون (عليهم السلام) الذين هم الألسنة الناطقة عن صاحب العرش جلّ جلاله .
    وأهل البيت (عليهم السلام) خلقهم الله أنواراً كانوا يطوفون حول العرش الإلهي حتّى مَنّ علينا بهم فجعلهم أئمّتنا وسادتنا وقادتنا في الدنيا والآخرة ، وأولياءنا وموالينا وهداتنا إلى الكتاب والحكمة ، ووسائل البركة لنا بدين الإسلام وسعادة الختام .
    قال الله تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) (1) .
    والمَنّ هو الإنعام والإحسان ، وقد أنعم الله علينا وأحسن إلينا بأهل البيت أئمّتنا (عليهم السلام) ، الذين هم النعمة الكبرى والعطيّة العظمى ، والحمد لله ربّ العالمين .
    (1) ـ أي أنّ الله تعالى حيث خلقكم أنواراً ثمّ مَنّ علينا بكم جعلكم في بيوت أذن في رفعة قدرها وذكر إسمه الشريف فيها .
    وهذه الفقرة الشريفة إشارة إلى قوله عزّ إسمه : (فِي بُيُوت أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاَْبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب) (2) .
(1) سورة آل عمران : الآية 164 .
(2) سورة النور : الآية 36 ـ 38 .



446
    فإنّها نزلت في أهل البيت (عليهم السلام) باتّفاق الفريقين .
    وقد نقل رواياته العلاّمة البحراني (قدس سره) في تسعة أحاديث من طرق الخاصّة وأربعة أحاديث من طرق العامّة (1) .
    وأضاف العلاّمة التستري (قدس سره) في الإحقاق نقل نصوصه عن ثلّة من أعلام العامّة في كتبهم مثل الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ، والسيوطي في الدرّ المنثور ، والبدخشي في مفتاح النجا ، وابن حسنويه في دُرّ بحر المناقب ، والثعلبي في الكشف والبيان ، والأمرتسري في أرجح المطالب ، والبغدادي في عوارف المعارف ، والآلوسي في روح المعاني (2) .
    وللتبرّك بتفسير الآية الشريفة نذكر بعض أحاديث تفسيرها :
    1 ـ حديث أنس بن مالك وبريدة ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالا : قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) (فِي بُيُوت أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ) فقام إليه رجل فقال : أيّ بيوت هذه يارسول الله ؟
    فقال : « بيوت الأنبياء .
    فقام إليه أبو بكر فقال : يارسول الله هذا البيت منها ؟
    وأشار إلى بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) .
    قال : نعم من أفضلها » (3) .
    2 ـ حديث الثمالي ، عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال : أتى قتادة بن دعامة
(1) غاية المرام : ص317 .
(2) إحقاق الحقّ : ج3 ص558 ، وج9 ص137 ، وج14 ص421 ، وج18 ص515 .
(3) بحار الأنوار : ج23 ص325 ب19 ح1 .



447
البصري أبا جعفر (عليه السلام) فقال (عليه السلام) له : « أنت فقيه أهل البصرة ؟
    قال : نعم .
    فقال له أبو جعفر (عليه السلام) : ويحك ياقتادة إنّ الله عزّوجلّ خلق خلقاً من خلقه فجعلهم حججاً على خلقه ، فهم أوتاد في أرضه ، قوّام بأمره ، نجباء في علمه ، إصطفاهم قبل خلقه أظلّة عن يمين عرشه .
    قال : فسكت قتادة طويلا ثمّ قال : أصلحك الله ، والله لقد جلستُ بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عبّاس فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك .
    فقال له أبو جعفر (عليه السلام) : أتدري أين أنت ؟ بين يدي (بُيُوت أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) فأنت ثَمّ ، ونحن اُولئك .
    فقال له قتادة : صدقت والله جعلني الله فداك ، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين » (1) .
    3 ـ حديث عيسى بن داود ، عن الإمام الكاظم عن أبيه (عليهما السلام) في قول الله عزّوجلّ : (فِي بُيُوت أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ * رِجَالٌ) .
    قال : « بيوت آل محمّد (صلى الله عليه وآله) بيت علي وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفر (عليهم السلام) .
    قلت : (بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ) .
(1) بحار الأنوار : ج23 ص329 ب19 ح10 .


448
    قال : الصلاة في أوقاتها ، قال : ثمّ وصفهم الله عزّوجلّ وقال : (رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاَْبْصَارُ) قال : هم الرجال لم يخلط الله معهم غيرهم ، ثمّ قال : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّنْ فَضْلِهِ) قال : ما اختصّهم به من المودّة والطاعة المفروضة ، وصيّر مأواهم الجنّة (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب) » (1) .
    كما وأنّ الآيات التي تليها نزلت في أعدائهم بما تلاحظه في حديث صالح ابن سهل الهمداني عن الإمام الصادق (عليه السلام) فراجع (2) .
    ثمّ أنّ البيوت : يحتمل أن يراد بها البيوت المعنويّة التي هي بيوت العلم والحكمة وغيرهما من الكمالات ، والذكر فيها كناية عن إستفاضة تلك الأنوار منهم .
    أو البيوت الصورية التي هي بيوت النبي والأئمّة صلوات الله عليه وعليهم في حياتهم ومشاهدهم بعد وفاتهم كما فسّره العلاّمة المجلسي (قدس سره) (3) .
    وأضاف أعلى الله مقامه عند احتمال إرادة البيوت المعنوية قوله : فأنّه شائع في العرب والعجم التعبير عن الأنساب الكريمة والأحساب الشريفة بالبيوت (4) .
(1) بحار الأنوار : ج23 ص326 ب19 ح4 .
(2) الكافي : ج1 ص195 ح5 .
(3) بحار الأنوار : ج102 ص141 .
(4) بحار الأنوار : ج23 ص326 .



449
    وأمّا إذن الله تعالى : ففُسّر بأمره تعالى في مثل الحديث الرضوي الشريف الوارد في تفسير قوله عزّ إسمه : (وَمَا كَانَ لِنَفْس أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ) (1) جاء فيه : « وإذنه أمره لها بالإيمان » (2) .
    وأن ترفع : فسّر بمعنى أن ترفع بالتعظيم ورفع القدر من الأرجاس ، والتطهير من المعاصي والأدناس .
    وقيل : رفع الحوائج فيها إلى الله تعالى ، أو عمومها مع الرفع بالبناء ، حيث قال المفسّر المشهدي : والأولى الحمل على الأعمّ منهما ومن الرفع بالبناء ، ثمّ قال : (ويذكر فيها إسمه عام فيما يتضمّن ذكره) (3) .
    واعلم أنّ في نسخة المصباح للكفعمي هنا بعد هذه الفقرة إضافة كثيرة جاء فيها : « تولّى عزّ ذكره تطهيرها ، ورضى من خلقه بتعظيمها ، فرفعها على كلّ بيت قدّسه ، وأعلاها على كلّ بيت طهّره في السماء ، لا يوازيها خطر ، ولا يسمو إلى سمائها النظر ، ولا يقع على كنهها الفكر ، ولا يطمح إلى أرضها البصر ، ولا يغادر [ ولا يعادل ] سكّانها البشر ، يتمنّى كلّ أحد أنّه منكم ، ولا يتمنّون [ تتمنّون ] أنّكم من غيركم ، إليكم انتهت المكارم والشرف ، وفيكم استقرّت الأنوار والعزم والمجد والسؤدد ، فما فوقكم أحد إلاّ الله ، ولا أقرب إليه ، ولا أخصّ لديه ، ولا أكرم عليه منكم . أنتم سكن البلاد ، ونور العباد ، وعليكم الإعتماد يوم التناد ، كلّما غاب منكم حجّة ، أو أفل منكم عَلَم أطلع الله على خلقه (لخلقه نسخة) من عقب
(1) سورة يونس : الآية 100 .
(2) مرآة الأنوار : ص58 .
(3) كنز الدقائق : ج9 ص312 .



450
وَجَعَلَ صَلَواتِنا عَلَيْكُمْ وَما خَصَّنا بِهِ مِنْ وِلايَتِكُمْ طِيباً لِخَلْقِنا (1)

الماضي خَلَفاً إماماً ونوراً هادياً ، وبرهاناً مبيّناً نيّراً ، داعياً عن داع ، وهادياً بعد هاد ، وخزنة وحفظة ، لا يفيض بكم غوره ، ولا تنقطع عنكم موادّه ، ولا يسلب منكم أريجه ، سبباً موصولا من الله إليكم ، ورحمة منه علينا ، يرشدنا إليه ، ويقرّبنا منه ويزلفنا لديه » .
    (1) ـ صلواتِنا ـ ورد هكذا في العيون والفقيه ، وفي بعض النسخ صلاتنا ـ مأخوذة من الصلاة ، وألفها في الأصل واو لأنّ جمعها صلوات (1) .
    وصلوات الله على أنبيائه والصالحين من خلقه : حسن ثنائه عليهم ، وحسن ذكره لهم (2) .
    والصلاة في الأصل اللغوي هو : الدعاء ، وطلب الرحمة من الله بالصلوات دعاء (3) .
    ويراد بالصلوات في الإستعمال : الإعتناء بإظهار الشرف ورفع الشأن .
    وجاءت بمعنى التعظيم ، قيل : ومنه اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد أي عظّمه في الدنيا بإعلاء ذكره ، وإظهار دعوته ، وإبقاء شريعته ، وفي الآخرة بتشفيعه في اُمّته وتضعيف أجره ومثوبته (4) .
    هذا ما في اللغة ، وأمّا المستفاد من الأخبار الشريفة في معنى الصلوات فقد أفاد في المرآة : =
(1) المحيط : ج8 ص184 .
(2) كتاب العين : ج2 ص1006 .
(3) لسان العرب : ج14 ص464 .
(4) مجمع البحرين : ص54 .