651
اَللَّهُمَّ اِنِّي لَوْ وَجَدْتُ شُفَعاءَ اَقْرَبَ اِلَيْكَ مِنْ مُحَمَّد وَاَهْلِ بَيْتِهِ الاَْخْيارِ الاَْئِمَّةِ الاَْبْرارِ (1)

    فأهل البيت (عليهم السلام) هم المظاهر الربّانية لطاعة الله وعصيانه ، وحبّه وبغضه ، ومتابعته والمخالفة معه .
    وقد تقدّم بيان ذلك ودليله من الكتاب الكريم وروايات الحجج المعصومين (عليهم السلام) في الفقرات المتقدّمة :
    من قوله : « من والاكم فقد والى الله » .
    إلى قوله : « ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله » .
    (1) ـ هذا آخر المطاف في هذه الزيارة المباركة في التوجّه إلى الله تعالى بأحبّ خلقه إليه وأقربهم منه محمّد وآله الطاهرين سلام الله عليهم لطلب معرفتهم الكاملة ، ثمّ رحمة الله الواسعة ببركة شفاعة العترة الطاهرة (عليهم السلام) .
    وفي حديث الكفعمي هنا : (ثمّ ارفع يديك إلى السماء وقل : اللهمّ ...) .
    والمعنى : إنّي لم أجد أحداً من العالمين أفضل منهم (عليهم السلام) عندك ، ولا أقرب منهم لديك ، لا ملك مقرّب ولا نبي مرسل حتّى أجعلهم شفعائي إليك ، فلهذا اُقدّمهم (عليهم السلام) دون غيرهم ، في طلبتي وحوائجي إليك بشفاعتهم .
    ويكفي في بيان قربهم إلى الله ومنزلتهم عنده حديث الأنوار حيث أفاد ، فروي عنهم أنّهم قالوا : نزّهونا عن الربوبية ، وادفعوا عنّا حظوظ البشرية يعني الحظوظ التي تجوز عليكم ، فلا يقاس بنا أحد من الناس ، فإنّا نحن الأسرار الإلهية المودعة في الهياكل البشرية ، والكلمة الربّانية الناطقة في الأجساد الترابية ، وقولوا بعد ذاك ما استطعتم ، فإنّ البحر لا ينزف ، وعظمة الله لا


652
لَجَعَلْتُهُمْ شُفَعائِي ، فَبِحَقِّهِمُ الَّذِي اَوْجَبْتَ لَهُمْ عَلَيْكَ (1) اَسْأَلُكَ اَنْ تُدْخِلَنِي فِي جُمْلَةِ الْعارِفِيْنَ بِهِمْ (2) وَبِحَقِّهِمْ (3) وَفِي زُمْرَةِ الْمَرْحُومِيْنَ بِشَفاعَتِهِمْ ، اِنَّكَ اَرْحَمُ الرّاحِمِيْنَ وَصَلّى اللّهُ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ الطّاهِرِينَ وَسَلَّمَ [ تَسْلِيْماً ] كَثِيراً وَحَسْبُنا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (4)

توصف (1) .
    (1) ـ من عدم ردّ شفاعتهم ، واستجابة دعائهم ، بل استجابة دعاء من توسّل واستشفع بهم (عليهم السلام) .
    وفي نسخة الكفعمي : « اللهمّ فبحقّهم » .
    (2) ـ أي في جملة العارفين بكمال المعرفة بهم أي بإمامتهم .
    (3) ـ أي أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بحقّهم علينا مثل : الإقرار بإمامتهم وموالاتهم ، والتسليم لهم ، وإطاعتهم ، ووجوب محبّتهم ومودّتهم ونصرتهم ، والرجوع إليهم ، والتولّي لهم ، والتبرّي من أعدائهم من الحقوق التي هي وظائفنا تجاه أئمّتنا (عليهم السلام) .
    (4) ـ أي وأسألك اللهمّ أن تدخلني في جماعة المرحومين بشفاعتهم (عليهم السلام) إنّك أرحم الراحمين .
    إشارة إلى أنّ ذلك غير واجب لي باستحقاق منّي ، بل هو بفضلك وكرامتك ورحمتك .
    هذا تمام الزيارة المباركة الجامعة .
    ولا يخفى حُسن ذكر الوداع الشريف المذكور بعد هذه الزيارة الشامخة
(1) الأنوار اللامعة : ص205 .


653
المروية (1) ، وهو ما نصّه :
( الوداع )

    إذا أردت الإنصراف فقل : « السلام عليكم سلام مودّع لا سئم ولا قال ولا مال ورحمة الله وبركاته عليكم ياأهل بيت النبوّة ، إنّه حميد مجيد ، سلام وليٍّ لكم غير راغب عنكم ، ولا مستبدل بكم ، ولا مؤثر عليكم ، ولا منحرف عنكم ، ولا زاهد في قربكم ، لا جعله الله آخر العهد من زيارة قبوركم ، وإتيان مشاهدكم ، والسلام عليكم وحشرني الله في زمرتكم ، وأوردني حوضكم ، وجعلني في حزبكم ، وأرضاكم عنّي ومكّنني في دولتكم ، وأحياني في رجعتكم ، وملّكني في أيّامكم ، وشكر سعيي بكم ، وغفر ذنبي بشفاعتكم ، وأقال عثرتي بمحبّتكم ، وأعلى كعبي بموالاتكم ، وشرّفني بطاعتكم ، وأعزّني بهداكم ، وجعلني ممّن إنقلب مفلحاً منجحاً غانماً سالماً معافاً غنيّاً فائزاً برضوان الله وفضله وكفايته بأفضل ما ينقلب به أحد من زوّاركم ومواليكم ومحبّيكم وشيعتكم ، ورزقني الله العود ثمّ العود أبداً ما أبقاني ربّي ، بنيّة صادقة وإيمان وتقوى وإخبات ، ورزق واسع حلال طيّب ، اللهمّ لا تجعله آخر العهد من زيارتهم وذكرهم والصلاة عليهم ، وأوجِب لي المغفرة والرحمة والخير والبركة والفوز والنور والإيمان ، وحسن الإجابة كما أوجبت لأوليائك العارفين بحقّهم ، الموجبين طاعتهم ، الراغبين في زيارتهم ، المتقرّبين إليك وإليهم ، بأبي أنتم واُمّي ونفسي وأهلي ومالي اجعلوني في همّكم ، وصيّروني في حزبكم ، وأدخلوني في شفاعتكم واذكروني عند ربّكم ،
(1) عيون الأخبار : ج2 ص277 ، من لا يحضره الفقيه : ج2 ص617 .


654
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، وأبلغ أرواحهم وأجسادهم منّي السلام ، والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته ، وصلّى الله على محمّد وآله وسلّم كثيراً وحسبنا الله ونعم الوكيل » .
نسأل الله تعالى برحمته الواسعة ، وبرسوله وعترته الطاهرة أن لا يفرّق بيننا وبينهم طرفة عين في الدنيا والآخرة بل يجعلنا معهم ، ويحشرنا في زمرتهم ، مع أوسع الخير والمغفرة والحمد لله ربّ العالمين ، وصلوات الله على أهل البيت المعصومين واللعنة الدائمة على أعدائهم إلى يوم الدين

السبت ـ 12 ـ شهر رمضان المبارك / 1421هـ ق

علي بن السيّد محمّد الحسيني الصدر