371
العظيم وهو لا يعلم » (1).
    4 ـ التولّي لهم والتبرّي من أعدائهم كما يستفاد من حديثي الأعمش حيث جاء في الأوّل ، عن الصادق (عليه السلام) قال :
    « حبّ أولياء الله واجب والولاية لهم واجبة ، والبراءة من أعدائهم واجبة ومن الذين ظلموا آل محمّد صلّى الله عليهم وهتكوا حجابه وأخذوا من فاطمة (عليها السلام) فدك ومنعوها ميراثها وغصبوها وزوجها حقوقهما » .. إلى آخر الحديث .
    وجاء في الثاني ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
    « ... ياعلي ! والذي بعثني بالنبوّة ، واصطفاني على جميع البريّة لو أنّ عبداً عَبَدَ الله ألف عام ما قَبِلَ الله ذلك منه إلاّ بولايتك وولاية الأئمّة من وُلدِك ، وانّ ولايتك لا تُقبل إلاّ بالبراءة من أعدائك وأعداء الأئمّة من ولدك ، بذلك أخبرني جبرئيل (عليه السلام) ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر » (2).
    5 ـ إطاعتهم وامتثال أوامرهم ونواهيهم كما دلّ عليه حديث أبي حمزة (3)، سألت أبا جعفر [ الباقر ] (عليه السلام) : ما حقّ الإمام على الناس ؟
    قال :
    « حقّه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا .. » (4).
(1) بحار الأنوار : ج2 ص303 ب34 ح41) .
(2) بحار الأنوار : (ج27 ص52 ح3 ، وص199 ح66 ، وص219 ح4) .
(3) بحار الأنوار : (ج27 ص53 ح3 ، وص199 ح66 ، وص219 ح4) .
(4) بحار الأنوار : (ج27 ص244 ب11 ح4) .



372
    6 ـ الرجوع إليهم والتحاكم إليهم في جميع الاُمور الدينية والدنيوية والاُخروية ، والمنازعات الشخصية ، والإختلافات الإجتماعية ، والشبهات الواردة ، كما يستفاد من حديث سدير الصيرفي ، عن أبي جعفر [ الباقر ] (عليه السلام) قال في حديث :
    « إنّما كُلّف الناس ثلاثة : معرفة الأئمّة ، والتسليم لهم فيما ورد عليهم ، والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه » (1).
    7 ـ تعلّم جميع العلوم والمعارف والأحكام منهم لا من غيرهم ; لأنّ الصحيح منها هو ما كان عندهم وهم باب علم النبي وطريق حكمته ، كما يستفاد من حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) .
    « أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وهل تؤتى المدينة إلاّ من بابها » .
    المتّفق عليه بين الخاصّة والعامّة ، المروي من طريق العامّة في ستّة عشر حديثاً ومن طريق الخاصّة في سبعة أحاديث جاءت في غاية المرام (2).
    وتلاحظها في باب وجوب الرجوع في جميع الأحكام إلى المعصومين (عليهم السلام)في أحاديث الوسائل (3).
    ومنها حديث فضيل قال : سمعت أبا جعفر [ الباقر ] (عليه السلام) يقول :
    « كلّ ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل » .
    8 ـ الرجوع إليهم في جميع ما يعود إلى القرآن الكريم من تفسيره وتأويله ، ومحكمه ومتشابهه ، وناسخه ومنسوخه ، وخاصّه وعامّه ، ومورده ومعناه .. فهم
(1) وسائل الشيعة : (ج18 ص45 ب7 ح14) .
(2) غاية المرام : (ص520 ب29 و30 الأحاديث) .
(3) وسائل الشيعة : (ج18 ص48 ب7 ح29 و34 و40) .



373
العالمون بحقائقه ، والوارثون لمهبط وحيه ، والعين الصافية من معدنه ، كما تستفيده من أحاديث اُصول الكافي (1) ، ومنها : حديث جابر قال : سمعت أبا جعفر [ الباقر ] (عليه السلام) يقول :
    « ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما اُنزل إلاّ كذّاب ، وما جمعه وحفظه كما نزّله الله تعالى إلاّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) والأئمّة من بعده (عليهم السلام) » .
    9 ـ الفزع إليهم في الدواهي ، والإستغاثة بهم في الحوائج كما استفيد من حديث عبدالعزيز بن مسلم المتقدّم الذي جاء فيه :
    « الإمام الأنيس الرفيق والوالد الشفيق ... ومفزع العباد في الداهية النآد » (2).
    وحديث البحار في خطاب الله تعالى لآدم (عليه السلام) :
    « هؤلاء خيار خليقتي ، وكرام بريّتي ، بهم آخذ ، وبهم اُعطي ، وبهم اُعاقب ، وبهم اُثيب ، فتوسّل إليّ بهم ياآدم ، وإذا دهتك داهية فاجعلهم إليّ شفعاءك ، فإنّي آليت على نفسي قَسَماً حقّاً لا اُخيّب بهم آملا ، ولا أردّ بهم سائلا .. » (3).
    10 ـ مودّتهم وحبّهم ونصرتهم وصلتهم وعرض النصرة عليهم ، كما أفادته آية المودّة في قوله تعالى : ( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (4)
(1) اُصول الكافي : (ج1 ص228) .
(2) اُصول الكافي : (ج1 ص198 ح1) .
(3) بحار الأنوار : (ج26 ص328 ب7 ح10) .
(4) سورة الشورى : (الآية 23) .



374
وأحاديث اُصول الكافي (1)، وبحار الأنوار (2) مثل حديث الفضيل ، عن أبي جعفر [ الباقر ] (عليه السلام) :
    « ... إنّما اُمروا أن يطوفوا بها .. ـ أي الكعبة ـ ثمّ ينفروا إلينا فيُعلمونا ولايتهم ومودّتهم ويُعرضوا علينا نصرتهم .. » .
    وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
    « من أحبّ عليّاً في حياته وبعد موته كتب الله عزّوجلّ له من الأمن والإيمان ما طلعت عليه شمس وغربت ، ومن أبغضه في حياته وبعد موته مات موتةً جاهلية وحوسب بما عمل » .
    فيلزم علينا مودّة أهل البيت (عليهم السلام) وإبراز المحبّة لهم ، والولاء إليهم بجميع أنحائها ومعانيها ، ومن أظهرها أن نفرح لفرحهم ، ونحزن لحزنهم ، ونقيم شعائرهم وذكرياتهم .
    وفّقنا الله تعالى لذلك ، ونفعنا بحبّهم وولايتهم فإنّه هو النافع في الأهوال والشدائد في الدنيا والآخرة ، كما تلاحظ أحاديثه في معالم الزلفى (3) مثل حديث صاحب الكشّاف والثعلبي في تفسيره بإسناده إلى جرير بن عبدالله البجلي قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
    « ... ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له .
    ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً .
    ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان .
(1) اُصول الكافي : (ج1 ص392 الأحاديث) .
(2) بحار الأنوار : (ج27 ص73 ب4 ح1 و7 و8 و9 ، وص162 ب6 ح10) .
(3) معالم الزلفى : (ص190) .



375
    ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير .
    ألا ومن مات على حبّ آل محمّد يُزفّ إلى الجنّة كما تُزفّ العروس إلى بيت زوجها .
    ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل الله زوّار قبره الملائكة بالرحمة .
    ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات على السُنّة والجماعة ...
    ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه : آيس من رحمة الله .
    ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشمّ رائحة الجنّة » .
    ثمّ اعلم أنّه تزيد على هذه الوظائف وظيفتنا في زمان الغيبة بالنسبة إلى سيّدنا ومولانا وإمام زماننا حجّة الله الإمام المهدي أرواحنا فداه بوظائف اُخرى مثل : إنتظار فرجه الشريف ، وظهوره المبارك ، والتهيّؤ لنصرته ، والتصدّق لسلامته ، والدعاء له ولفرجه وللثُبات على معرفته ، والقيام والإحترام للقبه الخاص ، ونُدبته الشريفة ، والصلاة الخاصّة عليه خصوصاً الصلوات المروية عن يعقوب بن يوسف الغسّاني المروية في البحار (1).
    كما تلاحظ هذه الوظائف مع أدلّتها من السيّد التقي الاصفهاني في مكيال المكارم ، ووظيفة الأنام ، والمحدّث النوري في النجم الثاقب ، والمحقّق اليزدي في إلزام الناصب ، فراجع .
    هذا تمام البحث فيما تيسّر من أصل الإمامة ويتلوه بحث المعاد ونبدؤه بذكر الرجعة ثمّ المعاد ثمّ مراحل القيامة .
(1) بحار الأنوار : (ج52 ص17 ب18 ح14) .


376
على أعتاب المعاد
    عرفت في أوّل الكتاب أنّ من تمام التوحيد وأصل الإعتقاد ، التصديق بكلّ ما جاء به رسول الله وآله الطاهرون صلوات الله عليهم أجمعين ، الناطقون عنه في جميع ما أخبروا به عن الله تعالى من الاُصول والفروع ، والتصديق بجميع ما جاءوا به من اُمور الدنيا والآخرة ، والتصديق بكلّ ما اُخبروا به عن الله تعالى من حقائق النشأتين الاُولى والاُخرى ; فإنّ من دعائم الإسلام الإقرار بما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهو أصل أساسي في المقام ثبت بالأحاديث المتظافرة التالية :
    1 ـ حديث عجلان أبي صالح قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) :
    « أوقفني على حدود الإيمان .
    فقال : شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، وصلوات الخمس ، وأداء الزكاة ، وصوم شهر رمضان ، وحجّ البيت ، وولاية وليّنا ، وعداوة عدوّنا ، والدخول مع الصادقين » (1).
    2 ـ حديث عيسى بن السريّ أبي اليسع المتقدّم قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحد التقصير عن معرفة شيء منها ، الذي من قصّر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه ، ولم يقبل [ الله ] منه
(1) اُصول الكافي : (ج2 ص18 باب دعائم الإسلام ح2) .


377
عمله ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه عمله ولم يضق به ممّا هو فيه (1) لجهل شيء من الاُمور جهله ؟ فقال :
    « شهادة أن لا إله إلاّ الله والإيمان بأنّ محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، وحقّ في الأموال الزكاة ; والولاية التي أمر الله عزّوجلّ بها : ولاية آل محمّد (صلى الله عليه وآله) ... » (2).
    3 ـ حديث عيسى بن السري الآخر قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : حدّثني عمّا بنيت عليه دعائم الإسلام إذا أنا أخذت بها زكى عملي ولم يضرّني جهل ما جهلت بعده ، فقال :
    « شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإقرار بما جاء به من عند الله وحقّ في الأموال من الزكاة ; والولاية التي أمر الله عزّوجلّ بها ولاية آل محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، قال الله عزّوجلّ : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ ) (3) فكان علي (عليه السلام) ، ثمّ صار من بعده حسن ، ثمّ من بعده الحسين ، ثمّ من بعده علي بن الحسين ، ثمّ من بعده محمّد بن علي ، ثمّ هكذا يكون الأمر ، إنّ الأرض لا تصلح إلاّ بإمام ، ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، وأحوج ما يكون أحدكم إلى معرفته إذا بلغت نفسه هاهنا ـ قال : وأهوى بيده إلى صدره ـ يقول حينئذ :
(1) أي لم يضق عليه شيء ممّا هو فيه .
(2) اُصول الكافي : (ج2 ص19 باب دعائم الإسلام ح6) .
(3) سورة النساء : (الآية 59) .



378
لقد كنت على أمر حسن (1).
    4 ـ حديث أبي الجارود المتقدّم قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : يابن رسول الله ! هل تعرف مودّتي لكم وإنقطاعي إليكم وموالاتي إيّاكم ؟ قال : فقال :
    « نعم ، قال : فقلت : فإنّي أسألك مسألة تجيبني فيها فإنّي مكفوف البصر قليل المشي ولا أستطيع زيارتكم كلّ حين ، قال : هات حاجتك .
    قلت : أخبرني بدينك الذي تدين الله عزّوجلّ به أنت وأهل بيتك لاُدين الله عزّوجلّ به .
    قال : إن كنت أقصرت الخطبة فقد أعظمت المسألة ، والله لاُعطينّك ديني ودين آبائي الذي ندين الله عزّوجلّ به : شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، والولاية لوليّنا ، والبراءة من عدوّنا ، والتسليم لأمرنا ، وانتظار قائمنا ، والإجتهاد والورع » (2).
    5 ـ حديث إسماعيل الجعفي قال : دخل رجل على أبي جعفر [ الباقر ] (عليه السلام)ومعه صحيفة فقال له أبو جعفر (عليه السلام) :
    « هذه صحيفة مخاصم يسأل عن الدين الذي يقبل فيه العمل فقال : رحمك الله ! هذا الذي اُريد ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : شهادة أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله وتقرّ بما جاء من عند الله والولاية لنا أهل البيت والبراءة من عدوّنا والتسليم لأمرنا والورع
(1) اُصول الكافي : (ج2 ص21 باب دعائم الإسلام ح9) .
(2) اُصول الكافي : (ج2 ص21 ـ 22 باب دعائم الإسلام ح10) .



379
والتواضع وانتظار قائمنا ; فإنّ لنا دولة إذا شاء الله جاء بها » (1).
    فتلاحظ أنّ هذه الأحاديث الشريفة التي كرّرناها لمزيد الإستفادة صريحة في لزوم الإقرار بما جاء به النبي من دعائم الإسلام .
    واعلم أنّ ممّا جاؤوا به صلوات الله عليهم ـ وأثبتوا حقّانيته في الدنيا فيلزم الإقرار به ـ رجعتهم صلوات الله عليهم .
    فلنبدأ بذكر مبحث الرجعة ثمّ مباحث المعاد ، ومن الله تعالى التوفيق والسداد .
(1) اُصول الكافي : (ج2 ص22 ـ 23 باب دعائم الإسلام ح13) .


380
الرجعة
    الرجعة هي الرجوع إلى الدنيا بعد الموت ، والحياة قبل يوم القيامة .. عند ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) ، ويطلق عليها الكرّة أيضاً من الكرّ بمعنى الرجوع ، كما يستفاد من كتاب العين (1) ، ومجمع البحرين (2) ، والقاموس المحيط (3).
    وهي من الحقائق الثابتة بالأدلّة ، والمحقّقة بالبراهين ، كما سيأتي ذكرها .
    قال الشيخ الصدوق : « إعتقادنا في الرجعة انّها حقّ » (4).
    وقال الشيخ المفيد : « وأمّا قوله (عليه السلام) : من لم يقل برجعتنا فليس منّا ، فإنّما أراد بذلك ما يختصّه من القول به في أنّ الله تعالى يحيي قوماً من اُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله) بعد موتهم قبل يوم القيامة ، وهذا مذهب يختصّ به آل محمّد صلّى الله عليه وعليهم ... والرجعة عندنا تختصّ بمن محض الإيمان ومحض الكفر دون ما سوى هذين الفريقين » (5).
    وقال السيّد المرتضى : « إعلم أنّ الذي تذهب الشيعة الإمامية إليه أنّ الله
(1) كتاب العين للخليل : (ج1 ص658) .
(2) مجمع البحرين للطريحي : (ص378) .
(3) القاموس المحيط : (ج3 ص28) .
(4) كتاب الإعتقادات للصدوق : (ص60) .
(5) المسائل السرويّة : (ص32) .