كتاب الغدير ـ الجزء الأول ::: 281 ـ 290
(281)
    42 ـ نور الدين السمهودي المدني الشافعي المتوفى 911 ، رواه في كتابه [ وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ] 2 ص 173 نقلا عن أحمد بطريقه عن البراء وزيد.
    43 ـ أبو العباس شهاب الدين القسطلاني المتوفى 923 ، قال في المواهب اللدنية 2 ص 13 في معنى المولى : وقول عمر : أصبحت مولى كل مؤمن ، أي : ولي كل مؤمن.
    44 ـ السيد عبد الوهاب الحسيني البخاري المتوفى 932 ، مر لفظه ص 221.
    45 ـ ابن حجر العسقلاني الهيتمي المتوفى 973 ، قال في الصواعق المحرقة ص 26 في مفاد الحديث : سلمنا أنه أولى لكن لا نسلم أن المراد أنه أولى بالإمامة بل بالاتباع والقرب منه [ إلى أن قال ] : وهو الذي فهمه (1) أبو بكر وعمر وناهيك بهما من الحديث فإنهما لما سمعاه قالا له : أمسيت يا بن أبي طالب ؟ مولى كل مؤمن ومؤمنة. أخرجه الدارقطني.
    46 ـ السيد علي بن شهاب الدين الهمداني ، رواه في مودة القربى بلفظ البراء.
    47 ـ السيد محمود الشيخاني القادري المدني ، قال في كتابه [ الصراط السوي في مناقب آل النبي ] : أخرج أبو يعلى والحسن بن سفيان في مسنديهما عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله في حجة الوداع. إلى آخر اللفظ المذكور عنهما ثم قال : قال الحافظ الذهبي : هذا حديث حسن إتفق على ما ذكرنا جمهور أهل السنة. ا ه‍. ثم قال في بيان ما هو الصحيح من خطبة الغدير :
    والصحيح مما ذكرنا أيضا قوله صلى الله عليه وسلم : ألست أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى. قال : فإن هذا مولى من كنت مولاه ، أللهم ؟ وال من والاه ، وعاد من عاداه. فلقيه عمر رضي الله عنه فقال : هنيئا لك أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة. إنتهى ما هو الصحيح والحسان وليس في ذلك من مخترعات المدعي ومفترياته ... إلخ. يأتي تمام كلامه في الكلمات حول سند الحديث.
    48 ـ شمس الدين المناوي الشافعي المتوفى 1031 ، قال في [ فيض القدير ] 6 ص 218 : لما سمع أبو بكر وعمر ذلك ( حديث الولاية ) قالا فيما أخرجه الدارقطني
1 ـ ستقف على حق القول في المفاد وأن الملاء الحضور ما فهم إلا ما ترتأيه الإمامية.

(282)
عن سعد بن أبي وقاص : أمسيت يا بن أبي طالب ؟ مولى كل مؤمن ومؤمنة.
    49 ـ الشيخ أحمد باكثير المكي الشافعي المتوفى 1047 ، رواه في [ وسيلة المآل في عد مناقب الآل ] بلفظ البراء بن عازب.
    50 ـ أبو عبد الله الزرقاني المالكي المتوفى 1122 ، قال في شرح المواهب 7 ص 13 : روى الدارقطني عن سعد قال : لما سمع أبو بكر وعمر ذلك قالا : أمسيت يا بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة.
    51 ـ حسام الدين بن محمد بايزيد السهارنپوري ، ذكره في مرافض الروافض بلفظ مر ص 143.
    52 ـ ميرزا محمد البدخشاني ، ذكره في كتابيه [ مفتاح النجا في مناقب آل العبا ] و [ نزل الأبرار بما صح في أهل البيت الأطهار ] عن البراء وزيد من طريق أحمد.
    53 ـ الشيخ محمد صدر العالم ، ذكره في معارج العلى في مناقب المرتضى من طريق أحمد عن البراء وزيد.
    54 ـ أبو ولي الله أحمد العمري الدهلوي المتوفى 1176 ، مر لفظه ص 144.
    55 ـ السيد محمد الصنعاني المتوفى 1182 ، ذكر في [ الروضة الندية شرح التحفة العلوية ] عن محب الدين الطبري ما أخرجه من طريق أحمد عن البراء.
    56 ـ المولوي محمد مبين اللكهنوي ، ذكره في وسيلة النجاة عن البراء وزيد.
    57 ـ المولوي ولي الله اللكهنوي ، وذكره في [ مرآة المؤمنين في مناقب أهل بيت سيد المرسلين ] بلفظ أحمد ثم قال : وفي رواية : بخ بخ لك يا علي ؟ أصبحت وأمسيت : إلخ.
    58 ـ محمد محبوب العالم ، ذكر في [ تفسير شاهي ] عن أبي سعيد الخدري ما مر في ص 221 بلفظ النيسابوري.
    59 ـ السيد أحمد زيني دحلان المكي الشافعي المتوفى 1304 ، قال في الفتوحات الإسلامية 2 ص 306 : وكان عمر رضي الله عنه يحب علي بن أبي طالب وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء عنه في ذلك شيء كثير فمن ذلك : أنه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما : أمسيت يا بن


(283)
أبي طالب ؟ مولى كل مؤمن ومؤمنة.
    60 ـ الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي المدني المالكي ، ذكره [ في كفاية الطالب في حياة علي بن أبي طالب ] ص 28 من طريق ابن السمان عن البراء بن عازب ، ومن طريق أحمد عن زيد بن أرقم باللفظ المذكور.
( عود إلى البدء )
    إن هذه التهنئة المشفوعة بأمر من مصدر النبوة ، والمصافقة بالبيعة المذكورة مع ابتهاج النبي بها بقوله : الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين. على ما عرفته من نزول الآية الكريمة في هذا اليوم المشهود الناصة بإكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضى الرب فيما وقع فيه. وقد عرف ذلك طارق بن شهاب الكتابي الذي حضر مجلس عمر بن الخطاب فقال : لو نزلت فينا هذه الآية (1) لاتخذنا يوم نزولها عيدا (2) ولم ينكرها عليه أحد من الحضور ، وصدر من عمر ما يشبه التقرير لكلامه. وذلك بعد نزول آية التبليغ وفيها ما يشبه التهديد إن تأخر عن تبليغ ذلك النص الجلي حذار بوادر الدهماء من الأمة.
    كل هذه لا محالة قد أكسب هذا اليوم منعة وبذخا ورفعة وشموخا ، سر موقعها صاحب الرسالة الخاتمة وأئمة الهدى ومن اقتص أثرهم من المؤمنين ، وهذا هو الذي نعنيه من التعيد به ، وقد نوه به رسول الله فيما رواه فرات بن إبراهيم الكوفي في القرن الثالث عن محمد بن ظهير عن عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الإمام الصادق عن أبيه عن آبائه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي ، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب علما لأمتي يهتدون به من بعدي ، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين ، وأتم على أمتي فيه النعمة ، ورضي لهم الاسلام دينا. كما
1 ـ يعني قوله تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم. الآية. راجع ص 230 ـ 238.
2 ـ أخرجه الأئمة الخمسة : مسلم ومالك والبخاري والترمذي والنسائي كما في تيسير الوصول 1 ص 122 ، ورواه الطحاوي في مشكل الآثار 3 ص 196 ، والطبري في تفسيره 6 ص 46 ، وابن كثير في تفسيره 2 ص 13 عن أحمد والبخاري. ورواه جمع آخر.


(284)
يعرب عنه قوله صلى الله عليه وآله في حديث أخرجه الحافظ الخركوشي كما مر ص 274 : هنئوني هنئوني.
    واقتفى أثر النبي الأعظم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام نفسه فاتخذه عيدا وخطب فيه سنة إتفق فيها الجمعة والغدير ومن خطبته قوله : إن الله عز وجل جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين ولا يقوم أحدهما إلا بصاحبه ليكمل عندكم جميل صنعه ، ويقفكم على طريق رشده ، ويقفو بكم آثار المستضيئين بنور هدايته ، ويسلككم منهاج قصده ، ويوفر عليكم هنيئ رفده ، فجعل الجمعة مجمعا ندب إليه لتطهير ما كان قبله وغسل ما أوقعته مكاسب السوء من مثله إلى مثله وذكرى للمؤمنين ، وتبيان خشية المتقين ، ووهب من ثواب الأعمال فيه أضعاف ما وهب لأهل طاعته في الأيام قبله ، وجعله لا يتم إلا بالايتمار لما أمر به ، والانتهاء عما نهى عنه ، والبخوع بطاعته فيما حث عليه وندب إليه ، فلا يقبل توحيده إلا بالاعتراف لنبيه صلى الله عليه وآله بنبوته ، ولا يقبل دينا إلا بولاية من أمر بولايته ، ولا تنتظم أسباب طاعته إلا بالتمسك بعصمه وعصم أهل ولايته ، فأنزل على نبيه صلى الله عليه وآله في يوم الدوح ما بين به عن إرادته في خلصائه وذوي اجتبائه ، وأمره بالبلاغ وترك الحفل بأهل الزيغ والنفاق وضمن له عصمته منهم ـ إلى أن قال ـ :
    عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم ، وبالبر بإخوانكم ، والشكر لله عز وجل على ما منحكم ، وأجمعوا يجمع الله شملكم ، وتباروا يصل الله ألفتكم ، وتهادوا نعمة الله كما منكم بالثواب فيه على أضعاف الأعياد قبله أو بعده إلا في مثله ، والبر فيه يثمر المال ويزيد في العمر ، والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه ، وهيئوا لإخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من وجودكم ، وبما تناله القدرة من استطاعتكم ، وأظهروا البشر فيما بينكم والسرور في ملاقاتكم. الخطبة (1)
    وعرفه أئمة العترة الطاهرة صلوات الله عليهم فسموه عيدا وأمروا بذلك عامة المسلمين ونشروا فضل اليوم ومثوبة من عمل البر فيه ، ففي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي في سورة المائدة عن جعفر بن محمد الأزدي ، عن محمد بن الحسين الصايغ ، عن الحسن بن
1 ـ ذكرها شيخ الطايفة بإسناده في مصباح المتهجد ص 524.

(285)
علي الصيرفي ، عن محمد البزاز ، عن فرات بن أحنف ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت : جعلت فداك للمسلمين عيد أفضل من الفطر والأضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة ؟ قال : فقال لي : نعم أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة هو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأنزل على نبيه محمد : اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الاسلام دينا. قال قلت : وأي يوم هو ؟ قال : فقال لي : إن أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصية والامامة من بعده ففعل ذلك جعلوا ذلك اليوم عيدا ، و إنه اليوم الذي نصب فيه رسول الله صلى الله عليه وآله عليا للناس علما وأنزل فيه ما أنزل ، وكمل فيه الدين ، وتمت فيه النعمة على المؤمنين. قال : قلت وأي يوم هو في السنة ؟ قال فقال لي : إن الأيام تتقدم وتتأخر وربما كان يوم السبت والأحد والاثنين إلى آخر الأيام السبعة (1) قال : قلت : فما ينبغي لنا أن نعمل في ذلك اليوم ؟ قال هو يوم عبادة و صلاة وشكر لله وحمد له وسرور لما من الله به عليكم من ولايتنا. فإني أحب لكم أن تصوموه.
    وفي الكافي لثقة الاسلام الكليني 1 ص 303 عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت : جعلت فداك للمسلمين عيد غير العيدين ؟ قال : نعم يا حسن ؟ أعظمهما وأشرفهما ، قلت : وأي يوم هو ؟ قال : يوم نصب أمير المؤمنين عليه السلام علما للناس ، قلت : جعلت فداك و ما ينبغي لنا أن نصنع فيه ؟ قال : تصوم يا حسن ؟ وتكثر الصلاة على محمد وآله ، وتبرأ إلى الله ممن ظلمهم ، فإن الأنبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء اليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتخذ عيدا قال : قلت : فما لمن صامه ؟ قال صيام ستين شهرا (2)
    وفي الكافي أيضا 1 ص 204 عن سهل بن زياد عن عبد الرحمن بن سالم عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر ؟ قال : نعم أعظمها حرمة ، قلت : وأي عيد هو جعلت فداك ؟ قال : اليوم الذي نصب فيه
1 ـ الظاهر أن في لفظ الحديث سقطا ولعله ما سيأتي في لفظ الكليني عن الإمام نفسه من تعيينه باليوم الثامن عشر من ذي الحجة.
م 2 ) ستوافيك هذه المثوبة من رواية الحفاظ بإسناد رجاله كلهم ثقات ).


(286)
رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه. قلت : وأي يوم هو ؟ قال : وما تصنع باليوم إن السنة تدور ولكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجة ، فقلت : ما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم ؟ قال : تذكرون الله عز ذكره فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمد وآل محمد فإن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى أمير المؤمنين عليه السلام أن يتخذوا ذلك اليوم عيدا ، وكذلك كانت الأنبياء تفعل كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتخذونه عيدا.
    وبإسناده عن الحسين بن الحسن الحسيني ، عن محمد بن موسى الهمداني ، عن علي ابن حسان الواسطي ، عن علي بن الحسين العبدي قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : صيام يوم غدير خم يعدل عند الله في كل عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبلات وهو عيد الله الأكبر. الحديث.
    وفي ( الخصال ) لشيخنا الصدوق بإسناده عن المفضل بن عمر قال : قلت : لأبي عبد الله عليه السلام : كم للمسلمين من عيد ؟ فقال : أربعة أعياد قال : قلت : قد عرفت العيدين والجمعة فقال لي : أعظمها وأشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو اليوم الذي أقام فيه رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام ونصبه للناس علما قال قلت : ما يجب علينا في ذلك اليوم ؟ قال : يجب (1) عليكم صيامه شكرا لله وحمدا له مع أنه أهل أن يشكر كل ساعة ، كذلك أمرت الأنبياء أوصياءها أن يصوموا اليوم الذي يقام فيه الوصي ويتخذونه عيدا. الحديث.
    وفي ( المصباح ) لشيخ الطايفة الطوسي ص 513 عن داود الرقي عن أبي هارون عمار بن حريز العبدي قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة فوجدته صائما ، فقال لي : هذا يوم عظيم عظم الله حرمته على المؤمنين و أكمل لهم فيه الدين ، وتمم عليهم النعمة ، وجدد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق فقيل له : ما ثواب صوم هذا اليوم ؟ قال : إنه يوم عيد وفرح وسرور ويوم صوم شكرا لله ، وإن صومه يعدل ستين شهرا من أشهر الحرم. الحديث.
1 ـ المراد بالوجوب هو الثبوت في السنة الشامل للندب أيضا كما يكشف عنه التعبير ب‍ ( ينبغي ) في بقية الأحاديث وله في أحاديث الفقه نظاير جمة.

(287)
    وروى عبد الله بن جعفر الحميري عن هارون بن مسلم عن أبي الحسن الليثي عن أبي عبد الله عليه السلام إنه قال لمن حضره من مواليه وشيعته : أتعرفون يوما شيد الله به الاسلام ، وأظهر به منار الدين ، وجعله عيدا لنا ولموالينا وشيعتنا ؟ فقالوا : الله ورسوله وابن رسوله أعلم ، أيوم الفطر هو ؟ يا سيدنا ؟ قال : لا. قالوا : أفيوم الأضحى هو ؟ قال : لا ، وهذان يومان جليلان شريفان ويوم منار الدين أشرف منهما ، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة وأن رسول الله صلى الله عليه وآله لما انصرف من حجة الوداع و صار بغدير خم. الحديث.
    وفي حديث الحميري بعد ذكر صلاة الشكر يوم الغدير وتقول في سجودك : أللهم إنا نفرج وجوهنا في يوم عيدنا الذي شرفتنا فيه بولاية مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليه.
    وقال الفياض بن محمد بن عمر الطوسي سنة تسع وخمسين ومائتين وقد بلغ التسعين : إنه شهد أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصته قد احتبسهم للإفطار ، وقد قدم إلى منازلهم الطعام والبر والصلات والكسوة حتى الخواتيم والنعال ، وقد غير من أحوالهم وأحوال حاشيته وجددت لهم آلة غير الآلة التي جرى الرسم بابتذالها قبل يومه وهو يذكر فضل اليوم وقدمه.
    وفي مختصر بصائر الدرجات بالإسناد عن محمد بن العلاء الهمداني الواسطي و ويحيى بن جريح البغدادي قالا في حديث : قصدنا جميعا أحمد بن إسحاق القمي صاحب الإمام أبي محمد العسكري المتوفى 260 بمدينة قم وقرعنا عليه الباب فخرجت إلينا من داره صبية عراقية فسألناها عنه فقالت : هو مشغول بعيده فإنه يوم عيد ، فقلنا : سبحان الله أعياد الشيعة أربعة : الأضحى والفطر والغدير والجمعة. الحديث.
( ما عشت أراك الدهر عجبا )
    إلى هنا أوقفك البحث والتنقيب على حقيقة هذا العيد وصلته بالأمة جمعاء ، و تقادم عهده المتصل بالدور النبوي ، ثم جاء من بعده متواصلة العرى من وصي إلى وصي يعلم به أئمة الدين ، ويشيد بذكره أمناء الوحي كالإمامين أبي عبد الله الصادق


(288)
وأبي الحسن الرضا بعد أبيهم أمير المؤمنين صلوات الله عليهم ، وقد توفي هذان الإمامان ونطف البويهيين لم تنعقد بعد ، وقد جائت أخبارهما مروية في تفسير فرات والكافي المؤلفين في القرن الثالث ، وهذه الأخبار هي مصادر الشيعة ومداركها في اتخاذ يوم الغدير عيدا منذ عهد طائل في القدم ، ومنذ صدور تلكم الكلم الذهبية من معادن الحكم والحكم.
    إذا عرفت هذا فهلم معي نسائل النويري والمقريزي عن قولهما : إن هذا العيد ابتدعه معز الدولة علي بن بويه سنة 352 قال الأول في نهاية الإرب في فنون الأدب 1 ص 177 في ذكر الأعياد الإسلامية : وعيد ابتدعته الشيعة وسموه عيد الغدير ، وسبب اتخاذهم له مواخاة النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب يوم غدير خم ، والغدير : تصب فيه عين وحوله شجر كبير ملتف بعضها ببعض ، وبين الغدير والعين مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم واليوم الذي ابتدعوا فيه هذا العيد هو الثامن عشر من ذي الحجة لأن المواخاة كانت فيه في سنة عشر من الهجرة وهي حجة الوداع ، وهم يحيون ليلتها بالصلاة ويصلون في صبيحتها ركعتين قبل الزوال ، وشعارهم فيه لبس الجديد وعتق الرقاب وبر الأجانب والذبايح.
    وأول من أحدثه معز الدولة أبو الحسن علي بن بويه على ما نذكره إنشاء الله في أخباره في سنة 352 ، ولما ابتدع الشيعة هذا العيد واتخذه من سننهم عمل عوام السنة يوم سرور نظير عيد الشيعة في سنة 389 وجعلوه بعد عيد الشيعة بثمانية أيام وقالوا : هذا يوم دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم لغار هو وأبو بكر الصديق ، وأظهروا في هذا اليوم الزينة ونصب القباب وإيقاد النيران.
    وقال المقريزي في الخطط 2 ص 222 : عيد الغدير لم يكن عيدا مشروعا ولا عمله أحد من سالف الأمة المقتدى بهم ، وأول ما عرف في الاسلام بالعراق أيام معز الدولة علي بن بويه فإنه أحدثه سنة 352 فاتخذه الشيعة من حينئذ عيدا.
    وما عساني أن أقول في بحاثة يكتب عن تأريخ الشيعة قبل أن يقف على حقيقته أو أنه عرف نفس الأمر فنسيها عند الكتابة ، أو أغضى عنها لأمر دبر بليل ، أو أنه يقول ولا يعلم ما يقول ، أو أنه ما يبالي بما يقول ، أو ليس المسعودي المتوفى 346 يقول


(289)
في التنبيه والاشراف ص 221 : وولد علي رضي الله عنه وشيعته يعظمون هذا اليوم. أو ليس الكليني الراوي لحديث عيد الغدير في الكافي توفي سنة 329 ؟ وقبله فرات بن إبراهيم الكوفي المفسر الراوي لحديثه الآخر في تفسيره الموجود عندنا الذي هو في طبقة مشايخ ثقة الاسلام الكليني المذكور ، فالكتب هذه ألفت قبل ما ذكراه النويري والمقريزي من التأريخ ( 352 ). أو ليس الفياض بن محمد بن عمر الطوسي قد أخبر به سنة 259 ؟ وذكر أنه شاهد الإمام الرضا سلام الله عليه المتوفى سنة 203 يتعيد في هذا اليوم ويذكر فضله وقدمه ، ويروي ذلك عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام. والإمام الصادق المتوفى سنة 148 قد علم أصحابه بذلك كله وأخبرهم بما جرت عليه سنن الأنبياء من اتخاذ يوم نصبوا فيه خلفائهم عيدا كما جرت به العادة عند الملوك والأمراء من التعيد في أيام تسنموا فيها عرش الملك ، وقد أمر أئمة الدين عليهم السلام في عصورهم القديمة شيعتهم بأعمال برية ودعوات مخصوصة بهذا اليوم و أعمال وطاعات خاصة به. والحديث الذي مر عن مختصر بصاير الدرجات يعرب عن كونه من أعياد الشيعة الأربعة المشهورة في أوايل القرن الثالث الهجري.
    هذه حقيقة عيد الغدير لكن الرجلين أرادا طعنا بالشيعة فأنكرا ذلك السلف الصالح وصوراه بدعة معزوة إلى معز الدولة وهما يحسبان أنه لا يقف على كلامهما من يعرف التاريخ فيناقشهما الحساب.
فوقع الحق وبطل ما كانوا
يعملون ، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين
( الأعراف 116 ، 117 )


(290)
( التتويج يوم الغدير )
    ولما عرفت من تعيين صاحب الخلافة الكبرى للموكية الاسلامية ونيله ولاية العهد النبوي ، كان من الحري تتويجه بما هو شارة الملوك ، وسمة الأمراء ، ولما كانت التيجان المكللة بالذهب والمرصع بالجواهر من شناشن ملوك الفرس ، ولم يكن للعرب منها بدل إلا العمايم فكان لا يلبسها إلا العظماء والأشراف منهم ، ولذلك جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله : العمائم تيجان العرب. رواه القضاعي والديلمي وصححه السيوطي في الجامع الصغير 2 ص 155 وأورده ابن الأثير في النهاية.
    وقال المرتضى الحنفي الزبيدي في تاج العروس 2 ص 12 : ( التاج : الاكليل ) والفضة والعمامة والأخير على التشبي‍ ( ج تيجان ) وأتواج ، والعرب تسمي العمائم : التاج. وفي الحديث : العمائم تيجان العرب. جمع تاج ، وهو ما يصاغ للملوك من الذهب والجوهر ، أراد أن العمائم بمنزلة التيجان للملوك لأنهم أكثر ما يكونون في البوادي مكشوفي الرؤس أو بالقلانس ، والعمائم فيهم قليلة ، والأكاليل تيجان ملوك العجم ( وتوجه ) أي سوده وعممه.
    وفي ج 8 ص 410 : ومن المجاز ( عمم بالضم ) أي ( سود ) لأن تيجان العرب العمائم فكما قيل في المعجم : توج من التاج ، قيل في العرب : عمم. قال : وفيهم إذ عمم المعمم ، و كانوا إذا سودوا رجلا عمموه عمامة حمراء ، وكانت الفرس تتوج ملوكها فيقال له : المتوج.
    وعد الشبلنجي في نور الأبصار ص 25 من ألقاب رسول الله صلى الله عليه وآله : صاحب التاج. فقال : المراد العمامة لأن العمائم تيجان العرب كما جاء في الحديث.
    فعلى هذا الأساس عممه رسول الله صلى الله عليه وآله هذا اليوم بهيئة خاصة تعرب عن العظمة والجلال ، وتوجه بيده الكريمة بعمامته ( السحاب ) في ذلك المحتشد العظيم ، وفيه تلويح إن المتوج بها مقيض [ بالفتح ] بإمرة كإمرته صلى الله عليه وآله
كتاب الغدير ـ الجزء الأول ::: فهرس