كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: 91 ـ 100
(91)
عن حطام الدنيا ، معربا عن ورعه عن محارم الله وخشونته في ذات ربه ، وتعظيمه شعائر الدين ، وقيامه بحق النبي الأعظم ، ورعايته في أهل بيته وذويه بكل حول وطول ، وبذل النفس والنفيس دون كلائة دينه وإعلاء كلمة الحق ، وإرحاض معرة الباطل ، وإصلاح الفاسد ، وكسر شوكة المعتدين ، وبعد اليأس عن صلاح أمته ، والعجز عن الدعوة إلى الحق ، لزم عقر داره بالمدينة المشرفة بقية حياته ، وأقبل على العبادة حتى أدركه أجله المحتوم كما ذكره ابن عبد البر في الاستيعاب 2 ص 524.
    وأوفى كلمة في زهده وعبادته ما قاله المسعودي في مروج الذهب 2 ص 63 قال : كان قيس بن سعد من الزهد والديانة والميل إلى علي بالموضع العظيم ، وبلغ من خوفه لله وطاعته إياه أنه كان يصلي فلما أهوى للسجود إذا في موضع سجوده ثعبان عظيم مطرق ، فمال على الثعبان برأسه وسجد إلى جانبه ، فتطوق الثعبان برقبته ، فلم يقصر من صلاته ، ولا نقص منها شيئا حتى فرغ ثم أخذ الثعبان فرمى به. كذلك ذكر الحسن ابن علي بن عبد المغيرة عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن ( الإمام ) علي بن موسى الرضا عليه السلام. ا هـ. والحديث الرضوي هذا رواه الكشي بإسناده عنه عليه السلام في رجاله ص 63.
    وكان ذلك الخشوع والاقبال إلى الله في العبادة ، وإفراغ القلب بكله إلى الصلاة من وصايا والده الطاهر له قال : يا بني ؟ أوصيك بوصية فاحفظها فإذا أنت ضيعتها فأنت لغيرها من الأمر أضيع ، إذا توضأت فأتم الوضوء ، ثم صل صلاة امرء مودع يرى أنه لا يعود ، وأظهر اليأس من الناس فإنه غنى ، وإياك وطلب الحوائج إليهم فإنه فقر حاضر ، وإياك وكل شيء تعتذر منه ( تاريخ ابن عساكر 6 ص 90 ).
    وكان من دعاء سيدنا المترجم كما في ( الدرجات الرفيعة ) ( وتاريخ الخطيب ) وغيرهما قوله : أللهم ؟ ارزقني حمدا ومجدا ، فإنه لا حمد إلا بفعال ، ولا مجد إلا بمال أللهم ؟ وسع علي ، فإن القليل لا يسعني ولا أسعه. وفي البداية والنهاية 8 ص 100. كان قيس يقول أللهم ؟ ارزقني مالا وفعالا ، فإنه لا تصلح الفعال إلا بالمال.
    ومعلوم أن طلب المال غير مناف للزهادة فإن حقيقة الزهد أن لا يملكك المال لا أن لا تملك المال.


(92)
    ( حديث فضله )
    إن خطابات ( قيس ) وكتاباته ومحاضراته ومقالاته المبثوثة في طيات الكتب ومعاجم السير شواهد صادقة على تضلعه في المعارف الإلهية ، وأشواطه البعيدة في علمي الكتاب والسنة ، وفي خدمته النبي الأعظم مدة عشر سنين (1) أو مدة غير محدودة ، وقد كان أبوه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله ليخدمه كما في أسد الغابة 4 ص 215 ومسامرته معه صلى الله عليه وآله سفرا وحضرا طول عمره مع ما كان له من العقل والحزم والرأي السديد والشوق المؤكد إلى تهذيب نفسه والولع التام إلى تكميل روحياته لغنى وكفاية عن أي ثناء على علمه المتدفق ، وفضله الكثار ، وتقدمه في علمي الكتاب والسنة.
    ومن المفضول أن نتعرض لإحصاء شواهد حسن تعليم النبي صلى الله عليه وآله إياه ، وإنه كان يجيد تربيته ، ويعلمه معالم دينه ، ويفيض عليه من نمير فضله ، و يلقنه بما يحتاج إليه الانسان الكامل من المعارف الدينية ، وإن ملازمته لصاحب الرسالة وهو سيد الخزرج وابن سادتها لم تكن خدمة بسيطة كما هو الشأن في الخدم و والأتباع من الناس ، وإنما هي كخدمة تلميذ لأستاذه للتعلم وأخذ المعارف الدينية ، و الاقتباس من أنوار علمه ، ومما لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وآله كان يعلمه معالم دينه في كل حال يجده ، وكان قيس يغتنم الفرص ويظهر الشوق إليه ، وينم عن ذلك ما رواه ابن الأثير في أسد الغابة 4 ص 215 عن قيس قال : مر بي النبي صلى الله عليه وآله وقد صليت وقال : ألا أدلك إلى باب من أبواب الجنة ؟ قلت : نعم. قال : لا حول ولا قوة إلا بالله.
    وسماعه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله عن أمير المؤمنين باب مدينة العلم النبوي ، و أخذه منه علمي الكتاب والسنة كما قاله لمعاوية في حديث يأتي لما جرت بينهما مناظرة واحتج قيس عليه بكل آية نزلت في علي وبكل حديث ورد في فضله حتى قال معاوية : يا بن سعد : عمن أخذت هذا ، وعمن رويته ؟ وعمن سمعته ؟ أبوك أخبرك
1 ـ البداية 8 ص 99 ، الإصابة 5 ص 254.

(93)
بذلك ؟ وعنه أخذته ؟ قال قيس : سمعته وأخذته ممن هو خير من أبي ، وأعظم حقا من أبي. قال : من ؟ قال : علي بن أبي طالب عليه السلام عالم هذه الأمة وصديقها
    كل هذه آية محكمة تدل على إطلاعه الغزيز في المعالم الدينية ، وبرهنة واضحة تثبت طول باعه في العلوم الإلهية ، ومثل قيس إذا كان أخذه وسماعه وروايته عن مثل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ينحسر البيان عن استكناه فضله ، ويقصر التعريف عن درك مداه.
    ومن شواهد غزارة علمه إسلامه الراسخ ، وإيمانه المستقر ، وعرفانه بأولياء الأمر بعد نبيه ، وتهالكه في ولائهم ، وتفانيه في نصرتهم إلى آخر نفس لفظه ، وعدم اكتراثه لومة أي لائم ، وكان هناك قوم حناق عليه من أهل النفاق وحملة الحقد والضغينة يعيرونه بولاء العترة الطاهرة ، وعدم إيثاره على دينه عوامل النهمة ، وعدم تأثره ببواعث الفخفخة أو دواعي الجشع ، وعدم انتظاره منهم في دولتهم لرتبة ولا راتب ، وعدم إرادته منهم على ولائه جزاءا عاجلا ولا شكورا ، ويشف عن ذلك ما وقع بينه وبين حسان بن ثابت لما عزله أمير المؤمنين عن ولاية مصر ورجع إلى المدينة فإنه حينما قدمها جاءه حسان شامتا به وكان عثمانيا فقال له : نزعك علي بن أبي طالب ، وقد قتلت عثمان فبقي عليك الإثم ، ولم يحسن لك الشكر. فزجره قيس وقال : يا أعمى القلب وأعمى البصر ؟ والله لولا أن ألقي بين رهطي ورهطك حربا لضربت عنقك ، ثم أخرجه من عنده (1)
    ولولا أن قيسا مستودع العلوم والمعارف ، ومستقى معالم الدين ، ومعقد جمان الفضيلة ، كما كانت له الشهرة الطايلة في الدهاء والحزم ، لما ولاه أمير المؤمنين عليه السلام مصر لإدارة شئونها الدينية ، والمدينة ، كما فوض إليه إقامة أمورها السياسية والإدارية والعسكرية ، ولما كتب إليه بما مر ص 71 من كلامه عليه السلام : وعلم من قبلك مما علمك الله. فإن عامل الخليفة هو مرجع تلكم الشئون كلها في الوسط الذي استعمل به ، وموئل أمته في كل مشكلة دينية : كما أن له إمامة الجمعة و الجماعة ، وما كان للخليفة من منتدح عن استعمال من له الكفاية لذلك كله.
1 ـ تاريخ الطبري 5 ص ص 131 ، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 25.

(94)
    قال الماوردي في ( الأحكام السلطانية ) ص 24 : وإذا قلد الخليفة أميرا على إقليم أو بلد كانت إمارته على ضربين : عامة وخاصة. فأما العامة على ضربين : إمارة استكفاء بعقد عن اختيار ، وإمارة استيلاء بعقد عن اضطرار ، فأما إمارة الاستكفاء التي تنعقد عن اختياره ، فتشمل على عمل محدود ، ونظر معهود ، والتقليد فيها أن يفوض إليه الخليفة إمارة بلد أو إقليم ولاية على جميع أهله ، ونظرا في المعهود من ساير أعماله فيصير عام النظر فيما كان محدودا من عمل ، ومعهودا من نظر ، فيشتمل نظره فيه على سبعة أمور :
    1 ـ النظر في تدبير الجيوش وترتيبهم في النواحي وتقدير أرزاقهم إلا أن يكون الخليفة قدرها فيدرها عليهم.
    2 ـ النظر في الأحكام وتقليد القضاة والحكام.
    3 ـ جباية الخراج وقبض الصدقات وتقليد العمال فيهما وتفريق ما استحق منهما.
    4 ـ حماية الدين والدب عن الحريم ومراعاة الدين من تغيير أو تبديل.
    5 ـ إقامة الحدود في حق الله وحقوق الآدميين.
    6 ـ الجمع والجماعات حتى يؤم بها أو يستخلف عليها.
    7 ـ تسيير الحجيج من عمله.
    فإن كان هذا الإقليم ثغرا متاخما للعدو اقترن بها ثامن وهو : جهاد من يليه من الأعداء : وقسم غنائمهم في المقاتلة ، وأخذ خمسها لأهل الخمس ، وتعتبر في هذه الإمارة الشروط المعتبرة في وزارة التفويض.
    وقال في ص 20 : يعتبر في تقليد وزارة التفويض شروط الإمامة إلا النسب. وذكر الشروط المعتبرة في الإمامة ص 4 وقال : إنها سبعة.
    1 ـ العدالة على شروطها الجامعة.
    2 ـ العلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام.
    3 ـ سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان.
    4 ـ سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة.
    5 ـ الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح.


(95)
    6 ـ الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو.
    7 ـ النسب وهو أن يكون من قريش.
    إذا عرفت معنى التقليد بالولاية على المسلمين ومغزاها ، ووقفت على الأمور الثمانية التي ينظر إليها كل أمير بالاستكفاء بعقد عن اختيار كأمير الاسلام الكبير ( قيس بن سعد ) واطلعت على ما يعتبر فيها من الشروط الستة المعتبرة في الإمامة ووزارة التفويض ، فحدث عن فضل قيس ولا حرج.

    ( كلمتنا الأخيرة عن قيس )
    إنه من عمد الدين وأركان المذهب.
    لعلك بعد ما تلوناه عليك من فضايل المترجم له وفواضله ، وعلومه ومعارفه ، وحزمه وسداده ، وصلاحه وإصلاحه ، وتهالكه في نصرة إمامه الطاهر ، وإقامته علم الدين منذ عهد النبوة وعلى العهد العلوي الناصع ، وثباته عند تخاذل الأيدي وتدابر النفوس على العهد الحسني ، ومصارحته بكلمة الحق في كل محتشد إلى آخر حياته ، وعدم انخداعه ببهرجة الباطل ، وزبرجة الالحاد السفياني ، وثراء معاوية الطائل الهاطل عليه لخدعه عن دينه حينما بذل له ألف ألف درهم على أن يصير معه أو ينصرف عنه كما مر ص 84 إنك لا تشك بعد ذلك كله في أن قيسا من عمد الدين ، وأركان المذهب ، وعظماء الأمة ، ودعاة الحق ، فدون مقامه الباذخ ما في المعاجم والكتب من جمل الثناء عليه مهما بالغوا فيها.
    ولولا مثل قيس في آل سعد لما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وهو رافع يديه : أللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة. وما كان يقول في غزوة ذي قرد : أللهم ارحم سعدا وآل سعد ، نعم المرء سعد بن عبادة. وما كان يقول لما أكل طعاما في منزل سعد : أكل طعامكم الأبرار ، وصلت عليكم الملائكة ، وأفطر عندكم الصائمون. وما كان يقول لسعد وقيس لما أتيا بزاملة تحمل زادا يوم ضلت زاملة النبي : بارك الله عليكما يا أبا ثابت (1) أبشر فقد أفلحت إن الأخلاف بيد الله فمن شاء أن يمنحه منها
1 ـ كنية سعد والد المترجم له.

(96)
خلفا صالحا منحه ، ولقد منحك الله خلفا صالحا. (1)
    فلينظر القارئ في قيس بن سعد إلى آثار رحمة الله ، ومظاهر صلواته ، ومجالي فضله ، وما أثرت فيه تلك الدعوة النبوية وما ظهر فيه وفي آله من بركاتها وقد حقت به الصلوات والرحمة الإلهية. صلوات الله عليه ورحمته وبركاته.
    ولقيس محاضرة ومناظرة مع الشيخين في قصة طوق خالد ذكرها أبو محمد الديلمي الحسن بن أبي الحسن في ( إرشاد القلوب ) 2 ص 201 ، أفاضها بلسان ذلق ، وإيمان مستقر وجنان ثابت نضرب عنها صفحا تحريا للايجاز.

( مشايخ قيس والرواة عنه )
    يروي سيد الخزرج عن النبي صلى الله عليه وآله وصنوه الطاهر ، وعن والده السعيد ( سعد ) كما في الإصابة وتهذيب التهذيب ، ومن رواياته عن والده ما أخرجه الحافظ محمد ابن عبد العزيز الجنابذي الحنبلي في كتاب ( معالم العترة ) مرفوعا إلى قيس عن أبيه : إنه سمع عليا رضي الله عنه يقول : أصابتني يوم أحد ست عشر ضربة سقطت إلى الأرض في أربع منهن فجاء رجل حسن الوجه طيب الريح فأخذ بضبعي فأقامني ثم قال : أقبل عليهم فإنك في طاعة الله وطاعة رسوله وهما عنك راضيان. قال علي : فأتيت النبي صلى الله عليه وآله فأخبرته فقال : يا علي ؟ أقر الله عينك ذاك جبريل ( كفاية الطالب ط مصر ص 37 ، نور الأبصار ص 87 ).
    ويروي عن عبد الله بن حنظلة بن الراهب الأنصاري المقتول يوم الحرة سنة 63 وكانت الأنصار قد بايعته يومئذ ، ذكر روايته عنه ابن حجر في تهذيب التهذيب 2 ص 193 وج‍ 5 ص 193 وج‍ 8 ص 396.
    ويروي عن سيدنا قيس زرافات من الصحابة والتابعين ذكر منهم في حلية الأولياء وأسد الغابة 4 ص 215 ، والإصابة 3 ص 249 ، وتهذيب التهذيب 8 ص 396 :
    1 ـ أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وآله.
1 ـ توجد هذه الأحاديث في إمتاع المقريزي ص 263 ، 515 ، تاريخ ابن عساكر 6 ص 82 ، 88 ، السيرة الحلبية 3 ص 8.

(97)
    2 ـ بكر بن سوادة يروي عن قيس حديثا في الملاهي كما في ( السنن الكبرى ) للبيهقي 10 : 222 ].
    3 ـ ثعلبة بن أبي مالك القرظي.
    4 ـ عامر بن شراحيل الشعبي المتوفى 104.
    5 ـ عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري خاصة أمير المؤمنين وصاحب رايته يوم الجمل ، ضربه الحجاج حتى اسود كتفاه على سب علي فما فعل ، كان أصحاب رسول الله يسمعون لحديثه ، وينصتون له ، قال عبد الله بن حارث : ما ظننت أن النساء ولدن مثله. ووثقه ابن معين والعجلي وغيرهما توفي 81 / 2 / 3 / 6 ، ترجمه ابن خلكان 1 ص 296 وكثير من أرباب المعاجم.
    5 ـ عبد الله بن مالك الجيشاني المتوفى 77 ، ترجمه ابن حجر في تهذيبه 5 ص 380 ، وحكى عن جمع ثقته ، وعن مرثد : كان أعبد أهل مصر ، يروي عن أمير المؤمنين وعمر وأبي ذر ومعاذ بن جبل وعقبة.
    6 ـ أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني.
    7 ـ أبو عمار عريب بن حميد الهمداني. يروي عن أمير المؤمنين وحذيفة وعمار وأبي ميسرة ، وثقه أحمد وغيره ، راجع تهذيب التهذيب 7 ص 191.
    8 ـ أبو ميسرة عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي المتوفى 63 ، أثنى عليه شيخنا الشهيد الثاني في درايته وقال : تابعي فاضل من أصحاب محمد بن مسعود. وترجمه ابن حجر في الإصابة 3 ص 114 ، وفي تهذيبه 8 ص 47 وقال : ذكره ابن حبان في الثقات وقال : كان من العباد وكانت ركبته كركبة البعير من كثرة الصلاة.
    م 9 ـ عمرو بن الوليد السهمي المصري المتوفى سنة 103 مولى عمرو بن العاص ، يروي عن جمع من الصحابة منهم : المترجم له ( قيس ) كما في تهذيب التهذيب 8 ص 116 ، ومن أحاديثه عنه حديث في الملاهي أخرجه من طريقه البيهقي في ( السنن ) 10 : 222 ].
    10 ـ أبو نصر ميمون بن أبي شبيب الربعي الكوفي المتوفى 83 ويقال : الرقي يروي عن أمير المؤمنين وعمر ومعاذ بن جبل وأبي ذر والمقداد وابن مسعود ، ترجمه


(98)
ابن حجر في تهذيبه.
    11 ـ هزيل بن شرجيل الأزدي الكوفي. كما في حلية الأولياء 5 ص 24 ، والإصابة 3 ص 620.
    م 12 ـ الوليد بن عبدة [ بفتح الباء ) مولى عمرو بن العاص ، يروي عن المترجم له كما في تهذيب ابن حجر ج 11 ص 141 ، ولعله عمرو بن الوليد المذكور كما يظهر من كلام الدار قطني ].
    13 ـ أبو نجيع يسار الثقفي المكي المتوفى 109 ، حكى ابن حجر في تهذيبه عن جمع ثقته ، وروى ابن الأثير في أسد الغابة 4 ص 215 عنه عن قيس عن النبي صلى الله عليه وآله قوله : لو كان العلم متعلقا بالثريا لنا له ناس من فارس. م ـ وأخرجه أبو بكر الشيرازي المتوفى 407 في ( الألقاب ) كما في ( تبييض الصحيفة ) ص 4 ].

( معاوية وقيس )
قبل وقعة صفين
    ذكر غير واحد من رجال التاريخ في معاجمهم (1) : إنه لما قرب يوم صفين خاف معاوية على نفسه أن يأتيه علي بأهل العراق ، وقيس بأهل مصر ، فيقع بينهما ففكر في استدراج قيس واختداعه فكتب إليه : أما بعد : فإنكم إن كنتم نقمتم على عثمان في أثرة رأيتموها ، أو ضربة سوط ضربها ، أو في شتمه رجلا ، أو تسييره أحدا ، أو في استعماله الفتيان من أهله ، فقد علمتم أن دمه لم يحل لكم بذلك ، فقد ركبتم عظيما من الأمر ، وجئتم شيئا إدا ، فتب يا قيس إلى ربك إن كنت من المجلبين على عثمان إن كانت التوبة من قتل المؤمن تغني شيئا ، فأما صاحبك فإنا استيقنا أنه الذي أغرى الناس وحملهم حتى قتلوه ، وإنه لم يسلم من دمه عظيم قومك فإن استطعت أن تكون ممن يطلب بدم عثمان ؟ فبايعنا على علي في أمرنا ، ولك سلطان العراقين إن أنا ظفرت ما بقيت ، ولمن أحببت من أهل بيتك سلطان الحجاز ما دام لي سلطان ، وسلني غير هذا ما تحب.
    فكتب إليه قيس :
1 ـ ذكره الطبري في تاريخه 5 ص 288 ، وابن الأثير في كامله 3 ص 107 ، وابن أبي الحديد في شرح النهج 2 ص 23 نقلا عن كتاب الغارات لإبراهيم الثقفي المتوفى 283

(99)
    أما بعد : فقد وصل إلي كتابك ، وفهمت الذي ذكرت من أمر عثمان ، وذلك أمر لم أقاربه ، وذكرت أن صاحبي هو الذي أغرى الناس بعثمان ودسهم إليه حتى قتلوه وهذا أمر لم أطلع عليه ، وذكرت لي أن عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان فلعمري إن أولى الناس كان في أمره عشيرتي ، وأما ما سألتني من مبايعتك على الطلب بدم عثمان و ما عرضته علي فقد فهمته وهذا أمر لي فيه نظر وفكر ، وليس هذا مما يعجل إلى مثله ، وأنا كاف عنك وليس يأتيك من قبلي شيء تكرهه حتى ترى ونرى.
    فكتب إليه معاوية :
    أما بعد : فقد قرأت كتابك فلم أرك تدنو فأعدك سلما ، ولم أرك تتباعد فأعدك حربا ، أراك كحبل الجزور ، وليس مثلي يصانع بالخداع ، ولا يخدع بالمكايد ، ومعه عدد الرجال ، وبيده أعنة الخيل ، فإن قبلت الذي عرضت عليك فلك ما أعطيتك ، وإن أنت لم تفعل ملأت عليك خيلا ورجلا ، والسلام.
    فكتب إليه قيس :
    أما بعد : فالعجب من استسقاطك رأيي والطمع في أن تسومني ـ لا أبا لغير كالخروج عن طاعة أولى الناس بالأمر ، وأقولهم للحق ، وأهداهم سبيلا ، وأقربهم من رسول الله وسيلة ، وتأمرني بالدخول في طاعتك طاعة أبعد الناس من هذا الأمر ، وأقولهم للزور ، وأضلهم سبيلا ، وأبعدهم من رسول الله وسيلة ، ولديك قوم ضالون مضلون ، طاغوت من طواغيت إبليس ، وأما قولك : إنك تملأ علي مصر خيلا ورجلا فلئن لم أشغلك عن ذلك حتى يكون منك إنك لذو جد ، والسلام.
    وفي لفظ الطبري : فوالله إن لم أشغلك بنفسك حتى تكون نفسك أهم إليك ، إنك لذو جد.
    فلما آيس معاوية منه كتب إليه : (1)
    أما بعد : فإنك يهودي ابن يهودي ، إن ظفر أحب الفريقين إليك عزلك ، واستبدل بك ، وإن ظفر أبغضهما إليك قتلك ، ونكل بك وكان أبوك وترقوسه ، ورمى عير غرضه ،
1 ـ من هنا كلام الجاحظ في ( البيان والتبيين ) 2 ص 68 والكتب المذكورة توجد في تعليق البيان ص 2 ص 48.

(100)
فأكثر الحز ، وأخطأ المفصل ، فخذله قومه ، وأدركه يومه ، ثم مات طريدا بحوران. والسلام.
    فكتب إليه قيس :
    أما بعد : فإنما أنت وثن ابن وثن ، دخلت في الاسلام كرها ، وخرجت منه طوعا ، لم يقدم إيمانك ، ولم يحدث نفاقك ، وقد كان أبي وترقوسه ، ورمى غرضه ، وشغب عليه من لم يبلغ كعبه ، ولم يشق غباره ، ونحن أنصار الدين الذين خرجت منه ، وأعداء الدين الذي دخلت فيه. والسلام.
    راجع كامل المبرد 1 ص 309 ، البيان والتبيين 2 ص 68 ، تاريخ اليعقوبي 2 ص 163 ، عيون الأخبار لابن قتيبة 2 ص 213 ، مروج الذهب 2 ص 62 ، مناقب الخوارزمي ص 173 ، شرح ابن أبي الحديد 4 ص 15.
    لفظ الجاحظ في كتاب التاج ص 109.
    كتب قيس إلى معاوية : يا وثن ابن وثن ؟ تكتب إلي تدعوني إلى مفارقة علي ابن أبي طالب ، والدخول في طاعتك ، وتخوفني بتفرق أصحابه عنه ، وإقبال الناس عليك وإجفالهم إليك ، فوالله الذي لا إله غيره لو لم يبق له غيري ، ولم يبق لي غيره ، ما سالمتك أبدا وأنت حربه ، ولا دخلت في طاعتك وأنت عدوه ، ولا اخترت عدو الله على وليه ، ولا حزب الشيطان على حزب الله. والسلام.

كتاب مفتعل
    فلما آيس معاوية من قيس أن يتابعه على أمره ، شق عليه ذلك ، وثقل عليه مكانه ، لما كان يعرف من حزمه وبأسه ، ولم تنجع حيلة فيه تكاده من قبل علي فقال لأهل الشام : إن قيسا قد تابعكم فادعوا الله له ولا تسبوه ولا تدعوا إلى غزوه فإنه لنا شيعة قد تأتينا كتبه ونصيحته سرا ألا ترون ما يفعل بإخوانكم الذين عنده من أهل ( خربتا ) يجري عليهم عطاياهم وأرزاقهم ويحسن إليهم. واختلق كتابا ونسبه إلى قيس فقرأه على أهل الشام وهو :
    بسم الله الرحمن الرحيم.
    للأمير معاوية بن أبي سفيان من قيس بن سعد : سلام عليك ، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد : فإني لما نظرت لنفسي
كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: فهرس