كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: 191 ـ 200
(191)
أظنني إلا راجعة سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : كيف بإحداكن إذا نبحتها كلاب الحوأب ؟! ] (1).
    موفي معجم البلدان 3 : 356 : في الحديث : إن عائشة لما أرادت المضي إلى البصرة في وقعة الجمل مرت بهذا الموضوع يعني الحوأب فسمعت نباح الكلاب فقالت : ما هذا الموضع ؟! فقيل لها : هذا موضع يقال له : الحوأب ، فقالت : إنا لله ، ما أراني إلا صاحبة القصة. فقيل لها : وأي قصة ؟! قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وعنده نساؤه : ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب سائرة إلى الشرق في كتيبة. و همت بالرجوع فغالطوها وحلفوا لها أنه ليس الحوأب ].
    م ـ قال الأميني : ما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حي عن بينة ، وإن الله لسميع عليم ، وكان الانسان أكثر شيئ جدلا ، بل الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ].
    وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله للزبير : إنك تقاتل عليا وأنت ظالم له. وبهذا الحديث احتج أمير المؤمنين عليه السلام على الزبير يوم الجمل وقال : أتذكر لما قال لك رسول الله صلى الله عليه وآله : إنك تقاتلني وأنت ظالم لي ؟ فقال :
    أللهم نعم. الحديث.
    أخرجه الحاكم في المستدرك 3 : 366 وصححه هو والذهبي. والبيهقي في الدلائل. وأبو يعلى. وأبو نعيم. والطبري في تاريخه 5 : 200 ، 204. وأبو الفرج في الأغاني 16 : 131 ، 132. وابن عبد ربه في العقد الفريد 2 : 279. والمسعودي في مروج الذهب 2 : 10. والقاضي في الشفا. وذكره ابن الأثير في الكامل 3 : 102. ابن طلحة في المطالب ص 41. محب الدين في الرياض 2 : 273. الهيثمي في المجمع 7 : 235. ابن حجر في فتح الباري 13 : 46. القسطلاني في المواهب 2 ص 195 الزرقاني في شرح المواهب 3 : 318 ، ج 7 : 217. السيوطي في الخصايص 2 : 137 نقلا عن جمع من الحفاظ بطرقهم عن أبي الأسود ، وأبي جروة ، وقيس ، وعبد السلام. الحلبي في سيرته 3 : 315 ، الخفاجي في شرح الشفا 3 : 165 ، والشيخ علي القاري في شرحه هامش شرح الخفاجي 3 : 165.
1 ـ مستدرك الحاكم 3 : 120.

(192)
    وهذه كلمات الصحابة مبثوثة في طيات الكتب والمعاجم ، وهي تعرب عن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحث أصحابه إلى نصرة أمير المؤمنين في تلك الحروب ، ويدعوهم إلى القتال معه ، ويأمر عيون أصحابه بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. منهم :
    1 ـ أبو أيوب الأنصاري ذلك الصحابي العظيم ، قال أبو صادق : قدم أبو أيوب العراق فأهدت له الأزد جزرا فبعثوا بها معي فدخلت فسلمت إليه وقلت له : قد أكرمك الله بصحبة نبيه ونزوله عليك فمالي أراك تستقبل الناس تقاتلهم ؟! تستقبل هؤلاء مرة و هؤلاء مرة فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا أن نقاتل مع علي الناكثين فقد قاتلناهم ، وعهد إلينا أن نقاتل معه القاسطين فهذا وجهنا إليهم يعني معاوية وأصحابه ، وعهد إلينا أن نقاتل مع علي المارقين فلم أرهم بعد (1) وروى علقمة والأسود عن أبي أيوب أنه قال : إن الرائد لا يكذب أهله ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بقتال ثلاثة مع علي بقتال الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين. الحديث (2).
    وقال عتاب بن ثعلبة : قال أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين مع علي ورواه عنه أصبغ بن نباتة غير أن فيه : أمرنا (3).
    2 ـ أبو سعيد الخدري قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين قلنا : يا رسول الله ؟ أمرتنا بقتال هؤلاء فمع من ؟ قال : مع علي بن أبي طالب (4).
    3 ـ أبو اليقظان عمار بن ياسر قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين
1 ـ تاريخ ابن عساكر 5 ص 41. أربعين الحاكم ولفظه يقرب من هذا. تاريخ ابن كثير 7 ص 306. كنز العمال 6 ص 88.
2 ـ تاريخ الخطيب البغدادي 13 ص 187 ، كفاية الكنجي 70 ، تاريخ ابن كثير 7 ص 306.
3 ـ أخرجه الحافظ ابن حبان الطبري كما ذكره السيوطي ، ورواه الحاكم في أربعينه ، وابن عبد البر في الاستيعاب 3 ص 53.
4 ـ أخرجه الحاكم في أربعينه كما ذكره السيوطي والحافظ الكنجي في الكفاية ص 72 ، وابن كثير في تاريخه 7 ص 305.


(193)
والقاسطين والمارقين أخرجه الطبراني وفي لفظه الآخر من طريق آخر : أمرنا.
    أخرجه الطبراني وأبو يعلى وعنهما الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) 7 ص 238.
    وأما كون قتال أمير المؤمنين نفسه بأمر من رسول الله وأنه لم يكن رأيا يخص به فتوقفك على حق القول فيه عدة أحاديث.
    1 ـ خليد العصري قال : سمعت أمير المؤمنين عليا يقول يوم النهروان : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (1).
    2 ـ أبو اليقظان عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا علي ؟ ستقاتلك الفئة الباغية وأنت على الحق ، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني (2).
    3 ـ ومن كلام لعمار بن ياسر خاطب به أبا موسى : أما إني أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر عليا بقتال الناكثين ، وسمى لي فيهم من سمى ، وأمره بقتال القاسطين و إن شيء ت لأقيمن لك شهودا يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما نهاك وحدك وحذرك من الدخول في الفتنة. شرح ابن أبي الحديد 3 ص 293.
    4 ـ أبو أيوب الأنصاري قال في خلافة عمر بن الخطاب : أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (3).
    5 ـ عبد الله بن مسعود قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وآله عليا. الحديث (4).
    6 ـ علي بن ربيعة الوالبي قال : سمعت عليا يقول : عهد إلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أقاتل بعده القاسطين والناكثين والمارقين (5).
1 ـ الخطيب في تاريخه 8 ص 340 ، وابن كثير في تاريخه 7 ص 305.
2 ـ أخرجه ابن عساكر في تاريخه ، والسيوطي في ( جمع الجوامع ) كما في ترتيبه 6 ص 155 ، وحكاه الزرقاني عن ابن عساكر في شرح المواهب 3 : 317.
3 ـ أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 139 ، وذكره السيوطي في الخصائص 2 ص 138.
4 ـ أخرجه الطبراني والحاكم في أربعينه من طريقين ، وأبو عمرو في الاستيعاب 3 ص 53 هامش الإصابة ، والهيثمي في مجمع الزوائد 7 ص 238.
5 ـ أخرجه البزار والطبراني في الأوسط ، والحافظ الهيثمي في المجمع 7 ص 238 وقال : أحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعيد ووثقه ابن حبان. وأخرجه أبو يعلى كما في تاريخ ابن كثير 7 ص 304 ، وشرح المواهب للزرقاني 3 ص 217 وقال : سند جيد.


(194)
    7 ـ أبو سعيد مولى رباب قال : سمعت عليا يقول : أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (7).
    8 ـ سعد بن عبادة قال : قال علي عليه السلام : أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (2).
    9 ـ أخرج ابن عساكر من طريق زيد الشهيد عن علي إنه قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. تاريخ ابن كثير 7 ص 305 ، كنز العمال 6 ص 392.
    10 ـ أنس بن عمرو عن أبيه عن علي قال : أمرت بقتال ثلاثة : المارقين والقاسطين والناكثين. أخرجه ابن عساكر كما في تاريخ ابن كثير 7 ص 305.
    11 ـ عبد الله بن مسعود قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فأتى منزل أم سلمة فجاء علي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أم سلمة ؟ هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي (3).
    12 ـ ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأم سلمة في حديث مر ج 1 ص 337 و ج 3 ص 109 يصف عليا بأنه : يقتل القاسطين والناكثين والمارقين.
    13 ـ أمير المؤمنين عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي ؟ أنت فارس العرب و قاتل الناكثين والمارقين والقاسطين ، وأنت أخي ولي كل مؤمن ومؤمنة. شمس الأخبار 38.
    14 ـ أبو أيوب الأنصاري قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي بن أبي طالب : تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. مستدرك الحاكم 3 ص 140.
    15 ـ قال ابن أبي الحديد في شرحه 3 ص 245 : قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله
1 ـ إيضاح الاشكال للحافظ عبد الغني بن سعيد ، المناقب للخوارزمي 106 من طريق الحافظ ابن مردويه.
2 ـ أخرجه جمع من الحفاظ من غير طريق راجع تاريخ ابن كثير 7 ص 305 ، وكنز العمال 6 ص 72.
3 ـ أربعين الحاكم ، الرياض النضرة 2 ص 240 ، تاريخ ابن كثير 7 ص 305 ، مطالب السئول 24 نقلا عن مصابيح البغوي ، فرائد السمطين الباب ال‍ 27 ، كنز العمال 6 ص 391.


(195)
أنه قال لعلي عليه السلام : تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين.
    16 ـ وبهذا الحديث احتج أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى وقال : أنشدكم الله هل فيكم أحد يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين على لسان النبي ، غيري ؟ قالوا : أللهم لا.
    17 ـ أبو رافع قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي : سيكون بينك وبين عائشة أمر : قال : أنا يا رسول الله ؟! قال : نعم. قال : أنا ؟! قال : نعم. قال : فأنا أشقاهم يا رسول الله ؟! قال : لا. ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها.
    أخرجه أحمد في مسنده 6 ص 393 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 7 ص 234 وقال : رواه أحمد والبزار والطبراني ورجاله ثقات. ويوجد في كنز العمال 6 ص 37 ، والخصائص الكبرى 2 ص 137.
    18 ـ أخرج أبو نعيم عن الحارث قال : كنت مع علي بصفين فرأيت بعيرا من إبل الشام جاء وعليه راكبه وثقله فألقى ما عليه وجعل يتخلل الصفوف إلى علي فجعل مشفره فيما بين رأس علي ومنكبه وجعل يحركها بجرانه فقال علي :
    والله إنها للعلامة التي بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الخصائص الكبرى 2 ص 138 ).
    23 ـ قال : قال الرافضي ( يعني العلامة الحلي ) : وعن عمرو بن ميمون قال : لعلي بن أبي طالب عشر فضايل ليست لغيره قال النبي صلى الله عليه وسلم : لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله. فاستشرف إليها من استشرف فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ قالوا : هو أرمد في الرحا يطحن ، وما كان أحدهم يطحن قال : فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر ، قال : فنفث في عينيه ثم هز الراية ثلاثا وأعطاها إياه فجاء بصفية بنت حي. قال : ثم بعث أبا بكر بسورة براءة فبعث عليا خلفه فأخذها منه ، وقال : لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه. وقال لبني عمه : أيكم يواليني في الدنيا والآخرة. قال : وعلي جالس معهم فأبوا فقال علي : أنا أواليك في الدنيا والآخرة. قال : فتركه ثم أقبل على رجل رجل منهم فقال : أيكم يواليني في الدنيا والآخرة ؟ فأبوا فقال علي : أنا أواليك في الدنيا والآخرة. فقال : أنت وليي في الدنيا والآخرة. قال : وكان علي أول من أسلم من الناس بعد خديجة. قال : وأخذ


(196)
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه فوضعه على علي وفاطمة والحسن والحسين فقال : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. قال : وشرى علي نفسه ولبس ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نام مكانه وكان المشركون يرمونه بالحجارة. و خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس في غزاة تبوك فقال له علي : أخرج معك ؟ فقال :
    لا. فبكى علي. فقال له : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟! إلا أنك لست بنبي ، لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. وقال له رسول الله صلى الله وعليه وسلم : أنت وليي في (1) كل مؤمن بعدي. قال : وسد أبواب المسجد إلا باب علي. قال : وكان يدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره. وقال له : من كنت مولاه فعلي مولاه ج 3 ص 8 ثم قال ما ملخصه :
    الجواب : إن هذا ليس مسندا بل هو مرسل لو ثبت عن عمر وبن ميمون و فيه ألفاظ هي كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله : لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي فإن النبي صلى الله عليه وآله ذهب غير مرة وخليفته على المدينة غير علي. ( ثم ذكر عدة من ولاته على المدينة ) فقال : وعام تبوك ما كان الاستخلاف إلا على النساء والصبيان ، ومن عذر الله وعلى الثلاثة الذين خلفوا أو متهم بالنفاق وكانت المدينة آمنة لا يخاف على أهلها ولا يحتاج المستخلف إلى جهاد.
    وكذلك قوله : وسد الأبواب كلها إلا باب علي. فإن هذا مما وضعته الشيعة على طريق المقابلة فإن الذي في الصحيح عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في مرضه الذي مات فيه : إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر ، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن إخوة الاسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر ، ورواه ابن عباس أيضا في الصحيحين.
    ومثل قوله : أنت وليي في كل مؤمن بعدي. فإن هذا موضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث. ( ثم أردفه بخرافات وتافهات في بيان عدم اختصاص علي بهذه المناقب ).
1 ـ كذا. والصحيح المحفوظ في أصول الحديث : أنت ولي كل مؤمن بعدي.

(197)
    ج ـ كان الاحرى بالرجل أن يحرج على العلماء النظر في كتابه فيختص خطابه بالرعرة الدهماء ممن لا يعقل أي طرفيه أطول ، لأن نظر العلماء فيه يكشف عن سوءته ، ويوضح للملأ إعوازه في العلم ، وانحيازه عن الصدق والأمانة.
    ويظهر تدجيله وتزويره وتمويهه على الحقايق ، ومن المحتمل جدا أنه قد غالى في عظمة نفسه يوم خوطب بشيخ الاسلام ، فحسب أن الأمة تأخذ ما يقوله كأصول مسلمة لا تناقشه فيه الحساب ، وإذ أخفق ظنه وأكدى أمله ، فهلم معي نمعن النظرة في هملجته حول هذا الحديث وما له فيه من جلبة وسخب.
    فأول ما يتقول فيه : أنه مرسل وليس بمسند.
    فكأن عينيه في غشاوة عن مراجعة المسند لإمام مذهبه أحمد بن حنبل فإنه أخرجه في ج 1 ص 331 عن يحيى بن حماد عن أبي عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس (1) ورجال هذا السند رجال الصحيح غير أبي بلج وهو ثقة عند الحفاظ كما مرت في ترجمته ج 1 ص 71.
    وأخرجه بسند صحيح رجاله كلهم ثقات الحافظ النسائي في الخصايص 7 ، و الحاكم في المستدرك 3 ص 132 وصححه هو والذهبي ، والطبراني كما في المجمع للحافظ الهيثمي وصححه ، وأبو يعلى كما في البداية والنهاية ، وابن عساكر في الأربعين الطوال ، وذكره ابن حجر في الإصابة 2 ص 509 وجمع آخرون ؟ ؟ في الجزء الأول ص 51.
    فما عذر الرجل في نسبة الإرسال إلى مثل هذا الحديث ؟! وإنكار سنده المتصل الصحيح الثابت ؟! أهكذا يفعل بواديع النبوة ؟! أهكذا تلعب يد الأمانة بالسنة و العلم والدين ؟!
    والأعجب : أنه عطف بعد ذلك على فقرات من الحديث وهو يحاول تفنيدها ويحسبها من الأكاذيب منها قوله صلى الله عليه وآله : لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي. فارتآه كذبا مستدلا بأن النبي صلى الله عليه وآله ذهب غير مرة وخليفته على المدينة غير علي
1 ـ مر بلفظه 1 ص 50.

(198)
    ومن استشف الحقيقة من هذا الموقف علم أنها قضية شخصية لا تعد قصة تبوك لما كان صلى الله عليه وآله يعلمه من عدم وقوع الحرب فيها ، وكانت حاجة المدينة إلى خلافة مثل أمير المؤمنين عليها مسيسة لما تداخل القوم من عظمة ملك الروم ( هرقل ) و تقدم جحفله الجرار ، وكانوا يحسبون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحشده الملتف به لا قبل لهم به ، ومن هنا تخلف المتخلفون من المنافقين ، فكان أقرب الحالات في المدينة بعد غيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يرجف بها المنافقون للفت في عضد صاحب الرسالة ، والتزلف إلى عامل بلاد الروم الزاحف ، فكان من واجب الحالة عندئذ أن يخلف عليها أمير المؤمنين عليه السلام المهيب في أعين القوم ، والعظيم في النفوس الجامحة ، وقد عرفوه بالبأس الشديد ، والبطش الصارم ، إتقاء بادرة ذلك الشر المترقب.
    وإلا فأمير المؤمنين عليه السلام لم يتخلف عن مشهد حضره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا تبوك (1) وعلى هذا إتفق علماء السير كما قال سبط ابن الجوزي في ( التذكرة ) ص 12.
    وفي وسع الباحث أن يستنتج ما بيناه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : كذبوا ولكن خلفتك لما ورائي. فيما أخرجه ابن إسحق بإسناده عن سعد بن أبي وقاص قال : لما نزل رسول الله الجرف طعن رجال من المنافقين في إمرة علي وقالوا : إنما خلفه استثقالا فخرج علي فحمل سلاحه حتى أتى النبي صلى الله عليه وآله بالجرف فقال : يا رسول الله ؟ ما تخلفت عنك في غزاة قط قبل هذه قد زعم المنافقون إنك خلفتني استثقالا.
    فقال : كذبوا ولكن خلفتك لما ورائي. الحديث (2) ومما صح عنه صلى الله عليه وآله حين أراد أن يغزو أنه قال : ولا بد من أن أقيم أو تقيم. فخلفه (3).
    إذا عرفت ذلك كله فلا يذهب عليك أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم : لا ينبغي أن أذهب إلا و أنت خليفتي. ليس له مغزى إلا خصوص هذه الواقعة ، وليس في لفظه عموم يستوعب
1 ـ الاستيعاب 3 ص 34 هامش الإصابة ، شرح التقريب 1 ص 85 ، الرياض النضرة 2 ص 163 ، الصواعق 72 ، الإصابة 2 ص 507 ، السيرة الحلبية 3 ص 148 ، الاسعاف 149.
2 ـ الرياض النضرة 2 ص 162 ، الامتاع للمقريزي 49 ؟ ، عيون الأثر 2 ص 217 ، السيرة الحلبية 3 ص 148 ، شرح المواهب للزرقاني 3 ص 69 ، سيرة زيني دحلان 2 ص 338.
3 ـ أخرجه الطبراني بطريق صحيح كما في مجمع الزوائد 9 ص 111.


(199)
كل ما غاب صلى الله عليه وآله عن المدينة ، فمن الباطل نقض الرجل باستخلاف غيره على المدينة في غير هذه الواقعة ، حيث لم تكن فيه ما أوعزنا إليه من الإرجاف ، وكانت حاجة الحرب أمس إلى وجود أمير المؤمنين عليه السلام حيث لم يكن غيره كمثله يكسر صولة الأبطال ، و يغير في وجوه الكتائب. فكان صلى الله عليه وآله وسلم في أخذ أمير المؤمنين معه إلى الحروب واستخلافه في مغيبه يتبع أقوى المصلحتين.
    ثم : إن الرجل حاول تصغيرا لصورة هذه الخلافة فقال : وعام تبوك ما كان الاستخلاف.. إلخ. غير أن نظارة التنقيب لا تزال مكبرة لها من شتى النواحي.
    ( الأولى ) : قوله : أم ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟!
    وهو يعطي إثبات كل ما للنبي صلى الله عليه وآله من رتبة وعمل ومقام ونهضة وحكم و إمارة وسيادة لأمير المؤمنين عدا ما أخرجه الاستثناء من النبوة كما كان هارون من موسى كذلك. فهو خلافة عنه صلى الله عليه وآله وإنزال لعلي عليه السلام منزلة نفسه لا محض استعمال كما يظنه الظانون ، فقد استعمل صلى الله عليه وآله وسلم قبل هذه على البلاد أناسا ، وعلى المدينة آخرين. وأمر على السرايا رجالا لم يقل في أحد منهم ما قاله في هذا الموقف ، فهي منقبة تخص أمير المؤمنين فحسب.
    ( الثانية ) : قوله صلى الله عليه وآله فيما مر عن سعد بن أبي وقاص : كذبوا ولكن خلفتك لما ورائي. لما طعن رجال من المنافقين في إمرة علي عليه السلام ولا يوعز صلى الله عليه وآله به إلا إلى ما أشرنا إليه عن خشية الإرجاف بالمدينة عند مغيبه ، وإن إبقاءه كان لإبقاء بيضة الدين عن أن تنتهك ، وحذار أن يتسع خرقها بهملجة المنافقين ، لولا هناك من يطأ فورتهم بأخمص بأسه وحجاه ، فكان قد خلفه لمهمة لا ينوء بها غيره.
    ( الثالثة ) : قوله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام في حديث البراء بن عازب وزيد بن أرقم قالا : قال حين أراد صلى الله عليه وآله أن يغزو : إنه لا بد من أن أقيم أو تقيم فخلفه. الحديث (1). وهو يدل على أن بقاء أمير المؤمنين عليه السلام على حد بقاء رسول الله صلى الله عليه وآله في كلائة بيضة الدين ، وإرحاض معرة المفسدين ، فهو أمر واحد يقام بكل منهما على حد سواء ، وناهيك به من منزلة ومقام.
1 ـ أخرجه الطبراني بإسنادين أحدهما رجاله رجال الصحيح إلا ميمون البصري وهو ثقة وثقه ابن حبان كما في مجمع الزوائد 9 ص 111 ، راجع ما مر في الجزء الأول ص 71.

(200)
     ( الرابعة ) : ما صح عن سعد بن أبي وقاص من قوله : والله لإن يكون لي واحدة من خلال ثلاث أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، لإن يكون قال لي ما قال له حين رده من تبوك ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ؟! إلا أنه لا نبي بعدي. أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس. الحديث (1).
    وقال المسعودي في المروج 2 ص 61 بعد ذكر الحديث ووجدت في وجه آخر من الروايات وذلك في كتاب علي بن محمد بن سليمان النوفلي في الإخبار عن ابن عائشة وغيره أن سعدا لما قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضرط له معاوية و قال له : اقعد حتى تسمع جواب ما قلت ، ما كنت عندي قط ألام منك الآن فهلا نصرته ؟ ولم قعدت عن بيعته ؟ فإني لو سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم مثل الذي سمعت فيه لكنت خادما لعلي ما عشت. فقال سعد : والله إني لأحق بموضعك منك. فقال معاوية : يأبى عليك بنو عذرة. وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة. الكلام.
    وصح عند الحفاظ الاثبات أن معاوية أمر سعدا فقال : ما منعك أن تسب أبا تراب ؟! قال : أما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه ، لإن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي وخلفه في تبوك فقال له علي :
    يا رسول الله ؟ تخلفني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟! إلا أنه لا نبي بعدي. الحديث (2).
    موورد في حديث أن سعدا دخل على معاوية فقال له : مالك لم تقاتل معنا ؟! فقال : إني مرت بي ريح مظلمة فقلت : اخ اخ فأنخت راحلتي حتى انجلت عني ثم عرفت الطريق فسرت. فقال معاوية : ليس في كتاب الله أخ أخ ولكن قال الله تعالى : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى
1 ـ خصايص النسائي 32 ، مروج الذهب 2 ص 61.
2 ـ جامع الترمذي 2 ص 213 ، مستدرك الحاكم 3 ص 108 وصححه وأقره الذهبي م وأخرجه باللفظ المذكور مسلم في صحيحه ، ونقله عند الحافظ الكنجي في الكفاية 28 ، والبدخشاني في نزل الأبرار ص 15 عن مسلم والترمذي ، وذكره بهذا اللفظ ابن حجر في الإصابة 2 ص 509 عن الترمذي ، وميرزا مخدوم الجرجاني في الفصل الثاني من ( نواقض الروافض ) نقلا عن مسلم والترمذي ).
كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: فهرس