كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: 181 ـ 190
(181)
تكذيبا باتا ؟! أو : أن حقده المحتدم لآل بيت الوحي يتدهور به إلى هوة المناوءة لهم بتفنيد فضايلهم ومناقبهم. أحسب أن كلا الداءين لا يعدوانه.
    أما الحديث فله إسناد معروف عند الحفاظ والأعلام ، صححه بعضهم وحسنه آخر ، وأنهوه إلى النبي الأقدس صلوات الله عليه وآله وممن أخرجه :
    1 ـ الإمام أبو الحسن الرضا سلام الله عليه في مسنده كما في ( الذخاير ) 39.
    2 ـ الحافظ أبو موسى ابن المثنى البصري المتوفى 252 كما في معجمه.
    3 ـ الحافظ أبو بكر ابن أبي عاصم المتوفى 287 كما في ( الإصابة ) وغيره.
    4 ـ الحافظ أبو يعلى الموصلي المتوفى 307 في سننه.
    5 ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني المتوفى 360 في معجمه.
    6 ـ الحافظ عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفى 405 في ( المستدرك ) 3 ص 154 وصححه.
    7 ـ الحافظ أبو سعيد الخركوشي المتوفى 406 في مؤلفه.
    8 ـ الحافظ أبو نعيم الاصبهاني المتوفى 430 في ( فضايل الصحابة ).
    9 ـ الحافظ أبو القاسم ابن عساكر المتوفى 571 في ( تاريخ الشام ).
    10 ـ الحافظ أبو المظفر سبط ابن الجوزي المتوفى 654 في تذكرته ص 175.
    11 ـ الحافظ أبو العباس محب الدين الطبري المتوفى 694 في ( الذخاير ) 39.
    12 ـ الحافظ أبو الفضل ابن حجر العسقلاني المتوفى 852 في ( الإصابة ) 4 ص 378.
    13 ـ الحافظ شهاب الدين ابن حجر الهيثمي المتوفى 954 في ( الصواعق ) 105.
    14 ـ أبو عبد الله الزرقاني المالكي المتوفى 1122 في شرح ( المواهب ) 3 ص 202.
    15 ـ أبو العرفان الصبان المتوفى 1206 في ( إسعاف الراغبين ) 171 وقال : رواه الطبراني وغيره بإسناد حسن.
    16 ـ البدخشي صاحب ( مفتاح النجا ) في ( نزل الأبرار ) ص 47 21 قال : حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي :
    هذا فاروق أمتي يفرق بين أهل


(182)
الحق والباطل. وقول ابن عمر : ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ببغضهم عليا. فلا يستريب أهل المعرفة بالحديث أنهما حديثان موضوعان مكذوبان على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرو واحد منهما في كتب العلم المعتمدة ولا لواحد منهما إسناد معروف 2 ص 179.
    ج ـ إن أجمع كلمة تنطبق على هذا المغفل هو ما قيل في غيره قبل زمانه : اعطي مقولا ولم يعط معقولا. فتراه في أبحاث كتابه يقول ولا يعقل ما يقول ، ويرد غير القول الذي قد قيل له ، فهذا آية الله العلامة الحلي يروي عن ابن عمر قوله : ما كنا نعرف المنافقين ، إلخ.
    وهذا يقول إنه حديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعقل أن راويه لم يعزه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان حق المقام أن يفند نسبته إلى ابن عمر ، على أن ابن عمر لم يتفرد بهذا القول وإنما أصفق معه على ذلك لفيف من الصحابة منهم :
    1 ـ أبو ذر الغفاري فإنه قال : ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا بثلاث : بتكذيبهم الله ورسوله. والتخلف عن الصلاة. وبغضهم علي بن أبي طالب.
    أخرجه الخطيب في ( المتفق ) ، محب الدين الطبري في ( الرياض ) 2 ص 215 ، الجزري في ( أسنى المطالب ) ص 8 وقال : وحكي عن الحاكم تصحيحه. السيوطي في ( الجامع الكبير ) كما في ترتيبه 6 ص 390.
    2 ـ أبو سعيد الخدري قال : كنا نعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم عليا م وفي لفظ الزرندي : ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ببغضهم عليا.
    جامع الترمذي 2 ص 299 ، حلية الأولياء 6 ص 295 ، الفصول المهمة ص 126 ، أسنى المطالب للجزري ص 8 ، مطالب السئول ص 17 ، نظم الدرر للزرندي ، الصواعق 73.
    3 ـ جابر بن عبد الله الأنصاري قال : ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض أو : ببغضهم علي بن أبي طالب.
    أخرجه أحمد في ( المناقب ) ، ابن عبد البرقي ( ( الاستيعاب ) 3 ص 46 هامش الإصابة ، الحافظ محب الدين في ( الرياض ) 2 ص 214 ، الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9 ص 132.


(183)
    4 ـ أبو سعيد محمد بن الهيثم قال : إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار إلا ببغضهم علي بن أبي طالب. أخرجه الحافظ الجزري في ( أسنى المطالب ) ص 8.
    5 ـ أبو الدرداء قال : إن كنا نعرف المنافقين معشر الأنصار إلا ببغضهم علي بن أبي طالب. أخرجه الترمذي كما في ( تذكرة ) سبط ابن الجوزي ص 17.
    ولم تكن هذه الكلمات دعاوي مجردة من القوم وإنما هي مدعومة بما وعوه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علي عليه السلام وإليك نصوصه :
    1 ـ عن أمير المؤمنين أنه قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إلي : أنه لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق.
مصادره
    أخرجه مسلم في صحيحه كما في ( الكفاية ) ، الترمذي في جامعه 2 ص 299 من غير قسم وقال : حسن صحيح ، أحمد في مسنده 1 ص 84 ، ابن ماجة في سننه 1 ص 55 ، النسائي في سننه 8 ص 117 ، وفي خصايصه 27 ، أبو حاتم في مسنده ، الخطيب في تاريخه 2 ص 255 ، البغوي في ( المصابيح ) 2 ص 199 ، محب الدين الطبري في رياضه 2 ص 214 ، ابن عبد البر في ( الاستيعاب ) 3 ص 37 ، ابن الأثير في ( جامع الأصول ) كما في تلخيصه ( تيسير الوصول ) 3 ص 272 عن مسلم والترمذي والنسائي ، سبط ابن الجوزي في تذكرته 17 ، ابن طلحة في ( مطالب السئول ) 17 ، ابن كثير في تاريخه 7 ص 354 عن الحافظ عبد الرزاق وأحمد ومسلم وعن سبعة أخرى وقال : هذا هو الصحيح ، شيخ الاسلام الحموي في فرايده في الباب ال‍ 22 بطرق أربعة ، الجزري في ( أسنى المطالب ) 7 وصححه. ابن الصباغ المالكي في ( الفصول ) 124 ، ابن حجر الهيثمي في ( الصواعق ) 73 ، ابن حجر العسقلاني في ( فتح الباري ) 7 ص 57 ، السيوطي في ( جمع الجوامع ) كما في ترتيبه 6 ص 394 عن الحميدي. وابن أبي شيبة. وأحمد. والعدني. والترمذي والنسائي. وابن ماجة. وابن حبان في صحيحه. وأبي نعيم في الحلية. وابن أبي عاصم


(184)
في سننه ، القرماني في تاريخه هامش ( الكامل ) 1 ص 216 ، الشنقيطي في ( الكفاية ) 35 وصححه.
    موالعجلي في كشف الخفاء 2 ص 382 عن مسلم. والترمذي. والنسائي. وابن ماجة ، وقد صدقه بدر الدين بن جماعة حين قال ابن حيان أبو حيان الأندلسي : قد روى علي قال : عهد إلي النبي.. الخ.
    هل صدق في هذه الرواية ؟! فقال له ابن جماعة : نعم. فقال : فالذين قاتلوه وسلوا السيوف في وجهه كانوا يحبونه أو يبغضونه ؟! الدرر الكامنة 4 ص 208 ].
    صورة أخرى
    عن أمير المؤمنين : لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إلي : لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق.
    ( مصادرها )
    أخرجه أحمد في مسنده 1 ص 95 ، 138. الخطيب في تاريخه 14 ص 426. النسائي في سننه 8 ص 117 ، وفي خصايصه 27 ، أبو نعيم في ( الحلية ) 4 ص 185 بعدة طرق وفي إحدى طرقه : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة وتردى بالعظمة أنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي... إلخ. وقال : هذا حديث صحيح متفق عليه ، ابن عبد البر في الاستيعاب 3 ص 37 وقال : روته طائفة من الصحابة ، ابن أبي الحديد في شرحه 2 ص 284 وقال : هذا الخبر مروي في الصحاح.
    وقال في ج 1 ص 364 : قد اتفقت الأخبار الصحيحة التي لا ريب فيها عند المحدثين على أن النبي قال له : لا يبغضك إلا منافق ، ولا يحبك إلا مؤمن ، شيخ الاسلام الحموي في الباب ال‍ 22 ، الهيثمي في مجمع الزوائد ) 9 ص 133. السيوطي في جامعه الكبير كما في ترتيبه 6 ص 152 ، 408 من عدة طرق ، ابن حجر في ( الإصابة ) 2 ص 509.
    صورة ثالثة
    قال أمير المؤمنين عليه السلام : لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بجماتها على المنافقين على أن يحبني ما أحبني ، وذلك أنه قضي


(185)
فانقضى على لسان النبي الأمي صلى الله عليه وآله أنه قال : يا علي ؟ لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبك منافق. تجدها في نهج البلاغة ، وقال ابن أبي الحديد في شرحه 4 ص 264 : مراده عليه السلام من هذا الفصل إذكار الناس ما قاله فيه رسول الله صلى الله عليه وآله.
    صورة رابعة
    في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام : قضاء قضاه الله عز وجل على لسان نبيكم النبي الأمي أن لا يحبني إلا مؤمن ، ولا يبغضني إلا منافق.
    أخرجه الحافظ ابن فارس ، وحكاه عنه الحافظ محب الدين في ( الرياض ) 2 ص 214 ، وذكره الزرندي في ( نظم درر السمطين ) وفي آخره : وقد خاب من افترى. ( صدر الحديث ) عن أبي الطفيل قال : سمعت عليا عليه السلام وهو يقول :
    لو ضربت خياشيم المؤمن بالسيف ما أبغضني ، ولو نثرت على المنافق ذهبا وفضة ما أحبني ، إن الله أخذ ميثاق المؤمنين بحبي وميثاق المنافقين ببغضي ، فلا يبغضني مؤمن ، ولا يحبني منافق أبدا.
    ( صورة أخرى ) عن حبة العرني عن علي عليه السلام إنه قال : إن الله عز وجل أخذ ميثاق كل مؤمن على حبي ، وميثاق كل منافق على بغضي ، فلو ضربت وجه المؤمن بالسيف ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا على المنافق ما أحبني. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 ص 364.
    2 ـ عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : لا يحب عليا المنافق ، و لا يبغضه مؤمن.
    الترمذي في جامعه 2 ص 213 وصححه. ابن أبي شيبة. الطبراني. البيهقي في ( المحاسن والمساوي ) 1 ص 29. محب الدين في رياضه 2 ص 214. سبط ابن الجوزي في تذكرته 15. ابن طلحة في ( مطالب السئول ) 17. الجزري في ( أسنى المطالب ) 7. السيوطي في ( الجامع الكبير ) كما في ترتيبه 6 ص 152 ، 158.
    صورة أخرى
    عن أم سلمة قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي : لا يبغضك مؤمن ، ولا يحبك منافق.


(186)
    الإمام أحمد في ( المناقب ) ، محب الدين في ( الرياض ) 2 ص 214 ، ابن كثير في تاريخه 7 ص 354.
    م ـ صورة ثالثة
    أخرج ابن عدي في كامله عن البغوي بإسناده عن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي لعلي :
    لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق].
    3 ـ في خطبة للنبي صلى الله عليه وآله : يا أيها الناس ؟ أوصيكم بحب ذي قرنيها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب فإنه لا يحبه إلا مؤمن ، ولا يبغضه إلا منافق. مناقب أحمد ، الرياض النضرة 2 ص 214 ، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 451 ، تذكرة السبط 17.
    4 ـ عن ابن عباس قال : نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي فقال : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق.
    أخرجه الحافظ الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) 9 ص 133.
    وهذا الحديث مما احتج به أمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى فقال : أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له صلى الله عليه وآله وسلم : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ، غيري ؟! قالوا : أللهم لا (1).
    هذا ما عثرنا عليه من طرق هذا الحديث ولعل ما فاتنا منها أكثر ، ولعلك بعد هذه كلها لا تستريب في أنه لو كان هناك حديث متواتر يقطع بصدوره عن مصدر الرسالة فهو هذا الحديث أو أنه من أظهر مصاديقه ، كما أنك لا تستريب بعد ذلك كله أن أمير المؤمنين عليه السلام بحكم هذا الحديث الصادر ميزان الإيمان ومقياس الهدى بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهذه صفة مخصوصة به عليه السلام وهي لا تبارحها الإمامة المطلقة ، فإن من المقطوع به أن أحدا من المؤمنين لم يتحل بهذه المكرمة ، فليس حب أي أحد منهم شارة إيمان ولا بغضه سمة نفاق ، وإنما هو نقص في الأخلاق وإعواز في الكمال ما لم تكن البغضاء لإيمانه ، وأما إطلاق القول بذلك مشفوعا بتخصيصه بأمير المؤمنين
1 ـ راجع حديث المناشدة ج 1 ص 159 ـ 163

(187)
فليس إلا ميزة الإمامة ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لولاك يا علي : ما عرف المؤمنون بعدي. (1) وقال : والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلا وهو خارج من الإيمان (2).
    م ـ ألا ترى كيف حكم عمر بن الخطاب بنفاق رجل رثاه يسب عليا وقال : إني أظنك منافقا ؟! أخرجه الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخه 7 ص 453 ].
    وحينئذ يحق لابن تيمية أن ينفجر بركان حقده على هذا الحديث ، فيرميه بأثقل القذائف ، ويصعد في تحوير القول ويصوب.
    ( وأما الحديث الأول ) فينتهي إسناده إلى ابن عباس. وسلمان. وأبي ذر. وحذيفة اليماني. وأبي ليلى الغفاري.
    أخرج عن هؤلاء جمع كثير من الحفاظ والأعلام منهم : الحاكم ، أبو نعيم ، الطبراني ، البيهقي ، العدني ، البزار ، العقيلي ، المحاملي ، الحاكمي ، ابن عساكر ، الكنجي ، محب الدين ، الحموي ، القرشي ، الأيجي ، ابن أبي الحديد ، الهيثمي ، السيوطي ، المتقي الهندي ، الصفوري
    ولفظ الحديث عندهم : (3) ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فألزموا علي بن أبي طالب فإنه أول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصديق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين (4).
    وبعد هذا كله تعرف قيمة ما يقوله أو يتقوله ( ابن تيمية ) من [ أن الحديثين لم يرو واحد منهما في كتب العلم المعتمدة ، ولا لواحد منهما إسناد معروف ] فإذا
1 ـ مناقب ابن المغازلي ، شمس الأخبار 37 ، الرياض 2 ص 202 ، كنز العمال 6 ص 402.
2 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 ص 78.
3 ـ باختلاف يسير عند بعضهم لا يضر المغزى.
4 ـ راجع ج 2 ص 312 ، 313 من كتابنا.


(188)
كان لا يرى الصحاح والمسانيد من كتب العلم المعتمدة ، وما أسنده الحفاظ والأئمة وصححوه إسنادا معروفا ؟ فحسبه ذلك جهلا شائنا ، وعلى قومه عارا وشنارا ، وليت شعري بأي شيء يعتمد هو وقومه في المذهب بعد هاتيك العقيدة السخيفة ؟! يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد.
    22 ـ قال : علي رضي الله عنه لم يكن قتاله يوم الجمل وصفين بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما كان رأيا رآه 2 ص 231.
    ج ـ إني لا أعجب من جهل هذا الانسان ( الذي خلق جهولا ) بشيء ون الإمامة وأن حامل أعبائها كيف يجب أن يكون في ورده وصدره ، فإنه في منتأى عن معنى الإمامة التي نرتأيها ، ولا أعجب من جهله بموقف مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وإنه كيف كان قيد الأمر ورهن الإشارة من مخلفه النبي الأعظم ، فإنه لم تتح له الحيطة بمكانته وفواضله ومجاري علمه وعمله فإن النصب المردي قد أعشى بصره ، ورماه عن الحق في مرمى سحيق ، وإنما كل عجبي من جهله بما أخرجه الحفاظ والأئمة في ذلك ، ولكنه من قوم لهم أعين لا يبصرون بها.
    ونحن نعلم ما توسوس به صدره ، غاية الرجل من هذا الحكم البات تغرير الأمة والتمويه على الحقيقة ، وجعل تلك الحروب الدامية نتيجة رأي واجتهاد من الطرفين حتى يسع له القول بالتساوي بين أمير المؤمنين ومقاتليه في الرأي والاجتهاد ، و إن كلا منهما مجتهد وله رأيه مصيبا كان أو مخطئا ، غير أن للمصيب أجرين و للمخطأ أجر واحد ، ذاهلا عن أن المنقب لا يخفى عليه هذا التدجيل ، ويد التحقيق توقظ نائمة الأثكل ، وقلم الحق لا يترك الأمة سدى ، وينبأهم عن أن اجتهاد القوم ( إن صحت الأحلام ) اجتهاد في مقابلة النص النبوي الأغر.
    وليت شعري كيف يخفى الأمر على أي أحد ؟ أو كيف يسع أن يتجاهل أي أحد ؟ وبين يدي الملأ العلمي قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لزوجاته : أيتكن صاحبة الجمل الأدبب وهو كثير الشعر تخرج فينبحها كلاب الحوأب ، يقتل حولها قتلى كثير ، وتنجو بعد ما كادت تقتل ؟ (1)
1 ـ أخرجه البزار. أبو نعيم. ابن أبي شيبة. الماوردي في الأعلام ص 82. الزمخشري في

(189)
    وقوله صلى الله عليه وآله لهن : كيف بإحداكن إذا نبح عليها كلاب الحوأب (1).
    وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لهن : أيتكن التي تنبح عليها ( تنبحها ) كلاب الحوأب ؟ (2).
    وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لهن : ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب سائرة إلى الشرق في كتيبة ( معجم البلدان 3 ص 356 ) ].
    وفي لفظ الخفاجي في شرح الشفا 3 ص 166 : ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأزب (3) تنبحها كلاب الحوأب.
    وقوله صلى الله عليه وآله لعائشة : كأني بإحداكن قد نبحها كلاب الحوأب ، وإياك أن تكوني أنت يا حميراء ؟ (4).
    وقوله صلى الله عليه وآله لها : لها : يا حميراء ؟ كأني بك تنبحك كلاب الحوأب. تقاتلين عليا وأنت له ظالمة (5).
    وقوله صلى الله عليه وآله لها : انظري يا حميراء ؟ أن لا تكون أنت (6).
    وقوله صلى الله عليه وآله لعلي : إن وليت من أمرها شيئا. فارفق بها (7).
الفائق 1 ص 190. ابن الأثير في النهاية 2 ص 10. الفيروز آبادي في القاموس 1 ص 65. الكنجي في الكفاية 71. القسطلاني في المواهب اللدنية 2 ص 195. شرح الزرقاني 7 ص 216. الهيثمي في مجمع الزوائد 7 ص 234 وقال : رواه البزار ورجاله ثقات. السيوطي في جمع الجوامع كما في الكنز 6 ص 83. الحلبي في سيرته 3 ص 313. زيني دحلان في سيرته 3 ص 193 هامش الحلبية. الصبان في الاسعاف 67.
1 ـ أخرجه أحمد في مسنده 6 ص 52 ، وابن أبي شيبة. نعيم بن حماد في الفتن. وعن الأخير بن السيوطي في جمع الجوامع كما في الكنز 6 ص 84.
2 ـ مسند أحمد 6 ص 97. تاريخ الطبري 5 ص 178. كفاية الكنجي 71. جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص 83 ، 84 ، وصححه مجمع الزوائد 7 ص 234 وقال : رواه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح. تذكرة السبط 39. السيرة الحلبية 3 ص 313. وفي هامشها سيرة زيني دحلان 3 ص 193. إسعاف الراغبين 67.
3 ـ الأزب : كثير شعر الوجه.
4 ـ الإمامة والسياسة 1 ص 56. تاريخ اليعقوبي 2 ص 157. جمع الجوامع كما في ترتيبه 6 ص ، 8 وصححه.
5 ـ العقد الفريد 2 ص 283.
6 ـ أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 119. والبيهقي عن أم سلمة. وراجع مناقب الخوارزمي 107 ، الاجابة للزركشي ص 11. سيرة زيني دحلان 3 ص 194. المواهب للقسطلاني 2 ص 195. شرح المواهب للزرقاني 7 ص 216.
7 ـ نفس المصادر السابقة في رقم 6


(190)
    وقوله صلى الله عليه وآله : سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا على الله جهادهم ، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه ، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه ، ليس وراء ذلك شيء . أخرجه الطبراني كما في ( مجمع الزوائد ) 9 ص 134 ، و ( كنز العمال ) 6 ص 155 ، وفي ج 7 ص 305 نقلا عن الطبراني وابن مردويه وأبي نعيم.
    وقيل لحذيفة اليماني : حدثنا ما سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
    قال : لو فعلت لرجمتموني. قلنا : سبحان الله. قال لو حدثتكم أن بعض أمهاتكم تغزوكم في كتيبة تضربكم بالسيف ما صدقتموني. قالوا : سبحان الله ، ومن يصدقك بهذا ؟ قال : أتتكم الحميراء في كتيبة تسوق بها أعلاجها (1).
    م وأخرج الطبري وغيره (2) :
    لما سمعت عائشة رضي الله عنها نباح الكلاب فقالت : أي ماء هذا ؟! فقالوا : الحوأب : فقالت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إني لهية ، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وعنده نساؤه : ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب. فأرادت الرجوع فأتاها عبد الله بن الزبير فزعم إنه قال : كذب من قال : إن هذا الحوأب. ولم يزل حتى مضت].
    موقال العرني صاحب جمل عائشة : لما طرقنا ماء الحوأب فنبحتنا كلابها قالوا : أي ماء هذا ؟ قلت : ماء الحوأب. قال : فصرخت عائشة بأعلى صوتها ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته ثم قالت. أنا والله صاحبة كلاب الحوأب طروقا ردوني. تقول ذلك ثلاثا. فأناخت وأناخوا حولها وهم على ذلك وهي تأبى حتى كانت الساعة التي أناخوا فيها من الغد قال : فجاءها ابن الزبير فقال : النجاء النجاء فقد أدرككم والله علي بن أبي طالب. قال : فارتحلوا وشتموني ] (3).
    موفي حديث قيس بن أبي حازم قال :
    لما بلغت عائشة رضي الله عنها بعض ديار بني عامر نبحت عليها الكلاب فقالت : أي ماء هذا ؟! قالوا : الحوأب قالت : ما أظنني إلا راجعة. فقال الزبير : لا بعد تقدمي ويراك الناس ويصلح الله ذات بينهم. قالت : ما
1 ـ مستدرك الحاكم 4 ص 471. الخصايص 2 ص 137.
2 ـ تاريخ الطبري 5 : 178 ، تاريخ أبي الفدا ج 1 : 173.
3 ـ تاريخ الطبري 5 : 171.
كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: فهرس