كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: 231 ـ 240
(231)
هذا علي وابن عم المصطفى أول من أجابه ممن دعا
هذا الإمام لا يبالي من غوى
    43 ـ عبد الله بن أبي سفيان قال مجيبا الوليد :
وإن ولي الأمر بعد محمد وصي رسول الله حقا وصنوه علي وفي كل المواطن صاحبه وأول من صلى ومن لان جانبه؟
    رسالة الاسكافي ، وذكرهما الحافظ الكنجي في الكفاية ص 48 للفضل بن العباس.
    44 ـ خزيمة بن ثابت الأنصاري عده العراقي في شرح التقريب 1 ص 85 ، و الزرقاني في شرح المواهب 1 ص 242 ممن قال بأن عليا أول الناس إسلاما. وقالا : أنشد المرزبان له في علي :
أليس أول من صلى لقبلتكم وأعلم الناس بالقران والسنن ؟
    وذكر له الاسكافي في رسالته كما في شرح ابن أبي الحديد 3 ص 259 :
وصي رسول الله من دون أهله وأول من صلى من الناس كلهم وفارسه مذ كان في سالف الزمن سوى خيرة النسوان والله ذو المنن
    وذكرهما له الحاكم في المستدرك 3 ص 114 ، وذكر قبلهما :
إذا نحـن بايعنا عليا فحسبنا وجدناه أولى الناس بالناس أنه أبو حسن مما نخاف من الفتن أطب قريش بالكتاب وبالسنن (1)
    45 ـ كعب بن زهير ، ذكر الزرقاني في شرح المواهب 1 ص 242 له من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام :
إن عليا لميمون نقيبته صهر النبي وخير الناس كلهم صلـى الصلاة مع الأمي أولهم بالصالحات من الأفعال مشهور فكـل من رامه بالفخر مفخور قبل العباد ورب الناس مكفور (2)
    46 ـ ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب ، ذكر جمع من الأعلام له أبيات وذكرها آخرون لغيره وهي :
1 ـ ولهذه الأبيات بقية توجد في الفصول المختارة 2 ص 67.
2 ـ في النسخة تصحيف ذكرناها صحيحة.


(232)
ما كنت أحسب أن الأمر منصرف أليس أول من صلى لقبلتهم ؟! وآخر الناس عهدا بالنبي ؟ ، ومن من فيه ما فيهم ما تمترون به ؟! ماذا الذي ردكم عنه ؟! فنعلمه عن هاشم ثم منها عن أبي حسن وأعلم الناس بالآيات والسنن ؟! جبريل عون له في الغسل والكفن ؟! وليس في القوم ما فيه من الحسن ها إن بيعتكم من أول الفتن
    وذكر الاسكافي في رسالته البيتين الأولين منها ونسبهما إلى أبي سليمان بن حرب بن أمية بن عبد شمس حين بويع أبو بكر.
    شرح ابن أبي الحديد 3 ص 259.
    47 ـ الفضل بن أبي لهب قال ردا على قصيدة الوليد بن عقبة :
ألا إن خير الناس بعد محمد وخيرته في خيبر ورسوله وأول من صلـى وصنو نبيه فذاك علي الخير من ذا يفوقه ؟! مهيمنه التاليه في العرف والنكر بنبذ عهود الشرك فوق أبي بكر وأول من أردى الغواة لدى بدر أبو حسن حلف القرابة والصهر
    48 ـ مالك بن عبادة الغافقي حليف حمزة بن عبد المطلب قال :
رأيت عليا لا يلبث قرنه فهذا وفي الاسلام أو مسلم إذا ما دعاه حاسرا أو مسربلا وأول من صلى وصام وهللا
    49 ـ أبو الأسود الدؤلي يهدد طلحة والزبير بقوله :
وإن عليا لكم مصحر أما إنه أول العابدين يماثله الأسد الأسود بمكة والله لا يعبد (1)
    50 ـ جندب بن زهير كان يرتجز يوم صفين بقوله :
هذا علي والهدى حقا معه فإنه يخشاك ربي فارفعه صهر النبي المصطفى قد طاوعه يا رب فاحفظه ولا تضيعه نحن نصرناه على من نازعه أول من بايعه وتابعه (2)
    51 ـ زفر بن يزيد (3) بن حذيفة الأسدي قال :
1 ـ رسالة الاسكافي كما شرح ابن أبي الحديد 3 ص 259.
2 ـ كتاب نصر بن مزاحم 453.
3 ـ في بعض المصادر : زفير بن زيد.


(233)
فحوطوا عليا فانصروه فإنه وإن تخذلوه والحوادث جمة وصي وفي الاسلام أوّل أوّل فليس لكم عن أرضكم متحول (1)
    52 ـ النجاشي بن الحارث بن كعب قال :
فقل للمضلل من وائل جعلت ابن هند وأشياعه إلى أول الناس بعد الرسول وصهر الرسول ومن مثله ومن جعل الغث يوما سمينا نظير علي أما تستحونا ؟! أجاب النبي من العالمينا إذا كان يوم يشيب القرونا ؟! (2)
    53 ـ جرير بن عبد الله البجلي قال :
فصلى الإله على أحمـد وصلى على الطهر من بعده عليا عنيت وصي النبي له الفضل والسبق والمكرمات رسول المليك تمام النعم خليفتنا القائم المـدعم يجالد عنه غواة الأمم وبيت النبوة لا المهتضم
    54 ـ عبد الله بن حكيم التميمي قال :
دعانا الزبير إلى بيعة فقلنا : صفقنا بأيماننا نكثتم عليا على بيعة وطلحة من بعد أن أثقلا فإن شيء تما فخذا الأشملا وإسلامه فيكم أولا
    55 ـ عبد الرحمن بن حنبل [ جعل ] الجمحي حليف بني الجمح قال :
لعمري لئن بايعتم ذا حفيظة عفيفا عن الفحشاء أبيض ماجدا أبا حسن فارضوا به وتبايعوا علي وصي المصطفى ووزيره على الدين معروف العفاف موفقا صدوقا وللجبار قدما مصدقا فليس كمن فيه يرى العيب منطقا وأول من صلى لذي العرش واتقى (3)
    56 ـ أبو عمرو عامر الشعبي الكوفي قال : أول من أسلم من الرجال علي
1 ـ رسالة الاسكافي كما في شرح ابن أبي الحديد 3 ص 259.
2 ـ كتاب صفين لنصر بن مزاحم 66.
3 ـ كفاية الطالب للحافظ الكنجي ص 48.


(234)
ابن أبي طالب وهو ابن تسع سنين. رسالة الاسكافي كما في شرح ابن أبي الحديد 3 ص 260.
    57 ـ أبو سعيد الحسن البصري قال : علي أول من أسلم بعد خديجة. أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عنه.
    ورواه الاسكافي في رسالته عن عبد الرزاق كما في شرح ابن أبي الحديد 3 ص 260.
    وقال الحجاج للحسن وعنده جماعة من التابعين وذكر علي بن أبي طالب : ما تقول أنت يا حسن ؟ فقال : ما أقول ؟ هو :
    أول من صلى إلى القبلة ، وأجاب دعوة رسول الله. وإن لعلي منزلة من ربه وقرابة من رسوله ، وقد سبقت له سوابق لا يستطيع ردها أحد فغضب الحجاج غضبا شديدا وقام عن سريره فدخل بعض البيوت. وقال رجل للحسن : مالنا لا نراك تثني على علي وتقرظه ؟ قال كيف ؟! وسيف الحجاج يقطر دما ، إنه أول من أسلم ، وحسبكم بذلك. رسالة الاسكافي كما في شرح ابن أبي الحديد 3 ص 258.
    58 ـ الإمام محمد بن علي الباقر قال : أول من آمن بالله علي بن أبي طالب و هو ابن إحدى عشرة سنة.
    شرح ابن أبي الحديد 3 ص 260.
    59 ـ قتادة بن دعامة الأكمه البصري قال : علي أول من أسلم بعد خديجة. أخرجه أحمد كما سمعت ، والقسطلاني عده ممن قال به في المواهب 1 ص 45 ، وأقره الزرقاني في شرحه 1 ص 242.
    60 ـ محمد بن مسلم المعروف بابن شهاب (1) عده القسطلاني في المواهب 1 ص 45 ، وأقره الزرقاني في شرحه 1 ص 242 من القائلين بأن عليا أول من أسلم.
    61 ـ أبو عبد الله محمد بن المكندر المدني قال : علي أول من أسلم. تاريخ الطبري 2 ص 213. الكامل لابن الأثير 2 ص 22.
    62 ـ أبو حازم سلمة بن دينار المدني قال : علي أول من أسلم. تاريخ الطبري 1 ص 213. الكامل لابن الأثير 2 ص 22.
    63 ـ أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن المدني قال : علي أول من أسلم. تاريخ الطبري 2 ص 213. الكامل لابن الأثير 2 ص 22.
1 ـ نسبة إلى جد جده.

(235)
    64 ـ أبو النضر محمد بن السائب الكلبي قال : علي أول من أسلم ، أسلم وهو ابن تسع سنين. تاريخ الطبري 2 ص 213.
    الكامل لابن الأثير 2 ص 22.
    65 ـ محمد بن إسحاق قال : كان أول ذكر آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معه و صدقه بما جاءه من عند الله علي بن أبي طالب وهو يومئذ ابن عشر سنين (1) وكان مما أنعم الله به على علي بن أبي طالب إنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الاسلام. وقال : وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة وخرج معه علي بن أبي طالب ، مستخفيا من عمه أبي طالب وجميع أعمامه وسائر قومه فيصليان الصلوات فيها ، فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا ، ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بن أخي ما هذا الدين ؟ الحديث.
    تاريخ الطبري 2 ص 213. سيرة ابن هشام 1 ص 264 ، 265. سيرة ابن سيد الناس 1 ص 93. الكامل لابن الأثير 4 ص 22. شرح ابن أبي الحديد 3 ص 260. السيرة الحلبية 1 ص 287.
    66 ـ جنيد بن عبد الرحمن قال :
    أتيت من حوران إلى دمشق لآخذ عطائي فصليت الجمعة ثم خرجت من باب الدرج فإذا عليه شيخ يقال له : أبو شيبة القاص يقص على الناس ، فرغب فرغبنا ، وخوف فبكينا ، فلما انقضى حديثه قال : اختموا مجلسنا بلعن أبي تراب. فلعنوا أبا تراب عليه السلام فالتفت إلي من على يميني فقلت له : فمن أبو تراب ؟ فقال : علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله ، وزوج ابنته ، وأول الناس إسلاما ، وأبو الحسن والحسين. فقلت : ما أصاب هذا القاص ؟! فقمت إليه وكان ذا وفرة فأخذت وفرته بيدي وجعلت ألطم وجهه وأبطح برأسه الحائط ، فصاح فاجتمع أعوان المسجد فوضعوا ردائي في رقبتي وساقوني حتى دخلوني على هشام بن عبد الملك وأبو شيبة يقدمني فصاح يا أمير المؤمنين ؟ قاصك وقاص آبائك وأجدادك أتي إليه اليوم أمر عظيم.
    قال : من فعل لك ؟ فقال : هذا. فالتفت إلى هشام وعنده أشراف الناس فقال : يا أبا يحيى ؟ متى قدمت ؟ فقلت : أمس وأنا على المصير إلى أمير المؤمنين
1 ـ في الكامل لابن الأثير 2 ص 32 : إحدى عشرة سنة. نقلا عن ابن إسحاق.

(236)
فأدركتني صلاة الجمعة فصليت وخرجت إلى باب الدرج فإذا هذا الشيخ قائم يقص فجلست إليه فقرأ فسمعنا ، فرغب من رغب ، وخوف من خوف ، ودعا فأمنا ، وقال في آخر كلامه :
    اختموا مجلسنا بلعن أبي تراب ، فسألت من أبو تراب ؟ فقيل :
    علي بن أبي طالب ، أول الناس إسلاما ، وابن عم رسول الله ، وأبو الحسن والحسين ، وزوج بنت رسول الله.
    فوالله يا أمير المؤمنين ؟ لو ذكر هذا قرابة لك بمثل هذا الذكر ولعنه بمثل هذا اللعن لأحللت به الذي أحللت ، فكيف لا أغضب لصهر رسول الله وزوج ابنته ؟! فقال هشام : بئس ما صنع.
    ( تاريخ ابن عساكر 3 ص 407 ) هذه جملة من النصوص النبوية ، والكلم المأثورة عن أمير المؤمنين والصحابة والتابعين في أن عليا أول من أسلم : وهي تربو على مائة كلمة ، أضف إليها ما مرج 2 ص 276 من أن أمير المؤمنين سباق هذه الأمة.
    واشفع الجميع بما أسلفناه ج 2 ص 306 من أنه صلوات الله عليه صديق هذه الأمة ، وهو الصديق الأكبر.
    فهل تجد عندئذ مساغا لمكابرة ابن كثير تجاه هذه الحقيقة الراهنة وقوله : و قد ورد في أنه أول من أسلم... إلخ ؟! فإذا لا يصح مثل هذه فما الذي يصح ؟ وإن كان لا يصح شيئ منها فما قيمة تلك الكتب المشحونة بها ؟! كلا ، إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون.
    وأنت ترى الرجل يزيف هذه الكلم والنصوص الكثيرة الصحيحة بحكم الحفاظ الاثبات بكلمة واحدة قارصة ، ويعتمد في إثبات أي أمر يروقه في تاريخه على المراسيل والمقاطيع والآحاد ، ونقل المجاهيل وأفناء الناس.
    ( تذييل ) قال المأمون في حديث احتجاجه على أربعين فقيها ومناظرته إياهم في أن أمير المؤمنين أولى بالناس بالخلافة :
    يا إسحاق أي الأعمال كان أفضل يوم بعث الله رسوله ؟ قلت : الاخلاص بالشهادة. قال : أليس السبق إلى الاسلام ؟ قلت : نعم قال : إقرأ ذلك في كتاب الله يقول : والسابقون السابقون أولئك المقربون إنما عني من سبق إلى الاسلام ، فهل علمت أحدا سبق عليا إلى الاسلام ؟ قلت : يا أمير المؤمنين ؟ إن عليا أسلم وهو حديث السن لا يجوز عليه الحكم ، وأبو بكر أسلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم. قال : أخبرني أيهما أسلم قبل ؟ ثم أناظرك من بعده في الحداثة


(237)
والكمال. قلت : علي أسلم قبل أبي بكر على هذه الشريطة. فقال : نعم فأخبرني عن إسلام علي حين أسلم ؟ لا يخلو من أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه إلى الاسلام أو يكون إلهاما من الله. قال فأطرقت فقال لي : يا إسحاق ؟ لا تقل إلهاما فتقدمه على رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن رسول الله لم يعرف الاسلام حتى أتاه جبريل عن الله تعالى. قلت : أجل بل دعاه رسول الله إلى الاسلام. قال : يا إسحاق ؟ فهل يخلو رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعاه إلى الاسلام من أن يكون دعاه بأمر الله أو تكلف ذلك من نفسه ؟ قال : فأطرقت.
    فقال : يا إسحاق لا تنسب رسول الله إلى تكلف فإن الله يقول : وما أنا من المتكلفين.
    قلت : أجل ، يا أمير المؤمنين ؟ بل دعاه بأمر الله.
    قال : فهل من صفة الجبار جل ذكره أن يكلف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم ؟ قلت : أعوذ بالله. فقال : أفتراه في قياس قولك يا إسحاق ؟ إن عليا أسلم صبيا لا يجوز عليه الحكم قد تكلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من دعاء الصبيان ما لا يطيقون ، فهل يدعوهم الساعة ويرتدون بعد ساعة ، فلا يجب عليهم في ارتدادهم شيء ولا يجوز عليهم حكم الرسول عليه السلام ؟ أترى هذا جائزا عندك أن تنسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! قلت أعوذ بالله. الحديث. العقد الفريد 3 ص 43. وقال أبو جعفر الاسكافي المعتزلي المتوفى 240 في رسالته :
    قد روى الناس كافة إفتخار علي عليه السلام بالسبق إلى الاسلام ، وإن النبي صلى الله عليه وآله استنبئ يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء.
    وإنه كان يقول : صليت قبل الناس سبع سنين وإنه ما زال يقول : أنا أول من أسلم.
    ويفتخر بذلك ويفتخر له به أولياؤه ومادحوه وشيعته في عصره وبعد وفاته ، والأمر في ذلك أشهر من كل شهير ، وقد قدمنا منه طرفا وما علمنا أحدا من الناس فيما خلا استخف بإسلام علي عليه السلام ولا تهاون به ، ولا زعم أنه أسلم إسلام حدث غرير وطفل صغير ، ومن العجب أن يكون مثل العباس وحمزة ينتظران أبا طالب وفعله ليصدوا عن رأيه ، ثم يخالفه علي ابنه لغير رغبة ولا رهبة يؤثر القلة على الكثرة ، والذل على العزة من غير علم ولا معرفة بالعاقبة ، وكيف ينكر الجاحظ والعثمانية أن رسول الله صلى الله عليه وآله دعاه إلى الاسلام وكلفه التصديق ؟! وروي في الخبر الصحيح (1) أنه كلفه في مبدأ الدعوة قبل ظهور كلمة الاسلام
1 ـ مر هذا الحديث لصحيح بألفاظه وطرقه في ج 2 ص 278 ـ 274.

(238)
وانتشارها بمكة : أن يصنع له طعاما وأن يدعو له بني عبد المطلب. فصنع له الطعام ودعاهم له فخرجوا ذلك اليوم ولم ينذرهم صلى الله عليه وآله وسلم لكلمة قالها عمه أبو لهب فكلفه اليوم الثاني : أن يصنع مثل ذلك الطعام وأن يدعوهم ثانية.
    فصنعه ودعاهم فأكلوا ثم كلمهم صلى الله عليه وآله فدعاهم إلى الدين ودعاه معهم لأنه من بني عبد المطلب ، ثم ضمن لمن يوازره منهم وينصره على قوله أن يجعله أخاه في الدين ووصيه بعد موته وخليفته من بعده ، فأمسكوا كلهم وأجابه هو وحده وقال : أنا أنصرك على ما جئت به و أوازرك وأبايعك.
    فقال لهم لما رأى منهم الخذلان ومنه النصر ، وشاهد منهم المعصية ومنه الطاعة ، وعاين منهم الآباء ومنه الاجابة : هذا أخي ووصيي وخليفتي من بعدي. فقاموا يسخرون ويضحكون ويقولون لأبي طالب : أطع ابنك فقد أمره عليك.
    فهل يكلف عمل الطعام ودعاء القوم صغير غير مميز ؟ وغر غير عاقل ؟ وهل يؤتمن على سر النبوة طفل ابن خمس سنين أو ابن سبع ؟ وهل يدعى في جملة الشيوخ و الكهول إلا عاقل لبيب ؟ وهل يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في يده ويعطيه صفقة يمينه بالأخوة والوصية والخلافة إلا وهو أهل لذلك ، بالغ حد التكليف ، محتمل لولاية الله وعداوة أعدائه ؟ (1).
    وقال الحاكم النيسابوري صاحب ( المستدرك ) على الصحيحين في كتاب ( المعرفة ) ص 22 :
    ولا أعلم خلافا بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أولهم إسلاما وإنما اختلفوا في بلوغه.
    وقال ابن عبد البر في الاستيعاب 2 ص 457 : إتفقوا على أن خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدقه فيما جاء به ثم علي بعدها. وقال المقريزي في الامتاع ص 16 ما ملخصه : وأما علي بن أبي طالب :
    فلم يشرك بالله قط ، وذلك أن الله تعالى أراد به الخير فجعله في كفالة ابن عمه سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم فعند ما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي وأخبر خديجة وصدقت ، كانت هي وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة يصلون معه ، ( إلى أن قال : ) فلم يحتج علي رضي الله عنه أن يدعى ، ولا كان مشركا حتى يوحد فيقال : أسلم ، بل كان عندما
1 ـ مرت جملة من بقية الكلام ج 2 ص 287.

(239)
أوحى الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم عمره ثماني سنين ، وقيل : سبع. وقيل : إحدى عشرة سنة ، و كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزله بين أهله كأحد أولاده يتبعه في جميع أحواله.. إلخ.
    موأنت تجد أولية أمير المؤمنين في الاسلام في شعر كثير من السلف مثل قول مسلم بن الوليد الأنصاري.
أذكرت سيف رسول الله سنته وسيف أول من صلى ومن صاما ؟!
    قال أبو الفلاح الحنبلي في شذراته ج 1 ص 308 : يعني عليا رضي الله عنه إذ كان هو الضراب به [ بسيف النبي ].
    هذا ما اقتضته المسالمة مع القوم في تحديد مبدء إسلامه عليه السلام ، وأما نحن فلا نقول : إنه أول من أسلم بالمعنى الذي يحاوله ابن كثير وقومه لأن البدئة به تستدعي سبقا من الكفر ومتى كفر أمير المؤمنين حتى يسلم ؟ ومتى أشرك بالله حتى يؤمن ؟ و قد انعقدت نطفته على الحنيفية البيضاء ، واحتضنه حجر الرسالة ، وغذته يد النبوة ، وهذبه الخلق النبوي العظيم ، فلم يزل مقتصا أثر الرسول قبل أن يصدع بالدين الحنيف وبعده ، فلم يكن له هوى غير هواه ، ولا نزعة غير نزعته ، وكيف يمكن الخصم أن يقذفه بكفر قبل الدعوة ؟! وهو يقول ( وإن لم نر صحة ما يقول ) :
    إنه كان يمنع أمه من السجود للصنم وهو حمل (1) أيكون إمام الأمة هكذا في عالم الأجنة ثم يدنسه درن الكفر في عالم التكليف ؟ فلقد كان صلوات الله عليه مؤمنا جنينا ورضيعا و فطيما ويافعا وغلاما وكهلا وخليفة.
ولولا أبـو طالب وابنه لما مثل الدين شخصا وقاما
    بل نحن نقول : إن المراد من إسلامه وإيمانه وأوليته فيهما وسبقه إلى النبي في الاسلام هو المعنى المراد من قوله تعالى عن إبراهيم الخليل عليه السلام : وأنا أول المسلمين. وفيما قال سبحانه عنه : إذ قال ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين. وفيما قال سبحانه عن موسى عليه السلام : وأنا أول المؤمنين. وفيما قال تعالى عن نبيه الأعظم : آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه. وفيما قال : قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم. وفي قوله : و أمرت أن أسلم لرب العالمين.
1 ـ ذكر حديثه في السيرة الحلبية 1 ص 285 ، سيرة زيني دحلان ، نور الأبصار 76 ، نزهة المجالس 2 ص 210.

(240)
    وفي وسع الباحث أن يتخذ دروسا راقية حول ما نرتأيه من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام وقد ذكرها الشريف الرضي في نهج البلاغة ج 1 ص 392 ألا وهي :
    أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب ؟ وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر ، وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حجره وأنا وليد يضمني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويمسني جسده ، ويشمني عرفه ، وكان يمضغ الشيئ ثم يلقمنيه ، وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل ، ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ، ومحاسن أخلاق العالم ، ليله ونهاره ، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه ، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما ، أرى نور الوحي والرسالة ، و أشم ريح النبوة ، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله فقلت :
    يا رسول الله ؟ ما هذه الرنة ؟ وقال : هذا الشيطان قد أيس من عبادته ، إنك تسمع ما أسمع ، وترى ما أرى ، إلا أنك لست بنبي ، ولكنك وزير ، وإنك لعلى خير.
    وأما الكلام في إسلام أبي بكر فلا يسعنا أن أحوم حول هذا الموضوع وبين يدي صحيحة محمد بن سعد بن أبي وقاص التي أخرجها الطبري في تاريخه 2 ص 215 بإسناد صحيح رجاله ثقات قال ابن سعد : قلت لأبي : أكان أبو بكر أولكم إسلاما ؟! فقال : لا.
    ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين ، ولكن كان أفضلنا إسلاما.
    وما عساني أن أقول وأبو جعفر الاسكافي المعتزلي البعيد عن عالم التشيع يقول : أما ما احتج به الجاحظ بإمامة أبي بكر بكونه أول الناس.
    فلو كان هذا احتجاجا صحيحا ؟ لاحتج به أبو بكر يوم السقيفة وما رأيناه صنع ذلك لأنه أخذ بيد عمر ويد أبي عبيدة بن الجراح ، وقال للناس : قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا منهما من شيء تم.
    ولو كان هذا احتجاجا صحيحا ؟ لما قال عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها.
    ولو كان احتجاجا صحيحا ؟ لادعى واحد من الناس لأبي بكر الإمامة في عصره أو بعد عصره بكونه سبق إلى الاسلام ، وما عرفنا أحدا ادعى له ذلك ، على
كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: فهرس