كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: 301 ـ 310
(301)
وأين هو عن هدمها ؟ وإن شيعيا يعزو إليه ذلك لم يخلق بعد.
    وأما ما ذكره عن بلاد الشيعة فلا أدري هل طرق هو بلاد الشيعة ؟ فكتب ما كتب ، وكذب ما كذب ، أو أنه كان رجما منه بالغيب ؟ أو استند كصاحب المنار إلى سائح سني مجهول أو مبشر نصراني لم يخلقا بعد ؟ وأيا ما كان فهو مأخوذ بإفكه الشائن ، وقد عرف من جاس خلال ديار الشيعة ، وحل في أوساطهم وحواضرهم وحتى البلاد الصغيرة والقرى والرساتيق ، ما هنالك من مساجد مشيدة صغيرة أو كبيرة ، وما في كثير منها من الفرش والآثاث والمصابيح ، وما تقام فيها من جمعة وجماعة ، وليس من شأن الباحث أن ينكر المحسوس ، ويكذب في المشهود ، وينصر المبدأ بالتافهات.
    9 ـ قال : قد استفتى أحد الشيعة إماما من أئمتهم لا أدري أهو الصادق أم غيره ؟ في مسألة من المسائل فأفتاه فيها ، ثم جاءه من قابل واستفتاه في المسألة نفسها فأفتاه بخلاف ما أفتاه عام أول ، ولم يكن بينهما أحد حينما استفتاه في المرتين فشك ذلك المستفتي في إمامه وخرج من مذهب الشيعة وقال : إن كان الإمام إنما أفتاني تقية ؟ فليس معنا من يتقى في المرتين ، وقد كنت مخلصا لهم عاملا بما يقولون ، وأن كان مأتي هذا هو الغلط والنسيان ؟ فالأئمة ليسوا معصومين إذن والشيعة تدعي لهم العصمة ، ففارقهم وانحاز إلى غير مذهبهم ، وهذه الرواية مذكورة في كتب القوم.
    ج 2 ص 38 ج ـ أنا لا أقول لهذا الرجل إلا ما يقوله هو لمن نسب إلى إمام من أئمته لا يشخص هو أنه أي منهم ، مسألة فاضحة مجهولة لا يعرفها ، عن سائل هو أحد النكرات ، لا يعرف بسبعين ( ألف لام ) وأسند ما يقول إلى كتب لم تؤلف بعد ، ثم طفق يشن الغارة على ذلك الإمام وشيعته على هذا الأساس الرصين ، فنحن لسنا نرد على القصيمي إلا بما يرد هو على هذا الرجل ، ولعمري لو كان المؤلف ( القصيمي ) يعرف الإمام أو السائل أو المسألة أو شيئا من تلك الكتب لذكرها بهوس وهياج لكنه ، لا يعرف ذلك كله ، كما أنا نعرف كذبه في ذلك كله ، ولا يخفى على القارئ همزه ولمزه.
    10 ـ قال : من نظر في كتب القوم علم أنهم لا يرفعون بكتاب الله رأسا ، وذلك أنه يقل جدا أن يستشهدوا بآية من القرآن فتأتي صحيحة غير ملحونة مغلوطة ، ولا يصيب منهم في إيراد الآيات إلا المخالطون لأهل السنة العائشون بين أظهرهم ،


(302)
على أن إصابة هؤلاء لا بد أن تكون مصابة ، أما البعيدون منهم عن أهل السنة فلا يكاد أحد منهم يورد آية فتسلم عن التحريف والغلط ، وقد قال من طافوا في بلادهم : إنه لا يوجد فيهم من يحفظون القرآن ، وقالوا : إنه يندر جدا أن توجد بينهم المصاحف.
ج ـ بلاءٌ ليس يشبهه بلاء منه عرضا لم يصنه عداوة غير ذي حسب ودين ويرتع منك في عرض مصون
    ليتني كنت أعلم أن هذه الكلمة متى كتبت ؟ أفي حال السكر أو الصحو ؟ وأنها متى رقمت أعند اعتوار الخبل أم الإفاقة ؟ وهل كتبها متقولها بعد أن تصفح كتب الشيعة فوجدها خلاء من ذكر آية صحيحة غير ملحونة ؟ أم أراد أن يصمهم فافتعل لذلك خبرا ؟ وهل يجد المائن في الطليعة من أئمة الأدب العربي إلا رجالا من الشيعة ألفوا في التفسير كتبا ثمينة ، وفي لغة الضاد أسفارا كريمة هي مصادر اللغة ، وفي الأدب زبرا قيمة هي المرجع للملأ العلمي والأدبي ، وفي النحو مدونات لها وزنها العلمي ، وإنك لو راجعت كتب الإمامية لوجدتها مفعمة بالاستشهاد بالآيات الكريمة كأنها أفلاك لتلك الأنجم الطوالع غير مغشاة بلحن أو غلط.
    وما كنا نعرف حتى اليوم أن مقياس التلاوة صحيحة أو ملحونة هو النزعات و المذاهب التي هي عقود قلبية لا مدخل لها في اللسان وما يلهج به ، ولا أن لها مساسا باللغة ، وسرد الكلمات ، وصياغة الكلام ، وحكاية ما صيغ منها من قرآن أو غيره.
    وليت شعري ما حاجة الشيعة في إصابة القرآن وتلاوته صحيحة إلى غيرهم ؟ ألا عواز في العربية ؟ أو لجهل بأساليب القرآن ؟ لا ها الله ليس فيهم من يتسم بتلك الشية ، أما العربي منهم فالتشيع لم ينتأ بهم عن لغتهم المقدسة ، ولاعن جبليات عنصرهم أو هل ترى أن بلاد العراق وعاملة وما يشابههما وهي مفعمة بالعلماء الفطاحل ، والعباقرة والنوابغ ، أقل حظا في العربية من أعراب بادية نجد والحجاز أكالة الضب ، ومساورة الضباع ؟! وأما غير العربي منهم فما أكثر ما فيهم من أئمة العربية والفطاحل والكتاب والشعراء ، ومن تصفح السير علم أن الأدب شيعي ، والخطابة شيعية ، والكتابة شيعية ، والتجويد والتلاوة شيعيان.
    ومن هنا يقول ابن خلكان في تاريخه في ترجمة علي بن الجهم 1 ص 38 : كان مع انحرافه من علي بن أبي طالب.


(303)
عليه الصلاة والسلام وإظهاره التسنن مطبوعا مقتدرا على الشعر عذب الألفاظ. فكأنه يرى أن مطبوعية الشعر وقرضه بألفاظ عذبة خاصة للشيعة وأنه المطرد نوعا.
    وهذه المصاحف المطبوعة في ايران والعراق والهند منتشرة في أرجاء العالم و المخطوطة منها التي كادت تعد علي عدد من كان يحسن الكتابة منهم قبل بروز الطبع ، وفيهم من يكتبه اليوم تبركا به ، ففي أي منها يجد ما يحسبه الزاعم من الغلط الفاشي ؟ أو خلة في الكتابة ؟ أو ركة في الأسلوب ؟ أو خروج عن الفن ؟ غير طفائف يزيغ عنه بصر الكاتب الذي هو لازم كل إنسان شيعي أو سني عربي أو عجمي.
    وأحسب أن الذي أخبر القصيمي بما أخبر من الطائفين في بلاد الشيعة لم يولد بعد لكنه صوره مثالا وحسب أنه يحدثه ، أو أنه لما جاس خلال ديارهم لم يزد على أن استطرق الأزقة والجواد فلم يجد مصاحف ملقاة فيما بينهم وفي أفنية الدور ، ولو دخل البيوت لوجدها موضوعة في عياب وعلب ، وظاهرة مرئية في كل رف وكوة على عدد نفوس البيت في الغالب ، ومنها ما يزيد على ذلك ، وهي تتلى آناء الليل وأطراف النهار.
    هذه غير ما تتحرز به الشيعة من مصاحف صغيرة الحجم في تمائم الصبيان و أحراز الرجال والنساء. غير ما يحمله المسافر للتلاوة والتحفظ عن نكبات السفر.
    غير ما يوضع منها على قبور الموتى للتلاوة بكرة وأصيلا وإهداء ثوابها للميت. غير ما تحمله الأطفال إلى المكاتب لدارسته منذ نعومة الأظفار.
    غير ما يحمل مع العروس قبل كل شيء إلى دار زوجها ، ومنهم من يجعل ذلك المصحف جزء من صداقها تيمنا به في حياتها الجديدة. غير ما يؤخذ إلى المساكن الجديدة المتخذة للسكنى قبل الأثاث كله.
    غير ما يوضع منها إلى جنب النساء لتحصينها عن عادية الجن والشياطين الذين يوحون إلى أوليائهم ( ومنهم القصيمي مخترع الأكاذيب ) زخرف القول غرورا.
    أفهؤلاء الذين لا يرفعون بالقرآن رأسا ؟ أفهؤلاء الذين يندر جدا أن توجد بينهم المصاحف ؟ وأما ما أخبر به الرجل شيطانه الطائف بلاد الشيعة من عدم وجود من يحفظ القرآن منهم فسل حديث هذه الأكذوبة عن كتب التراجم ومعاجم السير ، وراجع


(304)
كتاب ( كشف الاشتباه ) (1) في رد موسى جار الله 444 ـ 532 تجد هناك من حفاظ الشيعة وقرائهم مائة وثلثة وأربعين.
    11 ـ قال : هل يستطيع أن يجيئ ( الشيعي ) بحرف واحد من القرآن ؟ يدل على قول الشيعة بتناسخ الأرواح ، وحلول الله في أشخاص أئمتهم ، وقولهم بالرجعة ، وعصمة الأئمة ، وتقديم علي على أبي بكر وعمر وعثمان ، أو يدل على وجود علي في السحاب وأن البرق تبسمه والرعد صوته كما تقول الشيعة الإمامية ج 1 ص 72.
    ج ـ إن تعجب فعجب إن الرجل ومن شاكله من المفترين بهتوا الشيعة الإمامية بأشياءهم براء منها على حين تداخل الفرق ، وتداول المواصلات ، وسهولة استطراق الممالك والمدن بالوسايل النقلية البخارية في أيسر مدة ، ومن المستبعد جدا إن لم يكن من المتعذر جهل كل فرقة بمعتقدات الأخرى ، فمحاول الوقيعة اليوم والحالة هذه على أي فرقة من الفرق قبل الفحص والتنقيب المتيسرين بسهولة مستعمل للوقاحة والصلافة ، وهو الأفاك الأثيم عند من يطالع كتابه ، أو يصيخ إلى قيله.
    ولو كان الرجل يتدبر في قوله تعالى : ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد.
    أو يصدق ما أوعد الله به كل أفاك أثيم. هماز مشاء بنميم ، لكف مدته عن البهت ، وعرف صالحه ، ولكان هو المجيب عن سؤال شيطانه بأن الشيعة الإمامية متى قالت بالتناسخ وحلول الله في أشخاص أئمتهم ؟ ومن الذين ذهب منهم قديما وحديثا إلى وجود علي في السحاب ... إلخ.
    حتى توجد حرف واحد منها في القرآن.
    منعم : [ علي في السحاب ] كلمة للشيعة تأسيا للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله بالمعنى الذي مر في الجزء الأول ص 292 (2) غير أن قوالة الإحنة حرفتها عن موضعها و أولتها بما يشوه الشيعة الإمامية ].
    أليس عارا على الرجل وقومه أن يكذب على أمة كبيرة إسلامية ولا يبالي بما يباهتهم ؟ وينسبهم إلى الآراء المنكرة أو التافهة ؟ ولا يتحاشى عن سوء صنيعه ؟ أليست كتب الشيعة الإمامية المؤلفة في قرونها الماضية ويومها الحاضر وهي لسانهم المعرب عن
1 ـ تأليف العلم الحجة شيخنا المحقق الشيخ عبد الحسين الرشتي النجفي
2 ـ من الطبعة الثانية.


(305)
عقايدهم مشحونة بالبراءة من هذه النسب المختلقة بألسنة مناوئيهم ؟!
فإن كان لا يدري فتلك مصيبة وإن كان يدري فالمصيبة أعظم
    نعم : له أن يستند في أفائكه إلى شاكلته طه حسين وأحمد أمين وموسى جار الله رجال الفرية والبذاءة.
    وقول الإمامية بالرجعة نطق به القرآن غير أن الجهل أعشى بصر الرجل كبصيرته فلم يره ولم يجده فيه ، فعليه بمراجعة كتب الإمامية ، وأفردها بالتأليف جماهير من العلماء ، فحبذا لو كان الرجل يراجع شيئا منها.
    كما أن آية التطهير ناطقة بعصمة جمع ممن تقول الإمامية بعصمتهم وفي البقية بوحدة الملاك والنصوص الثابتة ، وفيما أخرجه إمام مذهبه أحمد بن حنبل في الآية الشريفة في مسنده ج 1 ص 331 ، ج 3 ص 285 ، ج 4 ص 107 ، ج 6 ص 296 ، 298 ، 304 ، 323 مقنع وكفاية.
    وكيف لم يقدم القرآن عليا على غيره ؟ وقد قرن الله ولايته وولاية نبيه بقوله العزيز : إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
    وقد مر في هذا الجزء ص 156 ـ 162 : إطباق الفقهاء و المحدثين والمتكلمين على نزولها في علي أمير المؤمنين عليه السلام.
    موالباحث إن أعطى النصفة حقها يجد في كتاب الله آيا تعد بالعشرات نزلت في علي أمير المؤمنين عليه السلام وهي تدل على تقديمه على غيره ، ولا يدع وهو نفس النبي صلى الله عليه وآله بنص القرآن ، وبولايته أكمل الله دينه ، وأتم علينا نعمه ، ورضي لنا الاسلام دينا ].
    ونحن نعيد السؤال هاهنا على ( القصيمي ) فنقول : هل يستطيع أن يجيئ هو و قومه بحرف واحد من القرآن يدل على تقديم أبي بكر وعمر وعثمان على ولي الله الطاهر أمير المؤمنين عليه السلام ؟ !.
    12 ـ قال : والقوم ( يعني الإمامية ) لا يعتمدون في دينهم على الأخبار النبوية الصحيحة ، وإنما يعتمدون على الرقاع المزورة المنسوبة كذبا إلى الأئمة المعصومين في زعمهم وحدهم ج 1 ص 83.


(306)
    ج ـ عرفت الحال في التوقيعات الصادرة عن الناحية المقدسة ، والرجل قد أتى من شيطانه بوحي جديد فيرى توقيعات بقية الأئمة أيضا مكذوبة على الأئمة ، ويرى عصمتهم مزعومة للشيعة فحسب ، إذ لم يجدها في طامور أو هامه ، فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول.
    13 ـ المتعة التي تتعاطاها الرافضة أنواع : صغرى وكبرى. فمن أنواعها : أن يتفق الرجل والمرأة المرغوب فيها على أن يدفع إليها شيئا من المال أو من الطعام والمتاع وإن حقيرا جدا على أن يقضي وطره منها ويشبع شهوته يوما أو أكثر حسب ما يتفقان عليه ، ثم يذهب كل منهما في سبيله كأنما لم يجتمعا ولم يتعارفا ، وهذا من أسهل أنواع هذه المتعة.
    وهناك نوع آخر أخبث من هذا يسمى عندهم بالمتعة الدورية وهي أن يحوز جماعة امرأة فيتمتع بها واحد من الصبح إلى الضحى ، ثم يتمتع بها آخر من الضحى إلى الظهر ، ثم يتمتع بها آخر من الظهر إلى العصر ، ثم آخر إلى المغرب ، ثم آخر إلى العشاء ثم آخر إلى نصف الليل ، ثم آخر إلى الصبح ، وهم يعدون هذا النوع دينا لله يثابون عليه وهو من شر أنواع المحرمات ج 1 ص 119.
    ج ـ إن المتعة عند الشيعة هي التي جاء بها نبي الاسلام ، وجعل لها حدودا مقررة ، وثبتت في عصر النبي الأعظم وبعده إلى تحريم الخليفة عمر بن الخطاب ، وبعده عند من لم ير للرأي المحدث في الشرع تجاه القرآن الكريم وما جاء به نبي الاسلام قيمة ولا كرامة ، وقد أصفقت فرق الاسلام على أصول المتعة وحدودها المفصلة في كتبها ، ولم يختلف قط اثنان فيها ألا وهي :
    1 : الأجرة.
    2 : الأجل.
    3 : العقد المشتمل للايجاب والقبول.
    4 : الافتراق بانقضاء المدة أو البذل.
    5 : العدة أمة وحرة حائلا وحاملا.
    6 : عدم الميراث.

(307)
    وهذه الحدود هي التي نص عليها أهل السنة والشيعة ، راجع من تآليف الفريق الأول. صحيح مسلم. سنن الدارمي. سنن البيهقي. تفسير الطبري. أحكام القرآن للجصاص. تفسير البغوي. تفسير ابن كثير. تفسير الفخر الرازي. تفسير الخازن. تفسير السيوطي. كنز العمال (1).
    ومن تآليف الفريق الثاني من لا يحضره الفقيه الجزء الثالث ص 149. المقنع للصدوق كسابقه. الهداية له أيضا. الكافي 2 ص 44. الانتصار للشريف علم الهدى المرتضى. المراسم لأبي يعلى سلار الديلمي. النهاية للشيخ الطوسي. المبسوط للشيخ أيضا. التهذيب له أيضا ج 2 ص 189. الاستبصار له 2 ص 29. الغنية للسيد أبي المكارم. الوسيلة لعماد الدين أبي جعفر. نكت النهاية للمحقق الحلي. تحرير العلامة الحلي 2 ص 27. شرح اللمعة 2 ص 82. المسالك ج 1. الحدائق 6 ص 152. الجواهر 5 ص 165. والمتعة المعاطاة بين الأمة الشيعية ليست إلا ما ذكرناه ، وليس إلا نوعا واحدا ، والشيعة لم تر في المتعة رأيا غير هذا ، ولم تسمع أذن الدنيا أنواعا للمتعة تقول بها فرقة من فرق الشيعة ، ولم تكن لأي شيعي سابقة تعارف بانقسامها على الصغرى والكبرى ، وليس لأي فقيه من فقهاء الشيعة ولا لعوامهم من أول يومها إلى هذا العصر ، عصر الكذب والأخلاق ، عصر الفرية والقذف ( عصر القصيمي ) إلماما بهذا الفقه الجديد المحدث ، فقه القرن العشرين لا القرون الهجرية.
    وأما القصيمي [ ومن يشاكله في جهله المطبق ] فلا أدري ممن سمع ما تخيله من الأنواع ؟ وفي أي كتاب من كتب الشيعة وجده ؟ وإلى فتوى أي عالم من علمائها يستند ؟ وعن أي إمام من أئمتها يروي ؟ وفي أي بلدة من بلادها أو قرية من قراها أو بادية من بواديها وجد هذه المعاطاة المكذوبة عليها ؟ أيم الله كل ذلك لم يكن. لكن الشياطين يوحون إلى أوليائهم زخرف القول غرورا.
    14 ـ قال : إن أغبى الأغبياء وأجمد الجامدين من يأتون بشاة مسكينة وينتفون شعرها ويعذبونها أفانين العذاب موحيا إليهم ضلالهم وجرمهم أنها السيدة عائشة زوج النبي الكريم وأحب أزواجه إليه.
1 ـ يأتي تفصيل كلماتهم في هذا الجزء بعيد هذا.

(308)
    ومن يأتون بكبشين وينتفون أشعارهما ويعذبونهما ألوان العذاب مشيرين بهما إلى الخليفتين : أبي بكر وعمر ، وهذا ما تأتيه الشيعة الغالية.
    وإن أغبى الأغبياء وأجمد الجامدين هم الذين غيبوا إمامهم في السرداب ، و غيبوا معه قرآنهم ومصحفهم ، ومن يذهبون كل ليلة بخيولهم وحميرهم إلى ذلك السرداب الذي غيبوا فيه إمامهم ينتظرونه وينادونه ليخرج إليهم ، ولا يزال عندهم ذلك منذ أكثر من ألف عام.
    وإن أغبى الأغبياء وأجمد الجامدين هم الذين يزعمون أن القرآن محرف مزيد فيه ومنقوص منه ج 1 ص 374.
    جيكاد القلم أن يرتج عليه القول في دحض هذه المفتريات لأنها دعاو شهودية بأشياء لم تظل عليها الخضراء ولا أقلتها الغبراء ، فإن الشيعة منذ تكونت في العهد النبوي يوم كان صاحب الرسالة يلهج بذكر شيعة علي عليه السلام والصحابة تسمي جمعا منهم بشيعة علي إلى يومها هذا لم تسمع بحديث الشاة والكبشين ، ولا أبصرت عيناها ما يفعل بهاتيك البهائم البريئة من الظلم والقساوة ، ولا مدت إليها تلك الأيادي العادية ، غير أنهم شاهدوا القصيمي متبعا لابن تيمية يدنس برودهم النزيهة عن ذلك الدرن.
    وليت الرجل يعرفنا بأحد شاهد شيعيا يفعل ذلك ، أو بحاضرة من حواضر الشيعة اطردت فيها هذه العادة ، أو بصقع وقعت فيه مرة واحدة ولو في العالم كله.
    وليتني أدري وقومي هل أفتى شيعي بجواز هذا العمل الشنيع ؟ أو استحسن ذلك الفعل التافه ؟ أو نوه به ولو قصيص في مقاله ؟ نعم يوجد هذا الإفك الشائن في كتاب القصيمي وشيخه ابن تيمية المشحون بأمثاله.
    وفرية السرداب أشنع وإن سبقه إليها غيره من مؤلفي أهل السنة لكنه زاد في الطمور نغمات بضم الحمير إلى الخيول وادعائه اطراد العادة في كل ليلة واتصالها منذ أكثر من ألف عام ، والشيعة لا ترى أن غيبة الإمام في السرداب ، ولاهم غيبوه فيه ولا إنه يظهر منه ، وإنما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنه يظهر بمكة المعظمة تجاه البيت ، ولم يقل أحد في السرداب :
    إنه مغيب ذلك النور ، وإنما هو سرداب


(309)
دار الأئمة بسامراء ، وإن من المطرد إيجاد السراديب في الدور وقاية من قايظ الحر ، وإنما اكتسب هذا السرداب بخصوصه الشرف الباذخ لانتسابه إلى أئمة الدين ، وإنه كان مبوء لثلاثة منهم كبقية مساكن هذه الدار المباركة ، وهذا هو الشأن في بيوت الأئمة عليهم السلام ومشرفهم النبي الأعظم في أي حاضرة كانت ، فقد أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
    وليت هؤلاء المتقولون في أمر السرداب إتفقوا على رأي واحد في الأكذوبة حتى لا تلوح عليها لوائح الافتعال فتفضحهم ، فلا يقول ابن بطوطة (1) في رحلته 2 ص 198 : إن هذا السرداب المنوه به في الحلة.
    ولا يقول القرماني في ( أخبار الدول ) إنه في بغداد.
    ولا يقول الآخرون : إنه بسامراء.
    ويأتي القصيمي من بعدهم فلا يدري أين هو فيطلق لفظ السرداب ليستر سوءته.
    وإني كنت أتمنى للقصيمي أن يحدد هذه العادة بأقصر من ( أكثر من ألف عام ) حتى لا يشمل العصر الحاضر والأعوام المتصلة به ، لأن انتفائها فيه وفيها بمشهد ومرئي ومسمع من جميع المسلمين ، وكان خيرا له لو عزاها إلى بعض القرون الوسطى حتى يجوز السامع وجودها في الجملة ، لكن المائن غير متحفظ على هذه الجهات.
    وأما تحريف القرآن فقد مر حق القول فيه ص 85 وغيرها.
    هذه نبذ من طامات ( القصيمي ) وله مئات من أمثالها ، ومن راجع كتابه عرف موقفه من الصدق ، ومبوئه من الأمانة ، ومقيله من العلم ، ومحله من الدين ، ومستواه من الأدب.
الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر
مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع
الله على كل قلب متكبر جبار

سورة غافر 35

1 ـ وهكذا ابن خلدون في مقدمة تأريخه ج 1 ص 359 ، وابن خلكان في تاريخه ص 581.

(310)
11 ، 12 ، 13
فجر الاسلام. ضحى الاسلام. ظهر الاسلام
    هذه الكتب ألفها الأستاذ أحمد أمين المصري لغاية هو أدرى بها ، ونحن أيضا لا يفوتنا عرفانها ، وهذه الأسماء الفخمة لا تغر الباحث النابه مهما وقف على ما في طيها من التافهات والمخازي ، فهي كاسمه [ الأمين ] لا تطابق المسمى ، وأيم الله إنه لو كان أمينا لكان يتحفظ على ناموس العلم والدين والكتاب والسنة ، وكف القلم عن تسويد تلك الصحائف السوداء ، ولم يكن يشوه سمعة الاسلام المقدس قبل سمعة مصره العزيزة بلسانه اللسابة السلاقة ، وكان لم يتبع الهوى فيضل عن السبيل ، ولم يطمس الحقايق ولم يظهرها للناس بغير صورها الحقيقية المبهجة ، ولم يحرف الكلم عن مواضعها ، ولم يقذف أمة كبيرة بنسب مفتعلة ، ولم يتقول عليهم بما يدنس ذيل قدسهم.
     كما أن تآليفه هذه لو كانت إسلامية [ كما توهمها أسمائها ] لما كانت مشحونة بالضلال والإفك وقول الزور ، ولما بعدت عن أدب الاسلام ، عن أدب العلم ، عن أدب العفة ، عن أدب الاخاء الذي جاء به القرآن ، فالاسلام الذي جاء به أمين القرن العشرين ( لا القرن الرابع عشر ) يضاد نداء القرآن البليغ ، نداء الاسلام الذي صدع به أمين وحي الله في القرن الأول الهجري ، فإن كان الاسلام هذا كتابه وهذا أمينه ؟ فعلى الاسلام السلام ، وإن كان الجامع المصري الأزهر هذا علمه وهذا عالمه ؟ فعليه العفا.
     وقد نوه غير واحد من محققي الإمامية (1) بما فيها من البهرجة والباطل في تآليفهم القيمة ، وفي [ تحت راية الحق (2) ] غنى وكفاية لمريد الحق ، وإلى الله المشتكى.
بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج
ق 5.

1 ـ كالحجج الفطاحل السيد شرف الدين ، والسيد الأمين ، وشيخنا كاشف الغطاء.
2 ـ تأليف العلامة الشيخ عبد الله السبيتي.
كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: فهرس