كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: 291 ـ 300
(291)
الدعوة الإسلامية صلى الله عليه وآله ، وهو يدعو الله في آناء الليل وأطراف النهار بالأدعية المأثورة عنهم بلغة الضاد ، ويطبع وينشر آلافا من الكتب العربية في فنونها ، فالشيعي عربي في دينه ، عربي في هواه ، عربي في مذهبه ، عربي في نزعته ، عربي في ولائه ، عربي في خلايقه ، عربي عربي عربي ...
    نعم : يبغض الشيعي زعانفة بخسوا حقوق الله ، وضعضعوا أركان النبوة ، وظلموا أئمة الدين ، واضطهدوا العترة الطاهرة ، وخانوا على العروبة ، عربا كانوا أو أعاجم وهذه العقيدة شرع سواء فيها الشيعي العربي والعجمي.
    ولكن شاء الهوى ، ودفعت الضغاين أصحابه إلى تلقين الأمة بأن التشيع نزعة فارسية والشيعي الفارسي يمقت العرب.
    شقا للعصا ، وتفريقا للكلم ، وتمزيقا لجمع الأمة ، وأنا أرى أن القصيمي والأمير قبله في كلمات أخرى يريد أن ذلك كله ، وما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.
    3 ـ قال : إن الشيعة في ايران نصبوا أقواس النصر ، ورفعوا أعلام السرور والابتهاج في كل مكان من بلادهم لما انتصر الروس على الدولة العثمانية في حروبها الأخيرة ص 18.
    جهذه الكلمة مأخوذة من الآلوسي الآنف ذكره وذكر فريته والجواب عنها ص 267 غير أن القصيمي كساها طلاء مبهرجة ، وكم ترك الأول للآخر.
    4 ـ قال : الشيعة قائلون في علي وبنيه قول النصارى في عيسى بن مريم سواء مثلا من القول بالحلول والتقديس والمعجزات ومن الاستغاثة به ونداءه في الضراء والسراء والانقطاع إليه رغبة ورهبة وما يدخل في هذا المعنى ، ومن شاهد مقام علي أو مقام الحسين أو غيرهما من آل البيت النبوي وغيرهم في النجف وكربلا و غيرهما من بلاد الشيعة وشاهد ما يأتونه من ذلك هنالك علم أن ما ذكرناه عنهم دوين الحقيقة ، وأن العبارة لا يمكن أن تفي بما يقع عند ذلك المشاهد من هذه الطائفة ، ولأجل هذا فإن هؤلاء لم يزالوا ولن يزالوا من شر الخصوم للتوحيد وأهل التوحيد ص 19.
    ج ـ أما الغلو بالتأليه والقول بالحلول فليس من معتقد الشيعة ، وهذه كتبهم في العقايد طافحة بتكفير القائلين بذلك ، والحكم بارتدادهم ، والكتب الفقهية بأسرها حاكمة بنجاسة أسآرهم.


(292)
    وأما التقديس والمعجزات فليسا من الغلو في شيء فإن القداسة بطهارة المولد ، ونزاهة النفس عن المعاصي والذنوب ، وطهارة العنصر عن الديانا والمخازي لازمة منصة الأئمة ، وشرط الخلافة فيهم كما يشترط ذلك في النبي صلى الله عليه وآله.
    وأما المعجزات فإنها من مثبتات الدعوى ، ومتمات الحجة ، ويجب ذلك في كل مدع للصلة بينه وبين ما فوق الطبيعة ، نبيا كان أو إماما ، ومعجز الإمام في الحقيقة معجز للنبي الذي يخلفه على دينه وكرامة له ، ويجب على المولى سبحانه في باب اللطف أن يحقق دعوى المحق بإجراء الخوارق على يديه ، تثبيتا للقلوب ، و إقامة للحجة ، حتى يقربهم إلى الطاعة ويبعدهم عن المعصية ، لدة ما في مدعي النبوة من ذلك ، كما يجب أيضا أن ينقض دعوى المبطل إذا تحدى بتعجيزه كما يؤثر عن مسيلمة وأشباهه.
    وإن من المفروغ عنه في علم الكلام كرامات الأولياء ، وقد برهنت عليها الفلاسفة بما لا معدل عنه ويضيق عنه المقام ، فإذا صح ذلك لكل ولي ، فلماذا يعد غلوا في حجج الله على خلقه ؟ وكتب أهل السنة وتآليفهم مفعمة بكرامات الأولياء ، كما أنها معترفة بكرامات مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه.
    وأما الاستغاثة والنداء والانقطاع وما أشار إليها فلا تعدو أن تكون توسلا بهم إلى المولى سبحانه ، واتخاذهم وسائل إلى نجح طلباتهم عنده جلت عظمته ، لقربهم منه ، وزلفتهم إليه ، ومكانتهم عنده ، لأنهم عباد مكرمون ، لا لأن لذواتهم القدسية دخلا في إنجاح المقاصد أولا وبالذات ، لكنهم مجاري الفيض ، وحلقات الوصل ، ووسايط بين المولى وعبيده [ كما هو الشأن في كل متقرب من عظيم يتوسل به إليه ] وهذا حكم عام للأولياء والصالحين جميعا ، وإن كانوا متفاوتين في مراحل القرب ، كل هذا مع العقيدة الثابتة بأنه لا مأثر في الوجود إلا الله سبحانه ، ولا تقع في المشاهد المقدسة كلها من وفود الزائرين إلا ما ذكرناه من التوسل (1) ، فأين هذه من مضادة التوحيد ! ؟ وأين هؤلاء من الخصومة معه ومع أهله ؟! فذرهم وما يفترون إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون.
1 ـ فصلنا القول في ذلك في الجزء الخامس من كتابنا هذا.

(293)
    5 ـ قال : تذهب الشيعة تبعا للمعتزلة إلى إنكار رؤية الله يوم القيامة ، وإنكار صفاته ، وإنكار أن يكون خالقا أفعال العباد لشبهات باطلة معلومة ، وقد جمع العلماء من أهل الحديث والسنة والأثر كالأئمة الأربعة على الإيمان بذلك كله ، ليس بينهم خلاف في أن الله خالق كل شيء حتى العباد وأفعالهم ، ولا في رؤية الله يوم القيامة.
    ومن عجب أن تنكر الشيعة ذلك خوف التشبيه وهم يقولون بالحلول والتشبيه الصريح وبتأليه البشر ووصف الله بصفات النقص ، وأهل السنة يعدون الشيعة والمعتزلة مبتدعين غير مهتدين في جحدهم هذه الصفات. 1 ص 68.
    ج ـ إن الرجل قلد في ذات الله وصفاته ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، ومذهبهما في ذلك كما قال الزرقاني المالكي في شرح المواهب 5 ص 12 : إثبات الجهة والجسمية وقال : قال المناوي : أما كونهما من المبتدعة فمسلم.
    والقصيمي يقدسهما ورأيهما و يصرح بالجهة ويعينها ، وله فيها كلمات كثيرة في طي كتابه ، ونحن لا نناقشه في هذا الرأي الفاسد ، ونحيل الوقوف على فساده إلى الكتب الكلامية من الفريقين ، والذي يهمنا إيقاف القارئ على كذبه في القول واختلاقه في النسب.
    إن الشيعة لم تتبع المعتزلة في إنكار رؤية الله يوم القيامة بل تتبع برهنة تلك الحقيقة الراهنة من العقل والسمع ، وحاشاهم عن القول بالحلول والتشبيه وتأليه البشر وتوصيف الله بصفات النقص وإنكار صفات الله الثابتة له ، بل إنهم يقولون جمعاء بكفر من يعتقد شيئا من ذلك ، راجع كتبهم الكلامية قديما وحديثا ، وليس في وسع الرجل أن يأتي بشيء مما يدل على ما باهتهم ، ولعمري لو وجد شيئا من ذلك لصدح به وصدع.
    نعم :
    تنكر الشيعة أن تكون لله صفات ثبوتية زايدة على ذاته وإنما هي عينها ، فلا يقولون بتعدد القدماء معه سبحانه ، وإن لسان حالهم ليناشد من يخالفهم بقوله :
إخواننا الأدنين منا ارفقوا إن ثلثت قوم أقانيمهم لقد رقيتم مرتقى صعبا فإنكم ثمنتم الربا
    وللمسألة بحث ضاف مترامي الأطراف تتضمنه كتب الكلام. وأما أفعال العباد فلو كانت مخلوقة لله سبحانه خلق تكوين لبطل الوعد و


(294)
الوعيد والثواب والعقاب ، وإن من القبيح تعذيب العاصي على المعصية وهو الذي أجبره عليها ، وهذه من عويصات مسائل الكلام قد أفيض القول فيها بما لا مزيد عليه ، وإن من يقول بخلق الأفعال فقد نسب إليه سبحانه القبيح والظلم غير شاعر بهما ، و ما استند إليه القصيمي من الإجماع وقول القائلين لا يكاد يجديه نفعا تجاه البرهنة الدامغة.
    وأما قذف أهل السنة الشيعة والمعتزلة بما قذفوه وعدهم من المبتدعين فإنها شنشنة أعرفها من أخزم.
    6 ـ قال في عد معتقدات الشيعة : وذرية النبي جميعا محرمون على النار معصومون من كل سوء.
    في الجزء الثاني صحيفة 327 من كتاب ( منهاج الشريعة ) زعم مؤلفه أن الله قد حرم جميع أولاد فاطمة بنت النبي على النار ، وإن من فاته منهم أولا فلا بد أن يوفق إليه قبل وفاته.
    قال : ثم الشفاعة من وراء ذلك.
    وقال في ( أعيان الشيعة ) الجزء الثالث صفحة 65 : إن أولاد النبي عليه الصلاة والسلام لا يخطئون ولا يذنبون ولا يعصون الله إلى قيام الساعة. 2 ج ص 20.
    ج ـ إن الشيعة لم تكس حلة العصمة إلا خلفاء رسول الله الاثنى عشر من ذريته وعترته وبضعته الصديقة الطاهرة بعد أن كساهم الله تعالى تلك الحلة الضافية بنص آية التطهير في خمسة أحدهم نفس النبي الأعظم ، وفي البقية بملاك الآية والبراهين العقلية المتكثرة والنصوص المتواترة ، وعلى هذا أصفق علماءهم والأمة الشيعية جمعاء في أجيالهم وأدوارهم ، وإن كان هناك ما يوهم إطلاقا أو عموما فهو منزل على هؤلاء فحسب.
    وإن كان في رجالات أهل البيت غيرهم أولياء صديقون أزكياء لا يجترحون السيئات إلا أن الشيعة لا توجب لهم العصمة.
    وأما ما استند إليه الرجل من كلام صاحب ( منهاج الشريعة ) فليس فيه أي إشارة إلى العصمة ، بل صريح القول منه خلافها لأنه يثبت أن فيهم من تفوته ثم يتدارك بالتوبة قبل وفاته ، ثم الشفاعة من وراء ذلك ، فرجل يقترف السيئة ، ثم يوفق للتوبة عنها ، ثم يعفى عنها بالشفاعة لا يسمى معصوما ، بل هذه خاصة كل مؤمن يتدارك مره بالتوبة ، وإنما الخاصة بالذرية التمكن من التوبة على إي حال. قال القسطلاني في ( المواهب ) والزرقاني في شرحه 3 ص 203 : ( روي ) عن


(295)
ابن مسعود رفعه ( إنما سميت فاطمة ) بإلهام من الله لرسوله إن كانت ولادتها قبل النبوة ، وإن كانت بعدها فيحتمل بالوحي ( لأن الله قد فطمها ) من الفطم وهو المنع ومنه فطم الصبي ( وذريتها عن النار يوم القيامة ) أي منعهم منها ، فأما هي وابناها فالمنع مطلق ، وأما من عداها فالمنوع عنهم نار الخلود فلا يمتنع دخول بعضهم للتطهير ، ففيه بشرى لآله صلى الله عليه وسلم بالموت على الاسلام ، وإنه لا يختم لأحد منهم بالكفر نظيره ما قاله الشريف السمهودي في خبر الشفاعة لمن مات بالمدينة ، مع أنه يشفع لكل من مات مسلما ، أو أن الله يشاء المغفرة لمن واقع الذنوب منهم إكراما لفاطمة سلام الله عليها أو يوفقهم للتوبة النصوح ولو عند الموت ويقبلها منهم [ أخرجه الحافظ الدمشقي ] هو ابن عساكر.
    ( وروى الغساني والخطيب ) وقال : فيه مجاهيل ( مرفوعا ) إنما سميت فاطمة ( لأن الله فطمها ومحبيها عن النار ) ففيه بشرى عميمة لكل مسلم أحبها وفيه التأويلات المذكورة. وأما ما رواه أبو نعيم والخطيب : أن عليا الرضا بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق سئل عن حديث : إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار. فقال : خاص بالحسن والحسين. وما نقله الأخباريون عنه من توبيخه لأخيه زيد حين خرج على المأمون. وقوله : ما أنت قائل لرسول الله ؟ أغرك قوله : إن فاطمة أحصنت ؟ الحديث. إن هذا لمن خرج من بطنها لا لي ولا لك ، والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله ، فإن أردت أن تنال بمعصيته ما نالوه بطاعته ؟ إنك إذا لأكرم على الله منهم. فهذا من باب التواضع والحث على الطاعات وعدم الاغترار بالمناقب وإن كثرت ، كما كان الصحابة المقطوع لهم بالجنة على غاية من الخوف والمراقبة ، وإلا فلفظ ( ذرية ) لا يخص بمن خرج من بطنها في لسان العرب ومن ذريته داود وسليمان. الآية. وبينه و بينهم قرون كثيرة ، فلا يريد بذلك مثل علي الرضا مع فصاحته ، ومعرفته لغة العرب ، على أن التقييد بالطائع يبطل خصوصية ذريتها ومحبيها إلا أن يقال : لله تعذيب الطائع فالخصوصية أن لا يعذبه إكراما لها. والله أعلم (1).
    م وأخرج الحافظ الدمشقي بإسناده عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
1 ـ بقية العبارة مرت ص 176. ما بين القوسين ؟ لفظ المواهب.

(296)
لفاطمة رضي الله عنها : يا فاطمة تدرين لم سميت فاطمة ؟ قال علي رضي الله عنه لم سميت ؟ قال : إن الله عز وجل قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة. وقد رواه الإمام علي بن موسى الرضا في مسنده ولفظه : إن الله فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبهم من النار ) (1).
    أيرى القصيمي بعد أن الشيعة قد انفردوا بما لم يقله أعلام قومه ؟ أو رووا بحديث لم يروه حفاظ مذهبه ؟ أو أتوا بما يخالف مبادئ الدين الحنيف ؟ وهل يسعه أن يتهم ابن حجر والزرقاني ونظرائهما من أعلام قومه ، وحفاظ نحلته المشاركين مع الشيعة في تفضيل الذرية ؟ ! ويرميهم بالقول بعصمتهم ؟! ويتحامل عليهم بمثل ما تحامل على الشيعة ؟.
    وليس من البدع تفضل المولى سبحانه على قوم بتمكينه إياهم من النزوع من الآثام ، والندم على ما فرطوا في جنبه ، والشفاعة من وراء ذلك ، ولا ينافي شيئا من نواميس العدل ولا الأصول المسلمة في الدين ، فقد سبقت رحمته غضبه ووسعت كل شيئ.
    وليس هذا القول المدعوم بالنصوص الكثيرة بأبدع من القول بعدالة الصحابة أجمع والله سبحانه يعرف في كتابه المقدس أناسا منهم بالنفاق وانقلابهم على أعقابهم بآيات كثيرة رامية غرضا واحدا ، ولا تنس ما ورد في الصحاح والمسانيد ومنها : ما في صحيح البخاري من أن أناسا من أصحابه صلى الله عليه وسلم يؤخذ بهم ذات الشمال فيقول : أصحابي أصحابي فيقال : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم.
    وفي صحيح آخر : ليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول : يا رب أصحابي فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
    وفي صحيح ثالث : أقول أصحابي فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك.
    وفي صحيح رابع : أقول إنهم مني فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول سحقا سحقا لمن غير بعدي.
    وفي صحيح خامس : فأقول : يا رب أصحابي. فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا
م 1 ـ عمدة التحقيق تأليف العبيدي المالكي المطبوع في هامش روض الرياحين لليافعي ص 15 ).

(297)
بعدك. إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.
    وفي صحيح سادس : بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم. فقال. هلم. فقلت. أين ؟ قال : إلى النار والله. قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني و بينهم فقال : هلم. قلت : أين ؟ قال. إلى النار والله. قلت : ما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم (1). قال القسطلاني في شرح صحيح البخاري 9 ص 325 في هذا الحديث : همل بفتح الهاء والميم : ضوال الإبل واحدها : هامل. أو : الإبل بلا راع. ولا يقال ذلك في الغنم ، يعني : إن الناجي منهم قليل في قلة النعم الضالة ، وهذا يشعر بأنهم صنفان كفار وعصاة. ا ه‍.
    وأنت من وراء ذلك كله جد عليم بما شجر بين الصحابة من الخلاف الموجب للتباغض والتشاتم والتلاكم والمقاتلة القاضية بخروج إحدى الفريقين عن حيز العدالة ، ودع عنك ما جاء في التأريخ عن أفراد منهم من ارتكاب المآثم والاتيان بالبوائق.
    فإذا كان هذا التعديل عنده وعند قومه لا يستتبع لوما ولا يعقب هماجة ، فأي حزارة في القل بذلك التفضل الذي هو من سنة الله في عباده ؟! ولن تجد لسنة الله تبديلا.
    وأما ما أردفه في الاستناد من كلام سيدنا الأمين في ( أعيان الشيعة ) 3 ص 65 فإني ألفت نظر القارئ إلى نص عبارته حتى يعرف مقدار الرجل من الصدق والأمانة في النقل ، ويرى محله من الأرجاف وقذف رجل عظيم من عظماء الأمة بفاحشة مبينة واتهامه بالقول بعصمة الذرية وهو ينص على خلافه ، قال بعد ذكر حديث الثقلين (2) بلفظ مسلم وأحمد وغيرهما من الحفاظ ما نصه : دلت هذه الأحاديث على عصمة أهل البيت من الذنوب والخطاء لمساواتهم فيها بالقرآن الثابت عصمته في أنه أحد الثقلين المخلفين في الناس ، وفي الأمر بالتمسك بهم كالتمسك بالقرآن ، ولو كان الخطأ يقع منهم لما صح الأمر بالتمسك بهم الذي هو
1 ـ راجع صحيح البخاري ج 5 ص 113 ، ج 9 ص 242 ـ 247.
2 ـ إني تارك فيكم الثقلين أو الخليفتين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي.


(298)
عبارة عن جعل أقوالهم وأفعالهم حجة ، وفي أن المتمسك بهم لا يضل كما لا يضل المتمسك بالقرآن ، ولو وقع منهم الذنوب أو الخطأ لكان المتمسك بهم يضل ، و إن في اتباعهم الهدى والنور كما في القرآن ، ولو لم يكونوا معصومين لكان في اتباعهم الضلال ، وأنهم حبل ممدود من السماء إلى الأرض كالقرآن ، وهو كناية عن أنهم واسطة بين الله تعالى وبين خلقه ، وإن أقوالهم عن الله تعالى ، ولو لم يكونوا معصومين لم يكونوا كذلك.
    وفي أنهم لم يفارقوا القرآن ولن يفارقهم مدة عمر الدنيا ، ولو أخطأوا أو أذنبوا لفارقوا القرآن وفارقهم ، وفي عدم جواز مفارقتهم بتقدم عليهم بجعل نفسه إماما لهم أو تقصير عنهم وائتمام بغيرهم ، كما لا يجوز التقدم على القرآن بالافتاء بغير ما فيه أو التقصير عنه باتباع أقوال مخالفيه ، وفي عدم جواز تعليمهم ورد أقوالهم ، ولو كانوا يجهلون شيئا لوجب تعليمهم ولم ينه عن رد قولهم.
    ودلت هذه الأحاديث أيضا على أن منهم من هذه صفته في كل عصر وزمان بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض وإن اللطيف الخبير أخبر بذلك ، وورود الحوض كناية عن انقضاء عمر الدنيا ، فلو خلا زمان من أحدهما لم يصدق أنهما لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.
    إذا علم ذلك ظهر أنه لا يمكن أن يراد بأهل البيت جميع بني هاشم ، بل هو من العام المخصوص بمن ثبت اختصاصهم بالفضل والعلم والزهد والعفة والنزاهة من أئمة أهل البيت الطاهر وهم الأئمة الاثنا عشر وأمهم الزهراء البتول ، للاجماع على عدم عصمة من عداهم ، والوجدان أيضا على خلاف ذلك ، لأن من عداهم من بني هاشم تصدر منهم الذنوب ويجهلون كثيرا من الأحكام ، ولا يمتازون عن غيرهم من الخلق ، فلا يمكن أن يكونوا هم المجعولين شركاء القرآن في الأمور المذكورة بل يتعين أن يكون بعضهم لا كلهم ليس إلا من ذكرنا ، أما تفسير زيد بن أرقم لهم بمطلق بني هاشم (1) إن صح ذلك عنه فلا تجب متابعته عليه بعد قيام الدليل على بطلانه. إقرأ واحكم. حيا الله الأمانة والصدق. هكذا يكون عصر النور.
    7 ـ قال : من آفات الشيعة قولهم : إن عليا يذود الخلق يوم العطش فيسقي
1 ـ فيما أخرجه مسلم في صحيحه.

(299)
منه أولياءه ويذود عنه أعداءه ، وإنه قسيم النار وإنها تطيعه يخرج منها من يشاء ج 2 ص 21.
    ج لقد أسلفنا في الجزء الثاني ص 321 ، أسانيد الحديث الأول عن الأئمة والحفاظ ، وأوقفناك على تصحيحهم لغير واحد من طرقه ، وبقيتها مؤكدة لها ، فليس هو من مزاعم الشيعة فحسب ، وإنما اشترك معهم فيه حملة العلم والحديث من أصحاب الرجل لكن القصيمي لجهله بهم وبما يروونه ، أو لحقده على من روي الحديث في حقه يحسبه من آفات الشيعة.
    وأما الحديث الثاني فكالأول ليس من آفات الشيعة بل من غرر الفضايل عند أهل الاسلام فأخرجه الحافظ أبو إسحاق ابن ديزيل المتوفى 280 / 281 عن الأعمش عن موسى بن ظريف عن عباية قال : سمعت عليا وهو يقول : أنا قسيم النار يوم القيامة ، أقول : خذي ذا ، وذري ذا.
    وذكره ابن أبي الحديد في شرحه 1 ص 200 والحافظ ابن عساكر في تاريخه من طريق الحافظ أبي بكر الخطيب البغدادي.
    وهذا الحديث سئل عنه الإمام أحمد كما أخبر به محمد بن منصور الطوسي قال : كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل : يا أبا عبد الله ما تقول في هذا الحديث الذي يروي : أن عليا قال : أنا قسيم النار ؟ فقال أحمد : وما تنكرون من هذا الحديث ؟ أليس روينا إن النبي صلى الله عليه وآله قال لعي : لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ؟ قلنا : بلى.
    قال : فأين المؤمن ؟ قلنا : في الجنة.
    قال : فأين المنافق ؟ قلنا : في النار.
    قال : فعلي قسيم النار.
    كذا في طبقات أصحاب أحمد ، وحكى عنه الحافظ الكنجي في الكفاية ص 22 ، فليت القصيمي يدري كلام إمامه.
    هذه اللفظة أخذها سلام الله عليه من قول رسول الله صلى الله عليه وآله له فيما رواه عنترة عنه صلى الله عليه وآله أنه قال :
    أنت قسيم الجنة والنار في يوم القيامة ، تقول للنار : هذا لي و هذا لك. وبهذا اللفظ رواه ابن حجر في ( الصواعق ) ص 75.
    ويعرب عن شهرة هذا الحديث النبوي بين الصحابة احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام به يوم الشورى بقوله :
    أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله : يا علي ؟ أنت قسيم الجنة يوم القيامة غيري ؟ قالوا : أللهم لا. والأعلام يرى هذه الجملة من


(300)
حديث الاحتجاج صحيحا وأخرجه الدارقطني كما في الإصابة 75 ، ويرى ابن أبي الحديد استفاضة كلا الحديثين النبوي والمناشدة العلوية فقال في شرحه 2 ص 448.
    فقد جاء في حقه الخبر الشائع المستفيض : إنه قسيم النار والجنة ، وذكر أبو عبيد الهروي في الجمع بين الغريبين :
    أن قوما من أئمة العربية فسروه فقالوا : لأنه لما كان محبه من أهل الجنة ومبغضه من أهل النار.
    كان بهذا الاعتبار قسيم النار و الجنة.
    قال أبو عبيد : وقال غير هؤلاء : بل هو قسيمها بنفسه في الحقيقة يدخل قوما إلى الجنة وقوما إلى النار ، وهذا الذي ذكره أبو عبيد أخيرا هوما يطابق الأخبار الواردة فيه : يقول للنار : هذا لي فدعيه ، وهذا لك فخذيه.
    وذكره القاضي في الشفا : إنه قسيم النار. وقال الخفاجي في شرحه 3 : 163 : ظاهر كلامه أن هذا مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنهم قالوا : لم يروه أحد من المحدثين إلا ابن الأثير قال في النهاية : إلا أن عليا رضي الله عنه قال :
    أنا قسيم النار.
    يعني أراد أن الناس فريقان : فريق معي فهم على هدى ، وفريق علي فهم على ضلال ، فنصف معي في الجنة ، ونصف علي في النار. إنتهى.
    قلت : ابن الأثير ثقة ، وما ذكره علي لا يقال من قبل الرأي فهو في حكم المرفوع ، إذ لا مجال فيه للاجتهاد ، ومعناه : أنا ومن معي قسيم لأهل النار ، أي مقابل لهم ، لأنه من أهل الجنة ، وقيل : القسيم : القاسم كالجليس والسمير ، وقيل.
    أراد بهم الخوارج ومن قاتله كما في النهاية ].
    8 ـ قال : جاءت روايات كثيرة في كتبهم [ يعني الشيعة ] إنه [ يعني الإمام المنتظر ] يهدم جميع المساجد ، والشيعة أبدا هم أعداء المساجد ، ولهذا يقل أن يشاهد الضارب في طول بلادهم وعرضها مسجدا. ج 2 ص 23.
    ج ـ لم يقنع الرجل كلما في علبة مكره من زور واختلاق ، ولم يقنعه إسناد ما يفتعله إلى رواية واحدة يسعه أن يجابه المنكر عليه بأنه لم يقف عليه حتى عزاه إلى روايات كثيرة جاءت في كتب الشيعة ، وليته إن كان صادقا [ وأنى ؟ وأين ؟ ] ذكر شيئا من أسماء هاتيك الكتب ، أو أشار إلى واحدة من تلك الروايات ، لكنه لم تسبق له لفتة إلى أن يفتعل أسماء ويضع أسانيد قبل أن يكتب الكتاب فيذكرها فيه. إن الحجة المنتظر سيد من آمن بالله واليوم الآخر ، الذين يعمرون مساجد الله
كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: فهرس