كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: 401 ـ 410
(401)
هيهات لا قربت قربى ولا رحم كانت مـودة سلمان له رحما يا جاهدا في مساويهم يكتمها ليس الرشيد كموسى في القياس ولا ذاق الزبيري غب الحنث وانكشفت باؤا بقـتل الرضا من بعد بيعته يا عـصبة شقيت من بعد ما سعدت لبئسما لقـيت منهم وإن بليت لاعن أبي مسلم في نصحه صفحوا ولا الأمان لأهل الموصل اعتمدوا أبلغ لـديك بني العباس مالكة أي المفاخر أمست في منازلكم أنى يـزيدكم في مفخر علم ؟ يا باعـة الخمر كفوا عن مفاخركم خلوا الفخـار لعلامين إن سئلوا لا يغـضبون لغير الله إن غضبوا تنشى التلاوة في أبياتهم سحرا يوما إذا أقصت الأخلاق والشيم ولم يكن بين نوح وابنه رحم غـدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم؟ (1) مأمونكم كالرضا لو أنصف الحكم عن ابن فاطمة الأقوال والتهم (2) وأبـصروا بعض يوم رشدهم وعموا ومعشرا هلكوا من بعد ما سلموا بجانب الطـف تلك الأعظم الرمم (3) ولا الهبيري نجا الحلف والقسم (4) فيه الوفاء ولا عن غيهم حلموا (5) لا يدعوا ملكها ملاكها العجم وغيركم آمر فيها ومحـتكم وفي الخلاف عليكم يخفق العلم لمعشر بيعهم يوم الهياج دم يوم السـؤال وعمالين إن عملوا ولا يضيعون حكم الله إن حكموا وفي بيوتكم الأوتار والنغم

1 ـ أشار إلى غدر الرشيد بيحيى بن عبد الله بن الحسن الخارج ببلاد الديلم ؟ سنة 176 فإنه أمنه ثم غدره وحبسه ومات في حبسه.
2 ـ الزبيري هو عبد الله بن مصعب بن الزبير باهله يحيى بن عبد الله بن حسن فتفرقا فما وصل الزبيري إلى داره حتى جعل يصيح ؟ : بطني بطني. ومات.
3 ـ أشار إلى ما فعله المتوكل بقبر الإمام الشهيد.
4 ـ أبو مسلم هو الخراساني مؤسس دولة بني العباس قتله المنصور والهبيري : هو يزيد بن عمر بن هبيرة أحد ولاة بني أمية حاربه بنو العباس أيام السفاح ثم أمنوه فخرج إلى المنصور بعد المواثيق والأيمان فغدروا به وقتلوه سنة 132.
5 ـ استعمل السفاح أخاه يحيى بن محمد على الموصل فآمنهم ونادى : من دخل الجامع فهو آمن. وأقام الرجال على أبواب الجامع فقتلوا الناس قتلا ذريعا قيل : إنه قتل فيه أحد عشر ألفا ممن له خاتم ، وخلقا كثيرا ممن ليس له خاتم ، وأمر بقتل النساء والصبيان ثلاثة أيام وذلك في سنة 132.


(402)
منكم علية أم منهم ؟ وكان لكم إذا تلوا سورة غنى إمامكم ما في بيوتهم للخمر معتصر ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم الركن والبيت والأستار منزلهم وليس من قسم في الذكر نعرفه شيخ المغنين إبراهيم أم لهم ؟ (1) قف بالطلول التي لم يعفها القدم ولا بيوتكم للسوء معتصم ولا يرى لهم قرد ولا حشم (2) وزمزم والصفى والحجر والحرم إلا وهم غير شك ذلك القسم
( ما يتبع الشعر )
    توجد هذه القصيدة كما رسمناها 58 بيتا في ديوانه المخطوط المشفوع بشرحه لابن خالويه النحوي المعاصر له المتوفى بحلب في خدمة بني حمدان سنة 370 ، و خمس منها العلامة الشيخ إبراهيم يحيى العاملي 54 بيتا ، وذكر تخميسه في [ منن الرحمان ] ج 1 ص 143 مستهله :
يا للرجال لجرح ليس يلتئم حتى متى أيها الأقوام والأمم أودى هدى الناس حتى أن أحفظهم فكيف توقظهم إن كنت موقظهم عمر الزمان وداء ليس ينحسم الحق مهتضم............. للخير صار بقول السوء ألفظهم والناس عندك ...........
    وهي التي شرحها م ـ أبو المكارم محمد بن عبد الملك بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة الحلبي المتوفى 565 ، وشرحها ] ابن أمير الحاج بشرحه المعروف المطبوع وتوجد بتمامها في ( الحدائق الوردية ) المخطوط ، وذكرها القاضي في ( مجالس المؤمنين ) ص 411 ، والسيد ميرزا حسن الزنوزي في ( رياض الجنة ) في الروضة الخامسة ستين بيتا ، وهي التي شطرها العلامة السيد محسن الأمين العاملي.
    وإليك نص البيتين الزائدين :
أمن تشاد له الألحان سايرة عليهم ذو المعالي أم عليكم ؟ (3)

1 ـ علية : بنت المهدي بن المنصور كانت عوادة. وإبراهيم أخوها كان مغنيا وعوادا.
2 ـ الخنثى : هو عبادة ، نديم المتوكل. والقرد كان لزبيدة.
3 ـ بعد البيت ال‍ 53.


(403)
صلى الإله عليهم كلما سجعت ورق فهم للورى كهف ومعتصم (1)
    وأسقط ناشر الديوان منها أبياتا وذكرها 53 بيتا وأحسب أنه التقط أبياتا ما كان يروقه مفادها ودونك الإشارة إليها :
    1 ـ وكل مائرة الضبعين مسرحها.
    2 ـ وفتية قلبهم قلب إذا ركبوا.
    3 ـ فما السعيد بها إلا الذي ظلموا.
    4 ـ للمتقين من الدنيا عواقبها.
    5 ـ ليس الرشيد كموسى في القياس ولا.
    6 ـ يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم.
    7 ـ صلى الإله عليهم كلما سجعت
    هذه القصيدة تعرف ب‍ ( الشافية ) وهي من القصايد الخالدة التي تصافقت المصادر على ذكرها أو ذكر بعضها (2) أو الايعاز إليها ، مطردة متداولة بين الأدباء ، محفوظة عند الشيعة وقسمائهم منذ عهد نظمها ناظمها أمير السيف والقلم وإلى الآن ، وستبقى خالدة مع الدهر ، وذلك لما عليها من مسحة البلاغة ، ورونق الجزالة ، وجودة السرد ، وقوة الحجة ، وفخامة المعنى ، وسلاسة اللفظ ، ولما أنشد ناظمها ( الأمير ) أمر خمسمائة سيفا وقيل أكثر يشهر في المعسكر (3) نظمها لما وقف على قصيدة ابن سكرة العباسي التي أولها :
بني علي دعوا مقالتكم لا ينقص الدر وضع من وضعه
    وللأمير أبي فراس هائية يمدح بها أهل البيت وفيها ذكر ( الغدير ) وهي :
يوم بسفح الدار لا أنساه يوم عمرت العمر فيه بفتية فكأن أوجههم ضياء نهاره أرعى له دهري الذي أولاه من نورهم أخذ الزمان بهاه وكأن أوجههم نجوم دجاه

1 ـ مختتم القصيدة.
2 ـ ذكر سراج الدين السيد محمد الرفاعي المتوفى 885 في ( صحاح الأخبار ) ص 26 من القصيدة ثمانية بيتا وقال : القصيدة طويلة ليس هذا محل ذكرها.
3 ـ كما ذكره الفتوني في كشكوله ، وأبو علي في رجاله ص 349.


(404)
ومهفهف كالغصن حسن قوامه نازعته كأسا كأن ضياءها في ليلة حسنت لنا بوصاله وكأنما فيها الثريا إذ بدت والبدر منتصف الضياء كأنه ظبي لو أن الدر مر بخده إن لم أكن أهواه أو أهوى الردى فحرمت قرب الوصل منه مثل ما إذ قال : اسقوني. فعوض بالقنا فاجتز رأسا طالما من حجره يوم بعين الله كان وإنما وكذاك لو أردى عداة نبيه يوم عليه تغيرت شمس الضحى لا عذر فيه لمهجة لم تنفطر تبا لقوم تابعوا أهوائهم أتراهم لم يسمعوا ما خصه إذ قال يوم ( غدير خم ) معلنا هذا وصيته إليه فافهموا أقروا من القرآن ما في فضله لو لم تنزل فيه إلا هل أتى من كان أول من حوى القرآن من من كان صاحب فتح خيبر ؟ من رمى من عاضد المختار من دون الورى ؟ من بات فوق فراشه متنكرا من ذا أراد إلهنا بمقاله والظبي منه إذا رنا عيناه لما تبدت في الظلام ضياه فكأنما من حسنها إياه كف يشير إلى الذي يهواه متبـسم بالكف يسترقاه من دون لحظة ناظر أدماه في العالمين لكل ما يهواه حرم الحسين الماء وهو يراه من شرب عذب الماء ما أرواه أدنته كفا جده ويداه يملي لظلم الظالمين الله ذو العرش ما عرف النبي عداه وبكت دما مما رأته سماه أو ذي بكاء لم تفض عيناه فيما يسوئهم غدا عقباه منه النبي من المقال أباه ؟! من كنت مولاه فذا مولاه يا من يقول بأن ما أوصاه وتأملوه وافهموا فحواه من دون كل منزل لكفاه لفـ ظ النبي ونطقه وتلاه ؟! بالكف منه بابه ودح اه ؟! من آزر المختار من آخاه ؟! لما أطل فراشه أعداه؟ : الصادقون القانتون سواه ؟!


(405)
من بات فوق فراشه متنكرا من خـصه جبريل من رب العلى أظننتم أن تقـتلوا أولاده أو تشربوا من حوضه بيمينه طوبى لمن ألقاه يوم أو أمه قد قال قبلي في قريض قائل أنسيتم يوم الكساء وإنه يا رب إني مهتد بهداهم أهوى الذي يهوى النبي وآله وأقول قولا يستدل بأنه شعرا يود السامعون لو أنه يغري الرواة إذا روته بحفظه لما أطل فراشه أعداه؟ بتحية من رب ه وحباه ؟ !ويظلكم يوم المعاد لواه ؟!كأسا وقد شرب الحسين دماه ؟!فاستل يوم حياته وسقاه: ويل لمن شفعائه خصماهممن حواه مع النبي كساه ؟!لا أهتدي يوم الهدى بسواهأبدا وأشنأ كل من يشناهمستبصر من قالـه ورواهلا ينقضي طول الزمان هداهويروق حسن رويه معناه
( الشاعر )
    أبو فراس الحارث بن أبي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنى بن رافع بن الحارث بن عطيف بن محربة بن حارثة بن مالك بن عبيد بن عدي بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب الحمداني التغلبي.
    ربما يرتج القول في المترجم وأمثاله ، فلا يدري القائل ماذا يصف ، أيطريه عند صياغة القول ؟ أو يصفه عند قيادة العسكر : وهل هو عند ذلك أبرع ؟ أم عند هذا أشجع ؟ وهل هو لجمل القوافي أسبك ؟ أم لازمة الجيوش أملك ؟ والخلاصة أن الرجل بارع في الصفتين ، ومتقدم في المقامين ، جمع بين هيبة الملوك ، وظروف الأدباء ، وضم إلى جلالة الأمراء لطف مفاكهة الشعراء ، وجمع له بين السيف و القلم ، فهو حين ما ينطق بفم كما هو عند ثباته على قدم ، فلا الحرب تروعه ، ولا القافية تعصيه ، ولا الروع يهزمه ، ولا روعة البيان تعدوه ، فلقد كان المقدم بين شعراء عصره كما أنه كان المتقدم على أمرائه ، وقد ترجم بعض أشعاره إلى اللغة الألمانية


(406)
كما في دائرة المعارف الإسلامية.
    قال الثعالبي في يتيمة الدهر ج 1 ص 27 : كان فرد دهره ، وشمس عصره ، أدبا وفضلا ، وكرما ونبلا ، ومجدا وبلاغة وبراعة ، وفروسية وشجاعة ، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة ، والسهولة والجزالة ، والعذوبة والفخامة ، والحلاوة والمتانة ، ومعه رواء الطبع ، وسمة الظرف ، وعزة الملك ، ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز ، وأبو فراس يعد أشعر منه عند أهل الصنعة ، ونقدة الكلام ، وكان الصاحب يقول : ( بدئ الشعر بملك وختم بملك ) يعني امرؤ القيس وأبا فراس ، وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز ، ويتحامى جانبه ، فلا يتبري لمباراته ، ولا يجترئ على مجاراته ، وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل حمدان تهيبا له وإجلالا ، لا إغفالا وإخلالا ، وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن أبي فراس ، ويميزه بالإكرام عن ساير قومه ، ويصطنعه لنفسه ، ويصطحبه في غزواته ، ويستخلفه على أعماله ، وأبو فراس ينثر الدر الثمين في مكاتباته إياه ، ويوافيه حق سؤدده ويجمع بين أدبي السيف والقلم في خدمته. ا ه‍.
    وتبعه في إطرائه والثناء عليه ابن عساكر في تاريخه ج 2 ص 440. وابن شهر آشوب في معالم العلماء. ابن الأثير في الكامل ج 8 ص 194. ابن خلكان في تاريخه ج 1 ص 138. أبو الفدا في تاريخه ج 2 114. اليافعي في مرآة الجنان ج 2 ص 369. و مؤلفي شذرات الذهب ج 3 ص 24. مجالس المؤمنين ص 411. رياض العلماء. أمل الآمل ص 266. منتهى المقال ص 349. رياض الجنة في الروضة الخامسة. دائرة المعارف للبستاني ج 2 ص 300. دائرة المعارف لفريد وجدي ج 7 ص 150. روضات الجنات ص 206. قاموس الأعلام للزركلي ج 1 ص 202. كشف الظنون ج 1 ص 502. تاريخ آداب اللغة ج 2 ص 241. الشيعة وفنون الاسلام 107. معجم المطبوعات. دائرة المعارف الإسلامية ج 1 ص 387. وجمع شتات ترجمته وأوعى سيدنا المحسن الأمين في 260 صحيفة في أعيان الشيعة في الجزء الثامن عشر ص 29 298.
    كان المترجم يسكن منبج ، وينتقل في بلاد الشام في دولة ابن عمه أبي الحسن سيف الدولة ، واشتهر في عدة معارك معه ، حارب بها الروم ، أسر مرتين فالمرة


(407)
الأولى ب‍ ( مغارة الكحل ) سنة 348 وما تعدوا به ( خرشنة ) وهي قلعة ببلاد الروم والفرات يجري من تحتها ، وفيها يقال : إنه ركب فرسه وركضه برجله فأهوى به من أعلا الحصن إلى الفرات والله أعلم.
    والمرة الثانية : أسرته الروم على منبج ، وكان متقلدا بها في شوال سنة 351 ، أسر وهو جريح وقد أصابه سهم بقي نصله في فخذه وحصل مثخنا بخرشنة ثم بقسطنطينة وأقام في الأسر أربع سنين ، لتعذر المفاداة واستفكه من الأسر سيف الدولة سنة 355 ، وقد كانت تصدر أشعاره في الأسر والمرض ، واستزادة سيف الدولة وفرط الحنين إلى أهله وإخوانه وأحبائه والتبرم بحاله ومكانه ، عن صدر حرج ، وقلب شج ، تزداد رقة ولطافة ، تبكي سامعها ، وتعلق بالحفظ لسلاستها ، تسمى بالروميات.
    قال ابن خالويه : قال أبو فراس : لما حصلت بالقسطنطينة أكرمني ملك الروم إكراما لم يكرمه أسيرا قبلي ، وذلك أن من رسومهم أن لا يركب أسير في مدينة ملكهم دابة قبل لقاء الملك ، وأن يمشي في ملعب لهم يعرف بالبطوم مكشوف الرأس ويسجد فيه ثلاث سجدات أو نحوها ، ويدوس الملك رقبته في مجمع لهم يعرف بالتوري ، فأعفاني من جميع ذلك ونقلني لوقتي إلى دار وجعل لي [ برطسان ] يخدمني ، و أمر بإكرامي ونقل من أردته من أسارى المسلمين إلي ، وبذل لي المفاداة مفردا ، وأبيت بعد ما وهب الله لي من الكرامة ورزقته من العافية والجاه أن أختار نفسي على المسلمين ، وشرعت مع ملك الروم بالفداء ولم يكن الأمير سيف الدولة يستبقي أسارى الروم ، فكان في أيديهم فضل ثلاثة آلاف أسير ممن أخذ من الأعمال والعساكر فابتعتهم بمأتي ألف دينار رومية على أن يوقع الفداء واشتري هذه الفضيلة وضمنت المال والمسلمين وخرجت بهم من القسطنطينة وتقدمت بوجوههم إلى ( خرشنة ) ولم يعقد قط فداء مع أسير ولا هدنة فقلت في ذلك شعرا :
ولله عندي في الاسئار وغيره حللت عقودا أعجز الناس حلها إذا عاينتني الروم كبر صيدها مواهب لم يخصص بها أحد قبلي وما زال عقدي لا يذم ولا حليكأنهم أسرى لدي وفي كبلي


(408)
وأوسع أياما حللت كرامة فقل لبني عمي وأبلغ بني أبي : وما شاء ربي غير نشر محاسني كأني من أهلي نقلت إلى أهلي بأني في نعماء يشكرها مثليوأن يعرفوا ما قد عرفتم من الفضل
    وقال يفتخر وقد بلغه أن الروم قالت : ما أسرنا أحدا لم نسلب ثيابه غير أبي فراس.
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر بلى أنا مشتاق وعندي لوعة إذ الليل أضواني بسطت يد الهوى تكاد تضئ النار بين جوانحي أما للهـوى نهي لديك ولا أمر ؟ ولكن مثلي لا يذاع له سر وأذللت دمعا من خلائقه الكبر إذا هي أذكتها الصبابة والفكر
    ويقول فيها :
أسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى ولكن إذا حم القضاء على امرئ وقال اُصيحابي : الفرار أو الردى ولكنني أمضي لما لا يعيبني يقولون لي : بعت السلامة بالردى هو الموت فاختر ما علا لك ذكره ولا خير في رد الردى بمذلة يمنون أن خلوا ثيابي وإنما وقائم سيفي فيهم دق نصله سيذكرني قومي إذا جد جد هم فإن عشت فالطعن الذي يعرفونه الشقر وإن مت فالانسان لا بد ميت ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به ونحن أناس لا توسط عندنا تهون علينا في المعالي نفوسنا أعز بني الدنيا وأعلا ذوي العلا ولا فرسي مهر ولا ربه غمر فليس له بر يقيه ولا بحر فقلت : هما أمران أحلاهما المر وحسبك من أمرين خيرهما الأسر فقلت لهم : والله ما نالني خسر ولم يمت الانسان ما حيه الذكر كما رده يوما بسوأته عمرو على ثياب من دمائهم حمر وأعقاب رمحي منهم حطم الصدر وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر وتلك القنا والبيض والضمر وإن طالت الأيام وانفسح العمر وما كان يغلو التبر لو نفق الصفر لنا الصدر دون العالمين أو القبر ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر وأكرم من فوق التراب ولا فخر


(409)
    وقال لما أسر :
ما للعبيد من الذي ذدت الأسود عن الفرا يقضي به الله امتناع ئس ثم تفرسني الضباع
    وقال :
قد عذب الموت بأفواهنا إنا إلى الله لما نابنا والموت خير من مقام الذليل وفي سبيل الله خير السبيل
    وقال لما ورد أسيرا بخرشنة :
إن زرت خرشنة أسيرا ولقد رأيت السبي يجل ولقد رأيت النار تن من كان مثلي لم يبت ليست تحل سراتنا فلكم حللت بها مغيرا ب نحونا حوا وحورا تهب المنازل والقصورا إلا أميرا أو أسيرا إلا الصدور أو القبورا
    ولما ثقل الجراح وآيس من نفسه وهو أسير كتب إلى والدته يعزيها بنفسه :
مصابي جليل والعزاء جميل وإني لفي هذا الصباح لصالح وما نال مني الأسر ما تريانه جراح تحاماه الأساة مخافة وأسر أقاسيه وليل نجومه تطول بي الساعات وهي قصيرة تناساني الأصحاب إلا عصابة وإن الذي يبقي على العهد منهم اقلب طرفي لا أرى غير صاحب وصرنا نرى أن المتارك محسن وليس زماني وحده بي غادر وما أثري يوم اللقاء مذمم وعلمي بأن الله سوف يديل ولي كلما جن الظلام غليل ولكنني دامي الجراح عليل وسقمان باد منهما ودخيل أرى كل شيء وغيرهن يزول وفي كل دهر لا يسرك طول ستلحق بالأخرى غدا وتحول وإن كثرت دعواهم لقليل يميل مع النعماء كيف تميل وإن خليلا لا يضر وصول ولا صاحبي دون الرجال ملول ولا موقفي عند الاسئار ذليل


(410)
تصفحت أقوال الرجال فلم يكن أكل خليل هكذا غير منصف نعم دعت الدنيا إلى الغدر دعوة وقبلي كان الغدر في الناس شيمة وفارق عمرو بن الزبير شقيقه فيا حسرتي من لي بخل موافق وإن وراء الستر اُمّا بكاؤها فيا أمنا لا تعدمي الصبر إنه ويا أمنا لا تحبطي الأجر إنه ويا أمنا صبرا فكل ملمة أمالك في ذات النطاقين أسوة (1) أراد ابنها أخذ الأمان فلم يجب تأسي كفاك الله ما تحذرينه وكوني كما كانت بأحد صفية فما رد يوما حمزة الخير حزنها لقيت نجوم الأفق وهي صوارم ولم أرع للنفس الكريمة خلة ولكن لقيت الموت حتى تركته ومن لم يق الرحمن فهو ممزق ومن لم يرده الله في الأمر كله وإن هو لم يدللك في كل مسلك إذا ما وقاك الله أمرا تخافه وإن هو لم ينصرك لم تلق ناصرا وما دام سيف الدولة الملك باقيا إلى غير شاك للزمان وصول وكل زمان بالكرام بخيل أجاب إليها عالم وجهول وذم زمان واستلام خليل وخلى أمير المؤمنين عقيل يقول بشجوي مرة وأقول علي وإن طال الزمان طويل إلى الخير والنجح القريب رسول على قدر الصبر الجميل جزيل تجلي على علاتها وتزول بمكة والحرب العوان تجول وتعلم علما إنه لقتيل فقد غال هذا الناس قبلك غول ولم يشف منها بالبكاء غليل إذا ما علتها زفرة وعويل وخضت ظلام الليل وهو خيول عشية لم يعطف علي خليل وفيه وفي حد الحسام فلول ومن لم يعز الله فهو ذليل فليس لمخلوق إليه سبيل ظللت ولو أن السماك دليل فما لك مما تتقيه مقيل وإن جل أنصار وعز قبيل فظلك فياح الجناب ظليل

1 ـ ذات النطاقين هي أسماء بنت أبي بكر.
كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: فهرس