الغدير ـ الجزء الخامس ::: 351 ـ 360
(351)
في متولي الخلافة بعد ما كان نص عليه قبل ذلك اليوم ؟ وما كان يكتب إلا من قدمه الله تعالى ونص عليه صلى الله عليه وآله قبل.
    ولماذا لم يكن يوم السقيفة ذكر عند أي أحد من ذلك التقديم المفتعل على الله و على رسوله ؟ وما بال أبي بكر كان يقدم أبا عبيدة الجراح يوم ذلك وكان يحث الناس على بيعته وبيعة عمر كما ورد في الصحيح ؟! فكأن في أذن الأمة وقرا من سماع ذلك التقديم حتى أن أذن أنس لم تسمع به قط.
    30 ـ عن ابن عمر وأبي هريرة قالا : ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعرابي قلائص إلى أجل فقال : أرأيت إن أتى عليك أمر الله ؟ قال : أبو بكر يقضي ديني وينجز موعدي.
    قال : فإن قبض ؟ قال عمر يحذوه ويقوم مقامه لا تأخذه في الله لومة لائم.
    قال : فإن أتى على عمر أجله ؟ قال : فإن استطعت أن تموت فمت.
    من موضوعات خالد بن عمرو القرشي على الليث ذكره الذهبي في ميزانه 1 ص 298 وحكى عن ابن عدي أنه قال بعد ذكر هذا الحديث وأحاديث أخرى : عندي أنه ـ خالد بن عمرو ـ وضع هذه الأحاديث ، فإن نسخة الليث عن يزيد بن أبي حبيب عندي ما فيها من هذا شئ.
    وذكره ابن درويش الحوت البيروتي في ( أسنى المطالب ) ص 249 بلفظ : قدم رجل من أهل البادية بإبل فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لقي الرجل عليا فقال : ما أقدمك ؟ فأخبره أنه قدم بإبل وباعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي : هل نقدك ؟ فقال : لا ، لكن بعتها بتأخير.
    قال : ارجع إليه فقل له : إن حدث بك حادث فمن يقضي عنك ؟ (1) فقال : أبو بكر.
    قال : فإن حدث بأبي بكر ؟ فقال : عمر.
    فقال : فإن مات عمر فمن يقضي ؟ فقال : ويحك إن مات عمر فإن استطعت أن تموت فمت.
    قال ابن درويش : فيه الفضل بن المختار ضعيف جدا وإنه واه لا يعول عليه ، وفي م ج 4 ص 449 قال أبو حاتم : أحاديثه منكرة يحدث بالأباطيل. وقال الأزدي : منكر الحديث جدا. وقال ابن عدي : عامة أحاديثه منكرة ، عامتها لا يتابع عليها.
    31 ـ عن أنس مرفوعا : أبو بكر وزيري وخليفتي.
1 ـ هنا سقط معلوم لا يخفى.

(352)
    أخرجه الذهبي في ( الميزان ) 1 ص 41 من طريق أحمد بن جعفر بن الفضل وقال : مشهور بالوضع ليس بشئ.
    32 ـ عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا : قال لرجل : إنطلق فقل لأبي بكر : أنت خليفتي فصل بالناس. أخرجه العقيلي من طريق الفضل بن جبير عن خلف عن علقمة بن مرثد عن أبيه فقال : الفضل لا يتابع على حديثه. ولا يعرف لمرثد ـ والد علقمة ـ رواية. لم 4 ص 438.
    33 ـ عن ابن عباس : قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تسأله شيئا فقال لها : تعودين فقالت : يا رسول الله ! إن عدت فلم أجدك تعرض بالموت ؟ فقال : إن جئت فلم تجديني فأتي أبا بكر فإنه الخليفة من بعدي.
    أخرجه ابن عساكر وعده ابن حجر في ( الصواعق ) ص 11 من النصوص الدالة على خلافة أبي بكر. ما عساني أن أقول في مؤلف يحذف إسناد مثل هذه الأفيكة ويذكرها إرسال المسلم ويسند إليها وبين يديه أحاديث ابن عباس الجمة الهاتفة بالخلافة المنصوصة عليها لأمير المؤمنين علي عليه السلام ؟ أليس من حديثه ما صححه الحفاظ وأخرجوه بأسانيد رجالها ثقات وقد أسلفناه في الجزء الأول ص 51 وفيه قول رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي ؟.
    أليس من حديثه حديث العشيرة المنصوص على صحته وقد مر في الجزء الثاني. ص 278 ـ 287 وفيه قوله صلى الله عليه وآله : إن هذا ـ يعني عليا ـ أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ؟ وقوله لعلي : فأنت أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي ؟
    ألم يكن ابن عباس في مقدم المتخلفين عن بيعة أبي بكر ؟ ألم يكن هو مناظر عمر الوحيد حول الخلافة ؟ كما مر حديثه في ج 1 ص 389 ألم ؟ ألم ؟ ألم ؟
    34 ـ عن عبد الله بن عمر : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : تكون على هذه الأمة اثنا عشر خليفة : أبو بكر الصديق أصبتم اسمه. عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه. عثمان بن عفان ذو النورين قتل مظلوما أوتي كفلين من الرحمة ملك الأرض المقدسة (1).
1 ـ في المقام سقط كما لا يخفى.

(353)
معاوية. وابنه. ثم يكون السفاح. ومنصور. وجابر. والأمين. وسلام. وأمير العصب ، لا يرى مثله ، ولا يدرى مثله. الحديث.
    أخرجه نعيم بن حماد في ( الفتن ) كما في ( كنز العمال ) 6 ص 67 ، أرسلوا الحديث ورفعوه خوفا من أن يقف الباحث على ما في إسناده غير أن نعيم بن حماد بمفرده يكفي في المصيبة ويستغنى به عن عرفان بقية رجاله ، وقد مر في سلسلة الكذابين أنه كان يضع الحديث في تقوية السنة.
    على أن متن الحديث غير قاصر بالشهادة على وضعه ، فإن خليفة يأتي التبشير به كابني آكلة الأكباد حقيق أن يكون الأبناء به مختلقا مكذوبا لم تسر به الأمة قط إلا أن يكون المبشر بهما وبمن بعدهما من أمثالهما غير عالم بمعنى الخليفة ولا عارف بالمغزى من تقييضه.
    ثم أي خلافة هذه ينقطع أمدها منذ عهد يزيد بن معاوية إلى السفاح من سنة 64 إلى 132 فتترك الأمة طيلة تلك المدة سدى ؟!.
    وأي خطر للمنصور الظالم الغاشم حتى ينص النبي صلى الله عليه وآله على خلافته على المسلمين ؟ ومن هم : جابر وسالم وأمير العصب ؟ وما محلهم من الخلافة الدينية ؟ ثم ما بال عمر بن عبد العزيز ألين بني أمية أريكة ، وأطيبهم عنصرا ، وأصلحهم عملا ، لم يعوض به عن يزيد الخنا ؟ وما الذي كسى صاحب القرود والفهود والعود و الخمور ثوب الخلافة الإسلامية ولم يكسه عمر بن عبد العزيز ؟ ولا معاوية بن يزيد الذي تقمصها أربعين يوما ثم انسل عنه انسلالا ؟ وقد نص على خلافة الأول منهما وعدله وكونه من الخلفاء الراشدين غير واحد من الأئمة كما في تاريخ ابن كثير 6 ص 198 ، هذه كلها شواهد على أن واضع الحديث مفتر مائن جاهل بشؤون الخلافة ، غير عارف بالخلفاء ، وأجهل منه مؤلف يذكره ويجعله بين يدي القارئ ويعده منقبة للخلفاء.
    35 ـ قال أبو بكر في الغار : يا رسول الله ! قد عرفت منزلتك من الله تعالى بالنبوة و الرسالة فأنا بأي شئ ؟ فقال : أنا رسول الله ، وأنت صديقي وجناحي ومؤنسي وأنيسي ، وأنت خليفتي من بعدي ، تقوم في الناس مقامي ، وأنت ضجيعي ، وإن الله قد غفر لك ولمحبيك إلى يوم القيامة.


(354)
    ذكره الصفوري في ( نزهة المجالس ) 2 ص 184 نقلا عن ( عيون المجالس ) بهذه الصورة المرسلة ، وصحة إنكار أبي بكر وعمر استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم كما يأتي بعيد هذا تكذب هذه الأفيكة.
    36 ـ عن أنس قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره فوضع يمينه على كتفي أبي بكر ويساره على كتفي عمر وقال : أنتما وزيراي في الدنيا و أنتما وزيراي في الآخرة ، وهكذا تنشق الأرض عني وعنكما ، وهكذا أزور أنا و أنتما رب العالمين. نزهة المجالس 2 ص 191.
    أسفي على نسيان أبي بكر وعمر ذلك النص ـ المفتعل ـ وإنكارهما الوزارة المنصوصة يوم التحاور دونها.
    37 ـ مرفوعا قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : لا يتأمرن عليكما بعدي أحد.
    ذكره الصفوري في ( نزهة المجالس ) 2 ص 192 مرسلا فقال : فهذا صريح في الخلافة لهما بعده صلى الله عليه وسلم وذكره الشبلنجي في ( نور الأبصار ) 55 عن بسطام بن مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله ، ولم يكن عند أبي بكر وعمر علم من هذه الأفيكة ولو كان لبان ، أو : لما بان منهما إنكار استخلافه صلى الله عليه وآله وسلم.
    38 ـ عن أنس عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله أمرني أن أتخذ أبا بكر والدا. وعمر مشيرا. وعثمان سيدا. وأنت يا علي صهرا. أنتم أربعة قد أخذ الله لكم الميثاق في أم الكتاب لا يحبكم إلا مؤمن تقي ، ولا يبغضكم إلا منافق شقي ، أنتم خلفاء نبوتي ، وعقد ذمتي ، وحجتي على أمتي.
    أخرجه ابن عساكر في تاريخه 4 ص 286 ، و ج 7 : 286 والخطيب البغدادي في تاريخه 9 ص 345 وقال : هذا الحديث منكر جدا لا أعلم من رواه بهذا الاسناد إلا ضرار بن سهل وعنه الغباغبي وهما جميعا مجهولان.
    وذكره الذهبي في ( ميزان الاعتدال ) 1 ص 472 فقال : خبر باطل ولا يدرى من ذا الحيوان ـ ضرار بن سهل ـ وقال ابن بدران في تاريخ ابن عساكر 7 : 286 : لفظه يدل على عدم تمكنه.
    م 39 ـ عن زيد بن الجلاس الكندي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخليفة بعده ؟ فقال : أبو بكر.


(355)
أخرجه أبو عمر في ( الاستيعاب ) في ترجمة زيد فقال : إسناده ليس بالقوي ].
    40 ـ عن علي ـ أمير المؤمنين ـ رضي الله عنه قال : لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسر إلي أن أبا بكر سيتولى بعده ثم عمر ثم عثمان ثم أنا.
    41 ـ عن علي ـ أمير المؤمنين ـ قال : إن الله فتح هذه الخلافة على يدي أبي بكر وثناه عمر وثلثه عثمان وختمها بي بخاتمة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
    42 ـ عن علي ـ أمير المؤمنين ـ قال : ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا حتى عهد إلي أن أبا بكر يلي الأمر بعده ثم عمر ثم عثمان ثم إلي فلا يجتمع علي.
    هذه الروايات الثلث أخرجها محب الدين الطبري في ( الرياض النضرة ) 1 ص 33 مرسلة غير مسندة فقال : قلت : وهذا الحديث تبعد صحته لتخلف علي عن بيعة أبي بكر ستة أشهر ، ونسبته إلى نسيان الحديث في مثل هذه المدة بعيد ، ثم توقفه في أمر عثمان على التحكيم مما يؤيد ذلك ، ولو كان عهد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك لبادر ولم يتوقف.
    43 ـ أخرج الديلمي عن أمير المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتاني جبرئيل فقلت : من يهاجر معي ؟ قال : أبو بكر وهو يلي أمر أمتك من بعدك ، وهو أفضل أمتك من بعدك ، كنز العمال 6 ص 139.
    44 ـ قال علي رضي الله عنه : قال النبي صلى الله عليه وسلم : أعز الناس علي ، وأكرمهم عندي ، وأحبهم إلي ، وآكدهم عندي حالا : أصحابي الذين آمنوا بي وصدقوني ، وأعز أصحابي إلي وخيرهم عندي ، وأكرمهم على الله ، وأفضلهم في الدنيا والآخرة : أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فإن الناس كذبوني وصدقني ، وكفروا بي وآمن بي ، وأوحشوني وآنسني ، وتركوني وصحبني ، وأنفوا مني وزوجني ، وزهدوا في ورغب في ، وآثرني على نفسه وأهله وماله ، فالله تعالى يجازيه عني يوم القيامة ، فمن أحبني فليحبه ، ومن أراد كرامتي فليكرمه ، ومن أراد القرب إلى الله تعالى فليسمع وليطع فهو الخليفة بعدي على أمتي.
    ذكره الصفوري في ( نزهة المجالس ) 2 ص 173 نقلا عن ( روض الأفكار ) وحكاه الجرداني في ( مصباح الظلام ) 2 ص 24. من موضوعات المتأخرين مرسلا لم يوجد في أصل ، ولم ير في مسند ، وكل


(356)
شطر من جمله تكذبه صحاح مسندة في الكتب والمسانيد.
    45 ـ عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال : إن عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر بن الخطاب ، وإن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير ، ثم قام أبو بكر فخطب الناس. إلى أن قال : قال علي رضي الله عنه والزبير : ما غضبنا إلا لأنا قد أخرنا عن المشاورة ، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لصاحب الغار وثاني اثنين ، وإنا لنعلم بشرفه وكبره ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي. أخرجه الحاكم في ( المستدرك ) 3 ص 66.
    هذه الروايات كلها باطلة لما ستقف عليه من صحاح وحسان ـ عند القوم ـ عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام من النص على عدم استخلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعدم وجود عهد منه عنده ، وفي تضاعيف الحديث والسيرة شواهد على بطلانها لا تحصى ، وما شجر بينه عليه السلام وبين القوم في بدء أمر الخلافة وتأخره المجمع عليه من البيعة برهة طويلة يبطل كل هذه الهلجات ، وقد سمع العالم هتاف خطبته الشقشقية وسارت بها الركبان ، وتداولتها الكتب وكم لها من نظير ، م ـ وما أكثر الوضاعون من الكذب على سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام ، وحقا كان يرى ابن سيرين : إن عامة ما يروى عن علي الكذب (1).
ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم
مالك من الله من ولي ولا واق

[ الرعد 37 ]

1 ـ صحيح البخاري 5 : 272.

(357)
غثيثة التزوير
    هذه مأثورات القوم في حجرهم الأساسي الذي عليه ابتنوا ما علوه من هيكل الإفك وما شادوه وأشادوا بذكره من بنية الزور ، وقد عرفت شهادة الأعلام بأنها أساطير موضوعة لا مقيل لها من الصحة ، ويساعد ذلك الاعتبار لأن البرهنة الوحيدة عند القوم في باب الخلافة هو الإجماع والانتخاب فحسب ، ولم تجد منهم أي شاذ يعتمد على النص فيها ، وتراهم بسطوا القول حول إبطال النص وتصحيح الاختيار وأحكامه ، وقد يعزى لديهم إنكار النص إلى أمة من الشيعة فضلا عن جمهورهم ، قال الباقلاني في ( التمهيد ) ص 165 : وعلمنا بأن جمهور الأمة والسواد الأعظم منها ينكر ذلك ـ النص ـ ويجحده و يبرأ من الدائن به ، ورأينا أكثر القائلين بفضل علي عليه السلام من الزيدية ومعتزلة البغداديين وغيرهم ينكر النص عليه ويجحده مع تفضيله عليا على غيره.
    وقال الخضري في ( المحاضرات ) ص 46 : الأصل في انتخاب الخليفة رضا الأمة فمن ذلك يستمد قوته ، هكذا رأى المسلمون عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد انتخبوا أبا بكر الصديق إختيارا منهم لا استنادا إلى نصر أو أمر من صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم ، وبعد أن انتخبوه بايعوه ومعنى ذلك عاهدوه على السمع والطاعة فيما فيه رضا الله سبحانه ، كما أنه عاهدهم على العمل فيهم بأحكام الدين من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا التعاهد المتبادل بين الخليفة والأمة هو معنى البيعة تشبيها له بفعل البائع والمشتري فإنهما كانا يتصافحان بالأيدي عند إجراء عقد البيع.
    فمن هذه البيعة تكون قوة الخليفة الحقيقية وكانوا يرون الوفاء بها من ألزم ما يوجبه الدين وتحتمه الشريعة.
    وقد سن أبو بكر رضي الله عنه طريقة أخرى في انتخاب الخليفة وهي أن يختار هو من يخلفه ويعاهده الجمهور على السمع والطاعة ، وقد وافق الجمهور الاسلامي على هذه الطريقة ، ورأى أن هذا مما تجب الطاعة فيه وذلك العمل هو ولاية العهد.
    فمن هنا يتجلى أن تاريخ ولادة هذه المرويات بعد انعقاد البيعة واستقرار الخلافة


(358)
لمن تقمصها ، ولذلك لم ينبس أحد منهم يوم السقيفة ولا بعده بشئ من ذلك على ما احتدم هنالك من الحوار والتنازع والحجاج ، وليس ببدع أن لا يعرفها أحد قبل ولادتها ، وإنما العجب من أن البحاثة وعلماء الكلام من بعد ذلك التاريخ ـ إلا الشذاذ منهم ـ لم يأبهوا بها في إثبات أصل الخلافة وإن لم يألوا جهدا في التصعيد والتصويب جهد مقدرتهم ، وما ذلك إلا لأنهم لم يعرفوا تلكم المواليد المزورة ، نعم يوجد من المؤلفين من يذكرها في مقام سرد الفضايل تمويها على الحق.
    وهناك أحاديث جمة صحيحة ـ عند القوم ـ تضادها وتكذبها مثل ما صح عن أبي بكر أنه قال في مرضه الذي توفي فيه : وددت إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هذا الأمر ؟ فلا ينازعه أحد ، ووددت إني كنت سألت هل للأنصار في هذا الأمر نصيب ؟ (1) : فلو كان أبو بكر سمع النص على خلافته من رسول الله كما هو صريح بعض تلكم المنقولات لما كان مجال لتمنيه هذا إلا أن يكون قد غلبه الوجع أو أنه كان هجرا من القول كما احتملوه في حديث الكتف والدواة.
    2 ـ وما أخرجه مالك عن عائشة قالت : لما احتضر أبو بكر رضي الله عنه دعا عمر فقال : إني مستخلفك على أصحاب رسول الله يا عمر ! وكتب إلى أمراء الأجناد : وليت عليكم عمر ولم آل نفسي ولا المسلمين إلا خيرا (2).
    فإن كان هناك نص على خلافة عمر فما معنى نسبة أبي بكر الاستخلاف والتولية إلى نفسه ؟
    3 ـ وما رواه عبد الرحمن بن عوف قال : دخلت يوما على أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في علته التي مات فيها ، فقلت له : أراك بارئا يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أما إني على ذلك لشديد الوجع ، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين ! أشد علي من وجعي ، إني وليت أموركم خيركم في نفسي ، فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من
1 ـ تاريخ الطبري 4 ص 53. العقد الفريد 2 ص 254. يأتي الكلام حول هذا الحديث وصحته في الجزء السابع.
2 ـ تيسير الوصول للحافظ ابن الدبيع 2 ص 48.


(359)
دونه. إلى أن قال : فقلت خفض عليك يا خليفة رسول الله ! صلى الله عليه وسلم فإن هذا يهيضك (1) إلى ما بك فوالله ما زلت صالحا مصلحا ، لا تأسى على شيئ فاتك من أمر الدنيا ، ولقد تخليت بالأمر وحدك فما رأيت إلا خيرا (2).
    تورم أنف الصحابة إما لاعترافهم بعدم النص وإن الخيرة قد عدتهم من غير ما أولوية في المختار ـ بالفتح ـ أو : لاعتقادهم وجود النص لكنه لم يعمل به بل أعملت الأثرة والمحاباة فنقموا بأنها قد عدتهم.
    وإما لاعتقادهم إن الأمر لا يكون إلا باختيار الأمة فغاضهم التخلف عنه.
    وإما لاعتقادهم وجود النص على علي أمير المؤمنين عليه السلام خاصة فغضبوا له و أسخطهم أن يتقدم عليه غيره.
    وإما لأنهم رأوا أن الناس لا يعتمدون على النص ، ولا يجزي الانتخاب على أصوله ، وأن الانتخاب الأول كان فلتة بنص من عمر ، والاختيار الشخصي ما كان معهودا ، فإذا كان السائد وقتئذ الفوضوية فلكل أحد يرى لنفسه حنكة التقدم أن يطمع في الأمر كما قال عبد الرحمن بن عوف في حديث أخرجه البلاذري في ( الأنساب ) 5 : 20 : يا قوم ! أراكم تتشاحون عليها وتؤخرون إبرام هذا الأمر ، أفكلكم رحمكم الله يرجو أن يكون خليفة ؟.
    4 ـ وما أخرجه ابن قتيبة في حديث يأتي كملا من قول أبي بكر : إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا وللمؤمنين وليا فمن الله تعالى بمقامه بين أظهرنا حتى اختار له الله ما عنده فخلى على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم متفقين لا مختلفين فاختاروني عليهم واليا ولأمورهم راعيا. الإمامة والسياسة 1 : 15.
    5 ـ وما صح عن عمر أنه قال : ثلاث لإن يكون رسول الله بينهن أحب إلي من حمر النعم : الخلافة. الكلالة. الربا.
    وفي لفظ : أحب إلي من الدنيا وما فيها ).
    6 ـ وما جاء عن عمر صحيحا من قوله : لإن أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث أحب إلي من حمر النعم : ومن الخليفة بعده. الحديث (3).
    7 ـ وما صح عن عمر أنه قال : إن الله تعالى يحفظ دينه وإني إن لا أستخلف ؟ فإن
1 ـ هاض العظم : كسره بعد الحبور.
2 ـ تاريخ الطبري 4 ص 52 ، العقد الفريد 2 ص 254 ، تهذيب الكامل 1 ص 6 ، إعجاز القرآن ص 116.
3 ـ تأتي مصادر هذا الحديث وما قبله في الجزء السادس في نوادر الأثر.


(360)
رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف ، وإن أستخلف ؟ فإن أبا بكر رضي الله عنه قد استخلف.
    قال ـ عبد الله بن عمر ـ : فوالله ما هو إلا أن ذكر رسول الله وأبا بكر فعلمت أنه لا يعدل برسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا وأنه غير مستخلف (1).
    8 ـ وما صح من أن عمر لما طعن قيل له : لو استخلفت ؟ فقال : أتحمل أمركم حيا وميتا ؟ إن أستخلف ؟ فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر. وإن أترك ؟ فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عبد الله فعلمت أنه غير مستخلف (2).
    9 ـ وما أخرجه مالك من خطبة عمر : أيها الناس ! إني لا أعلمكم من نفسي شيئا تجهلونه أنا عمر ولم أحرص على أمركم ولكن المتوفى أوحى إلي بذلك والله ألهمه ذلك ، وليس أجعل أمانتي إلى أحد ليس لها بأهل ولكن اجعلها من تكون رغبته في التوقير للمسلمين ، أولئك هم أحق بهم ممن سواهم ، تيسير الوصول 2 ص 48.
    فشتان بين هذه الخطبة وبين تلك المفتعلات فإن عمر يرى خلافته وحيا من أبي بكر لا وحيا من الله جاء به جبريل إلى النبي الأعظم ، وصدع به صلى الله عليه وآله في الملأ الديني ، وأذن به بلال كما كان نص بعضها.
    10 ـ وما أخرجه الطبري في تاريخه ج 5 ص 33 : إن عمر بن الخطاب لما طعن قيل له : يا أمير المؤمنين ! لو استخلفت ؟ قال من أستخلف ؟ لو كان أبو عبيدة ابن الجراح حيا استخلفته.
    فإن سألني ربي قلت : سمعت نبيك يقول : إنه أمين هذه الأمة ، ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا استخلفته فإن سألني ربي قلت : سمعت نبيك يقول : إن سالما شديد الحب لله.
    فقال له رجل : أدلك عليه عبد الله بن عمر فقال : قاتلك الله والله ما أردت الله بهذا ويحك كيف أستخلف رجلا عجز عن طلاق امرأته ؟ لا إرب لنا في أموركم ما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي ، إن كان خيرا فقد أصبنا منه ، وإن كان شرا
1 ـ أخرجه الخمسة من مؤلفي الصحاح الست غير النسائي ، تيسير الوصول 2 : 50 ، و أخرجه أحمد في مسنده 1 ص 47 ، والخطيب في تاريخه 1 ص 258 ، ورواه جمع كثير من الحفاظ و أئمة الحديث.
2 ـ أخرجه الشيخان البخاري ومسلم وهذا لفظهما ، وأبو داود والترمذي مختصرا ، وأحمد في مسنده ج 1 ص 43 ، 46 ، والبيهقي في سننه 8 ص 148 ، وتجده في تيسير الوصول 2 : 49 ، تاريخ ابن كثير 5 ص 50.
الغدير ـ الجزء الخامس ::: فهرس