الغدير ـ الجزء السادس ::: 91 ـ 100
(91)
عمر وتابعه الوحيد التيمم للجنب الفاقد للماء لغاية أخرى.
    قال شقيق : كنت بين عبد الله بن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما فقال أبو موسى : أرأيت يا أبا عبد الرحمن ؟ لو أن رجلا أجنب فلم يجد الماء شهرا كيف يصنع بالصلاة ؟ فقال لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهرا.
    فقال أبو موسى : كيف بهذه الآية في سورة المائدة ( فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ) ؟ قال عبد الله : لو رخص لهم في هذا الآية لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا بالصعيد.
    فقال له أبو موسى : و إنما كرهتم هذا لذا ؟ قال : نعم.
    فقال أبو موسى لعبد الله : ألم تسمع قول عمار لعمر رضي الله عنهما : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك ، فقال : إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا ، وضرب بكفيه ضربة على الأرض ثم نفضها ثم مسح بها ظهر كفه بشماله : وظهر شماله بكفه ثم مسح بهما وجهه ، فقال عبد الله : أفلم تر عمر لم يقنع بقول عمار ؟
صورة أخرى للبخاري :
    قال شقيق : كنت عند عبد الله وأبي موسى فقال له أبو موسى : أرأيت يا أبا عبد الله إذا أجنب فلم يجد ماء كيف يصنع ؟ فقال عبد الله : لا يصلي حتى يجد الماء.
    قال أبو موسى : فيكف تصنع بقول عمار ؟ حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم : كان يكفيك.
    قال : أولم تر أن عمر لم يقنع منه بذلك.
    فقال له أبو موسى : فدعنا من قول عمار ، كيف تصنع بهذه الآية ؟ فما درى عبد الله ما يقول فقال : إنا لو رخصنا لهم في هذا لأوشك إذا برد على أحدهم الماء أن يدعه ويتيمم ، فقلت لشقيق : فإنما كره عبد الله لهذا ؟ قال : نعم (1) ما أرأف هذا القائل بالجنب الفاقد للماء وأشفقه عليه إذا رأى له ترك الصلاة ولو لم يجد الماء شهرا ؟ وما أقساه على من برد عليه الماء وأوشك أن يتيمم ؟ فنهى عن التيمم شدة على هذا ورأفة بذاك ، فكأن ترك الجنب الفاقد للماء الصلاة وإعراضه عما في الكتاب والسنة أخف وطئة عنده من تيمم من اتخذ البرد عذرا وترك الغسل ، وكأنه أعرف بصالح المجتمع الديني من مشرع الدين لهم ، وكأنه يرى أن الشارع
1 ـ صحيح البخاري ج 1 ص 128 ، 129 ، صحيح مسلم 1 ص 110 ، سنن ابن داود 1 ص 53 ، وفي تيسير الوصول 3 ص 97 : أخرجه الخمسة إلا الترمذي. سنن البيهقي 1 ص 226.

(92)
الأقدس فاتته رعاية ما تنبه له من المفسدة من التيمم عند برد الماء فتداركه هذا الفقيه الضليع في الفقاهة برأيه الفطير وحجته الداحضة ، وكأنه وكأنه ...
2
الخليفة لا يعرف حكم الشكوك
    أخرج إمام الحنابلة أحمد في مسنده 1 ص 192 بإسناده عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا صلى أحدكم فشك في صلاته فإن شك في الواحدة والثنتين فليجعلها واحدة ، وإن شك في الثنتين والثلاث فليجعلها ثنتين ، وإن شك في الثلاث والأربع فليجعلها ثلاثا ، حتى يكون الوهم في الزيادة ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم يسلم. قال محمد بن إسحاق : وقال لي حسين بن عبد الله : هل أسنده لك ؟ فقلت : لا.
    فقال : لكنه حدثني أن كريبا مولى ابن عباس حدثه عن ابن عباس قال : جلست إلى عمر بن الخطاب فقال : يا بن عباس ! إذا اشتبه على الرجل في صلاته فلم يدر أزاد أم نقص ؟ قلت : يا أمير المؤمنين ! ما أدري ما سمعت في ذلك شيئا ، فقال عمر : والله ما أدري ـ وفي لفظ البيهقي ـ : لا والله ما سمعت منه صلى الله عليه وسلم فيه شيئا ولا سألت عنه.
    فبينا نحن على ذلك إذ جاء عبد الرحمن بن عوف فقال : ما هذا الذي تذكران ؟ فقال له عمر : ذكرنا الرجل يشك في صلاته كيف يصنع ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا. الحديث.
وفي لفظ آخر
في مسند أحمد :
    عن كريب عن ابن عباس أنه قال له عمر : يا غلام ! هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ما ذا يصنع ؟ قال : فبينا هو كذلك إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف فقال : فيم أنتما ؟ فقال عمر : سألت هذا الغلام هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه إذا شك الرجل في صلاته ماذا يصنع ؟ فقال عبد الرحمن : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا شك أحدكم .. الحديث (1).
    ألا تعجب من خليفة لا يعرف حكم شكوك الصلاة ، وهو مبتلى بها في اليوم والليلة خمسا ؟ ولم يهتم بأمرها حتى يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنها إلى أن يؤل أمره إلى
1 ـ مسند أحمد 1 ص 190 ، سنن البيهقي 2 ص 332 بعدة طرق.

(93)
السؤال عن غلام لا يعرفها أيضا فينبأه بها عبد الرحمن بن عوف ، أنا لا أدري كيف كان يفعل وهو بتلك الحال لو شك في صلاة يأم فيها المؤمنين ؟ وطبع الحال يقضي بوقوع ذلك لكل أحد في عمره ولو دفعات يسيرة ، وأنا في بهيتة من الحكم البات بأعلمية رجل هذا مبلغ علمه ، وهذه سعة اطلاعه على الأحكام ، زه بأمة هذا شأن أعلمها. كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
3
جهل الخليفة بكتاب الله
    أخرج الحافظان ابن أبي حاتم والبيهقي عن الدئلي : أن عمر بن الخطاب رفعت إليه امرأة ولدت لستة فهم برجمها ، فبلغ ذلك عليا فقال : ليس عليها رجم. فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فأرسل إليه فسأله فقال : قال الله تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين. وقال : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا فستة أشهر حمله وحولين فذلك ثلاثون شهرا. فخلى عنها.
    وفي لفظ النيسابوري والحافظ الكنجي : فصدقه عمر وقال : لولا علي لهلك عمر.
    وفي لفظ سبط ابن الجوزي : فخلى وقال : أللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب.
    صورة أخرى :
    أخرج الحافظ عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر بإسنادهم عن الدئلي قال : رفع إلى عمر امرأة ولدت لستة أشهر فأراد عمر أن يرجمها فجاءت أختها إلى علي بن أبي طالب فقالت : إن عمر يرجم أختي فأنشدك الله إن كنت تعلم أن لها عذرا لما أخبرتني به فقال علي : إن لها عذرا فكبرت تكبيرة سمعها عمر ومن عنده فانطلقت إلى عمر فقالت : إن عليا زعم أن لأختي عذرا فأرسل عمر إلى علي ما عذرها ؟ قال : إن الله يقول : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين. فقال : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا. وقال : وفصاله في عامين. وكان الحمل هنا ستة أشهر. فتركها عمر ، قال : ثم بلغنا إنها ولدت آخر لستة أشهر.
    صورة ثالثة :
    أخرج الحافظان العقيلي وابن السمان عن أبي حزم بن الأسود : أن عمر أراد


(94)
رجم المرأة التي ولدت لستة أشهر فقال له علي : إن الله تعالى يقول : وحمله وفصاله ثلثون شهرا. وقال تعالى : وفصاله في عامين. فالحمل ستة أشهر والفصال في عامين. فترك عمر رجمها وقال : لولا علي لهلك عمر.
    السنن الكبرى 7 ص 442 ، مختصر جامع العلم ص 150 ، الرياض النضرة 2 ص 194 ، ذخائر العقبى ص 82 ، تفسير الرازي 7 ص 484 ، أربعين الرازي 466 ، تفسير النيسابوري 3 في سورة الأحقاف ، كفاية الكنجي ص 105 ، مناقب الخوارزمي ص 57 ، تذكرة السبط ص 87 ، الدر المنثور 1 ص 288 و ج 6 ص 40 نقلا عن جمع من الحفاظ ، كنز العمال 3 ص 96 نقلا عن خمس من الحفاظ ، و ج 3 ص 228 نقلا عن غير واحد من أئمة الحديث.

    العجب العجاب
    أخرج الحفاظ عن بعجة بن عبد الله الجهني قال : تزوج رجل منا امرأة من جهينة فولدت له تماما لستة أشهر فانطلق زوجها إلى عثمان فأمر بها أن ترجم فبلغ ذلك عليا رضي الله عنه فأتاه فقال : ما تصنع ؟ ليس ذلك عليها قال الله تبارك وتعالى : وحمله وفصاله ثلثون شهرا وقال : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين. فالرضاعة أربعة وعشرون شهرا والحمل ستة أشهر. فقال عثمان : والله ما فطنت لهذا ، فأمر بها عثمان أن ترد فوجدت قد رجمت ، وكان من قولها لأختها : يا أخية لا تحزني فوالله ما كشف فرجي أحد قط غيره ، قال : فشب الغلام بعد فاعترف الرجل به وكان أشبه الناس به قال : فرأيت الرجل بعد ويتساقط عضوا عضوا على فراشه (1).
    أليس عارا أن يشغل فراغ النبي الأعظم أناس هذا شأنهم في القضاء ؟ أمن العدل أن يسلط على الأنفس والأعراض والدماء رجال هذا مبلغهم من العلم ؟ أمن الانصاف أن تفوض النواميس الإسلامية وطقوس الأمة وربقة المسلمين إلى يد خلائف هذه سيرتهم ؟ لا ها الله. وربك يخلق ما يشاء ويختار ، ما كان لهم الخيرة ، سبحان الله وتعالى
1 ـ أخرجه مالك في الموطأ 2 ص 176 ، والبيهقي في السنن الكبرى 7 ص 442 ، و أبو عمر في العلم ص 150 ، وابن كثير في تفسيره 4 ص 157 ، وابن الديبع في تيسير الوصول 2 ص 9 ، والعيني في عمدة القاري 9 ص 642 ، والسيوطي في الدر المنثور 6 ص 40 نقلا عن ابن المنذر وابن أبي حاتم.

(95)
عما يشركون ، وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون ، فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم.
4
امرأة أخرى وضعت لستة أشهر
    أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن نافع بن جبير : أن ابن عباس أخبره قال : لصاحب امرأة التي أتي بها عمر وضعت لستة أشهر فأنكر الناس ذلك فقلت لعمر : لا تظلم ، قال : كيف ؟ قلت. إقرأ وحمله وفصاله ثلثون شهرا. والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ، كم الحول ؟ قال : سنة ، قلت. كم السنة ؟ قال. اثنا عشر شهرا ، قلت. فأربعة وعشرون شهرا حولان كاملان ، ويؤخر الله من الحمل ما شاء ويقدم ، قال. فاستراح عمر إلى قولي.
    الدر المنثور سورة الأحقاف 6 ص 40 ، وأوعز إليه ابن عبد البر في كتاب ( العلم ) ص 150.
5
كل الناس أفقه من عمر
    عن مسروق بن الأجدع قال : ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء ؟ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك ، ولو كان الاكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها ، فلا عرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم. قال : ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت : يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم ؟ قال : نعم. فقالت : أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال : وأي ذلك ؟ فقالت : أما سمعت الله يقول : وآتيتم إحداهن قنطارا ؟ قال : فقال اللهم غفرا ، كل الناس أفقه من عمر ، ثم رجع فركب المنبر فقال : أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله ـ أو ـ فمن طابت نفسه فليفعل.
    أخرجه أبو يعلى في مسنده الكبير ، وسعيد بن منصور في سننه ، والمحاملي في


(96)
أماليه ، وابن الجوزي في سيرة عمر ص 129 ، وابن كثير في تفسيره 1 ص 467 عن أبي يعلى وقال : إسناده جيد قوي ، والهيثمي في مجمع الزوائد 4 ص 284 ، والسيوطي في الدر المنثور 2 ص 133 ، وفي جمع الجوامع كما في ترتيبه 8 ص 298 ، وفي الدرر المنتثرة ص 243 نقلا عن سبعة من الحفاظ ومنهم أحمد وابن حبان والطبراني ، وذكره الشوكاني في فتح القدير 1 ص 407 ، والعجلوني في كشف الخفاء 1 ص 269 نقلا عن أبي يعلى وقال : سنده جيد ، وابن درويش الحوت في أسنى المطالب ص 166 وقال : حديث كل أحد أعلم أو أفقه من عمر. قاله عمر لما نهى عن المغالاة في الصداق وقالت امرأة : قال الله ( وآتيتم إحديهن قنطارا ) رواه أبو يعلى وسنده جيد ، وعند البيهقي منقطع.
    صورة أخرى :
    عن عبد الله بن مصعب قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا تزيدوا في مهور النساء على أربعين أوقية وإن كانت بنت ذي الفضة ( يعني يزيد بن الحصين الحارثي ) فمن زاد ألقيت الزيادة في بيت المال ، فقامت امرأة من صف النساء طويلة في أنفها قطس فقالت : ما ذاك لك. قال : ولم ؟ قالت : إن الله تعالى يقول : وآتيتم إحداهن قنطارا. الآية. فقال عمر : إمرأة أصابت ورجل أخطأ.
    أخرجه الزبير بن بكار في الموفقيات ، وابن عبد البر في جامع العلم كما في مختصره ص 66 ، وابن الجوزي في سيرة عمر ص 129 ، وفي كتابه : الأذكياء ص 162 ، والقرطبي في تفسيره 5 ص 99 ، وابن كثير في تفسيره 1 ص 467 ، والسيوطي في الدر المنثور 2 ص 133 ، وفي جمع الجوامع كما ترتيبه الكنز 8 ص 298 عن ابن بكار وابن عبد البر ، والسندي في حاشية سنن ابن ماجة 1 ص 584 ، والعجلوني في كشف الخفاء 1 ص 270 ، و ج 2 ص 118.
    صورة ثالثة :
    أخرج البيهقي في سننه الكبرى 7 ص 233 عن الشعبي قال : خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال : ألا لا تغالوا في صداق النساء فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شئ ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سبق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال ثم نزل ، عرضت له امرأة من قريش فقالت : يا أمير المؤمنين أكتاب الله تعالى أحق أن يتبع أو قولك ؟ قال : بل كتاب الله تعالى ، فما ذاك ؟ قالت : نهيت الناس


(97)
آنفا أن يغالوا في صداق النساء والله تعالى يقول في كتابه : وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا. فقال عمر رضي الله عنه : كل أحد أفقه من عمر. مرتين أو ثلاثا. الحديث.
    وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في الكنز 8 ص 298 نقلا عن سنن سعيد بن منصور والبيهقي ، ورواه السندي في حاشية السنن لابن ماجة 1 ص 583 ، والعجلوني في كشف الخفاء 1 ص 269 و ج 2 ص 118.
    صورة رابعة :
    قام عمر خطيبا فقال : أيها الناس لا تغالوا بصداق النساء فلو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما أصدق امرأة من نسائه أكثر من اثني عشر أوقية ، فقامت إليه امرأة فقالت له : يا أمير المؤمنين ! لم تمنعنا حقا جعله الله لنا ؟ والله يقول : وآتيتم إحداهن قنطارا.
    فقال عمر كل أحد أعلم من عمر ، ثم قال لأصحابه : تسمعونني أقول مثل القول فلا تنكرونه علي حتى ترد علي امرأة لبست من أعلم النساء.
    تفسير الكشاف 1 ص 357 ، شرح صحيح البخاري للقسطلاني 8 ص 57.
    صورة خامسة :
    أخرج الحافظان عبد الرزاق وابن المنذر بالإسناد عن عبد الرحمن السلمي قال : قال عمر بن الخطاب : لا تغالوا في مهور النساء ، فقالت امرأة : ليس ذلك يا عمر ! إن الله يقول وآتيتم إحداهن قنطارا من ذهب ـ قال : وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود ـ فلا يحل لكم أن تأخذوا منه شيئا ، فقال عمر : إن امرأة خاصمت عمر فخصمته.
    تفسير ابن كثير 1 ص 467 ، إرشاد الساري للقسطلاني 8 ص 57 ، حاشية السندي على سنن ابن ماجة 1 ص 583 ، كنز العمال 8 ص 298 ، كشف الخفاء 1 ص 269 و ج 2 ص 118.
    صورة سادسة :
    قال عمر رضي الله عنه على المنبر : لا تغالوا بصدقات النساء ، فقالت امرأة : أنتبع قولك أم قول الله : وآتيتم إحداهن قنطارا ؟ فقال عمر : كل أحد أعلم من عمر ، تزوجوا على ما شئتم.
    تفسير النسفي هامش تفسير الخازن 1 ص 353 ، كشف الخفاء 1 ص 388.


(98)
    صورة سابعة :
    إن عمر قال على المنبر : ألا لا تغالوا في مهور نساءكم فقامت امرأة فقالت : يا ابن الخطاب الله يعطينا وأنت تمنعنا ؟ وتلت الآية فقال : كل الناس أفقه منك يا عمر.
    تفسير القرطبي 5 ص 99 ، تفسير النيسابوري ج 1 سورة النساء ، تفسير الخازن 1 ص 353 ، الفتوحات الإسلامية 2 ص 477 وزاد فيه : حتى النساء.
    صورة ثامنة :
    قال عمر مرة : لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي إلا ارتجعت ذلك منها ، فقالت له امرأة : ما جعل الله لك ذلك إنه تعالى قال : وآتيتم إحداهن قنطارا. الآية. فقال : كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال ، ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت ؟ فاضلت إمامكم ففضلته (1) ( فنضلته ).
    وفي لفظ الخازن : إمرأة أصابت وأمير أخطأ (2) وفي لفظ القرطبي : أصابت امرأة وأخطأ عمر. وفي لفظ الرازي في أربعينه ص 467 : كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت.
    وفي لفظ الباقلاني في التمهيد ص 199 : إمرأة أصابت ورجل أخطأ ، وأمير ناضل فنضل ، كل الناس أفقه منك يا عمر !
    صورة تاسعة :
    صعد عمر رضي الله عنه المنبر فقال : أيها الناس لا تزيدوا في مهور النساء على أربعمائة درهم فمن زاد ألقيت زيادته في بيت مال المسلمين فهاب الناس أن يكلموه فقامت امرأة في يدها طول فقالت له : كيف يحل لك هذا ؟ والله يقول : وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا. فقال عمر رضي الله عنه : إمرأة أصابت ورجل أخطأ.
    المستطرف 1 ص 70 نقلا عن المنتظم لابن الجوزي.
    جمع الحاكم النيسابوري طرق هذه الخطبة لعمر بن الخطاب في جزء كبير كما قاله في المستدرك 2 ص 177 وقال : تواترت الأسانيد الصحيحة بصحة خطبة أمير المؤمنين عمر بن خطاب رضي الله عنه بذلك. وأقره الذهبي في تلخيص المستدرك ، وأخرجها
1 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 ص 61 و ج 3 ص 96.
2 ـ تفسير الخازن 1 ص 353.


(99)
الخطيب البغدادي في تاريخه 3 ص 257 بعدة طرق وصححها غير أنه لم يذكر تمام الحديث بل يذكر الخطبة فحسب ثم يقول. الحديث بطوله.
    ولعل الخليفة أخذ برأي امرأة أصابت وتزوج بأم كلثوم وجعل مهرها أربعين ألفا كما في تاريخ ابن كثير 7 ص 81 ، 139 ، الإصابة 4 ص 492 ، الفتوحات الإسلامية 2 ص 472.
6
جهل الخليفة بمعنى الأب
    عن أنس بن مالك قال : إن عمر قرأ على المنبر : فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا ( سورة عبس ) قال : كل هذا عرفناه فما الأب ؟ ثم رفض عصا كانت في يده فقال : هذا لعمر الله هو التكلف ، فما عليك أن لا تدري ما الأب ؟ اتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب فاعملوا به وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه.
    وفي لفظ : قال إنس : بينا عمر جالس في أصحابه إذ تلا هذه الآية : ( فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا ) ثم قال : هذا كله عرفناه فما الأب ؟ قال : وفي يده عصية يضرب بها الأرض فقال : هذا لعمر الله التكلف ، فخذوا أيها الناس بما بين لكم فاعملوا به ، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه.
    وفي لفظ : قرأ عمر وفاكهة وأبا فقال : هذه الفاكهة قد عرفناها فما الأب ؟ ثم قال : مه نهينا عن التكلف ، وفي النهاية : ما كلفنا وما أمرنا بهذا.
    وفي لفظ : إن عمر رضي الله عنه قرأ هذه الآية فقال : كل هذا قد عرفناه فما الأب ؟ ثم رفض عما كانت بيده وقال : هذا لعمر الله التكلف ، وما عليك يا ابن أم عمر أن لا تدري ما الأب ؟ ثم قال : إتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب وما لا فدعوه.
    وفي لفظ المحب الطبري : ثم قال : مه قد نهينا عن التكلف ، يا عمر إن هذا من التكلف ، وما عليك ألا تدري ما الأب ؟.


(100)
    وعن ثابت : إن رجلا سأل عمر بن الخطاب عن قوله وفاكهة وأبا : ما الأب ؟ فقال عمر : نهينا عن التعمق والتكلف.
    هذه الأحاديث أخرجها سعيد بن منصور في سننه ، وأبو نعيم في المستخرج ، وابن سعد ، وعبد بن حميد ، وابن الأنباري ، وابن المنذر ، وابن مردويه ، والبيهقي في شعب الإيمان ، وابن جرير في تفسيره 30 ص 38 ، والحاكم في المستدرك 2 ص 514 وصححه هو وأقره الذهبي في تلخيصه ، والخطيب في تاريخه 11 ص 468 ، والزمخشري في الكشاف 3 ص 253 ، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة 2 ص 49 نقلا عن البخاري والبغوي والمخلص الذهبي ، والشاطبي في الموافقات 1 ص 21 ، 25 ، وابن الجوزي في سيرة عمر ص 120 ، وابن الأثير في النهاية 1 ص 10 ، وابن تيمية في مقدمة أصول التفسير ص 30 ، وابن كثير في تفسيره 4 ص 473 وصححه ، والخازن في تفسيره 4 ص 374 ، والسيوطي في الدر المنثور 6 ص 317 عن جمع من الحفاظ المذكورين ، وفي كنز العمال 1 ص 227 نقلا عن سعيد بن منصور ، وابن أبي شبيه ، وأبي عبيد في فضائله ، وابن سعيد في طبقاته ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والأنباري في المصاحف ، والحاكم ، والبيهقي في شعب الإيمان ، وابن مردويه ، وأبو السعود في تفسيره ـ هامش تفسير الرازي ـ ج 8 ص 389 وقال : وروي مثل هذا لأبي بكر بن أبي قحافة أيضا ، والقسطلاني في إرشاد الساري 10 ص 298 نقلا عن أبي نعيم ، وعبد بن حميد ، والعيني في ( عمدة القاري ) 11 ص 468 ، وابن حجر في ( فتح الباري ) 13 ص 230 وقال : قيل : إن الأب ليس بعربي ويؤيده خفاؤه على مثل أبي بكر وعمر.
    قال الأميني : كيف خفي هذا القيل الذي جاء به ابن حجر على أئمة اللغة العربية جمعاء فأدخلت الأب في معاجمها من دون أي إيعاز إلى كونه دخيلا ، وهب أن الأب غير عربي فهل قوله تعالى في تفسيره وما قبله ( متاعا لكم ولأنعامكم ) ليس بعربي أيضا ؟ فما عذر الشيخين عندئذ في خفائه عليهما ؟ وكيف يؤيد به قول القائل ؟ نعم : يروق ابن حجر أن يدافع عنهما ولو بالتهكم على لغة العرب ونفي كلمتها عنها.
    لفت نظر :
    هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه (1) غير أنه سترا على جهل الخليفة
1 ـ في كتاب الاعتصام باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه.
الغدير ـ الجزء السادس ::: فهرس