الغدير ـ الجزء السادس ::: 101 ـ 110
(101)
بالأب حذف صدر الحديث وأخرج ذيله ، وتكلف بعد النهي عن التكلف ، ولا بهمه جهل الأمة عندئذ بمغزى قول عمر ، قال : عن أنس قال : كنا عند عمر فقال : نهينا عن التكلف.
    وكم وكم في صحيح البخاري من أحاديث لعبت بها يد تحريفه ؟ وسيوافيك غير واحد منها.
7
قضاء الخليفة على مجنونة قد زنت
    عن ابن عباس قال : أتي عمر بمجنونة قد زنت فاستشار فيها أناسا فأمر بها أن ترجم فمر بها علي رضي الله عنه فقال : ما شأن هذه ؟ فقالوا : مجنونة بني فلان زنت فأمر بها عمر أن ترجم. فقال : ارجعوا بها ، ثم أتاه فقال : يا أمير المؤمنين أما علمت ؟ ( أما تذكر ) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : رفع القلم عن ثلاث : عن الصبي حتى يبلغ. وعن النائم حتى يستيقظ. وعن المعتوه حتى يبرأ. وأن هذه معتوهة بني فلان لعل الذي أتاها أتاها وهي في بلائها فخلى سبيلها ، وجعل عمر يكبر.
    صورة أخرى :
    عن أبي ظبيان قال : شهدت عمر بن الخطاب أتي بامرأة قد زنت فأمر برجمها فذهبوا بها ليرجموها فلقيهم علي فقال لهم : ما بال هذه ؟ قالوا : زنت فأمر برجمها. فانتزعها علي من أيديهم فردهم إلى عمر فقالوا : ردنا علي ، قال : ما فعل هذا إلا لشئ فأرسل إليه فجاءه فقال : مالك رددت هذه ؟ قال : أما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصغير حتى يكبر ، وعن المبتلى حتى يعقل ؟ قال : بلى فهذه مبتلاه بني فلان فلعله أتاها وهوبها ، قال له عمر : لا أدري ، قال : وأنا لا أدري فترك رجمها.
    أبو ظبيان هو الحصين بن جندب الجنبي بفتح الجيم الكوفي المتوفى 90 يروي القصة عن ابن عباس.
    صورة ثالثة :
    أمر سيدنا عمر رضي الله عنه برجم زانية فمر عليها سيدنا علي رضي الله عنه في أثناء الرجم فخلصها فلما أخبر سيدنا عمر بذلك قال : إنه لا يفعل إلا عن شئ فلما سأله قال : إنها مبتلاة بني فلان فلعله أتاها وهو بها. فقال عمر : لولا علي لهلك عمر.


(102)
    صورة رابعة
    بلفظ الحاكم والبيهقي :
    أتي عمر رضي الله عنه بمبتلاة قد فجرت فأمر برجمها فمر بها علي بن أبي طالب ومعها الصبيان يتبعونها فقال : ما هذه ؟ قالوا : أمر بها عمر أن ترجم ، قال : فردها وذهب معها إلى عمر رضي الله عنه وقال : ألم تعلم أن القلم رفع عن المجنون حتى يعقل ، وعن المبتلى حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ؟
    قال الحاكم حديث صحيح ، ورواه شعبة عن الأعمش بزيادة ألفاظ.
    صورة خامسة
    بلفظ البيهقي :
    مر علي بمجنونة بني فلان قد زنت وهي ترجم فقال علي لعمر رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين ! أمرت برجم فلانة ؟ قال : نعم قال : أما تذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ؟ قال : نعم : فأمر بها فخلى عنها.
    أخرجه أبو داود في سننه بعدة طرق 2 ص 227 ، وابن ماجة في سننه 2 ص 227 ، والحاكم في المستدرك 2 ص 59 و ج 4 ص 389 وصححه ، والبيهقي في السنن الكبرى 8 ص 264 بعدة طرق ، وابن الأثير في جامع الأصول كما في تيسير الوصول 2 ص 5 ، ومحب الدين الطبري في الرياض النضرة 2 ص 196 باللفظ الثاني نقلا عن أحمد ، وفي ذخائر العقبي ص 81 ، وذكره القسطلاني في إرشاد الساري 10 ص 9 نقلا عن البغوي وأبي داود والنسائي وابن حبان ، والمناوي في فيض القدير 4 ص 357 بالصورة الثانية فقال : واتفق له ـ لعلي عليه السلام ـ مع أبي بكر نحوه ، والحفني في حاشية شرح العزيزي على الجامع الصغير 2 ص 417 باللفظ الثالث ، والدمياطي في مصباح الظلام 2 ص 56 باللفظ الثالث ، وسبط ابن الجوزي في تذكرته ص 57 بلفظ فيه قول عمر : لولا علي لهلك عمر ، وابن حجر في فتح الباري 12 ص 101 ، والعيني في عمدة القاري 11 ص 151.


(103)
    لفت نظر :
    أخرج البخاري هذا الحديث في صحيحه (1) غير أنه مهما وجد فيه مسة بكرامة الخليفة حذف صدره تحفظا عليها ، ولم يرقه إيقاف الأمة على قضية تعرب عن جهله بالسنة الشايعة أو ذهوله عنها عند القضاء فقال : قال علي لعمر : أما علمت أن القلم رفع عن المجنون حتى يفيق ، وعن الصبي حتى يدرك ، وعن النائم حتى يستيقظ؟
8
جهل الخليفة بتأويل كتاب الله
    عن أبي سعيد الخدري قال : حججنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلما دخل الطواف استقبل الحجر فقال : إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك فقبله ، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : بل يا أمير المؤمنين ! يضر وينفع ولو علمت ذلك من تأويل كتاب الله لعلمك أنه كما أقول قال الله تعالى : وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم. الآية (2) فلما أقروا أنه الرب عز وجل وأنهم العبيد كتب ميثاقهم في رق وألقمه في هذا الحجر وأنه يبعث يوم القيامة وله عينان ولسان وشفتان يشهد لمن وافى بالموافاة فهو أمين الله في هذا الكتاب ، فقال له عمر : لا أبقاني الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن !.
    وفي لفظ : أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن !.
    أخرجه الحاكم في المستدرك 1 ص 457 ، وابن الجوزي في سيرة عمر ص 106 ، والأزرقي في تاريخ مكة كما في العمدة ، والقسطلاني في إرشاد الساري 3 ص 195 ، والعيني في عمدة القاري 4 ص 606 بلفظيه.
    والسيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه 3 ص 35 نقلا عن الجندي في فضائل مكة ، وأبي الحسن القطان في الطوالات ، والحاكم ، وابن حبان ، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3 ص 122 ، وأحمد زيني دحلان في الفتوحات الإسلامية 2 ص 486.
9
جهل الخليفة بكفارة بيض نعام
    عن محمد بن الزبير قال : دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بشيخ قد التوت ترقوتاه
1 ـ في كتاب المحاربين باب لا يرجم المجنون والمجنونة.
2 ـ سورة الأعراف آية 172.


(104)
من الكبر فقلت : يا شيخ من أدركت. قال عمر : قلت : فما غزوت ؟ قال : اليرموك ، قلت : فحدثني بشئ سمعته ، قال : خرجنا مع قتيبة حجاجا فأصبنا بيض نعام وقد أحرمنا ، فلما قضينا نسكنا ذكرنا ذلك لأمير المؤمنين عمر فأدبر وقال : اتبعوني حتى انتهى إلى حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب حجرة منها فأجابته امرأة فقال : أثم أبو الحسن ؟ قالت : لا ، فمر في المقتاة. فأدبر وقال : اتبعوني حتى انتهى إليه وهو يسوي التراب بيده فقال : مرحبا يا أمير المؤمنين ! فقال إن هؤلاء أصابوا بيض نعام وهم محرمون قال : ألا أرسلت إلي ؟ قال : أنا أحق بإتيانك ، قال : يضربون الفحل قلائص أبكارا بعدد البيض فما نتج منها أهدوه. قال عمر : فإن الإبل تخدج ، قال علي : والبيض يمرض ، فلما أدبر قال عمر : أللهم لا تنزل بي شديدة إلا وأبو حسن إلى جنبي (1).
10
كل الناس أفقه من عمر
    مر عمر يوما يشاب من فتيان الأنصار وهو ظمآن فاستقاه فجدح (2) له ماء بعسل فلم يشربه وقال : إن الله تعالى يقول : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا. فقال له الفتي : يا أمير المؤمنين ! إنها ليست لك ولا لأحد من أهل القبلة إقرأ ما قبلها : ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم وفي حياتكم الدنيا واستمتعتم بها (3) فقال عمر : كل الناس أفقه من عمر (4).
11
أمر الخليفة بضرب غلام خاصم أمه
    عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه قال : خاصم غلام من الأنصار أمه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فجحدته فسأله البينة فلم تكن عنده وجاءت المرأة بنفر فشهدوا إنها لم تزوج وإن الغلام كاذب عليها وقد قذفها فأمر عمر بضربه ، فلقيه علي رضي الله عنه فسأل عن أمرهم فدعاهم ثم قعد في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وسأل المرأة فجحدت فقال للغلام : إجحدها كما جحدتك فقال : يا بن عم رسول الله إنها أمي ، قال : إجحدها
1 ـ الرياض النضرة 2 ص 50 ، 194 ، ذخائر العقبى 82 ، كفاية الشنقيطي ص 57.
2 ـ جدح وأجدح واجتدح : حلط.
3 ـ سورة الأحقاف آية 20.
4 ـ شرح النهج لابن أبي الحديد 1 ص 61.


(105)
وأنا أبوك والحسن والحسين أخواك. قال : قد جحدتها وأنكرتها ، فقال علي لأولياء المرأة : أمري في هذه المرأة جائر ؟ قالوا : نعم وفينا أيضا ، فقال علي : أشهد من حضر أني قد زوجت هذا الغلام من هذه المرأة الغريبة منه ، يا قنبر ائتني بطينة فيها دراهم فأتاه بها فعد أربعمائة وثمانين درهما فقذفها مهرا لها وقال للغلام : خذ بيد امرأتك ولا تأتينا إلا وعليك أثر العرس. فلما ولي قالت المرأة : يا أبا الحسن الله الله هو النار ، هو والله ابني. قال : كيف ذلك ؟ قالت : إن أباه كان زنجيا وإن أخواتي زوجوني منه فحملت بهذا الغلام وخرج الرجل غازيا فقتل وبعث بهذا إلى حي بني فلان فنشأ فيهم وأنفت أن يكون ابني ، فقال علي أنا أبو الحسن ، وألحقه وثبت نسبه.
    ذكره ابن القيم الجوزية في ( الطرق الحكمية ) ص 45.
12
جهل الخليفة بمعاريض الكلم
    1 ـ إن عمر بن الخطاب سأل رجلا كيف أنت ؟ فقال : ممن يحب الفتنة ، ويكره الحق ، ويشهد على ما لم يره. فأمر به إلى السجن ، فأمر علي برده فقال صدق ، فقال : كيف صدقته ؟ قال : يحب المال والولد وقد قال الله تعالى : إنما أموالكم و أولادكم فتنة. ويكره الموت وهو الحق. ويشهد أن محمدا رسول الله ولم يره. فأمر عمر رضي الله عنه بإطلاقه وقال : الله يعلم حيث يجعل رسالته.
    ( الطرق الحكمية ) لابن القيم الجوزية ص 46.
    2 ـ عن حذيفة بن اليمان إنه لقي عمر بن الخطاب فقال له عمر : كيف أصبحت يا بن اليمان ؟ فقال : كيف تريدني أصبح ؟ أصبحت والله أكره الحق وأحب الفتنة ، وأشهد بما لم أره ، وأحفظ غير المخلوق ، وأصلي غير وضوء ، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء. فغضب عمر لقوله وانصرف من فوره وقد أعجله أمر ، وعزم على أذى حذيفة لقوله ذلك ، فبينا هو في الطريق إذ مر بعلي بن أبي طالب فرأى الغضب في وجهه ، فقال : ما أغضبك يا عمر ؟ فقال : لقيت حذيفة بن اليمان فسألته كيف أصبحت ؟ فقال : أصبحت أكره الحق ، فقال : صدق يكره الموت وهو حق. فقال : يقول : وأحب الفتنة ، قال : صدق يحب المال والولد وقد قال الله تعالى : إنما أموالكم وأولادكم فتنة ، فقال : يا علي يقول : وأشهد بما لم أره فقال :


(106)
صدق يشهد لله بالوحدانية والموت والبعث والقيامة والجنة والنار والصراط ولم ير ذلك كله ، فقال : يا علي وقد قال إنني أحفظ غير المخلوق قال : صدق يحفظ كتاب الله تعالى القرآن وهو غير مخلوق (1) ، قال : ويقول : أصلي على غير وضوء فقال : صدق يصلي على ابن عمي رسول الله على غير وضوء والصلاة عليه جائزة ، فقال : يا أبا الحسن ! قد قال : أكبر من ذلك ، فقال : وما هو ؟ قال : قال : إن لي في الأرض ما ليس لله في السماء. قال : صدق له زوجة وولد وتعالى الله عن الزوجة والولد. فقال عمر ، كاد يهلك ابن الخطاب لولا علي بن أبي طالب.
    أخرجه الحافظ الكنجي في الكفاية ص 96 فقال : قلت هذا ثابت عند أهل النقل ذكره غير واحد من أهل السير ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ص 18.
    3 ـ روي أن رجلا أتي به إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان صدر منه أنه قال لجماعة من الناس وقد سألوه كيف أصبحت ؟ قال : أصبحت أحب الفتنة ، و أكره الحق. وأصدق اليهود والنصارى ، وأومن بما لم أره ، وأقر بما لم يخلق. فأرسل عمر إلى علي رضي الله عنهما فلما جاءه أخبره بمقالة الرجل قال : صدق يحب الفتنة قال الله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة ، ويكره الحق يعني الموت وقال الله تعالى : وجاءت سكرة الموت بالحق. ويصدق اليهود والنصارى ، قال الله تعالى : وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ. ويؤمن بما لم يره ، يؤمن بالله عز وجل ، ويقره بما لم يخلق يعني الساعة. فقال عمر رضي الله عنه : أعوذ بالله من معظلة لا علي بها (2).
    4 ـ أخرج الحفاظ ابن أبي شيبة. وعبد بن حميد. وابن المنذر عن إبراهيم التميمي قال : قال رجل عند عمر : أللهم اجعلني من القليل ، فقال عمر : ما هذا الدعاء ؟ فقال الرجل إني سمعت الله يقول : ( وقليل من عبادي الشكور ) (3) فأنا أدعوه أن يجعلني من ذلك القليل ، فقال عمر : كل الناس أفقه من عمر.
    وفي لفظ القرطبي : كل الناس أعلم منك يا عمر ، وفي لفظ الزمخشري : كل الناس
1 ـ هذه الفقرة خرافة دست في الحديث اختلقها أنصار المذهب الباطل في خلق القرآن.
2 ـ نور الأبصار للشبلنجي ص 79.
3 ـ سورة سبأ آية 13.


(107)
أعلم من عمر.
    تفسير القرطبي 14 ص 227 ، تفسير الكشاف 2 ص 445 ، تفسير السيوطي 5 ص 229.
    5 ـ جاءت امرأة إلى عمر رضي الله عنه فقالت : يا أمير المؤمنين ! إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل فقال لها : نعم الرجل زوجك ، وكان في مجلسه رجل يسمى كعبا فقال : يا أمير المؤمنين! إن هذه المرأة تشكو زوجها في أمر مباعدته إياها عن فراشه فقال له : كما فهمت كلامها أحكم بينهما. فقال كعب : علي بزوجها فأحضر فقال له : إن هذه المرأة تشكوك. قال : أفي أمر طعام أم شراب ؟ قال : بل في أمر مباعدتك إياها عن فراشك فأنشأت المرأة تقول :
يا أيها القاضي الحكيم انشده نـهاره وليله لا يرقده ألهى خليلي عن فراشي مسجده فلست في أمر النساء أحمده
    فأنشأ الزوج يقول :
زهدني في فرشها وفي الحلل في سورة النمل وفي سبع الطول إني امرؤ أذهلني ما قد نزل وفي كتاب الله تخويف يجل
    فقال له القاضي :
إن لها عليك حقا لم يزل في أربع نصيبها لمن عقل
فعاطها ذاك ودع عنك العلل
    ثم قال : إن الله تعالى أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع فلك ثلاثة أيام بلياليهن ولها يوم وليلة. فقال عمر رضي الله عنه : لا أدري من أيكم أعجب ؟ أمن كلامها أم من حكمك بينهما ؟ إذهب فقد وليتك البصرة.
    صورة أخرى :
    عن قتادة والشعبي قالا : جاءت عمر امرأة فقالت : زوجي يقول الليل ويصوم النهار. فقال عمر : لقد أحسنت الثناء على زوجك. فقال كعب بن سوار : لقد شكت. قال عمر : كيف ؟ قال : تزعم إنه ليس لها من زوجها نصيب قال : فإذا قد فهمت ذلك فاقض بينهما ، فقال : يا أمير المؤمنين ! أحل الله له من النساء أربعا فلها من كل أربعة أيام يوم ومن


(108)
كل أربع ليال ليلة.
    م ـ وفي لفظ أبي عمر في الاستيعاب : إن امرأة شكت زوجها إلى عمر فقالت : إن زوجي يقوم الليل ويصوم النهار ، وأنا أكره أن أشكوه إليك فهو يعمل بطاعة الله ، فكان عمر لم يفهم عنها. الحديث.
    وفي لفظ آخر له : قال عمر لكعب بن سوار : عزمت عليك لتقضين بينهما فإنك فهمت من أمرها ما لم أفهم. إلخ. قال أبو عمر : هو مشهور ).
    وعن الشعبي : إن امرأة جاءت إلى عمر فقالت : يا أمير المؤمنين ! أعدني على زوجي يقوم الليل ويصوم النهار ، قال : فما تأمريني أتأمريني أن أمنع رجلا من عبادة ربه (1).
13
إجتهاد الخليفة في قراءة الصلاة
    1 ـ عن عبد الرحمن بن حنظلة بن الراهب : إن عمر بن الخطاب صلى المغرب فلم يقرأ في الركعة الأولى فلما كانت الثانية قرأ بفاتحة الكتاب مرتين فلما فرغ وسلم سجد سجدتي السهو.
    ذكره ابن حجر في فتح الباري 3 ص 69 وقال : رجاله ثقات وكأنه مذهب لعمر. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 2 ص 382 ولفظه :
    صلى بنا عمر بن الخطاب فلم يقرأ في الركعة الأولى شيئا فلما قام في الركعة الثانية قرأ بفاتحة الكتاب وسورة ، ثم عاد فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة : ثم مضى فلما فرغ من صلاته سجد سجدتين بعد ما سلم. وفي لفظ : سجد سجدتين ثم سلم.
    وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في كنز العمال 4 ص 213 نقلا عن جمع من الحفاظ باللفظ الثاني.
    2 ـ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : إن عمر بن الخطاب كان يصلي بالناس المغرب فلم يقرأ فيها فلما انصرف قيل له : ما قرأت. قال : فكيف كان الركوع والسجود ؟ قالوا :
1 ـ ألكني والألقاب للدولابي 1 ص 192 ، الاستيعاب في ترجمة كعب بن سوار وجمع ألفاظه ، الأذكياء لابن الجوزي ص 49 ، 142 ، المستطرف لشهاب الدين الأبشيهي 1 ص 70 ، شرح ابن أبي الحديد 3 ص 105 ، تاريخ الخلفاء السيوطي ص 96 ، الإصابة 3 ص 315.

(109)
حسنا. قال : فلا بأس إذن.
    أخرجه البيهقي في السنن 2 ص 347 ، 381 ، وحكاه السيوطي عن مالك و عبد الرزاق والنسائي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 4 ص 213 ، وقال البيهقي : قال الشافعي : وكان أبو سلمة يحدثه بالمدينة وعند آل عمر لا ينكره أحد. والإسناد صحيح رجاله كلهم ثقات.
    3 ـ عن إبراهيم النخعي : إن عمر بن الخطاب صلى بالناس صلاة المغرب فلم يقرأ شيئا حتى سلم فلما فرغ قيل له : إنك تقرأ شيئا.
    فقال : إني جهزت عيرا إلى الشام فجعلت أنزلها منقلة منقلة حتى قدمت الشام فبعتها وأقتابها وأحلاسها وأحمالها فأعاد عمر وأعادوا.
    وعن الشعبي : أن أبا موسى الأشعري قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين ! أقرأت في نفسك ؟ قال : لا ، فأمر المؤذنين فأذنوا وأقاموا وأعاد الصلاة بهم. السنن الكبرى للبيهقي 2 ص 382 ، كنز العمال 4 ص 213.
    يظهر من هذه الموارد وتكرر القصة فيها إن الخليفة لم يستند في صلواته هاتيك إلى أصل مسلم فمرة لم يقرأ في الركعة الأولى فيقضيها في الثانية ويسجد سجدتي السهو قبل السلام أو بعده ، وأخرى اكتفى بحسن الركوع والسجود عن الإعادة و سجدتي السهو ، وطورا نراه يحتاط بالاعادة أو أنه يرى ما أتى به باطلا فيعيد ويعيدون فهل هذه اجتهادات وقتية ؟ أو أنه لم يعرف للمسألة ملاكا يرجع إليه ؟ والعجب من ابن حجر إنه يعد الشذوذ عن الطريقة المثلي مذهبا ، ويسع كل شاذ أن يتترس بمثل هذا المذهب فيستر عواره ، وفي هذه الأحاديث إعراب عن مبلغ خضوع الخليفة وخشوعه في صلواته.
14
رأي الخليفة في الميراث
    عن مسعود الثقفي قال : شهدت عمر بن الخطاب رضي الله عنه أشرك الأخوة من الأب والأم ومع الأخوة من الأم في الثلث ، فقال له رجل : قضيت في هذا عام أول بغير هذا. قال : كيف قضيت ؟ قال : جعلته للأخوة من الأم ولم تجعل للأخوة من


(110)
الأب والأم شيئا ، قال : تلك على ما قضينا وهذا على ما قضينا. وفي لفظ : تلك على ما قضينا يومئذ ، وهذه على ما قضينا اليوم.
    أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6 ص 255 ، بعدة طرق ، والدارمي في سننه 1 ص 154 مختصرا ، وأبو عمر في ( العلم ) ص 139.
    قال الأميني : كان أحكام القضايا تدور مدار ما صدر عن رأي الخليفة سواء أصاب الشريعة أم أخطأ ، وكأن الخليفة له أن يحكم بما شاء وأراد ، وليس هناك حكم يتبع وقانون مطرد في الاسلام ، ولعل هذا أفظع من التصويب المدحوض بالبرهنة القاطعة.
15
جهل الخليفة بطلاق الأمة
    أخرج الحافظان الدارقطني وابن عساكر : إن رجلين أتيا عمر بن الخطاب وسألاه عن طلاق الأمة فقام معهما فمشى حتى أتى حلقة في المسجد فيها رجل أصلع فقال : أيها الأصلع ! ما ترى في طلاق الأمة ؟ فرفع رأسه إليه ثم أومى إليه بالسبابة والوسطى فقال لهما عمر : تطليقتان ، فما أحدهما : سبحان الله جئناك وأنت أمير المؤمنين فمشيت معنا حتى وقفت على هذا الرجل فسألته فرضيت منه أن أومى إليك. الحديث.
    راجع الجزء الثاني ص 299 من كتابنا هذا.
16
لولا علي لهلك عمر
    أتي عمر بن الخطاب بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور فأمر برجمها فتلقاها علي فقال : ما بال هذه ؟ فقالوا : أمر عمر برجمها فردها علي وقال : هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها ؟ ولعلك انتهرتها أو أخفتها ؟ قال : قد كان ذلك. قال أو ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا حد على معترف بعد بلاء ، إنه من قيد أو حبس أو تهدد فلا إقرار له ، فخلا سبيلها ثم قال : عجزت النساء أن تلدن مثل علي بن أبي طالب ، لولا علي لهلك عمر.
    الرياض النضرة 2 ص 196 ، ذخاير العقبى ص 80 ، مطالب السئول ص 13 ، مناقب الخوارزمي ص 48 ، الأربعين للفخر الرازي ص 466.
الغدير ـ الجزء السادس ::: فهرس