بحوث في الملل والنحل ـ جلد الأوّل ::: 81 ـ 90
(81)
أُمور ، منها : المنع من التحدّث عن الرسول ، وفسح المجال لأبناء أهل الكتاب ، حتى يتمكّنوا من نشر الكلم الباطل ، ويمزقوا أُصول الإسلام وفروعه؟ والعجب أنّ التفاسير إلى يومنا هذا مكتظة بأقوالهم و أحاديثهم ، ولها من القيمة عند قرّائها مكان.
    11 ـ قال العلاّمة الشيخ جواد البلاغي : الرجوع في التفسير وأسباب النزول إلى أمثال عكرمة ، ومجاهد ، وعطاء ، والضحاك ، كما ملئت كتب التفاسير بأقوالهم المرسلة ، ممّا لا يعذر فيه المسلم في أمر دينه ، لأنّ هؤلاء الرجال غير ثقات في أنفسهم ، ومجتمعون على موائد أهل الكتاب من الأحبار والرهبان.
    قيل للأعمش : ما بال تفسير مجاهد مخالف؟ أو شيء نحوه قال : أخذه من أهل الكتاب ويكفي في ذلك أنّ مجاهداً الآخذ منهم فسر قوله تعالى : ( عَسى أَنْ يَبْعَثَك رَبّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) قال : يجلسه معه على العرش.
    وأمّا عطاء ، فقد قال أحمد : ليس في المراسيل أضعف من مراسيل الحسن وعطاء ، كانا يأخذان عن كلّ أحد.
    وقال النسائي : وأمّا مقاتل بن سليمان كان يكذب ، وعن يحيى قال : حديثه ليس بشيء ، وقال ابن حبان : كان يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي يوافق كتبهم. (1)
    وأمّا الخرافات والأساطير في تفسير الكون وبدء الخليقة وأحوال الأُمم الماضية فحدث عنها ولا حرج ، فقد ملأوا الصدور والطوامير وتأثّرت بهم طبقات من المسلمين ، ممن كتبوا حول المواضيع السالفة.
    يقول الدكتور علي سامي النشار : إنّ الحديث كان معتركاً متلاحماً وبحراً خضماً لا يعرف السالك فيه موطن الأمان ولذلك قام أهل الحديث بمجهود رائع في محض الأحاديث وتوضيح الصادق والكاذب منها عن طريق الرواية وفيها السند ، وعن طريق الدراية وفيها النقد الباطني للنصوص ، ولذلك أنشأوا
1 ـ آلاء الرحمن : 1/46 ، نقلاً عن الذهبي.

(82)
علم مصطلح الحديث. (1)
    يلاحظ عليه : أنّ جهود أهل الحديث غير منكرة ، ولكنّها لم تكن على وجه تقلع الموضوعات عن كتب الحديث وموسوعاتهم لأنّ القائمين بهذا الأمر كانوا متأثرين بها ، ولأجل ذلك تجد أحاديث التشبيه والتجسيم والجبر والرؤية وعصيان الأنبياء مبثوثة في الصحاح والمسانيد ، و سيمرّ عليك بعضها في هذا الجزء.
    ولعل القارئ الكريم يحسب أنّ هذه الكلمات الصادرة من أساتذة الفن ، ورجال التحقيق في الملل والنحل ، صدرت من غير تحقيق وتدقيق ، إلاّ أنّ المراجع للكتب الرجالية ، يقف على صدق المقال ، ويكتشف أنّه كان هناك رجال يتظاهرون بالإسلام ـ و في الوقت نفس هـ يبثّون ما لديهم من الإسرائيليات والمسيحيات والمجوسيات ، تحت غطاء هذا التظاهر ، وإليك نزراً من تاريخ بعض هؤلاء الرجال :

1 ـ كعب الأحبار
    هو كعب بن ماتع الحميري ، قالوا : هو من أوعية العلم ومن كبار علماء أهل الكتاب ، أسلم في زمن أبي بكر ، وقدم من اليمن في خلافة عمر ، فأخذ عنه الصحابة وغيرهم ، وأخذ هو من الكتاب والسنّة عن الصحابة ، وتوفّي في خلافة عثمان ، وروى عنه جماعة من التابعين ، وله شيء في صحيح البخاري وغيره.
    قال الذهبي : العلاّمة الحبر الذي كان يهودياً فأسلم بعد وفاة النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر ، فجالس أصحاب محمد فكان يحدّثهم عن الكتب الإسرائيلية ويحفظ عجائب.
    إلى أن قال : حدّث عنه أبو هريرة ومعاوية وابن عباس ، وذلك من قبيل
1 ـ نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام : 1/286 ، الطبعة السابعة.

(83)
رواية الصحابي عن التابعي وهو نادر عزيز ، وحدّث عنه أيضاً أسلم مولى عمر وتبيع الحميري ابن امرأة كعب.
    وروى عنه عدّة من التابعين كعطاء بن يسار وغيره مرسلاً.
    وقع له رواية في سنن أبي داود والترمذي والنسائي. (1)
    ترى الذهبي أيضاً في كتابه « تذكرة الحفاظ » يعرفه بأنّه من أوعية العلم. (2)
    ومعنى ذلك أنّ الصحابة كانوا يعتقدون أنّه من محال العلم والفضل ، ولهذا السبب أخذ عنه الصحابة وغيرهم. وعندئذ يسأل : إذا أخذ عنه الصحابة وغيرهم على أنّه من أوعية العلم ، فما هو ذاك الذي أخذوه عنه؟ هل أخذوا عنه سوى الإسرائيليات المحرّفة والكاذبة؟ فإنّه لم يكن عند هـ على فرض كونه صادقاً ـ سوى تلك الأساطير والقصص الموهومة. فهل تسعد أُمّة أخذت معالم دينها عن المحدّث اليهودي ، المعتمد على الكتب المحرفة بنص القرآن الكريم؟! ولكن كما قلنا ، هذا الفرض مبني على كونه صادقاً ، أمّا إذا كان كاذباً فالخطب أفدح وأجل ، ولا يقارن بشيء.
    والمطالع الكريم في مروياته يقف على أنّه يركز على القول بأمرين : التجسيم والرؤية ، وقد اتخذهما أهل الحديث والحنابلة من الآثار الصحيحة ، فبنوا عليهما العقائد الإسلامية وكفروا المخالف ، وإليك كلا الأمرين :
1 ـ سير أعلام النبلاء : 3/489 ولاحظ تفسير ابن كثير : 3/339 سورة النمل حيث قال : ـ بعد ما أورد طائفة من الأخبار في قصة ملكة سبأ مع سليمان ـ : والأقرب في مثل هذه السياقات أنّها متلقاة عن أهل الكتاب ، ممّا وجد في صحفهم كروايات كعب ووهب ، سامحهما اللّه تعالى في ما نقلاه إلى هذه الأُمّة ، من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب ممّا كان وما لم يكن ، وممّاحرف وبدل ونسخ ، وقد أغنانا اللّه سبحانه عن ذلك بما هو أصحّ منه وأنفع وأوضح وأبلغ.
2 ـ تذكرة الحفاظ : 1/52.


(84)
الأوّل : تركيزه على التجسيم
    إنّ الأحاديث المنقولة عن ذلك الحبر اليهودي ، تعرب بوضوح عن أنّه نشر بين الأُمّة الإسلامية فكرة التجسيم ، التي هي من عقائد اليهود. قال : إنّ اللّه تعالى نظر إلى الأرض فقال : إنّي واطئ على بعضك ، فاستعلت إليه الجبال وتضعضعت له الصخرة ، فشكر لها ذلك فوضع عليها قدمه ، فقال : هذا مقامي ، ومحشر خلقي ، وهذه جنتي وهذه ناري ، وهذا موضع ميزاني ، وأنا ديان الدين. (1)
    ففي هذه الكلمة من هذا الحبر ، تصريح بتجسيمه سبحانه أوّلاً : وقد شاعت هذه النظرية بين أبناء الحديث والحشوية منهم; وثانياً : التركيز على الصخرة التي هي مركز بيت المقدس; وثالثاً : أنّ الجنة والنار والميزان ستكون على هذه الأرض ، ومركز سلطانها سيكون على الصخرة ، وهذا من صميم الدين اليهودي المحرف.
الثاني : تركيزه على رؤية اللّه
    ومن كلامه أيضاً : إنّ اللّه تعالى قسم كلامه ورؤيته بين موسى ومحمد ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ). (2)
    وقد صار هذا النصّ وأمثاله مصدراً لتجويز فكرة رؤية اللّه سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة ، وبالأخص في الآخرة ، وقد صارت هذه العقيدة اليهودية المحضة ، إحدى الأُصول التي بني عليها مذهب أهل الحديث والأشاعرة.
    ومن أعظم الدواهي ، أنّ الرجل خدع عقول المسلمين وخلفائهم ، فاتّخذوه واعظاً ومعلماً ومفتياً يفتيهم. وهنالك شواهد على ذلك :
منها : التزلف إلى الخليفة الثاني
    قال ابن كثير : أسلم كعب في الدولة العمرية ، وجعل يحدّث عمر عن
1 ـ حلية الأولياء : 6/20.
2 ـ الشرح الحديدي : 3/237.


(85)
كتبه قديماً ، فربما استمع له عمر ، فترخّص الناس في استماع ما عنده ، ونقلوا ما عنده عنه غثّها وسمينها. وليس لهذه الأُمّة ـ و اللّه أعلم ـ حاجة إلى حرف و احد ممّا عنده. (1)
    إنّ لهذا الرجل أساليب عجيبة في اللعب بعقول المسلمين وخلفائهم ، وإليك نماذج منها :
    أ. قال كعب ، لعمر بن الخطاب : إنّا نجدك شهيداً وإنّا نجدك إماماً عادلاً ، ونجدك لا تخاف في اللّه لومة لائم. قال : هذا لا أخاف في اللّه لومة لائم فأنى لي بالشهادة. (2)
    ترى أنّه كيف يتزلّف إلى الخليفة ، ويتنبّأ بشهادته وقتله في سبيل اللّه.
    ب. نقل أبو نعيم أيضاً : أنّ كعباً مر بعمر ، وهو يضرب رجلاً بالدرة. فقال كعب : على رسلك يا عمر ، فوالذي نفسي بيده إنّه لمكتوب في التوراة ، ويل لسلطان الأرض من سلطان السماء ، ويل لحاكم الأرض من حاكم السماء; فقال عمر : إلاّ من حاسب نفسه ، فقال كعب : والذي نفسي بيده إنّها لفي كتاب اللّه المنزل ، ما بينهما حرف : إلاّ من حاسب نفسه. (3)
    وهذه الجملة تعرب عن أنّ كعباً كان يتزلّف إلى عمر ، حتى إنّه يقرأ عليه نصّ التوراة المحرف لتصديق كلامه.
    ج. وروي أيضاً : أنّ عمر جلد رجلاً يوماً وعنده كعب ، فقال الرجل حين وقع به السوط : سبحان اللّه ، فقال عمر للجلاد : دعه فضحك كعب ، فقال له : وما يضحكك ، فقال : والذي نفسي بيده إنّ « سبحان اللّه » تخفيف من العذاب. (4)
1 ـ تفسير ابن كثير : 4/17 .
2 ـ حلية الأولياء : 5/388 ـ 389.
3 ـ المصدر السابق.
4 ـ حلية الأولياء : 5/389 ـ 390.


(86)
    والكلمة هذه محاولة من الحبر اليهودي ، لتوجيه عمل عمر ، عندما أمر الجلاّد بترك المجلود.
    وهذه الأُمور صارت سبباً لجلب عطف الخليفة ، ففسح له التحدّث في عاصمة الوحي ، وأوساط المسلمين.
    ومنها : تزلّفه إلى عثمان
    ومن الخطب الفادح ، أنّه صار بأفانين مكره ، موضع ثقة لعثمان ومفتياً له في الأحكام ، يصدر الخليفة عن فتياه ، ويعمل بقوله ، وإليك ما يلي :
    أ. ذكر المسعودي أنّه حضر أبو ذر ، مجلس عثمان ذات يوم ، فقال عثمان : أرأيتم من زكى ماله هل فيه حق لغيره؟ فقال كعب : لا يا أمير المؤمنين ، فدفع أبو ذر في صدر كعب ، وقال له : كذبت يا ابن اليهودي ، ثمّ تلا : ( ليسَ البرَّ أَنْ تُولّوا وُجُوهكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِوالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ البِرّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَاليَومِ الآخرِ وَالمَلائِكةِ وَالكِتابِ والنَّبِيّينَ وَآتى المالَ عَلى حُبّهِ ذَوي القُربى وَاليَتامى وَالمساكِينَ وَابنَ السَّبيلِ والسائلينَ وَفِي الرِقابِ وَأقامَ الصَّلاةَ وَآتىَ الزَّكاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا ) . (1)
    فقال عثمان : أترون بأساً أن نأخذ مالاً من بيت مال المسلمين فننفقه في ما ينوبنا من أُمورنا ونعطيكموه؟ فقال كعب : لا بأس بذلك ، فرفع أبو ذر العصا فدفع بها في صدر كعب وقال : يابن اليهودي ما أجرأك على القول في ديننا ، فقال له عثمان : ما أكثر أذاك لي ، غيّب وجهك عنّي فقد آذيتنا. (2)
    ب. ونقل أيضاً : أتى عثمان بتركة عبد الرحمن بن عوف الزهري من المال ، فَنُضِدَ البدر ، حتى حالت بين عثمان و بين الرجل القائل ، فقال عثمان : إنّي لأرجو لعبد الرحمن خيراً ، لأنّه كان يتصدّق ، ويقري الضيف ، وترك ما ترون; فقال كعب الأحبار : صدقت يا أمير المؤمنين ، فشال أبوذر العصا فضرب بها رأس كعب ، ولم يشغله ما كان فيه من الألم ، وقال : يابن اليهودي
1 ـ البقرة : 177.
2 ـ مروج الذهب : 2/339 ـ 340.


(87)
تقول لرجل مات وترك هذا المال إنّ اللّه أعطاه خير الدنيا وخير الآخرة ، وتقطع على اللّه بذلك ، وأنا سمعت رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) يقول : « ما يسرني أن أموت وأدع ما يزن قيراطاً » فقال له عثمان : وار عنّي وجهك. (1)
ومنها : تزلّفه إلى معاوية
    نرى أنّ كعباً يتنبّأ بمولد النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وهجرته وملكه ، فيقول : مولده بمكة ، وهجرته بطيبة ، وملكه بالشام. (2)
    فماذا يريد كعب بقوله : وملكه بالشام؟ هل هو إلاّ تزلف إلى معاوية ، وأنّه يريد أن يقول : إن ملك النبي لن يستقر إلاّ فيها؟ وقد كان معاوية يمهد وسائل الملك لنفسه بالشام.
    وقال أيضاً : إنّ أوّل هذه الأُمّة نبوة ورحمة ، ثمّ خلافة ورحمة ، ثمّ سلطان ورحمة ، ثمّ ملك وجبرية ، فإذاكان ذلك ، فإنّ بطن الأرض يومئذ خير من ظهرها. (3)
    فترى أنّه يتنبّأ بالسلطنة ويعدّها رحمة ، وهذا المضمون انتشر في الصحاح والمسانيد بكثرة ، وقد روى الترمذي ، قال : قال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « الخلافة في أُمّتي ثلاثون سنة ثمّ ملك بعد ذلك ». (4)
    و روى أبو داود قال : قال رسولاللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « خلافة النبوّة ثلاثون سنة ثم يؤتي اللّه الملك من يشاء ». (5)
    وسيوافيك أنّه أخذ منه أبو هريرة ، ولأجل ذلك نرى تلك الفكرة ـ فكرة الملك ـ جاءت في روايات أبي هريرة ، قال : الخلافة بالمدينة والملك بالشام. (6)
1 ـ مروج الذهب : 2/340.
2 ـ سنن الدارمي : 1/5.
3 ـ حلية الأولياء : 6/25.
4 ـ سنن الترمذي : 4/503 ، كتاب الفتن ، باب ما جاء في الخلافة ، رقم 2226.
5 ـ سنن أبي داود : 4/211.
6 ـ كنز العمال : 6/88.


(88)
    وقد أخذ عن ذلك الحبر الماكر عدة من الصحابة كابن عباس وأبي هريرة ، ومعاوية وغيرهم. (1)
    قال الذهبي : توفي في خلافة عثمان (2) . وقال أبو نعيم في حلية الأولياء إنّه توفّي كعب قبل مقتل عثمان بسنة (3) . وعلى ذلك توفّي عام 34.
    وقال ابن الأثير في حوادث سنة 34 : ففي هذه السنة توفّي كعب الأحبار. (4)
    نعم توفّي في ذاك العام ، لكن بعد ما ملأ المجتمع الإسلامي بأساطير ، وقصص ، وعقائد إسرائيلية ، حسبها السذّج من المحدّثين أنّها حقائق راهنة ، فنقلوها ناسبين لها إلى كعب تارة ، وإلى النبي الأعظم أُخرى ، وعليها بنيت العقائد وانتظمت الأُصول ، ومن تفحّص في كتب الحديث والتفسير والتاريخ ، يقف بوضوح على أنّ كثيراً من المحدّثين والمفسرين والمؤرّخين ، اعتمدوا على أقواله ومروياته من دون أي غمز وطعن أو تردد وشك ، وهذا من عجائب الأُمور وغرائبها.
    هذا غيض من فيض ، وقليل من كثير من روايات ذلك الرجل وتسويلاته. فمن أراد الوقوف على أحواله وأقواله وما بثّ بين المسلمين من أساطير وقصص إسرائيلية ، فليرجع إلى المصادر التالية. (5)
    هذا وإنّ صاحب الثقافة المنحرفة يبثّ فكرته بين المجتمع في ظل دعامتين مؤثرتين :
1 ـ سير أعلام النبلاء : 3/490.
2 ـ تذكرة الحفاظ : 1/52.
3 ـ حلية الأولياء : 6/45.
4 ـ الكامل في التاريخ : 3/77.
5 ـ الأعلام للزركلي : 5/228 تذكرة الحفاظ : 1/52 سير أعلام النبلاء : 3/489 ـ 494; حلية الأولياء : 5/364 و 6/1 ـ 48; الإصابة : 1/186 النجوم الزاهرة : 1/9; الكامل : 3/177 شرح ابن أبي الحديد في أجزائه المختلفة : 3/54 و 4/77 ـ 147 و 8/265 و 10/22 و 12/81 و 191 و 18/36.


(89)
    الأُولى : يحاول الاتسام بالعلم ، ويعرّف نفسه للمجتمع بأنّه عالم كبير ، ومفكّر اجتماعي بلا منازع ، حتى يتّخذ لنفسه من هذا الطريق مكاناً في القلوب تنعطف إليه النفوس وترتاح به.
    الثانية : يحاول الاتّصال بأصحاب السلطة ، حتى يتخذهم سناداً وعماداً في مقابل العواصف القارعة التي يثيرها صلحاء الأُمّة ومفكّروها الواقعيون.
    فإذا تهيّأت لأصحاب الفكرة المنحرفة هاتان الدعامتان ، سهل لهم النفوذ في عقول بسطاء الأُمّة ، وتمكّنوا من نفث أفكارهم المسمومة في نفوسها ، ولا تمر الأيام حتى تصبح أفكارهم حقيقة راهنة لا يمكن تجاوزها ، ولا الدعوة على خلافها ، بل تصير المخالفة لها ارتداداً عن الدين ، وتشبّثاً بالباطل.
    ومن عجائب الأُمور أنّ الأحبار والرهبان عندما تظاهروا بالإيمان ولما يدخل الإيمان في قلوبهم ، هيمنوا على عقول المسلمين من خلال الأمرين المذكورين.
    فمن جانب عرفوا بأنّهم من أوعية العلم ، وأنّ عندهم علوم الأوّلين والآخرين بتفصيلاتها ، وأنّهم حفظة التوراة والإنجيل والزبور وغيرها من الكتب السماوية.
    ومن جانب آخر استعانوا بالحكم السائد ، بحيث صاروا موضع ثقة عنده ، يسمع لكلامهم ويصدر عن رأيهم.
    عند ذلك أخذت الإسرائيليات والمسيحيات ، مكان السنّة النبوية وصار نقلتها مصادر الحكم والفتيا ، فأصبحت آراؤهم وأقوالهم مدارك الفقه وسناد التاريخ ، ومعياراً للحقّ والباطل في العقائد ، فيا لها من رزية عظمت ، ويا لها من مصيبة كبرت.
    هذا هو كعب الأحبار فقد استعان في بث ثقافته ( الثقافة اليهودية ) بهاتين الدعامتين ، فهلم معي ندرس حياة بعض زملائه ، وسوف تقف على أنّ الخط الذي مشى عليه كعب ، قد مشى عليه زملاؤه ، وإليك البيان :


(90)
2 ـ وهب بن منبه اليماني
    وقد ابتلي المسلمون بعد كعب الأحبار بكتابي آخر قد بلغ الغاية في بثّ الإسرائيليات بين المسلمين حول تاريخ الأنبياء والأُمم السالفة ، وهو وهب بن منبه. قال الذهبي : ولد في آخر خلافة عثمان ، كثير النقل عن كتب الإسرائيليات ، توفّي سنة 114 هـ وقد ضعّفه الفلاس. (1)
    وقال في تذكرة الحفاظ : عالم أهل اليمن ، ولد سنة أربع وثلاثين وعنده من علم أهل الكتاب شيء كثير ، فإنّه صرف عنايته إلى ذلك وبالغ ، وحديثه في الصحيحين عن أخيه همام. (2)
    وترجمه أبو نعيم في حلية الأولياء ترجمة مفصلة استغرقت قرابة ستين صفحة ، وبسط الكلام في نقل أقواله وكلماته القصار. (3)
    وقد خدع عقول الصحابة بأفانين المكر ، حيث صار يعرّف نفسه بأنّه أعلم ممّن قبله ومن عاصره بقوله لبعض حضّار مجلسه : يقولون عبد اللّه بن سلام أعلم أهل زمانه ، وكعب أعلم أهل زمانه ، أفرأيت من جمع علمهما؟ يعني نفسه. (4)
    وقد تسنّم الرجل ، منبر التحدّث عن الأنبياء والأُمم السالفة يوم كان نقل الحديث عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ممنوعاً وأخذ بمجامع القلوب فأخذ عنه من أخذ ، وكانت نتيجة ذلك التحدّث ، انتشار الإسرائيليات حول حياة الأنبياء في العواصم الإسلامية ، وقد دوّن ما ألقاه في مجلد واحد ، أسماه في كشف الظنون « قصص الأبرار وقصص الأخيار ». (5)
1 ـ ميزان الاعتدال : 4/352 ـ 353.
2 ـ تذكرة الحفاظ : 1/100 ـ 101.
3 ـ حلية الأولياء : 1/23 ـ 81.
4 ـ تذكرة الحفاظ : 1/101.
5 ـ كشف الظنون : 2/223 ، مادة قصص.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الأوّل ::: فهرس