بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثالث ::: 141 ـ 150
(141)
     وخرج مع السريج بن حارث (1) على نصر بن سيّار و قتله سلم بن أحوز المازني في آخر زمان بني مروان ، وأتباعه اليوم ب ـ ( نهاوند ) ، وخرج إليهم في زماننا إسماعيل بن إبراهيم بن كبوس الشيرازي الديلمي ، فدعاهم إلى مذهب شيخنا أبي الحسن الأشعري ، فأجابه قوم منهم وصاروا مع أهل (2) السنّة.
    وقد نسب إليه الشهرستاني عدّة أُمور نذكر منها أمرين:
    1 ـ إنّ الإنسان لا يقدر على شيء ، ولا يوصف بالإستطاعة و إنّما هو مجبور على أفعاله لا قدرة له ، والله هو الّذي يخلق الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات ، وتنسب إليه الأفعال مجازاً كما تنسب إلى الجمادات ، كما يقال أثمرت الشّجرة ، وجرى الماء ، و تحرّك الحجر ، وطلعت الشّمس و غربت ، و تغيّمت السماء و أمطرت ، واهتزّت الأرض و أنبتت ، إلى غير ذلك ، والثّواب و العقاب جبر. كما أنّ الأفعال كلّها جبر. قال : وإذا ثبت الجبر فالتكليف إذاً جبر.
    2 ـ إنّ حركات أهل الخلدين تنقطع ، و الجنّة والنار تفنيان بعد دخول أهلهما فيهما ، وتلذّذ أهل الجنّة بنعيمها ، وتألّم أهل النار بجحيمها ، إذ لا تتصوّر حركات لا تتناهى آخراً ، كما لا تتصوّر حركات لا تتناهى أوّلاً. وحمل قوله تعالى ( خالدين فيها ) على المبالغة و التأكيد دون الحقيقة في التخليد. كما يقال خلد الله ملك فلان ، واستشهد على الانقطاع بقوله تعالى: ( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمواتُ وَالأرضُ إلاّ ما شاءَ رَبُّكَ ) ( هود / 107 ) فالآية اشتملت على شريطة واستثناء ، والخلود و التأبيد لا شرط فيه ولااستثناء (3).
    وقد نقل الشهرستاني عنه أُموراً أُخر ، مضى بعضها في كلام غيره.
    أقول: قاعدة مذهبه أمران:
    1 ـ في تاريخ الطبري: الحارث بن سريج وهو الصحيح.
    2 ـ الفرق بين الفرق: ص 212.
    3 ـ الملل والنحل: ج 1 ، ص 87 ـ 88.


(142)
    الأوّل: الجبر ونفي الاستطاعة و القدرة ، فالجهم بن صفوان رأس الجبر و أساسه ، ويطلق عليه و على أتباعه الجبريّة الخالصة في مقابل غير الخالص منها.
    قال الشهرستاني: « الجبر هو نفي الفعل حقيقة عن العبد و إضافته إلى الربّ تعالى ، والجبريّة أصناف ، فالجبرية الخالصة هي الّتي لا تثبت للعبد فعلاً و لا قدرة على الفعل أصلاً. والجبريّة المتوسطة هي الّتي تثبت للعبد قدرة غير مؤثّرة أصلاً. فأمّا من أثبت للقدرة الحادثة أثراً مّا في الفعل وسمّى ذلك كسباً فليس بجبري » (1).
    يلاحظ عليه: أنّ الفرق الثلاث كلّهم جبريّون من غير فرق بين نافي القدرة والاستطاعة كما عليه « الجهم » أو مثبتها ، لكن قدرة غير مؤثّرة ، بل مقارنة لإيجاده سبحانه فعل العبد وعمله ، أو مؤثّرة في اتّصاف الفاعل بكونه كاسباً و الفعل كسباً ، لما عرفت من أنّ القول بالكسب نظريّة مبهمة جدّاً لا ترجع إلى أصل صحيح ، وأنّ القول بأنّه سبحانه هو الخالق المباشر لكلّ شيء لا يترك لنظريّة الكسب مجالاً للصحّة ، لأنّ الكسب لو كان أمراً وجوديّاً فالله هو خالقه و موجده ( أخذاً بانحصار الخلق في الله ) ، وإن كان أمراً عدميّاً اعتبارياً ، فلا يخرج الفاعل من كونه فاعلاً مجبوراً (2).
    وعلى أيّ تقدير ، فالقول بالجبر و إذاعته بين الناس وانقيادهم له كان حركة رجعيّة إلى العصر الجاهلي ، وقدكان الجبر سائداً على مشركي العرب و غيرهم (3).
    الثاني: تعطيل ذاته سبحانه عن التوصيف بصفات الكمال و الجمال ومن هنا نجمت المعطّلة. ولكنّه لم يتبيّن لي صدق ما نسبه إليه البغداديّ والشهرستاني من أنّه قال : لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه ، لأنّ ذلك يقتضي تشبيهاً ، فنفى كونه حيّاً عالماً و أثبت كونه قادراً ، فاعلاً ، خالقاً ، لأنّه لا يوصف شيء من خلقه بالقدرة والفعل والخلق (4).
    1 ـ الملل والنحل: ج 1 ، ص 86.
    2 ـ راجع: الجزء الثاني من كتابنا هذا ص 130 ـ 153.
    3 ـ راجع: الجزء الأول ص 232.
    4 ـ الملل والنحل: ج 1 ص 86.


(143)
    وأظنّ أنّ مراده من قوله « بصفة يوصف بها خلقه » هي الصفات الخبرية ، كاليد ، والعين ، والرجل ، وما أشبهها ، مما أصرّ أهل الحديث والحشوية على توصيفه سبحانه بها ، بالمعنى اللغوي الملازم للتجسيم و التشبيه.
    هاتان قاعدتا مذهب الجهم ، وأمّا غيرهما ممّا نسب إليه ، فمشكوك جدّاً ، وبما أنّه استدلّ لمذهبه في مورد عدم الخلود في الجنّة والنار بما عرفت من الآية ، فنرجع إلى توضيح الآية فنقول:
    جعل الجهم الاستثناء في الآية دليلاً على عدم الخلود.
    يلاحظ عليه: أنّه استدلّ بالآية على عدم الخلود بوجهين:
    الأوّل: تحديد الخلود بمدّة دوام السماوات والأرض وهما غير مؤبّدتين بالضّرورة قال سبحانه: ( مَا خَلَقْنَا السَّمواتِ وَالأرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا إلاّ بِالحقِّ وَ أَجَلٌ مُسَمَّى ) ( الأحقاف / 3 ) وقال تعالى: ( وَالسَّمواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ) ( الزمر / 67 ).
    الثاني: الاستثناء الوارد في الآية من الخلود بقوله: ( إلاّ ما شاء ربّك ) في كلا الموردين: نعيم الجنّة و عذاب الجحيم.
    أمّا الأوّل: فالإجابة عنه واضحة ، لأنّ المراد من السماوات والأرض فيها ، ليس سماء الدنيا و أرضها ، بل سماء الآخرة و أرضها ، والاُوليتان فانيتان ، والاُخريتان باقيتان والله سبحانه يذكر للنظام الآخر أرضاً و سماءً غير ما في الدنيا. قال تعالى: ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ وَالسَّمواتُ وَبَرَزُوا للّهِ الوَاحِدِ القَهّارِ ) ( إبراهيم / 48 ) وقال حاكياً عن أهل الجنّة: ( وَقَالُوا الحَمْدُ للّهِ الّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثنَا الأرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ) ( الزمر / 74 ) فللآخرة سماء وأرض ، كما أنّ فيها جنّة وناراً ولهما أهل ، وتحديد بقاء الجنّة والنار وأهلها بمدّة دوام السماوات والأرض راجع إلى سماء الآخرة و أرضها وهما مؤبّدتان غير فانيتين ، و إنّما تفنى سماء الدنيا و أرضها ، وأمّا السماوات الّتي تظلّل الجنّة مثلاً و الأرض الّتي تقلّها وقد أشرقت بنور ربّها فهما ثابتتان غير زائلتين.


(144)
    أضف إلى ذلك أنّه سبحانه وصف الجنّه بأنّها عنده وقال: ( مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللّهِ بَاق ) ( النحل / 96 ) فالجنّة باقية غير فانية ، ولا يفترق عنها الجحيم ونارها.
    وأمّا الإشكال الثاني فالجواب عنه في مورد الجنّة أوضح من الآخر ، لأنّه يذكر فيها قوله ( عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذ ) الظّاهر في دوام النعمة وعدم تحقّق المشيئة.
    توضيح ذلك أنّه سبحانه يقول في مورد أهل النار:
     ( فَأَمّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمواتُ وَالأَرْضُ إلاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِمَا يُريدُ ) ( هود 106 ـ 107 ).
    و يقول في أهل الجنّة:
     ( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمواتُ وَالأرْضُ إلاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذ ) ( هود / 108 ).
    ترى أنّه سبحانه يذيّل المشيئة في آية الجنّة بقوله: ( عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذ ) (1) الدالّ على عدم انقطاع النعمة ، وأنّ تلك المشيئة أي مشيئة الخروج لا تتحقّق.
    وعلى كلّ تقدير ، فالجواب عن الاستثناء في الآيتين هو أنّ الاستثناء مسوق لاثبات قدرة الله المطلقة ، وأنّ قدرة الله سبحانه لا تنقطع عنهم بإدخالهم الجنّة والنار ، وملكه لا يزول ولا يبطل ، وأنّ قدرته على الاخراج باقية ، فله تعالى أن يخرجهم من الجنّة و إن وعد لهم البقاء فيها دائماً ، لكنّة سبحانه لا يخرجهم لمكان وعده ، و الله لا يخلف الميعاد.
    نعم قوله سبحانه في آية النّار ( إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِمَا يُريدُ ) يشير إلى تحقّق المشيئة في جانب النار كما في المسلمين العصاة دون المشركين و الكفار.

التطوير في لفظ « الجهمي »
    لمّا كان نفي الصفات عن الله ، والقول بخلق القرآن ونفي الروٌية ، ممّا نسب إلى
    1 ـ مقالات الاسلاميين: ج 2 ص 494 ، والفرق بين الفرق ص 211.

(145)
    منهج الجهم وقد عرفت أساس مذهبه فيما مرّ ، صار لفظ « الجهميّ » رمزاً لكلّ من قال بأحد هذه الاُمور ، وإن كان غير قائل بالجبر ونفي القدر. ولأجل ذلك ربّما تطلق الجهميّة و يراد منها المعتزلة أو القدريّة ، وعلى هذا الأساس يقول أحمد بن حنبل:
     « والقرآن كلام الله ليس بمخلوق ، فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فهو جهمي كافر ، ومن زعم أنّ القرآن كلام الله و وقف ولم يقل مخلوق ولا غير مخلوق ، فهو أخبث من الأوّل ، ومن زعم أنّ ألفاظنا بالقرآن و تلاوتنا له مخلوقة ، والقرآن كلام الله ، فهو جهميّ ، ومن لم يكفِّر هؤلاء القوم كلّهم فهو مثلهم » (1).
    نعم ، القوم و إن نسبوا إلى الجهم كون القرآن مخلوقاً ، لكنّه بعيد جدّاً ، لأنّه مات في آخر دولة الأمويين ولم تكن المسألة معنونة في تلك الأيّام ، وإنّما طرحت في العصر العبّاسي خصوصاً في عصر المأمون.
    وقد ألّف البخاري والإمام أحمد (2) كتابين في الردّ على الجهمية وعنيا بهم المعتزلة. والمعتزلة يتبرّأون من هذا الاسم. ويتبرّأ بشر بن المعتمر ـ أحد رؤساء المعتزلة ـ من الجهميّة في ارجوزته إذ يقول:
ننفيهم عنّا ولسنا منهم إمامهم جهم وما لجهم ولا هم منّا ولا نرضاهم وصحب عمرو ذي التقى والعلم (3)
    ويريد عمرو بن عبيد الرئيس الثاني للمعتزلة بعد واصل بن عطاء.
    وعلى كلِّ تقدير ، فعدُّ المعتزلة « جهميّة » ظلم و اعتساف ، ولم يذكر أحد منم الجهم من رجالهم ، وقد أرسل واصل بن عطاء ، حفص بن سالم إلى خراسان ، وأمره
    1 ـ السنّة لأحمد بن حنبل: ص 49.
    2 ـ طبع مع كتاب السنّة له.
    3 ـ فجر الاسلام: ص 287 ـ 288.


(146)
     بلقائه فمناظرته و إنّه لقيه في مسجد « ترفد » حتّى قطعه (1).

مقاتل بن سليمان المجسِّم
    إنّ القضاء على العقل في ساحة العقائد ، والاعتماد على النّقل المحض ـ الّذي انقطع أثره بعد رحلة رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم إلى عصر أبي جعفر المنصور ـ إلاّ شيئاً لا يذكر أيّد هذه الحركات الرجعيّة لو لم نقل إنّة أنتجها.
    ومن رافع ألوية التشبيه والتجسيم ، وناقل أقاصيص الأحبار والرهبان في القرن الثاني ، هو مقاتل بن سليمان الذي كان هو و جهم بن صفوان في مسألة التنزيه والتشبيه على طرفي نقيض ، فالأوّل غلا في التنزيه حتى عطّل ، وذاك غلا في الاثبات حتى شبّه فهذا معطّل وذاك مشبّه ، وقد مُلئت كتب التفاسير بأقوال مقاتل و آرائه فليعرف القارئ مكانه في الوثاقة وتنزيه الربّ عن صفات الخلق.
    قال ابن حبّان: « كان يأخذ من اليهود والنصارى في علم القرآن الّذي يوافق كتبهم ، وكان يشبّه الربّ بالمخلوقات ، و كان يكذب في الحديث ».
    قال أبو حنيفة: « أفرط جهم في نفي التشبيه ، حتّى قال إنّه تعالى ليس بشيء ، وأفرط مقاتل في الاثبات حتّى جعله مثل خلقه ».
    وقال وكيع: « كان كذّاباً ».
    وقال البخاري: « قال سفيان بن عيينة: سمعت مقاتلاً يقول: إن لم يخرج الدجّال في سنة خمسين و مائة فاعلموا أنّي كذّاب » (2).
    1 ـ طبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار: 97 ـ 163.
    2 ـ لم يخرج الدجال في هذه السنة ولا بعدها ، فهل يبقى الشك في أنه كذّاب؟ نعم ، مات هو في تلك السنة فبموته مات الدجل والكذب القائم به.


(147)
    وقال النسائي: « كان مقاتل يكذب ».
    وقال الجوزجاني: « كان دجّالاً جسوراً. سمعت أبا اليمان يقول: قدم هيهنا فلمّا أن صلّى الإمام أسند ظهره إلى القبلة وقال: سلوني عمّا دون العرش ، وحدّثت أنّه قال مثلها بمكّة ، فقام إليه رجل ، فقال: أخبرني عن النّملة أين أمعاؤها؟ تم الكلام في الجهمية


(148)

(149)
5
الكراميّة
الحركات الرجعيّة
    وهذه الفرقة منسوبة إلى محمّد بن كرّام السجستاني شيخ الكرامية ( م 255 ).
    قال الذهبي: « ساقط الحديث على بدعته ، أكثر عن أحمد الجويباري ومحمّد بن تميم السعدي وكانا كذّابين ».
    قال ابن حبّان: « خذل ، حتّى التقط من المذاهب أردأها ، ومن الأحاديث أوهاها...وجعل الإيمان قولاً بلا معرفة ».
    و قال ابن حزم: « قال ابن كرّام: الإيمان قول باللسان ، و إن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن. ومن بدع الكرّاميّة قولهم في المعبود تعالى إنّه جسم لا كالأجسام و قد سُقت أخبار ابن كرّام في تأريخي الكبير. وله أتباع و مريدون وقد سجن في نيسابور لأجل بدعته ثمانية أعوام ، ثم أخرج وسار إلى بيت المقدس ، ومات بالشام سنة 255 هـ. » (1).
    يلاحظ عليه: أنّ ما أسماه مؤمناً سمّاه القرآن منافقاً. قال سبحانه ( إِذَا جَاءَكَ المُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّ المُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) ( المنافقون / 1 ).
    1 ـ ميزان الاعتدال: ج 4 ص 21.

(150)
    وقاعدة مذهبه التجسيم ، وتوصيف الواجب باُمور حادثة ، وكلّ ما يذكره أصحاب الملل والنحل يرجع إلى هذا الأصل ، وأمّا أصنافهم فقد ذكر البغدادي أنّ للكرّامية بخراسان ثلاثة أصناف:حقائقية ، والطزائقية و اسحاقية (1) وذكر الشهرستاني لها اثنتي عشرة فرقة و أنّ اُصولها ستّة.
    وكانت الحركة الكرّامية ، حركة رجعية بحتة حيث دعا أتباعه إلى تجسيم معبوده ، وأنّه جسم له حدّ ونهاية من تحت والجهة الّتي منها يلاقي عرشه. وقال البغدادي: وهذا شبيه بقول الثنوية: إنّ معبودهم الّذي سمّوه نوراً ، يتناهى من الجهة التي تُلاقي الظلام وإن لم يتناه من خمس جهات.
    ومن عقائده: أنّ معبودهم محلّ للحوادث و زعموا أنّ أقواله و إراداته ، و إدراكاته للمرئيات ، وإدراكاته للمسموعات ، وملاقاته للصفحة العليا من العالم ، أعراض حادثة فيه ، وهو محلّ لتلك الحوادث الحادثة فيه (2).
    ومن غرائب آرائه أنّه وصف معبوده بالثِّقل و ذلك أنّه قال في كتاب « عذاب القبر » في تفسير قول الله عزّ وجلّ: ( إذا السماء انفطرت ) : أنّها انفطرت من ثقل الرحمان عليها.
    إلى غير ذلك من المضحكات والمبكيات في الاُصول والفقه. وقد ذكر البغدادي آراءه الفقهيّة أيضاً و ذكر فيه قصّة عجيبة من أرادها فليرجع إليه (3).
    إنّ للكرّامية نظريات في موضوعات اُخر ، ذكرها البغدادي ، وقد بلغت جرأتهم في باب النبوّة حتّى قال بعضهم: إنّ النّبيّ أخطأ في تبليغ قوله « ومناة الثالثة الاُخرى » حتّى قال بعده: « تلك الغرانيق العلى ، وإنّ شفاعتها ترتجى » (4).
    1 ـ الفرق بين الفرق: ص 215.
    2 ـ الملل والنحل: ج 1 ص 108.
    3 ـ الفرق بين الفرق: ص 218 ـ 225.
    4 ـ الفرق بين الفرق: ص 222.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثالث ::: فهرس