بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثالث ::: 161 ـ 170
(161)
    فيلاحظ عليه أوّلاً: أنّ الاستدلال مبنيّ على كون الكفّار مكلّفين بالفروع كما هم مكلّفون بالاُصول وهو بعدُ أمر متنازع فيه.
    وثانياً: أنّ التسبيب إنّما يحرم إذا كان مؤدّياً إلى مسّ الجاهل القاصر ، كما إذا وضع الإنسان يد غير المتطهّر على كتابة القرآن وهو جاهل أو غافل ، لا ما إذا كان غير معذور كعظيم « بصرى » و غيره من الطغاة غير المعذورين في ترك الاُصول و مخالفة الفروع ، إذ في وسعهم أن يعتنقوا الإسلام و يدخلوا تحت السلم و يتعرّفوا على اُصوله و يعملوا بفروعه ويجتنبوا محرّماته. وهذا الجواب سائد في تمكين الكافرين من الكتب الّتي فيها أسماؤه سبحانه بعد إتمام الحجّة عليهم وإن كان في جريانه في المقام خفاء.
    وثالثاً: أنّ المصالح الكبرى الّتي تتبلور في بثّ الدّعوة الإسلاميّة في المناطق المعمورة و إنقاذ الأجيال عن الوثنيّة و عبادة الطغاة ربّما ترخّص للرسول أن يقوم بعمل ربّما ينتهي إلى مسّ غير المتطهّر آية من الكتاب العزيز وله نظائر في الشّريعة الإسلاميّة.
3 ـ قاتل الإمام عليّ ( عليه السلام ) كان مجتهدا
    وهذا هو النموذج الثالث من آراء الرّجل نأتي بنصّه من كتاب المحلّى ، فقال: « مسألة ، مقتول كان في أوليائه غائب أو صغير أو مجنون اختلف الناس في هذا: فقال أبو حنيفة: إذا كان للمقتول بنون وفيهم واحد كبير وغيرهم صغار ، أنّ للكبير أن يقتل ولا ينتظر بلوغ الصغار. ثمّ أورد على الشافعيّة القائلة بعدم الجواز بأنّ الحسن بن عليّ ـ عليهما السلام ـ قد قتل عبدالرحمن بن ملجم ، ولعليّ بنون صغار. ثمّ قال: هذه القصة ( يعني قتل ابن ملجم ) عائدة على الحنفيّين بمثل ما شنّعوا على الشافعيين سواء سواء ، لأنّهم والمالكيّين لا يختلفون في أنّ من قتل آخر على تأويل فلا قود في ذلك ، ولا خلاف بين أحد من الاُمّة في أنّ عبدالرحمن بن ملجم لم يقتل عليّاً ـ رضي الله عنهـ إلاّ متأوّلاً مجتهداً مقدّراً أنّة على صواب و في ذلك يقول عمران بن حطّان شاعر الصفرية:


(162)
يا ضربة من تقي ما أراد بها إنّي لأذكره حيناً فأحسبه إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا أوفى البريّة عندالله ميزانا
    أي لاُفكّر فيه ثمّ أحسبه ، فقد حصل الحنفيّون من خلاف الحسن بن عليّ على مثل ما شنّعوا به على الشافعيّين و ما ينقلون أبداً في رجوع سهامهم عليهم ، ومن الوقوع فيما حفروه (1).
    يلاحظ عليه: أنّ الفقيه الأندلسي قد خرج في فتياه هذه عن مسلكه وهو التقيّد بالنصوص الشرعية تعبّداً حرفيّاً غير معتمد على العقل والاجتهاد ، مع أنّه هو طرح النصّ ولجأ إلى الاجتهاد الخاطئ. فهذا هو النّبيّ الأكرمصلَّى الله عليه و آله و سلَّم يقول لعليّ: ألا أخبرك بأشدّ الناس عذاباً يوم القيامة؟ قال: أخبرني يا رسول الله قال: فإنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة عاقر ناقة ثمود و خاضب لحيتك بدم رأسك (2).
    وقد وصف النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قاتل عليّ في غير واحد من أحاديثه بأنّه أشقى الآخرين وأشقى هذه الاُمّة (3).... إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة في هذا السياق.
    والحقّ أنّ الاجتهاد الّذي يؤدّي إلى وجوب قتل الإمام المفترض طاعته بالنصّ ، اجتهاد يهتزّ منه العرش ونحن أيضاً نصافق ابن حزم واُستاذه داود الاصفهاني في ردّ هذا القسم من الاجتهاد الّذي تكون نتيجته نجاح الخوارج المارقين عن الدين ، وما ذكره من الشعر هو لعمران بن حطّان رأس الخوارج في عصره وقد أجابه معاصره القاضي أبوالطيب طاهر بن عبدالله الشافعي قائلاً:
يا ضربة من شقي ما أراد بها إنّي لأذكره يوما فألعنه إلاّ ليهدم للاسلام أركاناً ديناً وألعن عمراناً و حطّاناً

    1 ـ المحلى: ج 10 ص 482 ـ 484.
    2 ـ العقد الفريد: ج 2 ص 298.
    3 ـ مسند أحمد: ج 4 ص 263.


(163)
عليه ثم عليه الدّهر متّصلا فأنتما من كلاب الدّهر لعائن الله إسراراً و إعلانا جاء به نصّ الشريعة برهاناً وتبيانا (1)

    وله في كتابه « الفصل » كلام يشبه ما ذكره في قاتل الإمام حيث عدّ فيه قاتل عمّار وهو أبو الغادية يسار بن سبع السلمي متأوّلاً مجتهداً مخطئاً مأجوراً بأجر واحد ، وعدّ عمّاراً الثائر على الخليفة فاسقاً محارباً سافكاً دماً حراماً عمداً بلا تأويل على سبيل الظلم والعدوان (2).
    وما تلك المذاهب إلاّ نتيجة تقاعس العلماء الأخيار عن وظيفتهم ، ونتيجة طرد العقل الصحيح الفطري عن مناهج الحياة.
    ولا أظنّ أنّ إنساناً منصفاً يفكّر في هذه المناهج والمسالك ، يعدّ دعاة الحرية والاختيار والتعقّل ضلاّلاً كفّارا ، ودعاة الجبرية والتشبية والتجسيم والجمود الفكري علماء وعاة.
     ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَاب فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْم هُدًى وَ رَحْمَةً لِقَوْم يُؤْمِنُونَ ) ( الأعراف / 52 ).
تمّ الكلام حول الحركات الرجعية الثلاث

    1 ـ مروج الذهب: ج 2 ص 415.
    2 ـ الفصل: ج 4 ص 161.


(164)

(165)
7
المعتزلة
    المعتزلة بين المدارس الكلاميّة المختلفة ، مدرسة فكريّة عقليّة ، أعطت للعقل القسط الأوفر والسّهم الأكبر حتّى فيما لا سبيل له للقضاء فيه ، ولها من نتائج الفكر والمعرفة ما شهد له التأريخ ، ودلّت عليه كتب القوم و رسائلهم الباقية. وما نقله عنهم خصومهم و أعداؤهم. وباختصار ، إنّه مذهب فكري كبير يزخر بمعارف حول المبدأ والمعاد ، وبأنظار عقليّة أو تجريبيّة حول صحيفة الكون.
    ومن المؤسف جدّاً أنّ هوى العصبيّة بل يد الخيانة و الجناية لعبت بكثير من مخلّفاتهم الفكريّة و أطاحت به فأضاعتها بالخرق و المزق و إن كان فيما بقى و ما كشفت عنه بعثة وزارة المعارف المصريّة إلى اليمن و نشرتها (1) كفاية لمن أراد التعرّف على المذهب عن لسان شيوخهم ، ثمّ دراستها ، وسنتلو عليك قائمة الكتب الباقية أو المنشورة في هذه الآونة الأخيرة عنهم ، وبالنّظر إليها يعلم أنّ الباقي يشكل طفيفاً من الكثير المضاع ـ ومع ذلك ـ فهو يستطيع أن يرسم لنا معالم هذا المذهب بوضوح بحيث يغني عن المراجعة إلى كتب خصومهم و أعدائهم.
    إنّ ضياع كتب المعتزلة في القرون السابقة وعدم تمكّن الباحثين عنها ، ألجأهم في
    1 ـ أصدرت دار الكتب المصرية عام 1967 قائمة المخطوطات العربية المصوّرة بالميكروفيلم من الجمهورية العربية اليمنية. كما قامت بنشر كتب القاضي عبد الجبار رئيس الاعتزال في اوائل القرن الخامس فطبعت منها كتاب شرح الاُصول الخمسة وكتاب المغني له أيضاً في أربعة عشر جزءاً وغيرهما.

(166)
    كتابة عقائدهم و تحليل اُصولهم إلى الاعتماد على كتب الأشاعرة في مجال علم الكلام والملل و النحل ، ومن الواضح جدّاً أنّ كثيراً من الخصوم ليسوا بمنصفين و موضوعيين وقد نسبوا إليهم ما لا يوافق الاُصول الموثوق بها (1).
    إنّ الدّراسة الموضوعيّة الهادفة تكلّف الباحث الرجوع إلى الكتب المؤلفة بيد أعلام المذاهب و خبرائه المعروفين بالحذق والوثاقة ، والاعتماد على كتب الخصوم خارج عن أدب الجدل و رسم التحقيق.
    بيد أنّنا نرى كثيراً من الكتّاب المعاصرين يعتمدون في تحليل عقائد الطّوائف الإسلاميّة على « مقالات الإسلاميّين » للشيخ الأشعري و « الفرق بين الفرق » لعبد القادر البغدادي و « الملل و النحل » للشهرستاني ، وهؤلاء كلّهم من أعلام الأشاعرة و يرجع إليهم في الوقوف على التفكير الأشعري ، وأمّا في غيره فلا يكون قولهم و نقلهم حجّة في حقّهم ، إلاّ إذا طابق الأصل ، فإنّ الكاتب مهما يكون أميناً ـ إذا كان في موقف الجدال والنِّقاش وحاول إثبات مقاله و تدمير مقالة الخصم ـ لا يصحّ الرُّكون إلى نقله ، إلاّ إذا أتى بنصّ عبارة الخصم بلا تصرّف ولا تبديل. ومن المعلوم أنّ الكتب المؤلّفة في العصور الماضية لا تسير على هذا المنهاج ، كما هو واضح لمن سبر.
    إنّ من الظّلم البارز الاعتماد في تحليل عقائد الطّوائف الإسلاميّة على كتب ابن حزم الأندلسي ( المتوفّى عام 456 هـ ) وابن خلدون المغربي ( المتوفّى عام 808 هـ ) وغيرهما خصوصاً فيما كتبوه حول الشّيعة لبعدهم عن البيئة الشيعيّة و مؤلّفاتهم ، ولذلك ترى فيها الخبط والخطاء...وهذا مبلغ علم الشهرستاني و اطّلاعه عنهم حيث يذكر الأئمّة الاثني عشر ويقول: إنّ عليّ بن محمّد النقي مشهده بقم (2) ويكفيك فيما ذكرناه ما قاله أحد معاصريه ( أبو محمّد الخوارزمي ) قال بعد ذكر مشايخه في الفقه
    1 ـ مثلاً نسب إليهم أنّهم لا يقولون بعذاب القبر مع أنّ القاضي في شرح الاُصول الخمسة ص 732 يقول: إنّ المعتزلة تقول بعذاب القبر ولا تنكره قال: وأمّا فائدة عذاب القبر وكونه مصلحة للمكلّفين فإنّهم متى علموا أنّهم إن أقدموا على المقبحات وأخلوا بالواجبات عذِّبوا في القبر... وسيأتي البحث عنه في محلّه.
    2 ـ الملل والنحل: ج 1 ص 169.


(167)
     واُصوله والحديث: « ولولا تخبّطه في الاعتقاد وميله إلى الالحاد لكان هو الإمام ، وكثيراً ما كنّا نتعجّب في وفور فضله وكمال عقله و كيف مال إلى شيء لا أصل له و اختار أمراً لا دليل عليه لا معقولاً ولا منقولاً ونعوذ بالله من الخذلان والحرمان من نور الإيمان » (1).

اهتمام المستشرقين بتراث المعتزلة
    اهتمّ المستشرقون في العصور الأخيرة بدراسة مذهب الاعتزال وما فيه من الخطوط والاُصول في الكون وحياة الإنسان و اختياره و حرّيتة ، ولقد أعجبتهم فكرتهم في أفعال العباد وصار ذلك سبباً لاهتمام الجدد من أهل السنّة و بالأخص المصريّين منهم إلى دراسة مذهبهم و نشر كتبهم و تقدير فكرتهم و الدّفاع عنهم قدر الامكان وردّ الاعتبار إليهم.
    ولأجل ذلك نشرت في العهد القريب كتب تتناول البحث عن ذلك المذهب مثل:
    1 ـ تأريخ الجهمية والمعتزلة: لجمال الدين القاسمي الدمشقي ، طبع في القاهرة عام 1331 هـ.
    2 ـ المعتزلة: تأليف زهدي حسن جار اللّهطبع في القاهرة عام 1366 هـ ، وهي رسالة تبحث في تأريخ المعتزلة و عقائدهم و أثرهم في تطوّر الفكر الإسلامي. قدّمها مؤلّفها إلى دائرة التأريخ العربي في كلّية العلوم والآداب بجامعة بيروت الأمريكيّة. ونال عليه رتبة اُستاذ في العلوم وله في الكتاب مواقف موضوعيّة.
    3 ـ فجر الإسلام: لأحمد أمين المصري ، الفصل الرابع ، ص 283 ـ 303.
    4 ـ ضحى الإسلام: له أيضاً ، الفصل الأوّل ص 21 ـ 107.
    5 ـ تأريخ المذاهب الإسلاميّة: تأليف محمّد أبو زهرة فصل القدريّة ، ص 123 ـ 179.
    1 ـ معجم البلدان: ج 3 ص 377 ط بيروت دار احياء التراث العربي مادة شهرستان.

(168)
    6 ـ فضل الاعتزال و طبقات المعتزلة: تحقيق فؤاد السيّد ، نشرته الدار التونسيّة للنشر ، عام 1406 هـ ، الطبعة الثّانية ، وهو يضمّ كتباً ثلاثة لأئمّة الاعتزال: أبي القاسم البلخي ، والقاضي عبد الجبّار ، و الحاكم الجشمي ، والكتاب مزدان بتحقيقات نافعة.
    وهذه العناية الكبيرة المؤكّدة من أبناء الأشاعرة لبيان تأريخ المعتزلة و عقائدهم وإظهار الأسف و الأسى لذهاب ثروتهم العلميّة ، و إنشاء بعثة علميّة لأخذ الصّور من مخلّفاتهم الخطّية المبعثرة في بلاد اليمن والقيام بنشرها ، عمل مبارك وجهد مقدّر ، لكن أثاره أبناء الاستشراق في نفوس هؤلاء. هذا هو ( آلفرد جيوم ) اُستاذ الدراسات الشّرقية في جامعة لندن يقول :
     « إنّ ما انتهى إلينا من كتابات رجال الاعتزال قليل جدّاً إلى حدّ أنّنا مضطرّون إلى أن نعتمد على ما يقوله مخالفوهم عنهم ، وقد كانوا يحملون لهم ذكريات مريرة لما قام به المعتزلة من أعمال تعسّفيّة لذلك ، فإنّ أملنا لكبير ، إذا كانت مكتبات الشيعة في اليمن أو في غير اليمن تحوي مخطوطات من أصل معتزلي أن نقوم بنشرها. هذا ، وإنّ اُولئك الّذين يرغبون في الوقوف على نتاج العقل العربي في عصور الخلافة الذّهبية ، يحسنون صنعاً إذا أقدموا على درس هذه الرسالة اللمّاعة في تأريخ حركة عظيمة في حركات الفكر العربي » (1).
    وهذا « شتيز » المستشرق وصفهم بأنّهم المفكِّرون الأحرار في الاسلام ، وألّف كتاباً بهذا الاسم.
    ووصفهم « آدم ميت » و « هاملتون » بأنّهم دعاة الحريّة الفكرية والاستنارة (2).
    وقال « جولد تسيهر »: « إنّ المعتزلة وسّعوا معين المعرفة الدينية بأن أدخلوا فيها عنصراً مهمّاً آخر قيّماً وهو العقل الّذي كان حتّى ذلك الحين مبعداً بشدّة عن هذه
    1 ـ من مقدمة كتاب المعتزلة ، تأليف زهدي حسن جار الله ، قدّم له « آلفرد جيوم » اُستاذ الدراسات الشرقية في جامعة لندن. عام 1947 م 1366 هـ.
    2 ـ أدب المعتزلة: ص 172.


(169)
    الناحية » (1).
    وربّما يرد على الأخير بأنّه تجاسر على قلب الحقائق مسقطاً الواقع الّذي يثبت اجتهاد الرّسول و الصّحابة والتابعين... وكتب السنّة و السيرة والتّاريخ والفقه والخلاف والمقارنات الفقهيّة حافلة بما يؤيِّد اجتهادهم وتعويلهم على العقل.
    يلاحظ عليه: أنّ كلام هذا الرادّ أقرب إلى قلب الواقع ممّا ذكره « جولد تسيهر » ذلك المستشرق الحاقد على الإسلام و نبيّه ، وذلك لأنّ أهل الحديث والحنابلة ينكرون الحسن والقبح العقليّين ، وإنكار ذلك مساوق لإنكارّ كثير من المعارف الدينيّة ، والمعارف الدينيّة عندهم قائمة على السنّة فقط ، و أحيانا على الكتاب. وأمّا العقل فهو محكوم عندهم بالاعدام ، حتّى أنّ طريق الإمام أبي الحسن الأشعري غير مقبول لدى أهل الحديث والحنابلة ولأجل ذلك ما ذكروه في طبقاتهم ، قائلين بأنّ الشيخ الأشعري يستدلّ على العقائد ، مكان أن يعتمد فيها على الحديث والسنّة.
    وأمّا الاعتماد على العقل في الفقه ، فلو اُريد منه القياس والاستحسان فهو من قبيل العقل الظنّي الذي لا يغني من الحقّ شيئاً ، و إن اُريد منه الحكم القطعي من العقل ، فهو مبنيّ على التّحسين والتقبيح العقليين ، وأهل الحديث والحنابلة حتّى الأشاعرة ينكرون إمكان هذا الادراك العقلي.
    هذا وللمستشرقين كلمات اُخر في تحسين منهج الاعتزال ضربنا عنها صفحاً.

أحمد أمين و مدرسة الاعتزال
    إنّ أحمد أمين ( الكاتب الشهير المصري ) مع أنّه لم يقف من كتب المعتزلة إلاّ على الأقل القليل كالانتصار لأبي الحسين الخيّاط ( م 311 ) ، والكشّاف للزمخشري ( م 538 ) ، وبعض كتب الجاحظ ( م 255 ) وقد اعتمد في نقل عقائد المعتزلة
    1 ـ المعتزلة بين العمل والفكر:ص 103 ، تأليف: علي الشابي ، أبو لبابة حسن ، عبد المجيد النجار. طبع الشركة التونسية.

(170)
    على كتب الأشاعرة كمقالات الإسلاميين للشيخ الأشعري ( م 324 ) ، ونهاية الاقدام للشهرستاني ( م 548 ) ، والاقتصاد للغزالي ( م 505 ) ، والمواقف للعضدي ( م 775 ) إلى غير ذلك ، وهؤلاء كلّهم أعداء المعتزلة ولا يستطيعون تقرير مواقف خصومهم في المسائل مجرّدين عن كلّ انحياز ، ـ مع أنّه لم يقف ـ تأثّر كثيراً بمنهج الاعتزال تبعاً لأساتذته الغربيّين ، ولولاهم لما خرج الاُستاذ أحمد أمين عمّا حاكت عليه البيئة المصريّة الأشعريّة من الشباك الفكري قدر أنملة ، ولا بأس بنقل جمل من إطرائه للمعتزلة في فصول مختلفة.
    1 ـ يقول حول توحيد المعتزلة و تنزيههم: « وقد كانت نظرتهم في توحيد الله نظرة في غاية السموّ والرفعة ، فطبّقوا قوله تعالى: ( ليس كمثله شيء ) أبدع تطبيق ، وفصّلوه خير تفصيل وحاربوا الأنظار الوضعيّة من مثل أنظار الّذين جعلوا الله تعالى جسماً » (1).
    2 ـ يقول حول نظريّتهم في حرّية العباد: « وقالت المع ـ تزلة بحرّية الإرادة وغلوا فيها أمام قوم سلبوا الإنسان إرادته حتّى جعلوه كالريشة في مهبّ الريح أو كالخش ـ بة في إليمّ. وعندي أنّ الخطأ في القول بسلطان العقل و حرّية الإرادة والغلوّ فيهما خير من الغلوّ في أضدادهما ، وفي رأيي أنّه لو سادت تعاليم المعتزلة إلى إليوم لكان للمسلمين موقف آخر في التأريخ غير موقفهم الحالي وقد أعجزهم التسليم وشلّهم الجبر وقعد بهم التّواكل » (2).
    3 ـ يقول في حقّ إبراهيم بن سيّار المعروف بالنظّام ، الشخصيّة الرابعة بين المعتزلة بعد واصل بن عطاء ، وعمرو بن عبيد ، وأبي الهذيل العلاف ، اُستاذ الجاحظ وقد توفّي عام 231: « أمّا ناحيته العقليّة ففيها الركنان الأساسيّان اللّذان سبّبا النهضة الحديثة في أروبا وهما الشكّ والتجربة ، وأمّا الشكّ فقد كان يعتبره النظّام أساساً للبحث فكان يقول: الشاكّ أقرب إليك من الجاحد ، ولم يكن يقين قطّ حتّى صار فيه شكّ ، ولم
    1 ـ ضحى الاسلام: ج 3 ، ص 68.
    2 ـ نفس المصدر : ج 3 ، ص 70.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثالث ::: فهرس