بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثالث ::: 211 ـ 220
(211)
10 ـ قبول التوبة واجب على الله أو تفضّل منه ؟
     اتفق المسلمون على أنّ التوبة تسقط العقاب ، وإنّما الخلاف في أنّه هل يجب على الله قبولها فلو عاقب بعد التوبة كان ظالماَ أو هو تفضل منه سبحانه ؟فالمعتزلة على الأوّل ، والأشاعره والإماميّة على الثاني (1).
    قال المفيد:
     « اتفقت الإماميّة على أنّ قول التوبة بفضل من الله عزّ وجلّ ، وليس بواجب في العقول اسقاطها لما سلف من استحقاق العقاب ، ولولا أنّ السمع ورد بإسقاطها لجاز في العقول بقاء التائبين على شرط الإستحقاق ، و وافقهم على ذلك أصحاب الحديث ، وأجمعت المعتزلة على خلافهم و زعموا أنّ التوبة مسقطة لما سلف من العقاب على الواجب (2).
    و لقد أحسن ـ قدّس الله سرهـ حيث جعل محور المسألة قبول التوبة وعدمه بما هو هو لابلحاظ آخر كما في صورة الأخبار بقبول التوبة قال سبحانه: ( يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ) ( التوبة / 104 ). إذ عندئذ يجب قبول التوبة عقلا وإلالزم الخلف في الوعد. قال الطبرسي في تفسير قوله سبحانه: ( إلاّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فاُولئكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا التَّوّاُب الرَّحِيمُ ) ( البقوة / 160 ). وصفحه بالرحيم عقيب التوّاب يدل على أنّ إسقاط العقاب بعد التوبة تفضل منه سبحانه ورحمة من جهته ، على ما قاله أصحابنا ، وأنّه غير واجب عقلاً على خلاف ماذهب إليه المعتزلة (3).
    ومن أراد أنّ يقف على دلائل المعتزلة في المقام فليرجع إلى كشف المراد شرح المقاصد.
    1 ـ لاحظ: التفتازاني: شرح المقاصد ، ج 2 ، 242 ، العلامة الحلّي: كشف المراد ، ص 268 ، القاضي عبدالجبار: شرح الاُصول الخمسة ، ص 798.
    2 ـ المفيد: أوئل المقالات ص 15.
    3 ـ الطبرسي: ومجمع البيان 1 / 242.


(212)
11 ـ عصمة الأنبياء قبل البعثة و بعدها
     اتفقت الإمامية على أنّ جميع أنبياء الله ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ معصومون من الكبائر قبل النبوة وبعدها ، وممّا يستخف فاعله من الصغائر وأما ماكان من صغير لا يستخف فاعله فجائز و قوعة منهم قبل النبوة وعلى غير تعمد وممتنع منهم بعدها ، على كل حال هذا مذهب جمهور الإمامية والمعتزلة بأسرها تخالف فيه (1).
    والمقول عن أبي علي الجبائي التفصيل في الكبائر بين قبل البعثة وبعدها فيجوز في الأول دون الثاني ، والمختار عند القاضي في الكبائر عدم الجواز مطلقاً وأمّا المفرات فاتفقوا على عدم جواز (2).
12 ـ وجوب الأمر بالمعروف عقلاًوعدمه
    اتفقت الاُمّة على و جوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا استثناء غير أنهم اختلفوا في وجوبه عقلاً وسمعاً ، أو سمعاً فقط ، فالمعتزلة على الأوّل والاماميّة على الثاني.
    قال المفيد: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللسان فرض على الكفاية بشرط الحاجة إليه لقيام الحجة على من لايعلم لديه إلأبذكره أو حصول العلم بالمصلحة به أو غلبه الظن وبذلك (3).
    ثم إنّ المحقق الطوسي ذكر في متن التريد دلائل العتزلة على وجوبهما عقلاً ، ثم عقب عليها بنقد وتحليل (4).
    1 ـ المفيد: أوائل المقالات / 30.
    2 ـ القاضي عبدالجبار :شرح الاُصول الخمسة: 573.
    3 ـ المفيد: أوائل المقالات / 98 ، وبذلك يظهر وهن ما ذكره القاضي في شرح الاُصول الخمسة من نسبة عدم الوجوب على الإطلاق إلى الإماميّة لاحظ ص 741.
    4 ـ العلامة الحلّي: المراد / 271 طبع صيدا.


(213)
13 ـ آباء رسول الله كلهم موحّدون
     اتفقت الإماميّة على أنّ آباء رسول الله من لدن آدم إلى عبد الله بن عبد المطلب مؤمنون بالله عزّ وجلّ ـ موحّدون له ، وخالفهم على هذا القول جميع الفرق (1).
14 ـ تفضيل الأنبياء على الملائكة
    اتفقت الإماميّة على ذلك أنّ أنبياء الله عزّ وجلّ ورسله من البشر أفضل من الملائكة و وافقهم على ذلك أصحاب الحديث ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك و زعم الجمهور منهم أنّ الملائكة أفضل من الأنبياء والرسول (2).
15 ـ الرجعة: إمكانها و وقوعها
     قضية الرجعة الّتي تحدثت عنها بعض الآيات القرآنية و الأحاديث المروية عن أهل بيت الرسالة ممّا تعتقد به الشيعة من بين الامة الإسلاميّة قال الشيخ المفيد: إنّ الله يحشر قوماً من اُمّةُ محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد موتهم قبل يوم القيامة وهذا مذهب
    يختص به آله محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والقرآن شاهد به (3).
    وخالفت المعتزلة والأشاعرة وأهل الحديث في ذلك.
16 ـ الجنّة والنار مخلوقتان أو لا؟
    إنّ الله سبحانه وعد المتقين بالجنّة أو عد العصاة بالنار فهل هما مخلوقتان أو لا؟
    والمسألة نقلية محضة فالإماميّة إلاّمن شذ ، ذهب إلى أنّ الجنّة والنار في هذا الوقت مخلوقتان قال الشيخ المفيد: وبذلك جاءت الأخبار وعليه إجماع أهل الشرع
    1 ـ المفيد: أوائل المقالات ، ص 12.
    2 ـ المفيد: أوائل المقالات ، ص 16.
    3 ـ المجلسي: البحار شرح 53 / 36 ، نقلاالمسائل السرورية للشيخ المفيد.


(214)
    والآثار (1).
    وقال التفتازاني: « جمهور المسلمين على أنّ الجنّة والنار مخلوقتان الآن خلافاً لأبي هاشم والقاضي عبدالجبار ومن يجري مجراهما من المعتزلة حيث زعموا أنهما إنما يخلقان يوم الجزاء » (2).
    والظاهر من السيد الرضي من الشيعة ( 359 ـ 406 ) أنهما غير مخلوقتين الآن حيث قال: الصحيح أنهما إنما تخلقان بعده (3).
17 ـ تأويل النصوص اعتماداً على القواعد العقلية:
    إنّ الاصول الخمسة عند المعتزل توصف بالصحة والاتقان على درجة تقدم على النصوص الشرعية الواردة في القرآن الكريم والسنّة ، فقد أعطوا للعقل أكثر ممّا يستحقه ، فقالوا: إنّ المراد في الشفاعة هو ترفيع الدرجة لا رفع العقاب وقس على ذلك سائر تأويلاتهم في الكتاب والسنّة .
    إنّ النص الوارد في القرآن الكريم دليل قطعي لايعادله شيء فعند ذلك تجب تخطئة العقل لاتأويل القرآن ، والتعارض بين القطعيين غير معقول ، وتأويل النص القطعي كرفضه ، نعم لو كان النص ظني السند أو كان الدليل الشرعي ظنّي الدلالة فللتأويل مجال ، هذا وللبحث صلة تطلب في مجالها.

18 ـ الإمامة بالتنصيص أو بالشورى:
    اتفقت الإماميّة على أنّ الامامه بالتنصيص خلافاً للأشاعرة والمعتزلة وقالوا
    1 ـ المفيد: أوائل المقلات / 102.
    2 ـ التفتازاني: شرح المقاصد / 2 318 ولاحظ شرح التجريد للقوشجي / 507 وعبارة الأخيرين واحدة.
    3 ـ تارضي: حقائق التأويل 5 / 245.


(215)
    بالشورى وغيرها ، ويتفرع على ذلك أمر آخر وهو: أنّ النبي نص على خليفة بالذات عند الإمامية ، وقال الآخرون: سكت وترك الأمر شورى بين المسلمين.
    قال القاضي عند البحث عن طرق الإمامة ( عند المعتزلة ) : إنها العقد والاختيار (1).

19 ـ هل يشرط في الإمام كونه معضوماً
    اتقضت الإمامية على أنّ الامام يجب أنّ يكون معصوماً عن الخطأ والمعصية خلافاً للمعتزلة حيث اكتفت أنه يجب أنّ يكون مبرزاً في العلم مجتهداً ذا ورع شديد ، يوثق بقوله ويؤمن منه ويعتمد عليه (2).
    قال المفيد: إنّ الئمة القائمين مقام الأنبياء في تنفيذ الاحكام ، وإقامة الحدود ، وحفظ الشرائع ، وتأديب الأنام ، معصومون كعصمة الأنبياء ، وانهم لايجوز منهم صغيرة إلأ ما قدّمت ذكر جوازه على الأنبياء ، وانه لايجوز منه سهو في شيء في الدين و الاينسون شيئأ من الأحكام ، و على هذا مذهب سائر الإماميّة إلأمن شذّ منهم وتعلّق بظاهر روايات لها تأويلات على خلاف ظنّه الفاسد في الباب ، والمعتزلة بأسرها تخالف في ذلك ويجوّزون من الأئمّة وقوع الكبائر والردّه عن إسلام (3).
20 ـ حكم محارب الإمام علي أمير المؤمنين:
    اتفقت الإمامية على أنّ الناكثين والقاسطين من أهل البصرة والشام أجمعين كفار ضلاّل ملعونون بحربهم أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ وانّهم بذلك في النار مخلدون وأجمعيت المعتزلة سوى الغزال منهم وابن باب ، والمرجئة والحشوية من أصحاب
    1 ـ القاضي عبدالجبار شرح الاُصول الخمسة: 753.
    2 ـ نفس المصدر: 754.
    3 ـ الشيخ المفيد: أوائل المقلات: 35.


(216)
    الحديث على خلاف ذلك ، فزعمت المعتزلة كافّة إلاّ من سمّيناه وجماعة من المرجئة وطائفة من أصحاب الحديث ، انّهم فسّاق ليسوا بكفار ، وقطعت المعتزلة من بينهم على أنّهم لفسقهم في النار خالدون (1).
    هذه جملة من الاُصول الّتي يختلف فيها المنهجان وبقيت هناك اُصول اُخرى تضاربت فيها آراء الفريقين لم نذكرها روماً للإختصار.
    ولنعد إلى تحليل سائر الوجوه لمؤلف كتاب المعتزلة.
    2 ـ قال الذّهبي: « وجد الرفض والاعتزال في زمانه متصادقين مت آخيين » (2).
    3 ـ وقال المقريزي: « قلّما يوجد معتزلي إلاّ وهو رافضي » (3).
    4 ـ يقول الشيخ جمال الدين القاسمي الدمشقي ( م 1331 ) : « إنّ المعتزلة اليوم كفرقة أهل السنّة والجماعة ، من أعظم الفرق رجالاً و أكثرها تابعاً ، لأنّ شيعة العراق على الإطلاق معتزلة. وكذلك شيعة الأقطار الهندية و الفارسية و الشامية ، ومثلهم الشيعة الزيديّة باليمن » (4).
    إنّ هذه الكلمات لا تدلّ على عيلولة الشيعة في عقائدهم على المعتزلة ، فإنّ الشيعة الإماميّة تقتدي فى اُصولها و فروعها بأئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) الّذين جعلهم الرسول الأعظمصلَّى الله عليه و آله و سلَّم عدلاً للقرآن الكريم و قال: « إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي » ، ولا ترجع إلى غيرهما. ولم نر شيعيّاً إمّاميّا أخذ عقيدته من عالم معتزلي.
    ومع هذين المصدرين الصحيحين لا حاجة للرجوع إلى غيرهما.
    والمعتزلة كما أقرّ أعلامهم اقتفوا في التّوحيد والعدل أثر خطب الإمام أمير
    1 ـ نفس المصدر: 10.
    2 ـ ميزان الاعتدال: ج 2 ص 235 ، كما في « المعتزلة » ، ص 218.
    3 ـ الخطط: ج 4 ص 169 ، كما في المصدر نفسه ، ص 218.
    4 ـ تاريخ الجهمية والمعتزلة: ص 42 ، كما في المصدر نفسه ، ص 219.


(217)
    المؤمنين ـ عليه السلام ـ وتتلمذوا على حفيده أبي هاشم ابن محمّد بن الحنفيّة.
    وما ذكره القاسمي الدمشقي من أنّ شيعة العراق على الإطلاق معتزلة ، صحيحة إنّ أراد أنّ شيعة العراق بل الشيعة في جميع الأقطار قائلون بالتوحيد والعدل ، اقتفاءً لأثر الكتاب والسنّة الصحيحة المرويّة عن أئمّة أهل البيت لا سيّما خطب الإمام عليّ ( عليه السلام ) ، كما أنّ المعتزلة أيضاً قائلون بهما مقتفين أثر ما أخذوه من البيت العلوي.
    نعم إنّ المعتزلة أقرب إلى الشيعة من الحنابلة والأشاعرة ، فإنّ ولاء كثير منهم لأهل البيت لا ينكر ، كما أنّ تمسّكهم بالاُصول العقلية المبرهنة ، ورفض الآخرين لها ، جعلهم متّحدين في كثير من الاُصول مع الشيعة ، ومع ذلك فإنّ لجميع الطّوائف الإسلاميّة ، اُصولاً مشتركة ، واُصولاً يتميّز بها بعضهم عن بعض فلكلّ طائفة إسلاميّة مشتركات ومميّزات.

رمي الاعتزال بالتشيّع
    إنّ من عجائب الدّهر ـ وما عشت أراك الدّهر عجباً ـ رمي المعتزلة بالتشيّع ، وترى تلك النسبة في كتب الأشاعرة والحنابلة ، خصوصاً الرجاليّين منهم ، فلم تكن الشيعة وحدها متّهمة بالاعتزال ، بل صارت المعتزلة متّهمة بنظيرتها ، غير أنّ رمي الشيعة بالاعتزال لايختصّ بقوم دون قوم ، حتّى إنّ أصحاب الطبقات من المعتزلة عدّوا أئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) وكبار علماء الشيعة من المعتزلة ، حتّى قالوا: إنّ الحسن بن موسى النوبختي من المعتزلة ، ولم يكتفوا بذلك ، بل عدّوا المرتضى والرضي منهم (1).
    وقد عرفت مدى صدق هذه النسبة ، و أنّ كثيراً من أعلام الشيعة نقدوا كتب المعتزلة ، حتّى إنّ الشّيخ المفيد نقض كتاب « فضيلة المعتزلة » للجاحظ.
    إنّما الكلام في التهمة الاُخرى ، وهو رمي الاعتزال بالتشيّع ، والحقّ
    أنّه لو فسِّر التشيّع بحبّ عليّ وأهل بيته ( عليهم السلام ) فأعلام السنّة من الأشاعرة والمعتزلة والحنابلة
    1 ـ طبقات المعتزلة: أحمد بن يحيى المرتضى ، ص 9 و 15 و 117 ، الطبعة الثانية ( 1407 ).

(218)
    كلّهم شيعة إلاّ من له هوى العثمانيّة ، الّذين يكثرون من الوقيعة في عليّ وأولادهـ عليهم السلام ـ. أمّا لو فسّر بتقديم عليّ على سائر الخلفاء في العلم والزهد و سائر المثل الأخلاقيّة ، فمعتزلة بغداد إلاّ من شذّ شيعة ، فإنّهم و إن اعترفوا بخلافة الخلفاء ، لكن يعترفون بفضل عليّ ( عليه السلام ) وتقدّمه على أقرانه ، وهذا هو الّذي صار سبباً لجرح كثير من الرواة العدول ، وما ذنبهم إلاّ تقديم عليّ على غيره فى الفضائل ، أخذاً بنصوص الآيات والروايات فى حقّه.
    نعم ، لو فسّر التشيع بالاعتراف بخلافة عليّ بتنصيب من النّبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم وأمر منه سبحانه فالشيعة تنحصر بمن يعتقد بهذا المبدأ ، والمعتزلة كلّهم يخالفون ولا يعترفون به.
    والّذي أوقع جمعاً من مؤلّفي المقالات في الوهم الأوّل هوالتقاء التشيّع مع الاعتزال في بعض المواضع والنقاط كالتوحيد والعدل ، ولو صار ذلك سبباً لرمي الشيعة بالاعتزال ، صحّ عدّ الأشاعرة منهم لالتقائهم معهم في عدّة من الاُصول.
    وأمّا الّذي أوقعهم في الوهم الثّاني هو انحيازهم إلى عليّ في كثير من المبادئ خصوصاً التوحيد والعدل.
    وعلى أيّ تقدير ، فلفظ التشيع قد تطوّر من جهة المعنى بعد ما كان معناه في اليوم الأوّل ، بعد رحلة الرسول ، هو من شايع عليّاً دون غيره ، وقال بخلافته دون سائر الخلفاء ، فأطلق على من أحبّ عليّاً و أولاده ، وناضل العثمانيّة و أهوائها ، وعلى من قدّم عليّاً في الفضائل والمناقب ، لا في الخلافة ، فلأجلّ هذا التطوّر فربّما يشتبه المراد منه في كلمات الرّجاليين و أصحاب المقالات ، وربّما تعدّ اُناس شيعةً بالمعنى الأوّل ، مع أنّهم شيعة بالمعنيين الأخيرين ، فلاحظ ، وسيوافيك التوضيح عن البحث عن عقائد الشيعة الزيدية والاسماعيليّة و الإماميّة.
« رزقهم الله توحيد الكلمة كما رزقهم كلمة التوحيد »
« وبنى الإسلام على دعامتين »
« كلمة التوحيد ، وتوحيد الكلمة »


(219)
الفصل الرابع
أئمّة المعتزلة
    دلّت النّصوص التأريخيّة على أنّ « واصل بن عطاء » هو المؤسّس الأوّل لمنهج الاعتزال ، وقد طرح اُصولاً نضجت و تكاملت بأيدي تلامذته و مقتفي منهجه عبر العصور والقرون.
    ومن أراد أنّ يكتب تأريخ المعتزلة و طبقاتهم ، فعليه أنّ يجعل « واصلاً » رأس مخروط الاعتزال إلى أنّ يصل بالتدريج إلى قاعدته.
    وأمّا من تقدّم عليه من الصحابة و التابعين حتّى القدريّة المتبلورة في « معبد الجهني » و « غيلان الدمشقي » وغيرهم...فلا يمتّون للاعتزال بصلة ، و إنّ اتّفقوا مع المعتزلة في القول بالتوحيد والعدل ، وحريّة الإنسان و استطاعته على الفعل والترك. وذلك لأنّ التوحيد والعدل ، كان شعار المسلمين من عصر النّبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم إلى الزمان الّذي طلع فيه منهج الإعتزال ، كما أنّ القول بالحريّة و استطاعة الإنسان على أحد الطّرفين قول بأمر فطري جبل عليه الإنسان طوال القرون والأدوار قبل الإسلام و بعده ، فلا يعدّ الاعتقاد به إحداثاً للمنهج و تأسيساً له.
    نعم ، القول بكون الإنسان مسيّراً لا مخيّراً ، و أنّ فاعل الخير والشرّ هو الله سبحانه ، و أنّ كلّ إنسان خلق لما قدّر له في علمه الأزلي ، و أنّ التقدير كاله ، لا يتغيّر حكمه وقضاؤه ، إحداث منهج جديد رغم أنّ العقلاء و نصوص الكتّاب على خلافه في جميع


(220)
    الأدوار.
    وعلى ضوء هذا ، فلا يصحّ عدّ كلّ من قال بواحد من هذه الاُصول سلفاً للاعتزال ، وشيخاً للمعتزلة ، و إنّ اتّفق معهم فيها.
    وعلى هذا الخطّ الّذي رسمناه مشى أبو القاسم البلخي ( م 317 ) في كتابه « مقالات الإسلاميين ـ باب ذكر المعتزلة » فابتدأ في ذكر طبقاتهم ب « واصل بن عطاء » و « عمروبن عبيد » وانتهى إلى أعلامهم في عصره وقال: « وفي زماننا هذا شيخنا أبوالحسين الخيّاط عبدالرحيم بن محمّد ( م 311 ) و أحمد بن الشنطوي » (1).
    نعم ، خالفه القاضي عبدالجبّار ( م 415 ) فعدّ للمعتزلة طبقات قبل واصل ، فعدّ الخلفاء من الطّبقة الاُولى ، والحسن والحسين ـ عليهما السلام ـ ومحمّد ( بن الحنفيّة ) بن عليّ من الطبقة الثانية ، وأبا هاشم عبدالله بن محمّد ( بن الحنفيّة ) بن عليّ و أخاه الحسن بن محمّد والحسن البصري وابن سيرين ومن في طبقتهم ممّن حكي العدل عنه من الطّبقة الثالثة ، وعدّ غيلان بن مسلم و واصل بن عطاء و عمرو بن عبيد من الطبقة الرابعة إلى أنّ أنهاهم إلى عشر طبقات (2).
    وقد كتب الحاكم الجشمي اليمني الزيدي ( ت 413 ـ م 494 ) ذيلاً له فأضاف إليها طبقتين اُخريين وهو جزء من كتابه « شرح العيون » (3).
    وأمّا أحمد بن يحيى بن المرتضى ، فقد مشى على ضوء القاضي فأعاد ما ذكره هو وغيره في باب خاصّ ، أسماه « باب ذكر المعتزلة » وهو جزء من كتابه « المنية والأمل » في شرح كتاب الملل والنحل ، وقد طبع منه خصوص ذلك الباب كراراً ، فنحن ننقل عن النسخة الّتي حقّقها المستشرق « توما أرنلد » طبع دار صادر بيروت.
    1 ـ مقالات الاسلاميين: باب ذكر المعتزلة ص 64 ـ 74 وقد طبع من المقالات خصوص هذا الباب بتحقيق فؤاد سيد ، ط.تونس.
    2 ـ فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة: ص 214 ـ 333.
    3 ـ طبع هذا الجزء مع كتاب فضل الاعتزال بتحقيق فؤاد سيد.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثالث ::: فهرس