بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: 11 ـ 20
(11)
    3 ـ ما هو مقتضى الكتاب والسنّة في القيادة بعد الرسول ؟
    4 ـ ما هو السر في مخالفة الجمهور لنصّ الرسول وتصريحه ؟
    5 ـ مبدأ التشيّع وتاريخه ورواد التشيّع في عصر الرسول والصحابة والتابعين.
    6 ـ افتراضات وهميّة حول تاريخ الشيعة.
    7 ـ صيغة الحكومة الإسلامية عند أهل السنّة.
    8 ـ نصوص الخلافة والركون إلى الأمر الواقع.
    9 ـ الشيعة في عصر الدولتين الأموية والعبّاسية.
    10 ـ عقائد الشيعة الامامية الاثنا عشرية.
    11 ـ أئمّة الشيعة الاثنا عشر ونبذة عن حياتهم.
    12 ـ دور الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية وتطوير العلوم.
    13 ـ دول الشيعة وبلدانهم عبر التاريخ.
    14 ـ مصادر علوم الشيعة.
    فالذي نعتقد أنّ تحليل هذه الجهات يكشف الواقع للمحقّق ولا يُبقي له شكاً في أصالة التشيّع وأنّه استمرار للإسلام عبر الحقب والأعوام.


(12)

(13)
الفصل الأول
بيان متطلبات الظروف في عصر الرسول
في مجال القيادة الإسلامية


(14)

(15)
    لاشك أنّ الدين الإسلامي دين عالمي ، وشريعة خاتمة ، وقد كانت قيادة الاُمّة من شؤون النبي الأكرم مادام على قيد الحياة ، ثمّ إنّه وقع الاختلاف بين أصحاب المقالات والفرق في صيغتها بعد الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فهل كانت متبلورة في صيغة النص أو في انتخاب الاُمّة.
    الشيعة ترى أنّ القيادة منصب تنصيصي والذي ينصّ على خليفة الرسول هو اللّه سبحانه عن طريقه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، بينما يرى أهل السنّة غير ذلك ولكل من الاتّجاهين دلائل وبراهين ، و المقصود هنا دراسة متطلّبات الظروف وتقييمها في عصر الرسالة ، فهل كانت المصالح تكمن في تعيين القائد أو كانت تكمن في خلافه ؟ فدراستها تُسلّط الضوء على البحث الثالث و هو وجود النص من الرسول وعدمه ، وإليك بيان ذلك :
    إنّ الظروف السياسية التي كانت سائدة في المنطقة كانت توجب على الرسول أن يعيّن القائد ، وكانت المصلحة الإسلامية تقتضي ذلك ، لأنّ المجتمع الإسلامي كان مهدّداً على الدوام بالخطر الثُلاثي ، الروم ، الفرس ، المنافقين ، وخطرهم يتمثّل بشنّ هجوم مفاجىء كاسح أو إلقاء بذور الفساد والاختلاف بين المسلمين.
    فمصالح الاُمّة كانت توجب توحيد صفوف المسلمين في مواجهة الخطر


(16)
الخارجي والداخلي ، وذلك بتعيين قائد سياسي من بعده ، وبذلك يسد الطريق على نفوذ العدو في جسم الاُمّة الإسلامية والسيطرة عليها ، وعلى مصيرها ، وبذلك يخسر الذين كانوا يتآمرون على ضرب الإسلام بعد وفاة النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ).
    أمّا العدوّ الأوّل فقد كان الامبراطورية الرومانية التي كانت تشكّل إحدى أضلاع الخطر المثلّث الذي كان يحيط بالكيان الإسلامي ويهدّده من الخارج.
    وكانت هذه القوّة الرهيبة تتمركز في شمال الجزيرة العربية ، وكانت تشغل بال النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) على الدوام ، حتّى انّ التفكير في أمر الروم لم يغادر ذهنه وفكره حتّى لحظة الوفاة ، والالتحاق بالرفيق الأعلى.
    وكانت أوّل مواجهة عسكرية بين المسلمين والجيش المسيحي الرومي في السنة الثامنة من الهجرة في أرض فلسطين ، وقد أدّت هذه المواجهة إلى مقتل القادة العسكريين البارزين الثلاثة وهم « جعفر الطيار » و « زيد بن حارثة » و « عبداللّه بن رواحة ».
    ولقد أدّى انسحاب الجيش الإسلامي بعد مقتل القادة المذكورين إلى تزايد جرأة الجيش القيصري المسيحي ، فكان يخشى بصورة متزايدة أن تتعرّض عاصمة الإسلام للهجوم الكاسح من قبل هذا الجيش.
    من هنا خرج رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) في السنة التاسعة للهجرة ( غزوة تبوك ) على رأس جيش كبير جدّاً إلى حدود الشام ليقود بنفسه المواجهة العسكرية ، وقد استطاع الجيش في هذه الرحلة الصعبة المضنية أن يستعيد للاُمّة الإسلامية هيبتها من جديد.
    غير أنّ هذا الانتصار المحدود لم يُقنع رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) ، فأعدّ قبيل ارتحاله جيشاً كبيراً من المسلمين. وأمّر عليهم « اُسامة بن زيد » وكلّفهم بالتوجّه إلى حدود الشام والحضور في تلك الجبهة.


(17)
    أمّا الضلع الثاني من المثلث الخطير الذي كان يهدّد الكيان الإسلامي ، فكان الامبراطورية الايرانية ( الفارسية ) وقد بلغ غضب هذه الامبراطورية على رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) ومعاداتها لدعوته ، أن أقدم امبراطور إيران ، « خسرو پرويز » على تمزيق رسالة النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) ، وتوجيه الاهانة إلى سفيره باخراجه من بلاطه ، والكتابة إلى واليه وعميله في اليمن بأن يوجّه إلى المدينة من يقبض على رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) أو يقتله إن امتنع.
    و « خسرو » هذا و إن قتل زمن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) إلاّ أنّ استقلال اليمن ـ التي رزحت تحت استعمار الامبراطورية الايرانية ردحاً طويلا من الزمن ـ لم يغب عن نظر ملوك إيران آنذاك ، وكان غرور اُولئك الملوك وتجبّرهم وكبرياؤهم لا يسمح بتحمّل منافسة القوّة الجديدة ( القوّة الإسلامية ) لهم.
    والخطر الثالث وهو الأعظم ( لأنّ القلعة الحصينة لا تهزم إلاّ من داخلها ) كان هو خطر حزب النفاق الذي كان يعمل بين صفوف المسلمين كالطابور الخامس ، على تقويض دعائم الكيان الاسلامي من الداخل ، إلى درجة أنّهم قصدوا اغتيال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) في طريق العودة من تبوك إلى المدينة.
    فقد كان بعض عناصر هذا الحزب الخَطِر يقول في نفسه : إنّ الحركة الاسلامية سينتهي أمرها بموت رسول الله ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) ورحيله ، وبذلك يستريح الجميع (1).
    ولقد قام أبو سفيان بن حرب بعد وفاة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) بمكيدة مشؤومة لتوجيه ضربة إلى الاُمّة الإسلامية من الداخل ، وذلك عندما أتى عليّاً ( عليه السلام ) وعرض عليه أن يبايعه ضدّ عُيِّن في السقيفة ، ليستطيع بذلك
1 ـ الطور / 30.

(18)
شطر الاُمّة الإسلامية الواحدة إلى شطرين متحاربين متقاتلين ، فيتمكّن حينها من الصيد في الماء العكر.
    ولكنّ الإمام عليّاً ( عليه السلام ) أدرك بذكائه المفرط نوايا أبي سفيان الخبيثة فرفض مطلبه وقال له كاشفاً عن دوافعه ونواياه الشريرة :
    « واللّه ما أردت بهذا إلاّ الفتنة ، وإنّك واللّه طالما بغيت للإسلام شرّاً. لاحاجه لنا في نصيحتك » ومع أنّ الإمام ردّه خائباً لكنّه استمرّ في فتنته لشقّ عصا الاُمّة فأخذ يتردّد في أزقّة المدينة منادياً :
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم فما الأمر إلاّ فيكم وإليكم ولا سيما تيم بن مرّة أو عدي وليس لها إلاّ أبو حسن علي (1)
    ولقد بلغ دور المنافقين الهدّام في الشدة بحيث تعرّض القرآن الكريم لذكرهم في سور عديدة هي : سورة آل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنفال ، والتوبة ، والعنكبوت ، والأحزاب ، ومحمّد ، والفتح ، والمجادلة ، والحديد ، والمنافقون ، والحشر.
    فهل مع وجود مثل هؤلاء الأعداء الأقوياء الذين كانوا يتربّصون بالإسلام الدوائر ، ويتحيّنون الفرص للقضاء عليه ، يصحّ أن يترك رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) اُمّته الحديثة العهد بالإسلام ، الجديدة التأسيس من دون أن يعيّن لهم قائداً دينياً سياسياً ؟
    إنّ المعطيات الاجتماعية توحي بأنّه كان من الواجب أن يدفع رسول الإسلام ـ بتعيين قائد للاُمّة ـ ظهور أيّ اختلاف وانشقاق فيها من بعده ، ويضمّن بذلك استمرار وبقاء الاُمّة الإسلامية وإيجاد حصن قوي وسياج دفاعي متين حولها.
1 ـ الكامل 2 / 325 ، العقد الفريد 2 / 249.

(19)
    إنّ تحصين الاُمّة وصيانتها من الحوادث المشؤومة والحيلولة دون مطالبة كل فريق الزعامة لنفسه دون غيره وبالتالي التنازع على مسألة الخلافة والزعامة ، لم يكن متحقّقاً إلاّ بتعيين قائد للاُمّة وعدم ترك الاُمور للأقدار.
    إنّ هذه المحاسبة الاجتماعية تهدينا إلى صحّة نظرية « التنصيص على القائد بعد الرسول » ولعلّ لهذه الجهة ولجهات اُخرى طرح الرسول مسألة الخلافة في بدء الدعوة واستمر بذلك إلى آخر ساعة من عمره الشريف كما ستوافيك نصوصها.
    ثمّ إنّي بعد ما حرّرت ذلك في سالف الأيّام وأوردته في بعض محاضراتي الكلامية (1) وقفت على تقرير للمحقّق الشهيد السيد الصدر المغفور له فقد بيّن متطلّبات الظروف في تقديمه على كتاب تاريخ الشيعة للدكتور عبداللّه فياض بنحو آخر وهو تقرير رصين نقتطف منه ما يلي :
    كان النبي الأكرم يدرك منذ فترة أنّ أجله قد دنى وأعلن ذلك بوضوح في حجّة الوداع ولم يفاجئه الموت مفاجأة ، وهذا يعني أنّه كان يملك فرصة كافية للتفكير في مستقبل الدعوة ، وفي هذا الضوء يمكننا أن نلاحظ أنّه كانت أمام النبي ثلاثة طرق بالإمكان انتهاجها تجاه مستقبل الدعوة.
    الطريق الأوّل : أن يقف من مستقبل الدعوة موقفاً سلبياً ويكتفي بممارسة دوره في قيادة الاُمّة وتوجيهها فترة حياته ويترك مستقبلها للظروف والصدف ، وهذه السلبية لا يمكن افتراضها في النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) لأنّها انّما تنشأ من أحد أمرين كلاهما لا ينطبقان عليه.
1 ـ الإلهيات 2 / 554 ـ 584 ، لولدنا الفاضل الروحاني الشيخ حسن مكّي العاملي ـ حفظه اللّه ـ.

(20)
    1 ـ « الاعتقاد بأنّ هذه السلبية والاهمال لا تؤثّر على مستقبل الدعوة ، وأنّ الاُمّة قادرة على التصرّف بالشكل الذي يحمي الدعوة ، ويضمن عدم الانحراف ».
    وهذا الاعتقاد لا مبرّر له من الواقع اطلاقاً ، لأنّ الدعوة الإسلامية بما أنّها كانت تغييراً انقلابياً في بدايته ، تستهدف بناء اُمّة ، واستئصال كل جذور الجاهلية منها ، تتعرّض لأكبر الأخطار إذا خلت الساحة من قائدها ، وتركها دون أي تخطيط. فهناك الأخطار تنبع عن طبيعة مواجهة الفراغ دون أي تخطيط سابق ، فإنّ الرسول إذا ترك الساحة دون تخطيط لمصير الدعوة ، فسوف تواجه الاُمّة لأوّل مرّة ، مسؤولية التصرّف بدون قائدها ، تجاه مشاكل الدعوة وهي لا تملك أي مفهوم مسبق بهذا الصدد. وسوف يتطلّب منها الموقف تصرّفاً سريعاً آنيّاً بالرغم من خطورة المشكلة ، لأنّ الفراغ لا يمكن أن يستمر.
    فلم تكن إذن خطورة الموقف بعد وفاة النبي شيئاً يمكن أن يخفى على أي قائد مُمارس للعمل العقائدي فضلا عن خاتم الأنبياء.
    2 ـ الذي يمكن أن يفسّر سلبية القائد تجاه مستقبل الدعوة ومسيرها بعد وفاته ، أنّه بالرغم من شعوره بخطر هذه السلبية لا يحاول تحصين الدعوة ضدّ ذلك الخطر ، لأنّه ينظر إلى الدعوة نظرة مصلحيّة فلا يهمّه إلاّ أن يحافظ عليها مادام حيّاً ليستفيد منها ويستمتع بمكاسبها ولا يعني بحماية مستقبلها بعد وفاته.
    وهذا التفسير لا يمكن أن يصدق على النبي حتّى لولم نلاحظه بوصفه نبيّاً ومرتبطاً باللّه سبحانه وتعالى في كل ما يرتبط بالرسالة ، وافترضناه قائداً رسالياَ كقادة الرسالات الاخرى ، لأنّ تاريخ القادة الرساليين لا يملك نظيراَ للقائد الرسول ، في اخلاصه لدعوته ، وتفانيه فيها ، وتضحيته من أجلها إلى آخر لحظة من حياته ، وكل تاريخه يبرهن على ذلك.
    الطريق الثاني : أن يخطّط الرسول القائد لمستقبل الدعوة بعد وفاته ويتّخذ
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: فهرس