بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: 371 ـ 380
(371)
    المسألة السابعة :
زواج المتعة
    وممّا يشنّع به على الشيعة : قولهم بجواز نكاح المتعة ، ويعدّون القول بتشريعه أو بعدم نسخه مخالفاً للكتاب والسنّة. والمسألة فرعية فقهية لا يناسب البحث عنها في كتب تاريخ العقائد ، غير انّه لما كانت من شعائر فقه الشيعة ، آثرنا أن نبحث عنها في اطار الكتاب والسنّة على وجه الاجمال حتّى يقف القارئ على أنّ القول بأصل تشريعها وعدم نسخها ، ممّا يثبته الكتاب والسنّة. وانّ القول بعدم تشريعها بتاتاً أو ادّعاء نسخها يضادّهما. وسيوافيك انّ لفيفاً من الصحابة والتابعين كانوا يفتون بجوازها وعدم نسخها وانّما منع عنها عمر بن الخطاب لحافز نفسي أو اجتهاد شخصي لا دليل عليه وليس حجّة على الآخرين.
وقد أبدى بنظيره في متعة الحج في زمن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) (1).
1 ـ لاحظ الفصل الرابع من هذا الجزء ، المورد الثالث من الموارد التي اجتهدوا فيها مقابل النص.

(372)
    وأمّا زواج المتعة : وهي عبارة عن تزويج المرأة الحرّة الكاملة إذا لم يكن بينها وبين الزوج مانع من نسب أو سبب أو رضاع أو احصان أو عدّة أو غير ذلك من الموانع الشرعية ، بمهر مسمّى إلى أجل مسمّى بالرضا والاتّفاق ، فإذا انتهى الأجل تبين منه من غير طلاق. ويجب عليها مع الدخول بها إذا لم تكن يائسة أن تعتد عدّة الطلاق إذا كانت ممّن تحيض وإلاّ فبخمسة وأربعين يوما (1).
    وولد المتعة ذكراً كان أو اُنثى يلحق بالأب ولا يُدعى إلاّ به ، وله من الارث ما أوصانا اللّه سبحانه به في كتابه العزيز. كما يرث من الاُم وتشمله جمع العمومات الواردة في الآباء والأبناء والاُمّهات وكذا العمومات الوارده في الاخوة والأخوات والأعمام والعمّات.
    وبالجملة : المتمتّع بها زوجة حقيقة وولدها ولد حقيقة ولا فرق بين الزواجين : الدائم والمنقطع إلاّ انّه لا توارث هنا ما بين الزوجين ولا قسم ولا نفقة لها. كما انّ له العزل عنها وهذه الفوارق الجزئية فوارق في الاحكام لا في الماهية والماهية واحدة غير انّ أحدهما مؤقت والآخر دائم. وانّ الأوّل ينتهي بانتهاء الوقت والآخر ينتهي بالطلاق أو الفسخ.
    وقد أجمع أهل القبلة على انّه سبحانه شرّع هذا النكاح في صدر الإسلام ولا يشك أحد في أصل مشروعيّته وانّما وقع الكلام في نسخه أو بقاء مشروعيته.
    والأصل في مشروعيته قوله سبحانه : ( وحلائِلُ أبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أصْلابِكُمْ وأنْ تَجْمَعُوا بينَ الاُختَينِ إلاّ ما قَدْ سَلَفَ إنَّ اللّه كانَ غَفُوراً رَحيماً * والُمحصَناتُ مِنَ النِّساءِ إلاّ ما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيكُمْ وَ اُحِلَّ لَكُمْ
1 ـ لاحظ الكتب الفقهية للشيعة الامامية في ذلك المجال.

(373)
ماوَراءَ ذلِكُمْ أنْ تَبْتَغُوا بِأموالِكُمْ مُحصِنِينَ غَيرَ مُسافِحينَ فَما اسْتَمتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ اُجُورَهُنَّ فريضةً ولا جُناحَ عَلَيْكُمْ فيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعدِ الفَريضَةِ إنَّ اللّهَ كانَ عَليماً حَكيما ) (1).
    والآية ناظرة إلى نكاح المتعة وذلك لوجوه :

    1 ـ الحمل على النكاح الدائم يستلزم التكرار بلا وجه :
    إنّ هذه السورة ـ سورة النساء ـ تكفّلت ببيان أكثر ما يرجع إلى النساء من الأحكام والحقوق ، فذكرت جميع أقسام النكاح في أوائل السورة على نظام خاص ، أمّا الدائم فقد أشار إليه سبحانه بقوله : ( وإنْ خِفْتُمْ ألاّ تُقْسِطُوا فِى اليَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثَلاثَ ورُباعَ وإنْ خِفْتُمْ ألاّ تَعدِلُوا فَواحِدَةً ... ) (2).
    وأمّا أحكام المهر فقد جاءت في الآية التالية : ( وآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيء مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنيئاً مَريئا ) (3).
    وأمّا نكاح الاماء فقد جاء في قوله سبحانه : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أنْ يَنْكِحَ الُمحْصَناتِ المُؤمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ المُؤْمِناتِ واللّهُ أعْلَمُ بِإيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض فانْكِحُوهُنَّ بِإذْنِ أهْلِهِنَّ وَاَتُوهُنَّ اُجُورَهُنَّ بِالمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحات ولا مُتَّخِذاتِ أخْدانٍ ... ) (4).
1 ـ النساء / 23 ـ 24.
2 ـ النساء / 3.
3 ـ النساء / 4.
4 ـ النساء / 25.


(374)
    فقوله سبحانه : ( فمن ما ملكت أيمانكم ) إشارة إلى نكاح السيّد لأمته ، الذي جاء في قوله سبحانه أيضاً : ( إلاّ عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ فَإنَّهُمْ غَيرُ مَلُومِينَ ... ) (1).
    وقوله سبحانه : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإذْنِ أهْلِهِنَّ ) إشارة إلى الزواج من أمة الغير. فالى هنا تم بيان جميع أقسام النكاح فلم يبق إلاّ نكاح المتعة وهو الذي جاء في الآية السابقة ، وحمل قوله سبحانه : ( فما استمتعتم ) على الزواج الدائم وحمل قوله : ( فآتوهنّ اُجورهنّ ) على المهور والصدقات يوجب التكرار بلا وجه ، وحمله على وجوب الصداق كله بالدخول ، خلاف المتبادر على أنّه يجب الكل بالعقد والطلاق قبله منصِّف. فالناظر في السورة يرى انّ آياتها تكفّلت ببيان أقسام الزواج على نظام خاص ولا يتحقّق ذلك إلاّ بحمل الآية على نكاح المتعة كما هو ظاهرها أيضاً.

    2 ـ تعليق دفع الاُجرة على الاستمتاع :
    إنّ تعليق دفع الاُجرة على الاستمتاع في قوله سبحانه : ( فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ اُجورهنَّ ) يناسب نكاح المتعة الذي هو زواج مؤقّت لا النكاح الدائم ، فإنّ المهر هنا يجب بمجرّد العقد ولا يتنجّز وجوب دفع الكل إلاّ بالمس.

    3 ـ تصريح جماعة من الصحابة على شأن نزولها :
    ذكرت اُمّة كبيرة من أهل الحديث نزولها فيها وينتهي نقل هؤلاء إلى أمثال ابن عباس وأبي بن كعب وعبداللّه بن مسعود وجابر بن عبداللّه الأنصاري
1 ـ المؤمنون / 6.

(375)
وحبيب بن أبي ثابت وسعيد بن جبير إلى غير ذلك من رجال الحديث الذين لا يمكن اتهامهم بالوضع والجعل.
    وقد ذكر نزولها من المفسّرين والمحدّثين : امام الحنابلة في مسنده (1) وأبو جعفر الطبري في تفسيره (2) وأبوبكر الجصّاص الحنفي في أحكام القرآن (3) وأبوبكر البيهقي في السنن الكبرى (4) ومحمود بن عمر الزمخشري في الكشاف (5) وأبوبكر بن سعدون القرطبي في تفسير جامع أحكام القرآن (6) وفخر الدين الرازي في مفاتيح الغيب (7) ، إلى غير ذلك من المحدّثين والمفسّرين الذين جاءوا بعد ذلك إلى عصرنا هذا ولا نطيل الكلام بذكرهم.
    وليس لأحد أن يتّهم هؤلاء الأعلام بذكر ما لا يثقون به. فبملاحظة هذه القرائن لا يكاد يشكّ في ورودها في نكاح المتعة.
    ونزيد بياناً بقوله سبحانه : ( واُحِلَّ لَكُمْ ماوَراءَ ذلِكُمْ أنْ تَبْتَغُوا بَأمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غيرَ مُسافِحين ).
    إنّ قوله سبحانه : ( أن تبتغوا ) مفعول له لفعل مقدّر ، أي بيّن لكم ما يحلّ ممّا يحرم لأجل أن تبتغوا بأموالكم ، وأمّا مفعول قوله : ( تبتغوا ) فيعلم من القرينة وهو النساء أي تطلبوا النساء ، أي بيّن الحلال والحرام لغاية ابتغائكم النساء
1 ـ مسند أحمد 4 / 436.
2 ـ تفسير الطبري 5 / 9.
3 ـ أحكام القرآن 2 / 178.
4 ـ السنن الكبرى 7 / 205.
5 ـ الكشاف 1 / 360.
6 ـ جامع أحكام القرآن 5 / 13.
7 ـ مفاتيح الغيب 3 / 267.


(376)
من طريق الحلال لا الحرام.
    وقوله سبحانه : ( محصنين ) وهو من الاحصان بمعنى العفة وتحصين النفس من الوقوع في الحرام ، وقوله سبحانه : ( غير مسافحين ) هو جمع مسافح بمعنى الزاني مأخوذ من السفح بمعنى صبّ السائل ، والمراد هنا هو الزاني بشهادة قوله سبحانه في الآية المتأخّرة في نكاح الإماء ( وآتوهنّ اُجورهنّ بالمعروف محصنات غير مسافحات ) أي عفائف غير زانيات.
    ومعنى الآية : انّ اللّه تبارك وتعالى شرّع لكم نكاح ماوراء المحرّمات لأجل أن تبتغوا بأموالكم ما يحصنكم ويصون عفّتكم ويصدّكم عن الزنا. وهذا المناط موجود في جميع الأقسام : النكاح الدائم ، والمؤقت والزواج بأمة الغير ، المذكورة في هذه السورة من أوّلها إلى الآية 25.
    هذا هو الذي يفهمه كلّ إنسان من ظواهر الآيات غير انّ من لا يروقه الأخذ بظاهر الآية( فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ اُجورهنّ ) لرواسب نفسية أو بيئية حاول أن يطبّق معنى الآية على العقد الدائم وذكر في المورد شبهات نشير إليها.
    الشبهة الاُولى : إنّ الهدف في تشريع النكاح هو تكوين الاُسرة وإيجاد النسل وهو يختصّ بالنكاح الدائم دون المنقطع الذي لا يترتّب عليه إلاّ إرضاء القوّة الشهوية وصبّ الماء وسفحه.
    يجاب عنها بأنّه خلط بين الموضوع والفائدة المترتّبة عليه. وما ذكر انّما هو من قبيل الحكمة ، وليس الحكم دائراً مدارها ، ضرورة أنّ النكاح صحيح وإن لم يكن هناك ذلك الغرض. كزواج العقيم واليائسة والصغيرة. بل أغلب المتزوّجين في سن الشباب بالزواج الدائم لا يقصدون إلاّ قضاء الوطر واستيفاء الشهوة من طريقها المشروع ، ولا يخطر ببالهم طلب النسل أصلا وإن حصل لهم قهراً ، ولا يقدح ذلك في صحّة زواجهم.


(377)
    ومن العجب حصر فائدة المتعة في قضاء الوطر مع انّها كالدائم قد يقصد منها النسل والخدمة وتدبير المنزل وتربية الأولاد والارضاع والحضانة.
    ونسأل المانعين الذين يتلقّون نكاح المتعة ، مخالفاً للحكمة التي من أجلها شرّع النكاح ، نسألهم عن الزوجين الذين يتزوّجان نكاح دوام ، ولكن ينويان الفراق بالطلاق بعد شهرين فهل هذا نكاح صحيح أو لا ؟ لا أظن أنّ فقيهاً من فقهاء الإسلام يمنع ذلك ، وإلاّ فقد أفتى بغير دليل ولا برهان فيتعيّن الأوّل. فأي فرق يكون حينئذ بين المتعة وهذا النكاح الدائم سوى انّ المدّة مذكورة في الأول دون الثاني ؟
    يقول صاحب المنار : إنّ تشديد علماء السلف والخلف في منع المتعة يقتضي منع النكاح بنيّة الطلاق ، وإن كان الفقهاء يقولون انّ عقد النكاح يكون صحيحاً إذا نوى الزوج التوقيت ، ولم يشترطه في صيغة العقد ، ولكن كتمانه إيّاه يعدّ خداعاً وغشّاً وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت (1).
    أقول : نحن نفترض انّ الزوجين رضيا بالتوقيت لبّاً ، حتّى لا يكون هناك خداع وغشّ ، فهو صحيح بلا اشكال.
    الشبهة الثانية : إنّ تسويغ النكاح المؤقت ينافي ما تقرّر في القرآن كقوله عزّوجلّ في صفة المؤمنين : ( والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُون * إلاّ عَلى أزْواجِهِمْ أوْ ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ فَإنَّهُمْ غَيرُ مَلُومين * فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَاُولئِكَ هُمُ العادُون ) (2).
    والمراد من الآية أن من ابتغى وراء ذلك ، هم المتجاوزون ما أحلّه اللّه لهم إلى ما حرّمه عليهم ، والمرأة المتمتّع بها ليست زوجة فيكون لها على الرجل مثل الذي
1 ـ المنار 5 / 17.
2 ـ المؤمنون / 5 ـ 7.


(378)
عليها بالمعروف.
    يلاحظ عليه : انّها دعوى بلا دليل. فانّها زوجة ولها أحكام وعدم وجود النفقة وعدم وجود القسم ، لا يخرجانها عن الزوجيّة فإنّ الناشزة زوجة ليست لها النفقة وحقّ القسم. ومثلها الصغيرة. والعجب أن يستدل بعدم وجود الأحكام على نفي الماهية ، فإنّ الزوجيّة رابطة بين الزوجين يترتّب عليها أحكام وربّما تختص بعض الأحكام ببعض الأقسام.
    الشبهة الثالثة : إنّ المتمتّع في النكاح المؤقت لا يقصد الاحصان دون المسافحة ، بل يكون قصده مسافحة ، فإن كان هناك نوع ما من احصان نفسه ومنعها من التنقّل في دِمَنِ الزنا ، فإنّه لا يكون فيه شيء ما من احصان المرأة التي تؤجر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل فتكون كما قيل :
كرة حُذِفْت بصوالجة فتلقّفها رجل رجل (1)
    يلاحظ عليه : انّه من أين وقف على انّ الاحصان في النكاح المؤقّت ، يختص بالرجل دون المرأة ، فإنّا إذا افترضنا كون العقد شرعياً ، فكل واحد من الطرفين يُحْصن نفسه من هذا الطريق ، وإلاّ فلا محيص عن التنقل في دمن الزنا. والذي يصون الفتاة عن البغي أحد الاُمور الثلاثة :
    1 ـ النكاح الدائم.
    2 ـ النكاح المؤقّت بالشروط الماضية.
    3 ـ كبت الشهوة الجنسية.
    فالأوّل ربّما يكون غير ميسور خصوصاً للطالب والطالبة الذين يعيشان بمنح ورواتب مختصرة يجريها عليهما الوالدن أو الحكومة ، وكبت الشهوة الجنسية أمر
1 ـ المنار 5 / 13.

(379)
شاق لا يتحمّله إلاّ الأمثل فالأمثل من الشباب والمثلى من النساء ، وهم قليلون ، فلم يبق إلاّ الطريق الثاني ، فيحصنان نفسهما عن التنقل في بيوت الدعارة.
    إنّ الدين الإسلامي هو الدين الخاتم ، ونبيّه خاتم الأنبياء ، وكتابه خاتم الكتب ، وشريعته خاتمة الشرائع فلابد أن يضع لكل مشكلة اجتماعية ، حلولاً شرعية ، يصون بها كرامة المؤمن والمؤمنة ، وعندئذ يطرح هذا السؤال نفسه :
    ماذا يفعل هؤلاء الطلبة والطالبات الذين لا يستطيعون القيام بالنكاح الدائم ، وتمنع كرامتهم ودينهم عن التنقل في بيوت الدعارة والفساد ، والحياة المادية بجمالها تؤجّج نار الشهوة في نفوسهم ، فمن المستحيل عادة أن يصون نفسه أحد إلاّ من عصمه اللّه ، فلم يبق طريق إلاّ ما ذكره الإمام علي بن أبي طالب ، حيث قال : « لولا نهي عمر عن المتعة لما زنى إلاّ شقي أو شقية ».
    وأمّا تشبيه المتعة بما جاء في الشعر فهو يعرب عن جهل الرجل بحقيقة نكاح المتعة وحدودها ، فإنّ ما جاء فيه هي المتعة الدورية التي ينسبها الرجل (1) وغيره إلى الشيعة ، وهم براء من هذا الإفك إذ يجب على المتمتّع بها بعد انتهاء المدّة ، الاعتداد على ما ذكرنا ، فكيف يمكن أن تؤجر نفسها كل طائفة من الزمن لرجل ؟! سبحان اللّه ما أجرأهم على الكذب على الشيعة والفرية عليهم ، وما مضمون الشعر إلاّ جسارة على الوحي والتشريع الإلهي ، وقد اتّفقت كلمة المحدّثين والمفسّرين على التشريع ، وانّه لو كان هناك نهي أو نسخ فانّما هو بعد التشريع والعمل.
    الشبهة الرابعة : إنّ الآية منسوخة بالسنّة ، واختلفوا في زمن نسخه إلى أقوال شتّى :
    1 ـ اُبيحت ثم نهي عنها عام خيبر.
1 ـ لاحظ كتابه : السنّة والشيعة 65 ـ 66.

(380)
    2 ـ ما اُحلّت إلاّ في عمرة القضاء.
    3 ـ كانت مباحة ونهي عنها في عام الفتح.
    4 ـ اُبيحت عام أوطاس ثم نهي عنها (1).
    وهذه الأقوال تنفي الثقة بوقوع النسخ ، على انّ نسخ القرآن بأخبار الاحاد ممنوع جدّاً ، وقد صحّ عن عمران بن الحصين انّه قال : « انّ اللّه أنزل المتعة وما نسخها بآية اُخرى وأمرنا رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) بالمتعة وما نهانا عنها ، ثم قال رجل برأيه » ، يريد به عمر بن الخطاب.
    إنّ الخليفة الثاني لم يدّع النسخ وانّما أسند التحريف إلى نفسه ، ولو كان هناك ناسخ من اللّه عزّوجلّ أو من رسوله ، لأسند التحريم إليهما ، وقد استفاض قول عمر وهو على المنبر :
    متعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا أنهى عنهما واُعاقب عليهما : متعة الحج ومتعة النساء بل نقل متكلّم الأشاعرة في شرحه على شرح التجريد انّه قال : أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول اللّه ، وأنا أنهى عنهنّ ، واُحرّمهنّ ، واُعاقب عليهنّ : متعة النساء ومتعة الحج وحىّ على خير العمل (2).
    وقد تقدم في الفصل الرابع بعض الكلام في ذلك أن ابن عباس قال لبعض المناظرين الذين كانوا يحتجون بنهي أبي بكر وعمر : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء. أقول : قال رسول اللّه ، وتقولون : قال أبوبكر وعمر ، حتّى أنّ ابن عمر لمّا سئل عنها ، أفتى بالاباحة ، فعارضوه بقول أبيه ، فقال لهم : أمر رسول اللّه أحقّ أن
1 ـ لاحظ للوقوف على مصادر هذه الأقوال : مسائل فقهية 63 ـ 64 ، الغدير 6 / 225 ، أصل الشيعة واُصولها 171 ، والأقوال في النسخ أكثر مما جاء في المتن.
2 ـ مفاتيح الغيب 10 / 52 ـ 53 ، شرح التجريد للقوشجي 484 طبع ايران.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: فهرس