بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: 401 ـ 410
(401)
    « ولقد كنّا مع رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) نقتل آباءنا وأبناءنا واخواننا وأعمامنا ، ما يزيدنا ذلك إلاّ إيماناً وتسليماً ، ومضياً على اللقم وصبراً على مضض الألم ، وجدّاً في جهاد العدوّ ، ولقد كان الرجل منّا والآخر من عدوّنا يتصاولان تصاول الفحلين ، يتخالسان انفسهما أيّهما يسقي صاحبه كاس المنون ، فمرّة لنا من عدوّنا ، ومرّة لعدوّنا منّا. فلمّا رأى اللّه صدقنا أنزل بعدوّنا الكبت ، وأنزل علينا النصر ، حتّى استقرّ الإسلام ملقياً جرانه ومتبوّئاً أوطانه ، ولعمري لو كنّا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ، ولا اخضرّ للايمان عود » (1).
    هذه كلمة الامام قائد الشيعة وامامهم أفهل يجوز لمن يؤمن بإمامته أن يكفّر جميع صحابة النبي أو يفسقهم أو ينسبهم إلى الزندقة والالحاد أو الارتداد ، من دون أن يقسّمهم إلى أقسام ويصنّفهم اصنافا ويذكر تقاسيم القرآن والسنّة في حقّهم ؟ كلاًّ ولا ، وهذا هو الامام علي بن الحسين يذكر في بعض أدعيته صحابة النبيّ ويقول : اللّهمّ وأصحاب محمّد ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) خاصّة الذين أحسنوا الصحبة ، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره ، وكانفوه وأسرعوا إلى وفادته وسابقوا إلى دعوته ، واستجابوا له حيث أسمعهم حجّة رسالاته ، وفارقوا الأزواج والأولاد في اظهار كلمته ، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوّته ، وانتصروا به ومن كانوا منطوين على محبّته ، يرجون تجارة لن تبور في مودّته ، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلّقوا بعروته وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظلّ قرابته ، فلا تنس لهم اللّهمّ ما تركوا لك وفيك وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الخلق عليك وكانوا مع رسولك دعاة لك إليك ، واشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه ، ومن كثرت في اعزاز دينك من مظلومهم ، اللّهمّ واوصل التابعين
1 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 56.

(402)
لهم باحسان الذين يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا ... (1).
    فإذا كان الحال كذلك ، واتّفق الشيعي والسنّي على اطراء الذكر الحكيم للصحابة والثناء عليهم فما هو موضع الخلاف بين الطائفتين كي يعد ذلك من أعظم الخلاف بينهما ؟
    إنّ موضع الخلاف ليس إلاّ في نقطة واحدة وهي أنّ أهل السنّة يقولون بأنّ كل من رأى النبيّ وعاشره ولو يوماً أو يومين فهو محكوم بالعدالة منذ اللقاء إلى يوم اُدرج في كفنه ، ولو صدر منه قتل أو نهب أو زنا أو غير ذلك ، محتجّين بما نسب إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) : أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم. ولو تليت عليهم التواريخ المتضافرة يقولون بما ذكره الحسن البصري : اولئك الذين طهّر اللّه سيوفنا عن دمائهم فلنطهّر ألسنتنا عن أعراضهم. ولا أظن أنّ الحسن البصري يعتقد بما قال.
    وقد تدرّع بهذه الكلمة وصان بها نفسه عن هجمات الأمويين الذين كانوا يروّجون عدالة الصحابة في جميع الأزمنة بل يلبسونهم ثوب العصمة ، إلى حدّ كان القدح بالصحابي أشدّ من القدح برسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) فنفي العصمة عن النبيّ واتهامه بالذنب قبل بعثه وبعده كان أمراً سهلاً يطرح بصورة عقيدة معقولة ولا يؤاخذ القائل به ، وأمّا من نسب صغيرة أو كبيرة إلى صحابي فأهون ما يواجهونه به هو الاستتابة وإلاّ فالقتل ..
    فإذا كان هذا هو محلّ النزاع أي عدالة الكل بلا استثناء أو تصنيفهم إلى مؤمن وفاسق ومثالي وعادي ، إلى زاهد ومتوغّل في حبّ الدنيا ، إلى عالم بالشريعة وعامل بها وجاهل لا يعرف منها إلاّ شيئاً طفيفاً ، فيجب تحليل المسألة على ضوء الكتاب والسنّة مجرّدين عن كل رأي مسبق لا النزول على العاطفة التي تحمل المسلم
1 ـ الصحيفة السجادية : الدعاء 4.

(403)
على الحكم بنزاهة الصحابة كلّهم ، ورفض ما خلّفته الحوافز.
    ولأجل اماطة الستر عن وجه الحقيقة نذكر اُموراً :

    الصحابة في القرآن الكريم :
    1 ـ إنّ القرآن الكريم يصنّف الصحابة إلى اصناف مختلفة ، فهو يتكلّم عن السابقين الأوّلين ، والمبايعين تحت الشجرة ، والمهاجرين المهجّرين عن ديارهم وأموالهم ، وأصحاب الفتح ، إلى غير ذلك من الأصناف المثالية ، الذين يثني عليهم ويذكرهم بالفضل والفضيلة ، وفي مقابل ذلك يذكر أصنافاً اُخرى يجب أن لا تغيب عن أذهاننا وتلك الأصناف هي التالية :
    1 ـ المنافقون المعروفون (1).
    2 ـ المنافقون المتستّرون الذين لا يعرفهم النبيّ (2).
    3 ـ ضعفاء الإيمان ومرضى القلوب (3).
    4 ـ السمّاعون لأهل الفتنة (4).
    5 ـ المجموعة الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً (5).
    6 ـ المشرفون على الارتداد عندما دارت عليهم الدوائر (6).
1 ـ المنافقون / 1.
2 ـ التوبة / 101.
3 ـ الأحزاب/ 11.
4 ـ التوبة / 45 ـ 47.
5 ـ التوبة / 102.
6 ـ آل عمران / 154.


(404)
    7 ـ الفاسق أو الفسّاق الذين لا يصدق قولهم ولا فعلهم (1).
    8 ـ المسلمون الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم (2).
    9 ـ المؤلّفة قلوبهم الذين يظهرون الإسلام ويتآلفون بدفع سهم من الصدقة إليهم لضعف يقينهم (3).
    10 ـ المولّون أمام الكفّار (4).
    هذه الأصناف إذا انضمّت إلى الأصناف المتقدّمة ، تعرب عن أنّ صحابة النبيّ الأكرم لم يكونوا على نمط واحد ، بل كانوا مختلفين من حيث قوّة الإيمان وضعفه ، والقيام بالوظائف والتخلّي عنها ، فيجب اخضاعهم لميزان العدالة الذي توزن به أفعال جميع الناس ، وعندئذ يتحقّق انّ الصحبة لا تعطي لصحابها منقبة إلاّ إذا كان أهلاً لها ، ومع ذلك فكيف يمكن رمي الجميع بسهم واحد واعطاء الدرجة الواحدة للجميع ، وهذا هو رأي الشيعة فيهم ، وهو نفس النتيجة التي يخرج بها الإنسان المتدبّر للقرآن الكريم.
    2 ـ إنّ الآيات التي تناولت المهاجرين والأنصار ، وغيرهم بالمدح والثناء ، لا تدلّ على أزيد من أنّهم كانوا حين نزول القرآن مُثلا للفضل والفضيلة ولكن الاُمور انّما تعتبر بخواتيمها ، فيحكم عليهم ـ بعد نزول الآيات ـ بالصلاح والفلاح إذا بقوا على ما كانوا عليه من الصفات ، وأمّا لو ثبت عن طريق السنّة أو التاريخ الصحيح انّه صدر عن بعضهم ما لا تحمد عاقبته ، فحينئذ لا مندوحة لنا إلاّ الحكم بذلك ، ولا يعد مثل ذلك معارضاً للقرآن الكريم لأنّه ناظر إلى أحوالهم في
1 ـ الحجرات / 6 ، السجدة / 18.
2 ـ الحجرات / 14.
3 ـ التوبة / 60.
4 ـ الأنفال / 15 ـ 16.


(405)
ظروف خاصّة ، لا في جميع فصول حياتهم ، فليس علينا رفع اليد عن السنّة والتاريخ الصحيح بحجّة أنّ القرآن الكريم مدحهم وأنّ اللّه رضي عنهم ، لما عرفت من أنّ المقياس القاطع للقضاء هو دراسة جميع أحوالهم ، فكم من مؤمن زلّ قدمه في الحياة ، فعاد منافقاً ، أو مرتدّاً ، وكم من ضالّ شملته العناية الإلهية فبصر الطريق وصار رجلاً إلهياً ، وبالجملة فمن ثبت عن طريق الدليل الصحيح انحرافه وزيغه عن الصراط المستقيم وشوب ايمانه بالظلم والعيث والفساد ، فيؤخذ بما هو الثابت في ذينك المصدرين ، وأمّا من لم يثبت زيغه فلا نتكلّم في حقّه بشيء سوى ما أمر اللّه به سبحانه من طلب الرحمة لهم حيث قال : ( رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ولإخوانِنا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالإيمانِ ) (1).
    3 ـ ومن سوء الحظ انّ شرذمة قليلة من الصحابة ، زلّت أقدامهم وانحرفوا عن الطريق ، فلا تمس دراسة أحوال هؤلاء القليلين ، وتبيين مواقفهم ، وانحرافهم عن الطريق المستقيم بكرامة الباقين ، ولعلّ عدد المنحرفين ( غير المنافقين ) لا يتجاوز العشرة إلاّ بقليل.
    أفيسوغ في ميزان النصفة رمي الشيعة بأنّهم يكفّرون الصحابة ويفسّقونهم بحجّة أنّهم يدرسون حياة عدّة قليلة منهم ويذكرون مساوئ أعمالهم ، وما يؤاخذ عليهم على ضوء الكتاب والسنّة والتاريخ الصحيح.
    وما نسب إلى الحسن البصري فهو أولى بالاعراض عنه إذ لو كانت النجاة في ترك ذكرهم فلماذا اهتمّ ببيان أفعالهم وصفاتهم التاريخ المؤلّف بيد السلف الصالح الذين كانوا يحترمون الصحابة مثلما يحترمهم الخلف ، فلو كان الحق ترك التكلّم فيهم واعذارهم بالاجتهاد ، فلماذا وصف النبي الأكرم بعضهم بالارتداد ، كما رواه
1 ـ الحشر / 10.

(406)
البخاري وغيره (1).
    وإذا دار الأمر بين كون القرآن أو النبي أسوة ، أو الكلمة المأثورة عن الحسن البصري ، فالأوّل هو المتعيّن ، ويضرب بالثاني عرض الجدار.

    الردّة بعد وفاة الرسول ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) :
    بقيت هنا كلمة وهي : إذا كان موقف الشيعة وأئمّتهم من الصحابة ما ذكر آنفاً فما معنى ما رواه أبو عمرو الكشي من أنّه ارتدّ الناس بعد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) إلاّ ثلاثة. إذ لو صحّ ما ذكر ، وجب الالتزام بأنّ النبيّ الأكرم لم ينجح في دعوته ولم تتخرّج من مدرسته إلاّ قلائل لا يعتد بهم في مقابل ما ضحّى به من النفس والنفيس.
    والاجابة على هذا السؤال واضحة لمن تفحّص عنها سنداً ومتناً. فإنّ ما رواه لا يتجاوز السبع روايات. وهي بين ضعيف لا يعرج عليه ، وموثق ـ حسب اصطلاح علماء الامامية في تصنيف الأحاديث ـ وصحيح قابلين للتأويل ، ولا يدلان على الارتداد عن الدين ، والخروج عن الإسلام بل يرميان إلى أمر آخر.
    أمّا الضعيف فهو ما رواه الكشي عن حمدويه وإبراهيم أبناء نصير قال : حدثنا محمّد بن عثمان عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : كان الناس أهل الردّة بعد النبي إلاّ ثلاثة ... (2).
    وكفى في ضعفها وجود محمّد بن عثمان في سنده وهو من المجاهيل.
    وما رواه أيضاً عن علي بن الحكم عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي
1 ـ صحيح البخاري 5 / 118 ـ 119 في تفسير سورة النور.
2 ـ رجال الكشي 12 الحديث 1.


(407)
قال : قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : ارتدّ الناس إلاّ ثلاثة نفر : سلمان وأبوذر والمقداد (1).
    وكفى في ضعفها انّ الكشي من أعلام القرن الرابع الهجري القمري فلا يصح أن يروي عن علي بن الحكم سواء أكان المراد منه الأنباري الراوي عن ابن عمير المتوفّى عام 217 أو كان المراد الزبيري الذي عدّه الشيخ من أصحاب الرضا ( عليه السلام ) المتوفّى عام 203.
    وما نقله أيضاً عن حمدويه بن نصير قال : حدثني محمّد بن عيسى ومحمّد ابن مسعود قال : حدثنا جبرئيل بن أحمد. قال : حدثنا محمّد بن عيسى عن النضر بن سويد عن محمّد بن البشير عمّن حدثه قال : ما بقى أحد إلاّ وقد جال جولة إلاّ المقداد بن الأسود فإنّ قلبه كان مثل زبر الحديد (2).
    والرواية ضعيفة بجبرئيل بن أحمد فانّه مجهول كما أنّها مرسلة في آخرها.
    وأمّا الروايات الباقية فالموثق عبارة عمّا ورد في سنده علي بن الحسن بن فضال والثلاثة الباقية صحيحة ومن أراد الوقوف على اسنادها ومتونها فليرجع إلى رجال الكشي (3).
    ومع ذلك كلّه فإنّ هذه الروايات لا يحتج بها أبداً لجهات عديدة نشير إلى بعض منها.
    1 ـ كيف يمكن أن يقال انّه ارتدّ الناس بعد رسول اللّه ولم يبق إلاّ ثلاثة تمسّكوا بولاية علي ولم يعدلوا عنها مع أنّ ابن قتيبة والطبري رويا انّ جماعة من
1 ـ رجال الكشي 16 الحديث 13.
2 ـ رجال الكشي 16 الحديث 11.
3 ـ رجال الكشي 13 الحديث 3 ـ 4 ـ 6 و7.


(408)
بني هاشم وغيرهم تحصَّنوا في بيت علي معترضين على ما آل إليه أمر السقيفة. ولم يتركوا بيت الامام إلاّ بعد التهديد والوعيد واضرام النار أمام البيت. وهذا يدل على انّه كان هناك جماعة مخلصين بقوا أوفياء لما تعهّدوا به في حياة النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) وإليك نص التاريخ. قال ابن قتيبة :
    « إنّ بني هاشم اجتمعت عند بيعة الأنصار إلى علي بن أبي طالب ، ومعهم الزبير ابن العوام ـ رضي اللّه عنه ـ ... (1).
    وقال في موضع آخر : إنّ أبابكر ـ رضي اللّه عنه ـ تفقّد قوماً تخلَّفوا عن بيعته عند علي ـ كرم اللّه وجهه ـ فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لاُحرقنّها على من فيها ، فقيل له : يا ابا حفص انّ فيها فاطمة فقال : وإن ... (2).
    وقال الطبري : قال : أتى عمر بن الخطاب منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : واللّه لاُحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة. فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه (3).
    وقال ابن واضح الاخباري : وتخلّف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار ومالوا مع علي بن أبي طالب منهم العباس بن عبدالمطلب ، والفضل ابن العباس ، والزبير بن العوام بن العاص ، وخالد بن سعيد ، والمقداد بن عمرو ، وسلمان الفارسي ، وأبوذر الغفاري ، وعمّار بن ياسر ، والبراء بن عازب واُبي ابن كعب. فأرسل أبوبكر إلى عمر بن الخطاب وأبي عبيدة بن الجراح والمغيرة
1 ـ الامامة والسياسة 1 / 10 ـ 12.
2 ـ الامامة والسياسة 1 / 10 ـ 12.
3 ـ تاريخ الطبري 2 / 442.


(409)
ابن شعبة فقال : ما الرأي ؟ قالوا : الرأي أن تلقى العباس بن عبدالمطلب فتجعل له في هذا الأمر نصيباً ... (1).
    كل ذلك يشهد على انّه كان هناك اُمّة بقوا على ما كانوا عليه ، في عصر الرسول الأعظم ، ولم يغترّوا بانثيال الأكثرية إلى غير ما كان الحق يدور مداره. وكيف يمكن ادّعاء الردّة لعامة الصحابة إلاّ القليل.
    2 ـ كيف يمكن أن يقال ارتدّ الناس إلاّ ثلاثة مع أنّ الصدوق ـ رضي اللّه عنه ـ ذكر عدة من المنكرين للخلافة في أوائل الأمر وقد بلغ عددهم اثنا عشر رجلا من المهاجرين والأنصار وهم خالد بن سعيد بن العاص ، والمقداد بن الأسود ، واُبي ابن كعب ، وعمّار بن ياسر ، وأبوذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، وعبداللّه بن مسعود ، وبريدة الأسلمي ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وسهل بن حنيف ، وأبو أيّوب الأنصاري ، وأبو هيثم ابن التيهان وغيره.
    ثمّ ذكر اعتارضاتهم على مسألة الخلافة واحداً بعد واحد (2).
    3 ـ إنّ وجود الاضطراب والاختلاف في عدد من استثناهم الامام يورث الشك في صحّتها ففي بعضها « إلاّ ثلاثة » وفي البعض الآخر إلاّ سبعة وفي ثالث « إلاّ ستة » فإنّ التعارض وإن كان يمكن رفعه بالحمل على اختلافهم في درجات الايمان غير أنّه على كل تقدير يوهن الرواية.
    4 ـ كيف يمكن انكار ايمان أعلام من الصحابة مع اتّفاق كلمة الشيعة والسنّة على علو شأنهم كأمثال بلال الحبشي ، وحجر بن عدي ، واويس القرني ، ومالك بن نويرة المقتول ظلماً على يد خالد بن الوليد ، وعباس بن عبدالمطلب
1 ـ تاريخ اليعقوبي 2 / 124.
2 ـ الخصال : الشيخ الصدوق أبواب الاثنى عشر 461 ـ 465.


(410)
وابنه حبر الاُمّة وعشرات من أمثالهم ، وقد عرفت أسماء المتخلّفين عن بيعة أبي بكر في كلام اليعقوبي ، أضف إلى ذلك انّ رجال البيت الهاشمي كانوا على خط الامام ولم يتخلّفوا عنه وانّما غمدوا سيوفهم اقتداءً بالامام لمصلحة عالية ذكرها في بعض كلماته (1).
    واقصى ما يمكن أن يقال في حقّ هذه الروايات هو انّه ليس المراد من الارتداد ، الكفر والضلال والرجوع إلى الجاهلية وانّما المراد عدم الوفاء بالعهد. الذي اُخذ منهم في غير واحد من المواقف وأهمّها غدير خم. ويؤيّد ذلك :
    ما رواه وهب بن حفص عن ابي بصير عن أبي جعفر : جاء المهاجرون والأنصار وغيرهم ـ بعدما بويع أبوبكر ـ إلى علي وقالوا له : أنت واللّه أميرالمؤمنين ، أنت واللّه أحقّ الناس وأولاهم بالنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم هلمّ يدك لنبايعك فواللّه لنموتنّ قدامك. فقال علي ( عليه السلام ) : إن كنتم صادقين فاغدوا غداً عليّ محلّقين. فحلق أميرالمؤمنين وحلق سلمان وحلق مقداد وحلق أبوذر ولم يحلق غيرهم (2).
    وهذه الرواية قرينة واضحة على أنّ المراد هو نصرة الامام ( عليه السلام ) لأخذ الحق المغتصب فيكون المراد من الردّة هو عدم القتال معه.
    وممّا يؤيّد ذلك أيضاً الرواية التي جاء فيها انّ قلب المقداد بن الأسود كزبر الحديد ، فهي وإن كانت ضعيفة السند ، لكن فيها اشعار على ذلك لأنّ وصف قلب المقداد اشارة إلى ارادته القوية وثباته في سبيل استرداد الخلافة.
    وظنّي انّ هذه الروايات صدرت من الغلاة والحشوية دعماً لأمر الولاية وتفانياً في الاخلاص غافلين عن أنّها تضاد القرآن الكريم وما روي عن
1 ـ نهج البلاغة ، قسم الرسائل برقم 62.
2 ـ لاحظ الرجال للكشي 14 الحديث 7 من هذا الباب.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: فهرس