بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: 391 ـ 400
(391)
    10 ـ مجاهد : مثل ما تقدّم (1).
    وهؤلاء من أعلام التابعين وفيهم الصحابيان : ابن عباس وأنس وقد أصفقوا على المسح وقراءة الجر الصريح في تقديم المسح على الغسل ، وجمهور أهل السنّة يحتجّون بأقوالهم في مجالات مختلفة ، ولماذا ، أعرض عنهم الأئمّة الأربعة ؟
أنا لا أدري.
    إنّ القول بالمسح هو المنصوص عن أئمّة أهل البيت وهم يُسندون المسح إلى النبي الأكرم ويحكون وضوءه به قال أبوجعفر الباقر ( عليه السلام ) : ألا أحكي لكم وضوء رسول اللّه ؟ ثمّ أخذ كفّاً من الماء فصبّها على وجهه ... إلى أن قال : ثمّ مسح رأسه وقدميه. وفي رواية اُخرى ثمّ
مسح ببقيّة مابقى في يديه ، رأسه ورجليه ولم يعدهما في الاناء (2).
    وفي ضوء هذه الروايات والمأثورات اتّفقت الشيعة الامامية على أنّ الوضوء غسلتان ومسحتان وقال السيّد بحر العلوم في منظومته الموسومة بالدرة النجفيّة :
انّ الوضوء غسلتان عندنا فالغسل للوجه ولليدين ومسحتان والكتاب معنا والمسح للرأس وللرجلين
    وبعد وضوح دلالة الآية ، واجماع أئمّة أهل البيت على المسح ، لا يبقى مجال للاستدلال على الغسل ، وإليك ما ذكروا من وجوه باطلة.
    1 ـ انّ الأخبار الكثيرة وردت بإيجاب الغسل ، والغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس فكان الغسل أقرب إلى الاحتياط فوجب المصير إليه ويكون غسل
1 ـ الطبري : التفسير 6 / 82 ـ 83.
2 ـ الحرّ العاملي : الوسائل 1 ، الباب 15 من أبواب الوضوء ، الحديث 9 و 10.


(392)
الأرجل يقوم مقام مسحها (1).
    يلاحظ عليه : أنّ أخبار الغسل معارضة بأخبار المسح ، وليس شيء أوثق من كتاب اللّه فلو دلّ على لزوم المسح ، لا يبقى مجال لترجيحه على روايات الغسل. والقرآن هو المهيمن على الكتب والمأثورات ، والمعارض منها للكتاب لا يقام لها وزن.
    وأعجب من ذلك قوله : إنّ الغسل مشتمل على المسح ، مع أنّهما حقيقتان مختلفتان ، فالغسل إمرار الماء على المغسول ، والمسح إمرار اليد على الممسوح (2).
    وهما حقيقتان مختلفتان لغة وعرفاً وشرعاً ولو حاول الاحتياط لوجب الجمع بين المسح والغسل ، لا الاكتفاء بالغسل.
    2 ـ ما روي عن علي أنّه كان يقضي بين الناس فقال « وأرجلكم » هذا من المقدّم والمؤخّر في الكلام فكأنّه سبحانه قال : « فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق واغسلوا أرجلكم وامسحوا برؤوسكم ».
    يلاحظ عليه : أنّ أئمّة أهل البيت كالباقر والصادق ( عليهما السلام ) أدرى بما في البيت وهم اتّفقوا على المسح وهل يمكن الاتّفاق على المسح ، مع اعتقاد كبيرهم بالغسل. وما روي موضوع عن لسان الامام ليثيروا الشك بين أتباعه وشيعته. ولا نعلّق على احتمال التقديم والتأخير شيئاً ، سوى أنّه يجعل معنى الآية شيئاً مبهماً في المورد الذي يطلب فيه الوضوح ، إذ هي المرجع للقروي والبدوي ، وللحاضر عصر النزول ، والغائب عنه ، فيجب أن يكون على نسق ينتقل منه إلى المراد ، ثمّ إنّه
1 ـ الرازي : مفاتيح الغيب 11 / 162.
2 ـ قال سبحانه حاكياً عن سليمان : ( رُدّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ والأعْناق ) ـ ص / 33 ـ أي مسح بيده على سوق الصافنات الجياد وأعناقها.


(393)
أىّ ضرورة اقتضت هذا التقديم والتأخير ، مع أنّه كان من الممكن ذكر الأرجل بعد الأيدي من دون تأخير ؟ ولو كان الدافع إلى التأخير هو بيان الترتيب ، وانّ غسل الأرجل بعد مسح الرأس ، فكان من الممكن أن يُذكر فعله ويقال « فامسحوا برؤوسكم واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين ». كل ذلك يعرب عن أنّ هذه محاولات فاشلة لتصحيح الاجتهاد تجاه النص وما عليه أئمة أهل البيت من الاتّفاق على المسح.
    3 ـ ما روي عن ابن عمر في الصحيحين قال : تخلّف عنّا رسول اللّه في سفره ، فأدركنا وقد أرهقنا العصر ، وجعلنا نتوضّأ ونمسح على أرجلنا ، قال : فنادى بأعلى صوته : « ويل للأعقاب من النار » ـ مرتين أو ثلاث ـ (1).
    يلاحظ عليه : أنّ هذه الرواية على تعيّن المسح أدلّ من دلالته على غسل الرجلين فإنّها صريحة في أنّ الصحابة كانوا يمسحون ، وهذا دليل على أنّ المعروف عندهم هو المسح. وما ذكره البخاري من أنّ الانكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على بعض الرجل ، اجتهاد منه ، وهو حجّة عليه لا على غيره ، فكيف يمكن أن يخفى على ابن عمر حكم الرجلين حتّى يمسح رجليه عدّة سنين إلى أن ينكر عليه النبيّ المسح ؟! على أنّ للرواية معنى آخر تؤيّده بعض المأثورات ، فقد روي أنّ قوماً من أجلاف العرب ، كانوا يبولون وهم قيام فيتشرشر البول على أعقابهم وأرجلهم فلا يغسلونها ويدخلون المسجد للصلاة ، وكان ذلك سبباً لذلك الوعيد (2) ويؤيّد ذلك ما يوصف به بعض الأعراب بقولهم : بوّال على عقبيه ، وعلى فرض كون المراد ما ذكره البخاري ، فلا تقاوم الرواية نص الكتاب.
1 ـ صحيح البخاري ج 1 كتاب العلم ص 18 باب من رفع صوته ، الحديث 1.
2 ـ مجمع البيان 2 / 167.


(394)
    4 ـ روى ابن ماجة القزويني عن أبي إسحاق عن أبي حية ، قال : رأيت عليّاً توضّأ فغسل قدميه إلى الكعبين ثمّ قال : أردت أن اُريكم طهور نبيّكم (1).
    يلاحظ عليه : أنّ أبا حية مجهول لا يعرف ، ونقله عنه أبوإسحاق الذي شاخ ونسى واختلط وترك الناس روايته (2) أضف إليه انّه يعارض ما رواه عنه أهل بيته ، وأئمّة أهل بيته ، خصوصاً من لازمه في حياته وهو ابن عباس كما مرّ.
    5 ـ قال صاحب المنار : وأقوى الحجج اللفظية على الامامية جعل الكعبين غاية طهارة الرجلين وهذا لا يحصل إلاّ باستيعابهما بالماء ، لأنّ الكعبين هما العظمان الناتئان في جانبي الرجل.
    يلاحظ عليه : أنّا نفترض أنّ المراد من الكعبين هو ما ذكره ، لكن نسأله : لماذا لا تحصل تلك الغاية إلاّ باستيعابهما بالماء ؟ مع أنّه يمكن تحصيل تلك الغاية بمسحهما بالنداوة المتبقية في اليد ، والاختبار سهل ، فها نحن من الذين يمسحون الأرجل إلى العظمين الناتئين بنداوة اليد ولا نرى في العمل اعضالا وعسراً.
    6 ـ الامامية يمسحون ظاهر القدم إلى معقد الشراك عند المفصل بين الساق والقدم ، ويقولون هو الكعب ، ففي الرجل كعب واحد على رأيهم ، فلو صحّ هذا لقال إلى الكعاب كما قال في اليدين إلى المرافق (3).
    يلاحظ عليه : إنّ المشهور بين الامامية هو تفسير الكعب بقبّة القدم التي هي معقد الشراك ، وهناك من يذهب إلى أنّ المراد هو المفصل بين الساق والقدم وذهب قليل منهم إلى أنّ المراد هما العظمان الناتئان في جانبي الرجل وعلى كل تقدير ، يصح
1 ـ سنن ابن ماجة 1 / 170 باب ما جاء في غسل القدمين الحديث الأوّل.
2 ـ لاحظ التعليقة لسنن ابن ماجة 170 وميزان الاعتدال للذهبي 4 / 519 ، برقم 10138 و ص 489 باب « أبو إسحاق ».
3 ـ المنار 6 / 234.


(395)
اطلاق الكعبين ، وإن كان حدّ المسح هو معقد الشراك أو المفصل. فيكون المعنى « فامسحوا بأرجلكم إلى الكعبين منكم » إذ لا شك أنّ كلّ مكلّف يملك كعبين في رجليه.
    أضف إلى ذلك انّه لو صحّ التفسير بما ذكره يجب أن يوسع الممسوح ويحدّد بالعظمين الناتئين لا أن يبدّل المسح بالغسل ، وكأنّه تخيّل أن المسح بالنداوة المتبقّية في اليد لا يتحقّق إليهما وتجفّ اليد قبل الوصول إليهما.
    ولعمري انّ هذه اجتهادات واهية ، وتخرّصات لاقيمة لها في مقابل الذكر الحكيم.
    7 ـ آخر ما عند صاحب المنار في توجيه غسل الأرجل هو التمسّك بالمصالح ، حيث قال : لا يعقل لإيجاب مسح ظاهر القدم باليد المبلّلة بالماء حكمة ، بل هو خلاف حكمة الوضوء ، لأنّ طروء الرطوبة القليلة على العضو الذي عليه غبار أو وسخ ، يزيده وساخة ، وينال اليد الماسحة حظ من هذه الوساخة.
    يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره استحسان لا يُعرَّج عليه مع وجود النص ، فلا شك انّ الأحكام الشرعية تابعة للمصالح الواقعية ولا يجب علينا أن نقف عليها ، فأي مصلحة في المسح على الرأس ولو بمقدار اصبع أو اصبعين حتّى قال الشافعي : إذا مسح الرجل باصبع واحدة أو بعض اصبع أو باطن كفه ، أو أمر من يمسح له أجزأه ذلك ، وهناك كلمة قيّمة للامام شرف الدين الموسوي نأتي بنصها ، فقال : نحن نؤمن بأنّ الشارع المقدّس لاحظ عباده في كل ما كلّفهم به من أحكامه الشرعية ، فلم يأمرهم إلاّ بما فيه مصلحتهم ، ولم ينههم إلاّ عمّا فيه مفسدة لهم ، لكنّه مع ذلك لم يجعل شيئاً من مدارك تلك الأحكام منوطاً من حيث المصالح والمفاسد بآراء العباد ، بل تعبّدهم بأدلّة قويّة عيّنها لهم ، فلم يجعل لهم مندوحة عنها إلى ما سواها. وأوّل تلك الأدلّة الحكيمة كتاب اللّه عزّوجلّ ، وقد حكم بمسح الرؤوس والأرجل في الوضوء ،


(396)
فلا مندوحة عن البخوع لحكمه ، أمّا نقاء الأرجل من الدنس فلابدّ من احرازه قبل المسح عليها عملاً بأدلّة خاصّة دلّت على اشتراط الطهارة في أعضاء الوضوء قبل الشروع فيه (1) ولعلّ غسل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) رجليه ـ المدعى في أخبار الغسل ـ انّما كان من هذا الباب ولعلّه كان من باب التبرّد ، أو كان من باب المبالغة في النظافة بعد الفراغ من الوضوء واللّه أعلم (2).
1 ـ ولذاترى حفاة الشيعة والعمال منهم كأهل الحرث وأمثالهم وسائر من لا يبالون بطهارة أرجلهم في غير أوقات العبادة المشروطة بالطهارة ، إذا أرادوا الوضوء غسلوا أرجلهم ثمّ توضّأوا فمسحوا عليها نقيّة جافّة.
2 ـ مسائل فقهيه 82

(397)
    المسألة التاسعة :
عقيدة الشيعة الإماميّة في الصحابة
    صحابة النبي الأكرم ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) هم الذين رأوا النبيّ الأكرم وتشرّفوا بكرامة الصحبة وبذل لفيف منهم النفس والنفيس في نشر الإسلام حتّى ضرب بجرانه واتّسع نطاقه. فشادوا بنيانه ، ورفعوا قواعده بجهادهم المتواصل ، وبلغوا ذروة المجد باستسهال المصاعب ، فلولا بريق سيوفهم ، وقوّة سواعدهم ، وخوضهم عباب المنايا ، لما قام للدين عمود ، ولا اخضرّ له عود.
    إنّ الكتاب والسنّة هما المصدران الرئيسيان عند المسلمين جميعاً ، والشيعة خاصة ، ولا يجوز لمسلم أن يحكم بأمر شرعيّ إلاّ بالرجوع إليهما. ولا يخالفهما إلاّ منافق أو تاجر بالدين.
    والكتاب والسنّة يثنيان على الصحابة ، ومن تلى آيات الذكر الحكيم حول


(398)
المهاجرين والذين اتّبعوهم بإحسان (1) يغبط هؤلاء ويتمنّى من صميم قلبه أن يكون أحدهم. ويدرك شأنهم ، ومن استمع للآيات النازلة في المبايعين تحت الشجرة (2) أو أصحاب سورة الفتح (3) فاضت عيناه دموعاً من الشوق إلى هؤلاء الذين ركبوا الطريق ، ومضوا ، وتعاقدوا على المنيّة.
    فإذا كان هذا حال الصحابة في الذكر الحكيم فكيف يتجرّأ مسلم على تكفير الصحابة ورميهم بالردّة والزندقة أو تفسيقهم جميعاً. ( سبحانك هذا بهتان عظيم ).
    وكيف يستطيع أن يصوّر دعوة النبي ضئيلة الفائدة أو يتهمه بعدم النجاح في هداية قومة وارشاد اُمّته وانّه لم يؤمن به إلاّ شرذمة قليلة لا يتجاوزون عدد الأصابع وانّ ما سواهم كانوا بين منافق ستر كفره بالتظاهر بالايمان ، أو مرتدّ على أدباره القهقرى بعد رحلة النبيّ الأكرم.
    كيف يجوز لمسلم أن يصف دعوته ويقول : انّه لم يهتد ولم يثبت على الإسلام بعد مرور ( 23 ) عاماً من الدعوة إلاّ ثلاثة أو سبعة أو عشرة. وأي شيعي واع ادّعى ذلك ؟ ومتى قال ؟ وأين ذكره ؟ إن هو إلاّ جزء من الدعايات الفارغة ضدّ الشيعة أثارها الأمويّون في أعصارهم ، ليسقطوا الشيعة من عيون المسلمين وتلقّفتها أقلام المستأجرين لتمزيق الوحدة الإسلامية وفصم عرى الاخوّة. وترى تلك الفرية في هذه الأيام في كتيّب نشره الكاتب أبو الحسن الندوي أسماه بـ « صورتان متعارضتان ». وهو يجترّ ذلك مرّة بعد اُخرى يجتره صنائع الوهابية في المنطقة.
    نعم وردت روايات في ذلك ولكنّها لا تكون مصدراً للعقيدة ولا تتّخذ مقياساً
1 ـ التوبة : 100 : ( والذين اتبعوهم بإحسان ... ).
2 ـ الفتح : 18 : ( لقد رضى اللّه عن المؤمنين ... ).
3 ـ الفتح : 29 : ( محمّد رسول اللّه والذين معه ... ).


(399)
لها لأنّها روايات آحاد لا تفيد علماً في مجال العقائد ، وستوافيك دراسة متنها وسندها.
    إنّا لو أحصينا المهتدين في عصر الرسول من بني هاشم لتجاوز عددهم العشرات بدءاً من عمّه أبي طالب ومروراً بصفيّة عمّته ، وفاطمة بنت أسد ، وبحمزة والعباس وجعفر وعقيل وطالب وعبيدة بن الحارث « شهيد بدر » وأبي سفيان بن الحارث ونوفل بن الحارث وجعدة بن أبي هبيرة وأولادهم وزوجاتهم ، وانتهاءً بعلي ( عليه السلام ) وأولاده وبناته وزوجته سيّدة نساء العالمين.
    أمّا الذين استشهدوا في عهد النبيّ الأكرم فهم يتجاوزون المئات ولا يشك أيّ مسلم في أنّهم كانوا من المؤمنين الصادقين الذين حوّلهم الإسلام وأثّر فيهم ، وضربوا في حياتهم أروع الأمثلة في الايمان والتوحيد والتضحية ، بالغالي والرخيص ، خدمة للمبدأ والعقيدة. ابتداءً من ياسر وزوجته سميّة أوّل شهيد وشهيدة في الإسلام وكان الرسول يقول لهم وهو يسمع أنينهم تحت سياط التعذيب : « صبراً آل ياسر إنّ موعدكم الجنّة » (1) مروراً بمن توفّي في مهجر الحبشة إلى شهداء بدر واُحد ، وقد استشهد في معركة اُحد سبعون صحابياً دفنهم النبيّ الأكرم ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) وصلّى عليهم وكان يزورهم ويسلّم عليهم ، ثم شهداء سائر المعارك والغزوات حتّى قال النبيّ الأكرم ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) في حقّ سعد بن معاذ شهيد غزوة الخندق : اهتزّالعرش لموته ، وشهداء بئر معونة ويتراوح عدد الشهداء بين 40 حسب رواية أنس بن مالك أو 70 حسب رواية غيره ، إلى غير ذلك من الأصحاب الصادقين الأجلاّء الذين : ( صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ
1 ـ السيرة النبوية لابن هشام 1 / 320 طبعة الحلبي.

(400)
قضى نَحْبَهُ ومِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِر وما بَدَّلُوا تَبديلاً ) (1) ، ( الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إيماناً وقالوا حَسْبُنا اللّهُ وَنِعْمَ الوَكيلُ ) (2) ، ( للفُقَراءِ المُهاجرينَ الَّذِينَ اُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وأمْوالِهُمْ يِبتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللّهِ وَرِضْواناً ويَنْصُرُونَ اللّهَ ورسولَهُ ... * والَّذِينَ تَبَوّء والدّارَ والإيمان مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إلَيهِمْ ولا يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ حاجةً مِمّا اُوتوا ويُؤثِرُونَ على أنفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَاُولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) (3).
    أو ليست هذه الآيات تثبت نجاح النبيّ في دعوته ، وانّه اجتمع حوله رجال صالحون ومخلصون فكيف يمكن رمي مسلم يتلو الذكر الحكيم ليل نهار باعتقاده بخيبة النبيّ الأكرم في دعوته وتهالكه في هداية اُمّته. إنّ الموقف الصحيح من الصحابة ، هو ما جاء في كلام الإمام أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) :
    « أين اخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق ؟ أين عمّار ؟ وأين ابن التيهان ؟ وأين ذو الشهادتين ؟ وأين نظراؤهم من اخوانهم الذين تعاقدوا على المنيّة واُبرد برؤوسهم إلى الفجرة ؟ اوّه على اخواني الذين تلوا القرآن فأحكموه وتدبّروا الفرض فأقاموه. أحيوا السنّة وأماتوا البدعة دعوا للجهاد فأجابوا ووثقوا بالقائد فاتّبعوه » (4).
    وليس ما جاء في هذه الخطبة فريداً في كلامه ، فقد وصف أصحاب رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) يوم صفّين ، يوم فرض عليه الصلح بقوله :
1 ـ الأحزاب / 23.
2 ـ آل عمران/ 173.
3 ـ الحشر / 8 ـ 9.
4 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 182.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: فهرس