بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: 421 ـ 430
(421)
عليها ، وقد شكى بعضهم رسول اللّه من شدّة الحر ، فلم يجبه ، إذ لم يكن له أن يبدل الأمر الإلهي من تلقاء نفسه ، إلى أن ورد الرخصة بالسجود على الخمر والحصر فوسع الأمر للمسلمين لكن في اطار محدود ، وعلى ضوء هذا فقد مرّت في ذلك المجال على المسلمين مرحلتان لا غير :
    1 ـ ما كان الواجب فيها على المسلمين ، السجود على الأرض بأنواعها المختلفة من التراب والرمل والحصى والطين ، ولم تكن هناك أية رخصة.
    2 ـ المرحلة التي ورد فيها الرخصة بالسجود على نبات الأرض من الحصر والبواري والخمر ، تسهيلاً للأمر ، ورفعاً للحرج والمشقّة ولم تكن هناك أية مرحلة اُخرى توسع الأمر للمسلمين أكثر من ذلك كما يدّعيه أهل السنّة وإليك البيان :

    المرحلة الاُولى : السجود على الأرض :
    1 ـ روى الفريقان عن النبيّ الأكرم أنّه قال : « وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً » (1).
    والمتبادر من الحديث انّ كل جزء من الأرض مسجد وطهور يُسْجد عليه ويُقْصَد للتيمّم ، وعلى ذلك فالأرض تقصد للجهتين : للسجود تارة والتيمّم اُخرى.
    وأمّا تفسير الرواية بأنّ العبادة والسجود للّه سبحانه لا يختص بمكان دون مكان ، بل الأرض كلّها مسجد للمسلمين بخلاف غيرهم حيث خصّوا العبادة بالبيع والكنائس ، فهذا المعنى ليس مغايراً لما ذكرناه ، فانّه إذا كانت الأرض على وجه الاطلاق مسجداً للمصلّي فيكون لازمه كون الأرض كلّها صالحة للعبادة ، فما ذكر
1 ـ صحيح البخاري 1 / 91 كتاب التيمّم الحديث 2 وسنن البيهقي 2 / 433 باب : أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد ، ورواه غيرهما من أصحاب الصحاح والسنن.

(422)
معنى التزامي لما ذكرناه ، ويعرب عن كونه المراد ذكر « طهوراً » بعد « مسجداً » وجعلهما مفعولين لـ « جعلت » والنتيجة هو توصيف الأرض بوصفين كونه مسجداً وكونه طهوراً ، وهذا هو الذي فهمه الجصاص وقال : إنّ ما جعله من الأرض مسجداً هو الذي جعله طهوراً (1).
    ومثله غيره من شرّاح الحديث.

    تبريد الحصى للسجود عليها :
    2 ـ عن جابر بن عبداللّه الأنصاري ، قال : كنت اُصلّي مع النبيّ الظهر ، فآخذ قبضة من الحصى ، فأجعلها في كفّي ثمّ اُحوّلها إلى الكف الاُخرى حتّى تبرد ثمّ أضعها لجبيني حتّى أسجد عليها من شدّة الحر (2).
    وعلّق عليه البيهقي بقوله : قال الشيخ : ولو جاز السجود على ثوب متّصل به لكان ذلك أسهل من تبريد الحصى بالكف ووضعها للسجود (3). ونقول : ولو كان السجود على مطلق الثياب سواء كان متصلاً أم منفصلاً جائزاً لكان أسهل من تبريد الحصى ولأمكن حمل منديل أو ما شابه للسجود عليه.
    3 ـ روى أنس قال : كنّا مع رسول اللّه في شدّة الحرّ فيأخذ أحدنا الحصباء في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه (4).
    4 ـ عن خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول اللّه شدة الرمضاء في جباهنا
1 ـ احكام القرآن للجصاص 2 / 389 نشر بيروت.
2 ـ مسند أحمد 3 / 327 من حديث جابر وسنن البيهقي 1 / 439 باب ما روي في التعجيل بها في شدة الحرّ.
3 ـ سنن البيهقي 2 / 105.
4 ـ السنن الكبرى 2 / 106.


(423)
وأكفّنا فلم يشكنا (1).
    5 ـ قال ابن الاثير في معنى الحديث : إنّهم لمّا شكوا إليه ما يجدون من ذلك لم يفسح لهم أن يسجدوا على طرف ثيابهم (2).
    هذه المأثورات تعرب عن أنّ السنّة في الصلاة كانت جارية على السجود على الأرض فقط حتّى انّ الرسول لم يفسح للمسلمين العدول عنها إلى الثياب المتّصلة أو المنفصلة وهو ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) مع كونه بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً أوجب عليهم مس جباههم الأرض ، وإن آذتهم شدة الحر.
    والذي يعرب عن التزام المسلمين بالسجود على الأرض وعن اصرار النبيّ الأكرم بوضع الجبهة عليها لا على الثياب المتصله ككور العمامة أو المنفصلة كالمناديل والسجاجيد ، ما روي من حديث الأمر بالتتريب في غير واحد من الروايات.

    الأمر بالتتريب :
    6 ـ عن خالد الجهني قال : رأى النبيّ صهيباً يسجد كأنّه يتّقي التراب فقال له : ترّب وجهك يا صهيب (3).
    7 ـ والظاهر انّ صهيباً كان يتّقي عن التتريب بالسجود على الثوب المتّصل والمنفصل ، ولا أقل بالسجود على الحصر والبواري والأحجار الصافية ، وعلى كل تقدير ، فالحديث شاهد على أفضلية السجود على التراب في مقابل السجود على
1 ـ سنن البيهقي 2 / 105 باب الكشف عن الجبهة.
2 ـ ابن الأثير : النهاية 2 / 497 مادة « شكى ».
3 ـ المتقي الهندي : كنز العمال 7 / 465 برقم 19810.


(424)
الحصى لما دل من جواز السجدة على الحصى في مقابل السجود على غير الأرض.
    8 ـ روت اُمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ رأى النبي غلاماً لنا يقال له « افلح » ينفخ إذا سجد ، يا افلح ترّب (1).
    9 ـ وفي رواية : يا رباح ترّب وجهك (2).
    10 ـ روى أبو صالح قال : دخلت على اُمّ سلمة ، فدخل عليها ابن أخ لها فصلّى في بيتها ركعتين فلمّا سجد نفخ التراب ، فقالت اُمّ سلمة : ابن أخي ؟! لا تنفخ ، فإنّي سمعت رسول اللّه يقول لغلام له يقال له يسار ـ ونفخ ـ : ترّب وجهك للّه (3).

    الأمر بحسر العمامة عن الجبهة :
    11 ـ روي أنّ النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) كان إذا سجد رفع العمامة عن جبهته (4).
    12 ـ روي عن علي أميرالمؤمنين أنّه قال : إذا كان أحدكم يصلّي فليحسر العمامة عن وجهه ، يعني حتّى لا يسجد على كور العمامة (5).
    13 ـ روى صالح بن حيوان السبائي أنّ رسول اللّه رأى رجلاً يسجد بجنبه وقد اعتمّ على جبهته فحسر رسول اللّه عن جبهته (6).
    14 ـ عن عياض بن عبداللّه القرشي : رأى رسول اللّه رجلاً يسجد على كور
1 ـ المتقي الهندي : كنز العمال 7 / 459 برقم 19776.
2 ـ المصدر نفسه برقم 19777.
3 ـ المتقي الهندي كنز العمال 7 / 465 ، برقم 19810 ومسند أحمد 6 / 301.
4 ـ الطبقات الكبرى 1 / 151 كما في السجود على الأرض 41.
5 ـ منتخب كنز العمال المطبوع في هامش المسند 3 / 194.
6 ـ البيهقي : السنن الكبرى 2 / 105.


(425)
عمامته فأومأ بيده : ارفع عمامتك وأومأ إلى جبهته (1).
    هذه الروايات تكشف عن أنّه لم يكن للمسلمين يوم ذاك تكليف إلاّ السجود على الأرض ولم يكن هناك أي رخصة سوى تبريد الحصى ولو كان هناك ترخيص لما فعلوا ذلك ، ولما أمر النبي بالتتريب ، وحسر العمامة عن الجبهة.

    المرحلة الثانية : الترخيص في السجود على الخمر والحصر :
    هذه الأحاديث والمأثورات المبثوثة في الصحاح والمسانيد وسائر كتب الحديث تعرب عن التزام النبي وأصحابه بالسجود على الأرض بأنواعها ، وأنّهم كانوا لا يعدلون عنه وإن صعب الأمر واشتدّ الحر لكن هناك نصوص تعرب عن ترخيص النبيّ ـ بايحاء من اللّه سبحانه إليه ـ السجود على ما أنبتت الأرض ، فسهل لهم بذلك أمر السجود ، ورفع عنهم الاصر والمشقّة في الحر والبرد وفيما إذا كانت الأرض مبتلّة ، وإليك تلك النصوص :
    1 ـ عن أنس بن مالك قال : كان رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) يصلّي على الخمرة (2).
    2 ـ عن ابن عباس : كان رسول اللّه يصلّي على الخمرة وفي لفظ : وكان النبيّ يصلّي على الخمرة (3).
    3 ـ عن عائشة : كان النبيّ يصلّي على الخمرة (4).
1 ـ البيهقي : السنن الكبرى 2 / 105.
2 ـ أبو نعيم الاصفهاني : ذكر أخبار اصبهان 2 / 141.
3 ـ مسند أحمد 1/ 269 ـ 303 ـ 309 و 358.
4 ـ مسند أحمد 6 / 179 وفيه أيضاً قال للجارية وهو في المسجد : ناوليني الخمرة.


(426)
    4 ـ عن اُمّ سلمة : كان رسول اللّه يصلّي على الخمرة (1).
    5 ـ عن ميمونة : ورسول اللّه يصلّي على خمرته فإذا أصابني طرف ثوبه (2).
    6 ـ عن اُمّ سليم قالت : وكان يصلّي الخمرة (3).
    7 ـ عن عبداللّه بن عمر : كان رسول اللّه يصلّي على الخمر (4).

    السجود على الثياب لعذر :
    قد عرفت المرحلتين الماضيتين ولو كان هناك مرحلة ثالثة فانّما مرحلة جواز السجود على غير الأرض وما ينبت منها لعذر وضرورة. ويبدو أنّ هذا الترخيص جاء متأخّراً عن المرحلتين لما عرفت أنّ النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) لم يُجب شكوى الأصحاب من شدّة الحرّ والرمضاء وراح هو وأصحابه يسجدون على الأرض متحمّلين الحر والأذى ولكنّ الباري عزّ اسمه رخّص لرفع الحرج السجود على الثياب لعذر وضرورة وإليك ما ورد في هذا المقام.
    1-عن أنس بن مالك : كنّا إذا صلّينا مع النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) فلم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض ، طرح ثوبه ثم سجد عليه.
    2 ـ وفي صحيح البخاري : كنّا نصلّي مع النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) فيضع أحدنا طرف الثوب من شدّة الحر. فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض ، بسط ثوبه.
    3 ـ وفي لفظ ثالث : كنّا إذا صلّينا مع النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم )
1 ـ مسند أحمد 6 / 302.
2 ـ مسند أحمد 6 / 331 ـ 335.
3 ـ مسند أحمد 6 / 377.
4 ـ مسند أحمد 2 / 92 ـ 98.


(427)
فيضع أحدنا طرف الثوب من شدّة الحر مكان السجود (1).
    وهذه الرواية الّتي نقلها أصحاب الصحاح والمسانيد تكشف الغطاء عن بعض ما روي في ذلك المجال الظاهر في جواز السجود على الثياب في حالة الاختيار أيضاً. وذلك لأنّ رواية أنس نص في اختصاص الجواز على حالة الضرورة ، فتكون قرينة على المراد من هذه المطلقات وإليك بعض ما روي في هذا المجال.
    1 ـ عبداللّه بن محرز عن أبي هريرة : كان رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) يصلّي على كور عمامته (2).
    إنّ هذه الرواية مع أنّها معارضة لما مرّ من نهي النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) عن السجود عليه ، محمولة على العذر والضرورة وقد صرّح بذلك الشيخ البيهقي في سننه ، حيث قال :
    قال الشيخ : « وأمّا ما روي في ذلك عن النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) من السجود على كور العمامة فلا يثبت شيء من ذلك وأصح ما روي في ذلك قول الحسن البصري حكاية عن أصحاب النبيّ (3).
    وقد روي عن ابن راشد قال : رايت مكحولا يسجد على عمامته فقلت : لِمَ تسجد عليها ؟ قال : أتّقي البرد على أسناني (4).
    2 ـ ما روي عن أنس : كنّا نصلّي مع النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) فيسجد
1 ـ صحيح البخاري 1 / 101 ، صحيح مسلم 2 / 109 ، مسند أحمد 1 / 100 ، السنن الكبرى 2 / 106.
2 ـ كنز العمال 8 / 130 برقم 22238.
3 ـ البيهقي : السنن 2 / 106.
4 ـ المصنف لعبد الرزاق 1 / 400 كما في سيرتنا وسنّتنا ، والسجدة على التربة 93.


(428)
أحدنا على ثوبه (1).
    والرواية محمول على صورة العذر بقرينة ما رويناه عنه ، وبما رواه عنه البخاري : كنّا نصلّي مع النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) في شدة الحرّ فاذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه (2).
    ويؤيّده ما رواه النسائي : كنّا إذا صلينا خلف النبيّ بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتّقاء الحرّ (3).
    وهناك روايات قاصرة الدلالة حيث لا تدل إلاّ على أنّ النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) صلّى على الفرو. وأمّا انّه سجد عليه فلا دلالة لها عليه.
    3 ـ عن المغيرة بن شعبة : كان رسول اللّه يصلّي على الحصير والفرو المدبوغة (4).
    والرواية مع كونها ضعيفه بيونس بن الحرث ، ليست ظاهرة في السجود عليه. ولا ملازمة بين الصلاة على الفرو والسجدة عليه ولعلّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) وضع جبهته على الأرض أو ما ينبت منها وعلى فرض الملازمة لا تقاوم هي وما في معناها ، ما سردناه من الروايات في المرحلتين الماضيتين.

    حصيلة البحث :
    إنّ الناظر في الروايات يجد أنّه مرّ على المسلمين مرحلتان أو مراحل ثلاثة ففي المرحلة الاُولى كان الفرض السجود على الأرض ولم يُرخَّص للمسلمين السجود على غيرها ، وفي الثانية جاء الترخيص فيما تنبته الأرض وليست وراء هاتين
1 ـ البيهقي السنن الكبرى 2 / 106 ، باب من بسط ثوباً فسجد عليه.
2 ـ البخاري 2 / 64 كتاب الصلاة باب بسط الثوب في الصلاة للسجود.
3 ـ ابن الأثير : الجامع للاُصول 5 / 468 برقم 3660.
4 ـ أبو داود : السنن / باب ما جاء في الصلاة على الخمرة برقم 331.


(429)
المرحلتين ، مرحلة اُخرى إلاّ جواز السجود على الثياب لعذر وضرورة فما يظهر من بعض الروايات من جواز السجود على الفرو وأمثاله مطلقاً ، فمحمولة على الضرورة أو لا دلالة لها على السجود عليها بل غايتها الصلاة عليها.
    فاللازم على فقهاء أهل السنّة إعادة النظر في هذه المسألة حتّى يحيوا السنّة ويميتوا البدعة. فانّ الرائج في بلادهم هو افتراش المساجد بالسجاد ، والسجود عليها. كما أنّ السائد هو السجود على كل شيء. من البسط المنسوجة من الصوف والوبر ، والحرير ، وطرف الثوب فانّ هذا العمل حسب مامرّ من الروايات بدعة حدثت بعد النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) وكانت السنّة غيرهما فلا عتب على الشيعة إذا ما تمسّكوا بالسنّة ولم يسجدوا الاّ على الأرض وما أنبتته تبعاً للسنن النبوية والأحاديث المروية عن أئمّة أهل البيت.

    ما هو السر في اتّخاذ تربة طاهرة :
    بقي هنا سؤال يطرحه اخواننا أهل السنّة يقولون ما هو السر في اتّخاذ تربة طاهرة في السفر والحضر والسجود عليها دون غيرها. وربّما يتخيّل البسطاء انّ الشيعة يسجدون لها لا عليها ، ويعبدون الحجر والتربة ولكن المساكين لا يفرّقون بين السجود على التربة ، والسجود لها وعلى أي تقدير فالاجابة عنها واضحة فانّ المستحسن عند الشيعة هو اتّخاذ تربة طاهرة طيّبة ليتيقن من طهارتها من أي أرض اُخذت ، من اي صقع من أرجاء العالم كانت ، وهي كلّها في ذلك سواء.
    وليس هذا الالتزام إلاّ مثل إلتزام المصلّي بطهارة جسده وملبسه ومصلاّه وأمّا سرّ الالتزام في اتّخاذ التربة هو أنّ الثقة بطهارة كل أرض يحل بها ، ويتّخذها مسجداً لا تتأتّى له في كل موضع من المدن والرساتيق والفنادق والخانات ومحال المسافرين ومحطّات وسائل السير والسفر ومهابط فئات الركاب ومنازل


(430)
الغرباء ، أنّى له ذلك وقد يحل بها كل إنسان من الفئة المسلمة وغيرها ومن أخلاط الناس الذين لا يبالون ولا يكترثون لأمر الدين في موضوع الطهارة والنجاسة.
    فأي وازع من أن يحتاط المسلم في دينه ، ويتّخذ معه تربة طاهرة يطمئن بها وبطهارتها يسجد عليها لدى صلاته حذراً من السجدة على الرجاسة والنجاسة ، والأوساخ الّتي لا يتقرّب بها إلى اللّه قط ولا تجوّز السنّة السجود عليها ولا يقبله العقل السليم ، خصوصاً بعد ورود التأكيد التام البالغ في طهارة أعضاء المصلّي ولباسه والنهي عن الصلاة في مواطن منها :
    المزبلة ، والمجزرة ، وقارعة الطريق ، والحمام ، ومواطن الابل والأمر بتطهير المساجد وتطييبها (1).
    وهذه القاعدة كانت ثابتة عند السلف الصالح وإن غفل التاريخ عن نقلها فقد روي أنّ التابعي الفقيه مسروق بن الأجدع المتوفّى عام 62 كان يصحب في أسفاره لبنة من المدينة يسجد عليها كما أخرجه ابن أبي شيبة في كتابه المصنف باب من كان حمل في السفينة شيئاً يسجد عليه. فأخرج بإسنادين أنّ مسروقاً كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها (2).
    إلى هنا تبيّن انّ التزام الشيعة باتّخاذ التربة مسجداً ليس إلاّ تسهيل الأمر للمصلّي في سفره وحضره عسى أن لا يجد أرضاً طاهرة أو حصيراً طاهراً فيصعب الأمر عليه وهذا كادّخار المسلم تربة طاهرة لغاية التيمّم عليه.
    وأمّا السر في التزام الشيعة استحباباً بالسجود على التربة الحسينية فانّما هو من
1 ـ العلامة الأميني : سيرتنا وسنّتنا 158 ـ 159.
2 ـ أبوبكر بن أبي شيبة : المصنف 1 / 400 كما في السجدة على التربة 93.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: فهرس