بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: 311 ـ 320
(311)
وشتمه وسفّهه فيها بقوله : إنّك لغافل ، وجاء فيها أنّ رجلاً من بني أُمية كتب في ما ذكر إلى هشام يذكر له أمر زيد فكتب هشام إلى يوسف يشتمه ويجّهله ويقول : انّك لغافل وزيد عاوز ذنبه بالكوفة يبايع له فألجج في طلبه (1).
    فكتب يوسف إلى الحكم بن الصلت وهو خليفته على الكوفة بطلبه ، فطلبه ، فخفي عليه موضعه ، فدس يوسف مملوكاً له خراسانياً ألكن ، وأعطاه خمسة آلاف درهم ، وأمره أن يلطف لبعض الشيعة فيخبره أنّه قد قدم من خراسان حباً لاَهل البيت وأنّ معه مالاً يريد أن يقويهم به ، فلم يزل المملوك يلقى الشيعة ويخبرهم عن المال الذي معه حتى أدخلوه على زيد ، فخرج ، ودلّ يوسف على موضعه (2).
    وفي رواية أُخرى أنّه انطلق سليمان بن سراقة إلى يوسف بن عمر فأخبره خبره ، وأعلمه أنّه يختلف إلى رجل منهم يقال له عامر ، وإلى رجل من بني تميم يقال له طعمة ابن أُخت لبارق ، وهو نازل فيهم ، فبعث يوسف يطلب زيداً في منزلهما ، فلم يوجد عندهما ، وأخذ الرجلان فأُتي بهما فلما كلّمهما استبان له أمر زيد وأصحابه وتخوف زيد بن علي أن يوَخذ فتعجل قبل الاَجل الذي جعله بينه وبين أهل الكوفة (3).
    ظلت الحكومة تفحص عن موضع زيد فلم تحصّله ، ولكن وقف على زمان تفجر الثورة وأنّه واعد أصحابه ليلة الاَربعاء أوّل ليلة من صفر سنة 122هـ.

الحيلولة بين الناس وزيد :
    لما بلغ يوسف أنّ زيداً قد أزمع على الخروج في زمان محدود ، أراد فصل
    1 ـ الطبري : التاريخ : 5/504.
    2 ـ الطبري : التاريخ : 5/ 505.
    3 ـ الطبري : التاريخ : 5/498.


(312)
الناس عن زيد ، والحيلولة بين القائد والمقود.
    قال الطبري : بعث يوسف بن عمر إلى الحكم بن الصلت فأمره أن يجمع أهل الكوفة في المسجد الاَعظم يحصرهم فيه ، فبعث الحكم إلى العرفاء والشرط والمناكب والمقاتلة ، فأدخلهم المسجد ، ونادى مناديه : ألا إنّ الاَمير يقول : من أدركناه في رحله فقد برئت منه الذمة ادخلوا المسجد الاَعظم ، فأتى الناس المسجد يوم الثلاثاء قبل خروج زيد بيوم. وطلبوا زيداً في دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الاَنصاري ، فخرج ليلاً وذلك ليلة الاَربعاء في ليلة شديدة البرد من دار معاوية بن إسحاق (1).
    وقف زيد على أنّ العدو قد اطّلع على سره فظل يبحث موضعه ، وأنّه لو تأخر وأمهل في الخروج ربما كشف عن مخبأه ، فاستعد للقتال ، بإلقاء خطب تحث الاَفراد ، للقيام ، وقد عرفت بعضها ونورد في المقام ما لم نذكره هناك :

خطبه في حث المبايعين على القتال :
    قد نقل عن الاِمام الثائر خطب بليغة عند اشتعال الحرب.
    1 ـ روي أنّه لمّا خفقت الرايات على رأسه قال : الحمد للّه الذي أكمل لي ديني بعد أن كنت أستحيي من رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن أرد عليه ولم آمر أُمّته بمعروف ولم أنه عن منكر (2).
    2 ـ روى صاحب كتاب : « التقية والتقى » بإسناد إلى خالد بن صفوان ، قال : سمعت زيد بن علي يقول : أيّها الناس عليكم بالجهاد ، فإنّه قوام الدين
    1 ـ الطبري : التاريخ : 5/499.
    2 ـ السياغي : الروض النضير : 1/102.


(313)
وعمود الاِسلام ومنار الاِيمان ، واعلموا أنّه ما ترك قوم الجهاد قطّ إلاّ حقروا وذلوا ... ثم قرأ الفاتحة إلى قوله : « الصراط المستقيم » : وقال : الصراط المستقيم هو دين اللّه وسنامه وقوامه الجهاد ، ثم ذكر ما نزل من القرآن في فضل الجهاد من أول القرآن إلى آخره (1).
    3 ـ روى الاِمام المهدي في « المنهاج » والاِمام أبو طالب في « الاَمالي » والسيد أبو العباس في « المصابيح » عن سعيد بن خثيم ، قال : إنّ زيداً ( عليه السلام ) كتَّب كتائبه فلمّا خفقت راياته رفع يديه إلى السماء ، فقال : الحمد للّه الذي أكمل لي ديني ، واللّه مايسرّني إنّي لقيت محمداً ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم آمر في أُمّته بالمعروف ولم أنههم عن المنكر ، واللّه ما أُبالي إذا أقمت كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن أُجّجت لي نار ثم قُذِفْتُ فيها ، ثم صرتُ بعد ذلك إلى رحمة اللّه تعالى ، واللّه لا ينصرني أحد إلاّ كان في الرفيق الاَعلى مع محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ).
    ويحكم أما ترون هذا القرآن بين أظهركم ، جاء به محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونحن بنوه؟ يا معاشر الفقهاء ويا أهل الحجا أنا حجّة اللّه عليكم ، هذه يدي مع أيديكم على أن نقيم حدود اللّه ونعمل بكتاب اللّه ونقسم فيئكم بينكم بالسوية ، فسلوني عن معالم دينكم فإن لم أُنبئكم عما سألتم فولّوا من شئتم ممن علمتم أنّه أعلم مني ، واللّه لقد علمت علم أبي علي بن الحسين وعلم جدي الحسين وعلم علي بن أبي طالب وصي رسول اللّه وعيبة علمه ، وإنّي لاَعلم أهل بيتي ، واللّه ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي ، ولا انتهكت محرماً للّه عزّ وجلّ منذ عرفت أنّ اللّه يوَاخذني (2).
    ومضى من طرقنا ما لا يجامع بعض ما ورد في هذه الخطبة فقد كان زيد
    1 ـ السياغي : الروض النضير : 1/106.
    2 ـ المصدر نفسه : 1/128.


(314)
معترفاً بأعلمية الاِمام الصادق ( عليه السلام ) فانتظر.
    روى الاِمام المهدي في « المنهاج » ، وصاحب « المحيط » في كتابه ، والاِمام المرشد باللّه في « أماليه » عن محمد بن فرات ، قال : وقف زيد ( عليه السلام ) على باب الجسر وجاء إلى أهل الشام ، فقال لاَصحابه : انصروني على أهل الشام فواللّه لا ينصرني رجل عليهم إلاّ أخذت بيده أُدخله الجنّة ، ثم قال : واللّه لو عملت عملاً هو أرضى للّه من قتال أهل الشام لاَفعلنّه ، وقد كنت نهيتكم أن لاتتبعوا مدبراً ، ولاتجهزوا على جريح ، أو تفتحوا باباً مغلقاً ، فإن سمعتموهم يسبّون علي بن أبي طالب فاقتلوهم من كل وجه (1).
    4 ـ روى الاِمام المهدي والسيد أبو العباس الحسني وأبو طالب في « الاَمالي » بالاِسناد إلى سهل بن سليمان الرازي عن أبيه ، قال : شهدت زيد بن علي ( عليه السلام ) يوم خرج لمحاربة القوم بالكوفة ، فلم أر يوماً قط كان أبهى ، ولا رجالاً كانوا أكثر قرّاء ، ولا فقهاء ولا أوفر سلاحاً من أصحاب زيد بن علي ، فخرج على بغلة شهباء وعليه عمامة سوداء ، بين يدي قربوس سرجه مصحف. قال : أيها الناس أعينوني على أنباط الشام ، فواللّه لا يعينني عليهم منكم أحد إلاّ رجوت أن يأتيني يوم القيامة آمناً ، حتى يجوز على الصراط ويدخل الجنّة ، واللّه ما وقفت هذا الموقف حتى علمت التأويل والتنزيل ، والمحكم والمتشابه ، والحلال والحرام بين الدفتين (2).
    إنّ هذه الخطب تحكي عن روح ثورية وبطولة باهرة ، وتفانٍ في سبيل الحقّ ، غير أنّ بعض المغالين في حقّه أدخل في خطبه ما لا يدّعيه زيد ، ولا يصدقه أهل بيته. ومن المكذوب المنسوب إليه ما روي عن أبي الجارود أنّ زيداً قال :
    1 ـ السياغي : الروض النضير : 1/ 127.
    2 ـ المصدر نفسه : 1/127 ـ 128.


(315)
سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني فإنّكم لن تسألوا مثلي ، واللّه لا تسألوني عن آية من كتاب اللّه إلاّ أنبأتكم بها ، ولاتسألوني عن حرف من سنّة رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلاّ أنبأتكم به ، ولكنكم زدتم ونقصتم ، وقدّمتم وأخرّتم ، فاشتبهت عليكم الاَخبار (1).
    إلفات نظر :
    كيف يصدق ذلك الكلام وقد روى ابن عبد البر بإسناده إلى سعيد بن المسيب ، قال : ما كان أحد من الناس يقول سلوني ، غير علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) (2) قال العلامة المجلسي : أجمع الناس كلّ الصحابة ولا أحد من العلماء هذا الكلام (3).
    روى الاَصبغ بن نباته قال : لما جلس علي ( عليه السلام ) في الخلافة وبايعه الناس خرج إلى المسجد متعمماً بعمامة رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لابساً بردة رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، متنَعِلاً نعل رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، متقلداً سيف رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فصعد المنبر فجلس عليه متمكناً ثم شبّك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ثم قال : « يامعاشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني ، هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، هذا مازقّني رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) زقّاً زقاً ، سلوني فإنّ عندي علم الاَوّلين والآخرين ، أما واللّه لوثنيت لي وسادة فجلست عليها ، لاَفتيت أهل التوراة بتوراتهم حتى تنطق التوراة فتقول : صدق عليّ ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ ، وأفتيت أهل الاِنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الاِنجيل فيقول : صدق عليّ ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ ، وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول : صدق علي ما كذب ، لقد أفتاكم بما أنزل اللّه فيّ. وأنتم تتلون القرآن ليلاً ونهاراً ، فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه؟ ولولا آية
    1 ـ السياغي : الروض النضير : 1/ 128.
    2 ـ الاستيعاب : 3/39.
    3 ـ المجلسي : البحار : 10/128.


(316)
في كتاب اللّه عزّ وجلّ لاَخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة ، وهي هذه الآية : « يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ ويُثْبِتُ وعِندَهُ أُمُّ الكِتاب ».
    ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لوسألتموني عن أيّة آية في ليل أُنزلت أو في نهار أُنزلت ، مكيّها ومدنيّها ، سفريّها وحضريّها ، ناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وتأويلها وتنزيلها لاَخبرتكم » (1).
     ونزيد بياناً : كيف يصحّ لزيد ومن هو في درجته ومنزلته ، أن يدّعي أنّ عنده علم الكتاب والسنّة ، ولايشذّ عنه جواب سوَالٍ ، مع أنّه لم يدرس إلاّ عند أبيه الاِمام زين العابدين ( عليه السلام ) وكان له من العمر عندما توفي والده (94 أو 95هـ) ما لا يتجاوز العشرين ، ولو أكمل دراسته عند أخيه الاِمام الباقر ( عليه السلام ) فليس هو بأرفع من أُستاذه الكبير الذي أطبق العلماء على أنّه كان يبقر العلم بقراً.
    إنّ هذه الكلمة إنّما هي لمن كانت له تربية إلهية ، وتوعية غيبية ، تربى في أحضان الوحي ، فصار موضع سرّ النبي ، وعيبة علمه إلى أن بلغ شأواً يرى ما رآه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويسمع ما سمعه وليس هو إلاّ الاِمام أمير الموَمنين وسيد الوصيين علي ابن أبي طالب ، وهو يصف نفسه بقوله : « يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ، ولا يراه غيري ، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاِسلام غير رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وخديجة وأنا ثالثهما. أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة.
    ولقد سمعت رنّة الشيطان ، حين نزل الوحي عليه ( صلى الله عليه وآله وسلم )
    1 ـ المجلسي : البحار : 10/117 ح1 ، والآية 39 من سورة الرعد.

(317)
فقلت : يارسول اللّه ما هذه الرنّة؟ فقال : هذا الشيطان قد آيس من عبادته إنّك تسمع ما أسمع ، وترى ما أرى إلاّ أنّك لست نبي ولكنك وزير وإنّك لعلى خير » (1).
    ولم يكن زيد ، إلاّ محدِّثاً واعياً ، وفقيهاً بارعاً وله من العلم والفضل ، ما للطبقة العليا من تلاميذ أبيه وأخيه غير أنّ الذي رفعه ، وأخلد ذكره ، إنّما هو جهاده ونضاله ، وتفانيه في سبيل اللّه : « فضَّلَ اللّهُ المُجاهِدِينَ على القاعِدِينَ أجراً عَظِيماً » (2) ، ولا صلة له بعلمه وفضله ، ولو قيس الحديث والفقه ، إلى ما روى عن الصادقين من العلوم والمعارف لعلم أنّ الاَولى أن ينسب ذلك الكلام إلى الاِمامين لا إلى زيد ، ولكنّهما لم يبوحا بذلك أبداً.

تكتيب الكتائب والهجوم على الكوفة والحيرة :
    غادر زيد ليلة الاَربعاء ، دار معاوية بن إسحاق بن زيد بن حارثة الاَنصاري ، واستقر خارج الكوفة فأمر برفع الهرادي (3) فيها فكلما أكل النار هردياً ، رفعوا آخر فما زالو كذلك حتى طلع الفجر فلما أصبح ، أمر بعض أصحابه النداء وبالشعار لغاية تقاطر المبايعين إلى النقطة التي استقر فيها لاِرسال الكتائب منها إلى الكوفة والحيرة ولفتح البلدين ، ومحاربة المانعين من أبناء البيت الاَموي وأنصارهم ، فكان التخطيط تخطيطاً عسكرياً بارعاً لولا أن القضاء سبق التدبير ، وتسرب أسرار الثورة إلى الخارج ، وحالت العامل وخليفته ، بينه وبين وثوب الناس واجتماعهم لديه.
    أصبح زيد وتعجب من قلة الحاضرين (4) وقال : أين الناس ، فقيل له : هم
    1 ـ الرضي : نهج البلاغة ، الخطبة القاصعة : برقم 192.
    2 ـ النساء : 95.
    3 ـ القصب.
    4 ـ الحاضرون : حسب ما نقله الطبري كانوا مائتين وثمانية عشر رجلاً : التاريخ : 5/500.


(318)
في المسجد الاَعظم محصورون ، فقال : لا واللّه ما هذا لمن بايعنا بعذر ، ولم يجد بداً من القتال بمن معه ، موطناً نفسه على الاستشهاد وقد ذكر الموَرخون كيفية قتاله وقتال أصحابه الموفين بعهدهم وبيعتهم ، وهم بين موجز في القول ومسهب في النقل ، ونحن نكتفي بنصوص ثلاثة :
    1 ـ قال المسعودي : « مضى زيد إلى الكوفة وخرج عنها ومعه القرّاء والاَشراف ، فحاربه يوسف بن عمر الثقفي فلما قامت الحرب ، انهزم أصحاب زيد ، وبقي في جماعة يسيرة ، فقاتلهم أشد قتال وهو يقول متمثلاً :
أذل الحياة وعزّ الممات فإن كان لابد من واحد وكلاً أراه طعاماً وبيلا فسيري إلى الموت سيراً جميلا
    وحال المساء بين الفريقين فراح زيد مثخناً بالجراح وقد أصابه سهم في جبهته فطلبوا من ينزع النصل ، فأتى بحجام من بعض القرى فاستكتموه أمره فاستخرج النصل فمات من ساعته ، فدفنوه في ساقية ماء وجعلوا على قبره التراب والحشيش ، وأُجري الماء على ذلك ، وحضر الحجام مواراته ، فعرف الموضع فلما أصبح مضى إلى يوسف متنصحاً ، فدلّه على موضع قبره ، فاستخرجه يوسف ، وبعث برأسه إلى هشام ، فكتب إليه هشام : أن أصلبه عرياناً ، فصلبه يوسف كذلك ، ففي ذلك يقول بعض شعراء بني أُمية يخاطب آل أبي طالب وشيعتهم من أبيات :
صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة ولم أر مهدياً على الجذع يصلب
    وبنى تحت خشبته عموداً ، ثم كتب هشام إلى يوسف يأمره بإحراقه وذروه في الرياح (1).
    1 ـ المسعودي : مروج الذهب : 3/207.

(319)
    هذا ما يذكره المسعودي الذي يذكر الاَحداث على وجه الاِيجاز.
    2 ـ أنّ الطبري يذكر القصة ببسط وتفصيل ويذكر لزيد بطولات باهرة وأنّه دامت الحرب يومين (الاَربعاء والخميس) وأنّه وصل بأصحابه إلى باب الفيل ، فجعل أصحابه يدخلون راياتهم من فوق الاَبواب ويقولون : يا أهل المسجد اخرجوا ، وجعل نصر بن خزيمة يناديهم ، ويقول : يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز ، اخرجوا إلى الدين والدنيا فإنّكم لستم في دين ولا دنيا ، فأشرف عليهم أهل الشام فجعلوا يرمونهم بالحجارة من فوق المسجد ... (1).
    ولو صحّ ما ذكره الطبري وتبعه الجزري لزم أن يكون المتواجدون في معسكره أزيد مما ذكره.
    3 ـ وممّن لخّص الحادثة ولم تفته الاِشارة إلى دقائقها : الاِمام المنصور باللّه عبد اللّه بن حمزة في « الشافي » قال : « وكان ديوانه قد انطوى على خمسة عشر ألف مقاتل خارجاً عمن بايع من جميع أهل الاَمصار وسائر البلدان ، ثم قال : ولمّا خرج ( عليه السلام ) خرج معه القرّاء والفقهاء وأهل البصائر قدر خمسة آلاف رجل في زيّ لم ير الناس مثله ، وتخلّف باقي الناس عنه ، فقال : أين الناس؟ قال : أُحتبسوا في المسجد ، فقال : لا يسعنا عند اللّه خذلانهم ، فسار حتى وصل إليهم وأمرهم بالخروج فلم يفعلوا. فقال نصر بن خزيمة :
    يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز إلى خير الدنيا والآخرة ، وأدخلوا عليهم الرايات من طاقات المسجد فلم ينجح ذلك فيهم شيئاً.
    وأقبلت جنود الشام من تلقاء الحيرة ، فحمل عليهم ( عليه السلام ) كأنّه الليث المغضب ، فقتل منهم أكثر من ألفي قتيل بين الحيرة والكوفة وأقام بين
    1 ـ الطبري : التاريخ : 5/501.

(320)
الحيرة والكوفة ، ودخلت جيوش الشام الكوفة ففرق أصحابه فرقتين ، فرقة بأزاء أهل الكوفة وفرقة بأزاء أهل الحيرة ، ولم يزل أهل الكوفة يخرج الواحد منهم إلى أخيه والمرأة إلى زوجها ، والبنت إلى أبيها والصديق إلى صديقه ، فيبكي عليه حتى يرده فأمسى ( عليه السلام ) وقد رقّ عسكره وخذله كثير ممن كان معه ، وأهل الشام في اثني عشر ألفاً وحاربهم ( عليه السلام ) يوم الاَربعاء ويوم الخميس وحمل عليهم عشية الخميس ، فقتل من فرسانهم زيادة على مائتي فارس ، وأُصيب ( عليه السلام ) آخر يوم الجمعة بنشابة في جبينه ، فحمل إلى دور « أرحب » و « شاكر » وجيء بطبيب نزع النصل ، بعد أن عهد إلى ولده يحيى بجهاد الظالمين ، ثم مات من ساعته ودفن في مجرى ماء وأُجري عليه الماء ، فأبصرهم غلام سنديّ ، فلما ظهر قتله وصاح صائح يوسف بن عمر بطلبه دلّ عليه ، فصلبوه في الكناسة وحرقوه بعد ذلك ، وخبطوه بالشماريخ والعثاكيل حتى صار رماداً ، وسفّوه في البر والبحر وذروه في الرياح ، فحرق اللّه هشاماً في الدنيا وله في الآخرة عذاب النار (1).
    وقد بسط أبو الفرج الكلام في قتاله ونضاله وقال في آخر كلامه :
    قال : وجعلت خيل أهل الشام لاتثبت لخيل زيد بن علي. فبعث العباس ابن سعد إلى يوسف بن عمر يعلمه ما يلقى من الزيدية وسأله أن يبعث إليه الناشبة فبعث إليه سليمان بن كيسان في القيقانية وهم نجارية وكانوا رماة فجعلوا يرمون أصحاب زيد. وقاتل معاوية بن إسحاق الاَنصاري يومئذ قتالاً شديداً فقتل بين يدي زيد. وثبت زيد في أصحابه حتى إذا كان عند جنح الليل رُمي زيد بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فنزل السهم في الدماغ ، فرجع ورجع أصحابه ولايظن أهل الشام أنّهم رجعوا إلاّ للمساء والليل.
    قال أبو مخنف : فحدثني سلمة بن ثابت وكان من أصحاب زيد وكان آخر
    1 ـ السياغي : الروض النضير : 1/133.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: فهرس