بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: 321 ـ 330
(321)
من انصرف عنه هو وغلام لمعاوية بن إسحاق ، قال : أقبلت أنا وأصحابي نقتفي أثر زيد فنجده قد دخل بيت « حران بن أبي كريمة » في سكة البريد في دور « أرحب » و « شاكر » فدخلت عليه فقلت له : جعلني اللّه فداك أبا الحسين ، وانطلق ناس من أصحابه فجاءوا بطبيب يقال له سفيان مولى لبني دواس. فقال له : إنّك إن نزعته من رأسك مت ، قال : الموت أيسر علي مما أنا فيه.
    قال : فأخذ الكبتين فانتزعه فساعة انتزاعه مات صلوات اللّه عليه.
    قال القوم : أين ندفنه؟ أين نواريه؟ فقال بعضهم : نلبسه درعين ثم نلقيه في الماء. وقال بعضهم : لا بل نحتز رأسه ثم نلقيه بين القتلى.
    قال : فقال يحيى بن زيد : لا واللّه لا يأكل لحم أبي السباع. وقال بعضهم نحمله إلى العباسية فندفنه فيها. فقبلوا رأيه.
    قال : فانطلقنا فحفرنا له حفرتين وفيها يومئذ ماء كثير حتى إذا نحن مكنّا له ، دفناه ثم أجرينا عليه الماء ومعنا عبد سنديّ. قال سعيد بن خثيم في حديثه : عبد حبشي كان مولى لعبد الحميد الرواسي وكان معمر بن خثيم قد أخذ صفته لزيد وقال يحيى بن صالح : هو مملوك لزيد سنديّ وكان حضرهم.
    قال أبو مخنف عن كهمس قال : كان نبطيّ يسقي زرعاً له حين وجبت الشمس فرآهم حيث دفنوه ، فلما أصبح أتى الحكم بن الصلت فدلّهم على موضع قبره ، فسرح إليه يوسف بن عمر ، العباس بن سعيد المري. قال أبو مخنف : بعث الحجاج بن القاسم فاستخرجوه ـ وحملوه ـ على بعير.
    قال هشام : فحدثني نصر بن قابوس قال : فنظرت واللّه إليه حين أقبل به على جمل قد شدّ بالحبال وعليه قميص أصفر هروي ، فأُلقي من البعير على باب القصر فخرّ كأنّه جبل. فأمر به فصلب بالكناسة ، وصلب معه معاوية بن إسحاق ،


(322)
وزياد الهندي ونصر بن خزيمة العبسي (1) وعن ابن عساكر : « وأمر بحراستهم وبعث بالرأس إلى الشام فصلب على باب مدينة دمشق ثم أرسل إلى المدينة » (2).
    « وقال الوليد بن محمد : كنّا على باب الزهري إذ سمع جلبة ، فقال : ما هذا ياوليد؟ فنظرت ، فإذا رأس زيد بن علي يطاف به بيد اللعانين ، فأخبرته فبكى ، ثم قال : أهلك أهل هذا البيت العجلة! قلت : ويملكون؟ قال : نعم ، وكانوا قد صلبوه بالكناسة سنة احدى أو اثنتين أو ثلاث وعشرين ومائة ، وله اثنتان أو أربع وأربعون سنة ، ثم أحرقوه بالنار فسمّي زيد النار. ولم يزل مصلوباً إلى سنة ست وعشرين ، ثم أُنزل بعد أربع سنين من صلبه. وقيل : كان يوجه وجهه ناحية الفرات فيصيح ، وقد دارت خشبته ناحية القبلة مراراً ، ونسجت العنكبوت على عورته ، وكان قد صلب عرياناً. وقال الموكل بخشبته : رأيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في النوم وقد وقف على الخشبة وقال : « هكذا تصنعون بولدي من بعدي! يابنيّ يازيد ! قتلوك قتلهم اللّه ! صلبوك صلبهم اللّه ! » فخرج هذا في الناس. فكتب يوسف بن عمر إلى هشام أن عجل إلى العراق فقد فتنتهم ! فكتب إليه : أحرقه بالنار ! ، وقال : جرير ابن حازم : رأيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مسنداً ظهره إلى خشبة زيد بن علي وهو يبكي ويقول : « هكذا تفعلون بولدي » ، ذكر ذلك كله الحافظ ابن عساكر في « تاريخ دمشق » (3).
    وفي معجم البلدان : « وعلى باب الكورتين مشهد زيد ، فيه مدفن زيد بن علي بن أبي طالب الذي قتل بالكوفة وأحرق وحمل رأسه فطيف به الشام ، ثم حمل إلى مصر فدفن هناك (4)
    1 ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : 96؛ ونقل الطبري في تاريخه خطبة يوسف بن عمر بعد قتل زيد لاحظ : 5/507.
    2 ـ السيد الاَمين : زيد الشهيد : 77.
    3 ـ صلاح الدين الصفدي : الوافي بالوفيات : 15/34.
    4 ـ ياقوت : معجم البلدان : 8/77 ، مادة مصر.


(323)
    وقال ابن مهنا : « قال الناصر الكبير الطبرستاني لما قتل زيد بعثوا برأسه إلى المدينة ونصب عند قبر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوماً وليلة » (1).
    وقال السيد الاَمين : كأنّهم يريدون أن يقولوا : يامحمد هذا برأس ولدك الذي قتلناه بمن قُتِل منّا يوم بدر نصبناه عند قبرك (2).
    قيل لاَبي نعيم الفضل دكين : كان زهير بن معاوية يحرس خشبة زيد بن علي؟
    قال : نعم ، وكان فيه شر من ذلك ، وكان جده الرحيل فيمن قتل الحسين ( صلوات اللّه عليه ) (3).

الرأي العام في استشهاد زيد :
    إنّ وعاظ السلاطين وشعراء البلاط الاَموي كانوا ينقمون منه وينظمون القريض في ذمّه ، ولمّا صلب أقبل شاعر منهم وقال :
ألا يا ناقض الميثا نقضت العهد والميثا ق أبشر بالذي ساكا قدماً كان قدما كا
    فقيل له : ويلك أتقول هذا لمثل زيد ، فقال : إنّ الاَمير غضبان فأردت أن أرضيه ، فرد عليه بعض الشعراء المخلصين وقال :
    1 ـ ابن مهنا : عمدة الطالب : 258 ، ط النجف.
    2 ـ الاَمين : زيد الشهيد : 80.
    3 ـ المفيد : الاختصاص : 128؛ المجلسي : بحار الاَنوار : 46/181.


(324)
ألا يا شاعر السوء أتشتم ابن رسول اللـ ويوم الحشر لاشك لقد أصبحت أفّاكا ـه وتُرضي من تولاكا فإنّ النار مثواكا (1)
    هذا ولما قتل زيد لبست الشيعة السواد ، ورثوه بقصائد نذكر بعضها :
    1 ـ ما رثى به فضل بن العباس بن عبد الرحمان بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب (ت 129هـ) مصلوب على عمود بالكناسة.
الا ياعين لاترق وجودى غداة ابن النبي أبو حسين يظل على عمودهم ويُمسي تعدى الكافر الجبار فيه فظلّوا ينبشون أبا حسين بدمعك ليس ذا حين الجمود صليب بالكناسة فوق عود بنفسي أعظم فوق العمود فأخرجه من القبر اللحيد خضيباً بينهم بدم جسيد (2)
    وقال أبو ثميلة الآبار يرثي زيداً :
    
أبا الحسين أعار فقدك لوعةً كنت الموَمل للعظائم والنهى فقتلت حين رضيت كل مناضل والقتل في ذات الاِله سجية والناس قد آمنوا وآل محمّد من يلقَ ما لقيت منها يكمد ترجى لاَمر الاَُمة المتأود وصعدت في العلياء كل مصعد منكم وأحرى بالفعال الاَمجد من بين مقتول وبين مشرد (3)

    1 ـ الطبري : التاريخ : 5/506.
    2 ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : 101 ـ 102.
    3 ـ أبو الفرج : مقاتل الطالبيين : 101 ـ 102.


(325)
    وقد رثي الاِمام الثائر بقصائد كثيرة لوجمعت لكانت كتاباً مفرداً ونكتفي في المقام بما جادت به قريحة سيدنا العلامة الاَمين نقتطف منه ما يلي :
لقد لامني فيك الوشاة وأطنبوا أرقتَ وقد نام الخلي ولم أزل عجبت وفي الاَيام كم من عجائب تفاخَرنا قوم لنا الفخر دونها إلى آل مروان يضاف وينسب (صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة فإن تصلبوا زيداً عناداً لجده وإنّا نعد القتل أعظم فخرنا فما لكم والفخر بالحرب إنّها هداة الورى في ظلمة الجهل والعمى كفاهم فخاراً أنّ أحمد منهم وراموا الذي لم يدركوه فخُيّبوا كأنّي على جمر الغضى أتقلّب ولكما فيها عجيب وأعجب على كل مخلوق يجيء ويذهب وما ساءني إلاّ مقالة قائل ولم أر مهدياً على الجذع يصلب) فقد قتُلت رسل الاِله وصلّبوا بيوم به شمس النهار تحجب إذا ماانتمت تنمى إلينا وتنسب إذا غاب منهم كوكب بان كوكب وغيرهم أن يدَّعوا الفخر كذبوا (1)

    1 ـ زيد الشهيد : 78.

(326)

(327)
القسم الثاني :
    وإليك مجمل ما فيه من فصول :
    الفصل الاَوّل : عرض إجمالي للثائرين بعد الاِمام زيد وهم بين داع وإمام.
    الفصل الثاني : أصحاب الانتفاضة.
    الفصل الثالث : أئمة الزيدية ودولتهم في اليمن.
    الفصل الرابع : أئمة الزيدية ودولتهم في طبرستان.
    الفصل الخامـس : الدولة الزيدية في المغرب.
    الفصل السادس : الاَعلام المجتهدون من الزيدية.
    الفصل السابع : شخصيات زيدية ذات اتجاهات خاصة.
    الفصل الثامن : فرق الزيدية في كتب تاريخ العقائد.
    الفصل التاسع : في عقائد الزيدية.
    الفصل العاشــر : في أُمور متفرقة.


(328)

(329)
الفصل الاَوّل
عرض إجمالي للثائرين بعد الاِمام زيد
وهم بين داع وإمام
    إنّ ثورة زيد بن علي كانت ثورة عارمة بوجه الظالمين هزّت وضعضعت أركان الدولة الاَموية وساعدت على إزالتهم عن أديم الاَرض ، وقد استغلّها العباسيون في تنظيم حركتهم لاِقامة دولتهم وقد تركت ثورته في القلوب محبّة للثائر ومن حبا حبوه بشكل قلّ نظيره ، حتى أنّ يحيى بن زيد لما أُطلق سراحه اتّخذ الخراسانيون من قيد قدميه فصوصاً لخواتيمهم ، يتبركون بها ، وهذا يدلّ على عمق تأثير ثورة زيد في قلوب المسلمين. ولاِيقاف القارىَ على الاَحداث التي وقعت بعد ثورته ، نذكر الذين نهجوا منهجه وساروا على دربه ، أخذوا بزمام الثورة وقادوها ، واحداً بعد الآخر ، وإليك أسماءهم أوّلاً ، ثم الاِدلاء بحياتهم وثورتهم ، ثانياً :
    1 ـ يحيى بن زيد ، الذي اشترك مع أبيه في الثورة وبقي بعد مقتل أبيه.
    2 ـ محمد بن عبد اللّه بن الحسن المعروف بالنفس الزكية المستشهد عام 145 هـ ، خرج بالمدينة مطالباً بإرجاع الحقوق إلى أصحابها الشرعيين ، وكان


(330)
محمد قد شارك في ثورة زيد بن علي ولما فشلت عاد إلى المدينة ، وسيوافيك أنّ يحيى بن زيد قد فوّض الاَمر إلى النفس الزكية.
    3 ـ لما قتل محمد بن عبد اللّه قام أخوه إبراهيم بن عبد اللّه في نفس العام في البصرة ، التحق به أنصار زيد بن علي ، لمواصلة القتال من جديد. إلى أن قضى عليه أبو جعفر المنصور في نفس العام.
    4 ـ ولما قتل محمد بن عبد اللّه ، مضى أخوه إدريس بن عبد اللّه إلى المغرب فأجابه خلق من الناس وبعث المنصور من اغتاله بالسم وقام ولده إدريس بن إدريس بن عبد اللّه بن الحسن مقامه ، وأسّس دولة الاَدارسة في المغرب. ذكر تفصيله المسعودي في مروج الذهب (1) وسيوافيك الكلام فيه في محلّه.
    5 ـ عيسى بن زيد بن علي ، أخو يحيى بن زيد ، وقد توارى بعد ثورة أخيه فمات متوارياً عام 166هـ.
    6 ـ محمد بن إبراهيم (طباطبا) ، فقد خرج في خلافة المأمون ودعا إلى الرضا من آل محمد وكانت له أتباع وغلب على بلاد العراق وهزمت جيوش المأمون التي أُرسلت للقضاء عليه ، وصلت سيطرة ابن طباطبا إلى الحجاز حتى أنّ الحسين بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي المعروف بـ « الاَفطس » دعا له بالمدينة ، وتوفي عام 199هـ.
    7 ـ محمد بن محمد بن زيد بن علي ، وكان أبو السرايا قائداً عاماً لجيشه وكان قبل ذلك داعية لابن طباطبا.
    لما توفي محمد بن إبراهيم (طباطبا) هرب أخوه القاسم بن إبراهيم
    1 ـ المسعودي مروج الذهب : 3/296 ، قال : وقد أتينا على خبرهم عند ذكرنا بخبر عبيد اللّه صاحب المغرب ، وبنائه المدينة المعروف بالمدينة.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد السابع ::: فهرس