عن معنى هذا الخير ، فقال : سئل عنها ـ واللّه ـ رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : « اللّه مولاي أولى بي من نفسي لا أمر لي معه ، وأنا ولي الموَمنين أولى بهم من أنفسهم لا أمر لهم معي ، ومن كنت مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معي ، فعلي مولاه أولى به من نفسه لا أمر له معه ». وإذا ثبت ذلك فإنّه يفيد معنى الاِمامة؛ لاَنّا لا نعني بقولنا : فلان إمام إلاّ أنّه أولى بالتصرف في الاَُمّة من أنفسهم ، ولاَنّ لفظ المولى لا يفهم منه [إلاّ] مالك بالتصرف ، كما يقال : هذا مولى العبد ، أي المالك للتصرف فيه ، وهذا يفيد معنى الاِمامة كما تقدم. ومما يدلّ على ذلك من السنّة : (خبر المنزلة) وهو معلوم كخبر الغدير ، وهو قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي : « أنت منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لانبيّ بعدي » ، فاستثنى النبوة ، فدَلَّ ذلك على شموله لخصال الفضل كلها ، ومن جملتها مِلْك التصرف على الاَُمّة ، وأنّه أولى الخلق بالتصرف منهم ، وذلك معنى الاِمامة كما تقدم. وأمّا الاِجماع فإجماع العترة منعقد على ذلك. فصل [في إمامة الحسنين] فإن قيل : لمن الاِمامة بعد علي ( عليه السلام ) ؟ فقل : هي للحسن ولده من بعده ، ثم هي للحسين من بعد أخيه ( عليهما السلام ). فإن قيل : فما الدليل على إمامتهما؟ فقل : الخبر المعلوم ، وهو قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ، وأبوهما خير منهما » ، وهذا نصُّ جَلِيّ على إمامتهما ،
(492)
وفيه إشارة إلى إمامة أبيهما ، لاَنّه لا يكون خيراً منه إلاّ إمام شاركه في خصال الاِمامة وزاد عليه فيها ، فيكون حينئذ خيراً منه ، وهذا واضح ، والاِجماع منعقد على أنّه لا ولاية لهما على الاَُمّة في زمن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولا في زمن علي ( عليه السلام ) إلاّ عن أمرهما ، وأنّه لا ولاية للحسين في زمن أخيه الحسن إلاّ عن أمره ، فبقيت الاِمامة مخصوصة بالاِجماع. فصل [في الاِمامة بعد الحسنين] (1). فإن قيل : لمن الاِمامة بعدهما؟ فقل : هي محصورة في البطنين ومحظورة على من عدا أولاد السبطين ، فهي لمن قام ودعا من أولاد من ينتمي نسبه من قِبَل أبيه إلى أحدهما ، متى كان جامعاً لخصال الاِمامة ، من : العِلْمِ الباهر ، والفضل الظاهر ، والشجاعة ، والسخاء ، وجودة الرأي بلا امتراء ، والقوة على تدبير الاَُمور ، والورع المشهور. فإن قيل : ما الذي يدل على ذلك؟ فقل : أمّا الذي يدلّ على الحصر فهو أنّ العقل يقضي بقبح الاِمامة ، لاَنّها تقتضي التصرف في أُمور ضارة من القتل ، والصّلب ، ونحوهما ، وقد انعقد إجماع المسلمين على جوازها في أولاد فاطمة ( عليها السلام ) ، ولا دليل يدل على جوازها في غيرهم ، فبقي من عداهم لا يصلح ، ولاَنّ العترة أجمعت على أنّها لاتجوز في غيرهم ، وإجماعهم حجّة. وأمّا الذي يدلّ على اعتبار خصال الاِمامة التي ذكرنا فهو إجماع المسلمين. فإن قيل : فسّروا لنا هذه الخصال. فقل : أمّا العلمُ ، فإنّه يكون عارفاً بتوحيد اللّه وعدله ، وما يدخل تحت ذلك ،
1 ـ الاِمامية قائلة بالنصّ بعدهما إلى الاِمام الثاني عشر ، فالمخالفة بين الطائفتين واضحة في هذا المقام.
(493)
وأن يكون عارفاً بأُصول الشرائع وكونها الاَدلة ، وهي أربعة : الكتاب ، والسنّة ، والاِجماع ، والقياس ، والمراد بذلك أن يكون فهماً في معرفة أوامر القرآن والسنّة ونواهيهما ، وعامّهما ، وخاصّهما ، ومجملهما ، ومبينهما ، وناسخهما ، ومنسوخهما ، عارفاً بمواضع الوفاق ، وطُرُق الخلاف في فروع الفقه ، لئلاّ يجتهد في مواضع الاِجماع ، فيتحرى في معرفة القياس والاجتهاد ، ليمكنه ردّ الفرع إلى أصله. وأمّا الفضل ، فأن يكون أشهر أهل زمانه بالزيادة على غيره في خصال الاِمامة أو كأشهرهم. وأمّا الشجاعة ، فإنّه يكون بحيث لا يجبن عن لقاء أعداء اللّه ، وأن يكون رابط الجأش وإن لم يكُثُر قَتْلُه وقِتالُه. وأمّا السخاء ، فأن يكون سخياً بوضع الحقوق في مواضعها. وأمّا جودة الرأي ، فأن يكون بالمنزلة التي يُرْجَعُ إليه عند التباس الاَُمور. وأمّا القوة على تدبير الاَُمور ، فلا يكون منه نقص في عقله ، ولا آفة في جسمه ، يضعف لاَجل ذلك عن النظر في أُمور الدّين وإصلاح أحوال المسلمين. وأمّا الورع ، فأن يكون كافّاً عن المقبحات ، قائماً بالواجبات. فرع [في طريق معرفة مواصفات الاِمام] فإن قيل : فما الطريق إلى إثبات كونه على هذه الخصال؟ فقل : أمّا كونه عالماً فيحصل العلم به للعلماء بالمباحثة والمناظرة ، ويحصل لغيرهم من الاَتْباع العلم بكونه عالماً بوقوع الاِطباق والاِجماع على كونه كذلك. وأمّا سائر الخصال فلابد من حصول العلم بكونه عليها ، وإن كان غائباً ، فإنّه يحصل العلم التواتري بذلك ، وكذلك حكم العلم إذا كان غائباً ، فإن طريق العلم به
(494)
الاَخبار المتواترة للعلماء وغيرهم ، وإن كان حاضراً فلابد من حصول العلم بكونه جامعاً لها ، لاَنّها من أُصول الدين ، فلايأخذ بالاَمارات المقتضية للظن بكونه جامعاً لها. فصل [الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
فإن قيل : فماذا تدين به في الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ فقل : أدين اللّه تعالى أنّه يجب الاَمر بالمعروف الواجب والنهي عن المنكر؛ لقوله تعالى : « وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُون » [آل عمران : 104] ، وإنما قلنا : إنّه يجب الاَمر بالمعروف الواجب؛ لاِجماع المسلمين أنّه لا يجب الاَمر بالمعروف المندوب ، فلم يبق إلاّ القضاء بالاَمر بالمعروف الواجب مع الاِمكان وإلاّ بطلت فائدة الآية ، ومعلوم خلاف ذلك ، وقلنا : يجب النهي عن كل منكر لاِجماع المسلمين على ذلك؛ ولاَنّ المنكرات كلها قبائح فيجب النهي عنها جميعاً مع الاِمكان ، كما يلزم الاَمر بالمعروف الواجب مع الاِمكان.
(المعاد) فصل [في الوعد والوعيد]
فإن قيل : فماذا تدين به في الوعد والوعيد؟ فقل : أدين اللّه بأنّه لابدّ من الثواب للموَمنين إذا ماتوا على الاِيمان مستقيمين ، ودخولهم جنات النعيم : « لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِمُخْرَجِينَ » [الحجر : 48] « خَالِدِينَ فِيْها أَبَداً ».
(495)
وأدين اللّه بصحة ما وعد به من سعة الجنة ، وطيب مساكنها ، وسرُرها الموضوعة ، ومآكلها المستلذة المستطابة ، وفواكهها الكثيرة التي ليست بمقطوعة ولا ممنوعة ، وأنهارها الجارية التي ليست بمستقذرة ولا آسنة ، ولا متغيرة ولا آجنةٍ ، وملابسها الفاخرة ، وزوجاتها الحسان الطاهرة ، والبهية النّاضِرة ، ونحو ذلك مما بيّنه اللّه تعالى في كتابه المجيد ، وهو حقّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم حميد. وأدين اللّه تعالى أنّه لابدَّ من عقاب الكافرين في جهنم بالعذاب الاَليم ، وشراب الحميم ، وشجرة الزَّقُّوم طعام الاَثيم ، وأنّهم يخلّدون فيها أبداً ، ويلبسون ثياباً من نار ، وسرابيل من القَطِران ، كلّما نضجت جلودُهم بدّلهم اللّه جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب ، وكل ذلك معلوم من ضرورة الدين. فصل [في أهل الكبائر] فإنّ قيل : ماذا تدين به في أهل الكبائر سوى أهل الكفر؟ فقل : أُسمّيهم : فُسّاقاً ، ومجرمين ، وطغاة ، وظالمين ، لاِجماع الاَُمّة على تسميتهم بذلك ، ولا أُسمّيهم كفاراً على الاِطلاق ، ولاموَمنين (1) لفقد الدلالة على ذلك. وأدين اللّه تعالى بأنّهم متى ماتوا مُصرّين على الكبائر فإنّهم يدخلون نار جهنم ، ويخلّدون (2) فيها أبداً ، ولا يخرجون في حال من الاَحوال ، لقوله تعالى :
1 ـ عند الاِمامية أنّهم موَمنون وللاِيمان درجات ومراتب وقد أوضحنا الحال في الجزء الثالث من هذه الموسوعة عند الكلام عن الاَصل الرابع للمعتزلة : المنزلة بين المنزلتين. 2 ـ عند الاِمامية أنّهم غير مخلدين وقد أوضحنا الحال في الجزء الثاني عند الكلام في الوعد والوعيد عند المعتزلة.
(496)
« إنَّ المُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهّنمَ خَالِدُونَ » [الزخرف : 74] ، والفاسق عاصٍ ، كما أنّ الكافر عاصٍ ، فيجب حمل ذلك على عمومه ، إلاّ ما خصّته دلالةٌ. وقوله تعالى : : « والَّذينَ لا يَدْعون معَ اللّهِ إِلهاً آخرَ لاَ يَقْتُلُونَ النّفْسَ الّتِي حَرَّمَ اللّه إِلاّ بالحقّ وَلاَ يَزْنُوْنَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيامَةِ وَيَخَلُد فِيهِ مُهَاناً » [الفرقان : 68 ـ 69]. وإجماع العترة على ذلك ، وإجماعهم حجة. فصل [في صفة الموَمن وما يجب في حقّه] فإن قيل : فمن الموَمن ، وما يجب في حقه؟ فقل : الموَمن من أتى بالواجبات ، واجتنب المُقَبّحات ، فمن كان كذلك؛ فإنّا نسميه : موَمناً ، ومسلماً ، وزكياً ، وتقياً ، وبراً ، وولياً ، وصالحاً ، وذلك إجماع ، ويجب : إجلاله ، وتعظيمه ، واحترامه ، وتشميته ، وموالاته ، ومودّته ، وتحرم : معاداته ، وبُغضُه ، وتحظر : نميمته ، وغيبَتُهُ ، وهو إجماع أيضاً ، ومضمون ذلك أن تُحِبَّ له ما تحب لنفسك ، وتكره له ما تكره لنفسك ، وبذلك وردت السنّة. فصل [في صفة الكافر] فإن قيل : فمن الكافر؟ فقل : من لم يَعْلَمْ له خالقاً ، أو لم يَعْلَم شيئاً من صفاته التي يتميز بها عن غيره ، من كونه قادراً لذاته ، عالماً لذاته ، حياً لذاته ، ونحو ذلك من صفاته المتقدمة ، فمن جحد شيئاً من ذلك أو شك أو قلد ، أو اعتقد أنّه في مكان دون مكان ، أو أنّه
(497)
في كل مكان ، أو شكّ في ذلك ، أو اعتقد له شريكاً أو أنّه يفعل المعاصي أو يُرِيدها ، أو يَشُكّ في شيء من ذلك ، أو جحد رَسُولَ اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو ردّ ما عُلم من الدّين ضرورة باضطراب أو شك في شيء من ذلك ، فهو كافرٌ بالاِجماع ، ويجوز أن نسمّيه : فاجراً ، وفاسقاً وطاغياً ، ومارقاً ، ومجرماً ، وضالماً ، وآثماً ، وغاشماً ، ونحو ذلك من الاَسماء المشتقة من أفعاله بلا خلاف. وإن كان يُظهرُ الاِيمان ويبطنُ الكفر ، جاز أن نسميه مع ذلك : منافقاً ، بالاِجماع. ومن كانت هذه حالته ـ أعني غير المنافق ـ جاز قتله وقتاله ، وحصره ، وأخذ ماله ، وتجب معاملته بنقيض ما ذكرنا أنّه يجب من حقّ الموَمن ، وقد ذكرنا أحكامه مفصّلة في (ثمرات الاَفكار في أحكام الكفار). فصل [في صفة الفاسق] فإن قيل : فمن الفاسق وما حكمه؟ قلنا : أمّا الفاسق فهو مُرْتَكِبُ الكبائر سوى الكفر ، نحو الزاني ، وشارب الخمرة ، والقاذف ، ومن فرّ من زحف المسلمين غير متحرفٍ لقتال ولا متحيز إلى فئة ، وتاركُ الجهاد بعد وجوبه عليه ، وتاركُ الصلاة ، والصيام ، والحج ، مع وجوب ذلك عليه ، غيرُ مُستحلّ لتركه ولا مستخفّ ، والسارق من سرق عشرة دراهم ـ أي قفلة ـ فما فوق بغير حق ، ونحو ذلك من الكبائر ، فمن فعل ذلك أو شيئاًمنه ، فإنّه يجوز أن نسميه بالاَسماء المتقدمة قبل هذه في الكافر ، إلاّ لفظ : الكافر ، والمنافق ، فإنّ ما عداهما إجماع أنّه يجوز تسميته به ، وأمّا المنافق فلا بد من دلالة تدل على
(498)
جواز إطلاقه عليه ، وأمّا لفظ : الكافر ، فمنعه كثير من العلماء ، وأجاز إطلاقه جماعةٌ مع التنبيه ، فقالوا : هو كافر نعمة ، وهو الصحيح؛ لاَنّه مروي عن علي ( عليه السلام ) ، وهو إجماع العترة ، ولِمُوافقة الكتاب. وأمّا حكمه فحكم الكافر فيما تقدم إلاّ القتل والقتال ، وأخذ الاَموال فلا يجوز إلاّ بالحق ، ولايجوز قتله على الاِطلاق ، وكذلك حصره فلا يجوز بحال من الاَحوال. فرع [في الفرق بين فعل اللّه وفعل العبد]
فإن قيل : ما الفرق بين فعل اللّه وبين فعل العبد؟ فقل : فعل اللّه جواهر وأعراض وأجسام ، يعجز عن فعلها جملة الاَنام ، ومضمونه أنّ كلما وقف على قصد العبد واختياره تحقيقاً أو تقديراً فهو فعله ، ومالم يكن كذا فليس بفعله. فصل [في أنّه لا بد من الموت والفناء] ثم قل أيُّـها الطالب للنجاة : وأدين اللّه تعالى بأنّه لا بد من الموت والفناء ، والاِعادة بعد ذلك للحساب والجزاء ، والنفخ في الصور ، وبعثرة القبور ، والحشر للعرض المشهور ، والاِشهاد على الاَعمال بغير زور ، ووضع الموازين ، وأخذ الكتب بالشمال واليمين ، والبعث والسوَال للمكلفين ، وأن ينقسموا فريق في الجنّة وفريق في السعير ، وكل ذلك معلوم من ضرورة الدين ، وأنّه لابد من المناصفة بين المظلومين والظالمين ، لدلالة العدل بيقين.
(499)
فصل [في الشفاعة] فإن قيل : ما تقول في الشفاعة؟ فقل : أدين اللّه تعالى بثبوتها يوم الدين ، وإنما تكون خاصة للموَمنين (1) ـ دون من مات مصـرّاً من المجرمين على الكبائر ـ ليزيدهم نعيماً إلى نعيمهم ، وسروراً إلى سرورهم ، ولمن ورد العَرْضَ وقد استوت حسناته وسيئاته ، فيشفع له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )؛ ليرقى درجة أعلى من درجة غير المكلفين من الصبيان والمجانين ، وإنّما قلنا : إنّه لا بد من ثبوتها ، لقوله تعالى : « عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً » [الاِسراء : 79] ، قيل : هو الشفاعة ، وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « من كذب بالشفاعة لم ينالها يوم القيامة ». وأمّا أنّها تكون لمن ذكرناها ، فلقوله تعالى : « مَا لِلظّالمينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَشَفِيعٍ يُطَاعُ » [غافر : 18] ، « مَا لِلظّالِمينَ مِنْ أَنْصَار » [البقرة : 270] ، وقول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « ليست شفاعتي لاَهل الكبائر من أُمتي » ، وقوله تعالى : « وَلاَيَشْفَعُونَ إِلاّ لِمَنِ ارْتَضَى » [الاَنبياء : 28] كل ذلك يدلُّ على ما قلنا. وتم بذلك ما أردنا ذكره للمسترشدين ، تعرّضاً منّا لثواب ربّ العالمين ، ربّنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة إنّك أنت الوهاب. وصلّ اللّهم وسلم على محمد صفيك وخاتم أنبيائك ، وعلى آله سفن النجاة آمين. وتوفنا مسلمين آمين اللّهمّ
آمين.
1 ـ أراد بالموَمنين العدول وعند الاِمامية يعم العادل والفاسق وقد بينا الدليل في الجزء الثالث عند الكلام في الشفاعة عند المعتزلة. وهذه المواضع الثلاثة ، هي من مواضع الاتفاق بين المعتزلة والزيدية.
وهناك رسالة أُخرى في عقائد الزيدية باسمّ « مصباح العلوم في معرفة الحيّ القيوم » للعلامة أحمد بن الحسن الرصاص المتوفّى عام 600 ـ أو ـ 650وعلى كل تقدير فالرسالة تنتمي إلى النصف الاَوّل من القرن السابع كالرسالة السابقة وهي معروفة بالثلاثين مسألة ، وقد حقّقها الدكتور محمد عبد السلام كفافي أُستاذ الآداب الاِسلامية بجامعة القاهرة وجامعة بيروت العربية وقوّم نصّها بالعثور على مخطوطات في مكتبة المتحف البرطاني بلندن ، ولها نسخ في مكتبات أوربا يقول المحقق : « والظاهر من كثرة عدد النسخ أنّ هذه الرسالة كانت ذائعة بين أتباع المذهب الزيدي ولاعجب في ذلك فهي تلخص معتقداتهم تلخيصاً وافياً في صفحات قلائل » (1). إنّ تعاصر الموَلفين وتقارب مضامين الرسالتين ، ورغبة القراء إلى الاختصار حفزتنا إلى نشر الرسالة الاَُولى فقط.
1 ـ مصباح العلوم : المقدمة 5.