كتاب بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: 331 ـ 340
(331)
الملامح العامّة للقرامطة
    قد تعرّفت على الفرق الاِسماعيلية ، وإنّ منها القرامطة الّذين قالوا بإمامة محمد بن إسماعيل وغيبته ، وبذلك عطّلوا الاِمامة ، وانقطعوا عن الركب الاِمامي ، وحيث إنّه كان لهم دور في الاَعصار الغابرة لا بأس بذكر ملامحهم العامّة ، وفرقهم ، وعقائدهم ، وما قاموا به من الاَحداث الاِرهابيّة ، وقد وجدنا أنّ ما كتبه « طه ولي » حول تلك الفرقة في كتابه « القرامطة أوّل حركة اشتراكية في الاِسلام » هو أبسط ما كتب عنهم ، فقمنا بتلخيص ما جاء في هذا الكتاب من المواضيع الهامّة.
    القرامطة من إحدى الفرق الباطنية الّتي شغلت السلطات العباسيّة قُرابة قرن من الزمن ، وأشاعت الاضطرابَ والقلقَ في الشرق العربي ، بما خَلَقْته من أفكار ثوريّة ، ما تزال آثارها باقية إلى أيّامنا الحاضرة ، عبر الطوائف الدينية التي تحمل أسماءً مختلفة.
    إنّ القرامطة جاءت من معنى لغويّ وهو قَرمطَ الرجلُ في خَطْوه ، إذا قارب بين السطور في كتابته ، ويقال : إنّ حمدانَ بن الاَشعث موَسّس هذه الفرقة سُمي قرمط لقصر قامته ورجليه.

أسباب نشوء الحركة القرمطيّة وموَسّسها :
    إنّ كلمة قَرمط بدأت بحمدان بن الاَشعث ، وهو الذي نزل عنده الداعي الموَسِّس لهذه الفرقة : الحسين الاَهوازي ، الذي جاء من ناحية خوزستان ، وهذه التسمية ـ أي القرامطة ـ لم تتخذّها هذه الفرقة الباطنيّة لنفسها ، وإنّما أطلقها أعداوَها عليها في العهود المبكِّرة لقيامها.


(332)
    والحديث عن العوامل التي أدّت إلى نشوء الحركة القرمطية ، وقيام دولة القرامطة ، ذو شجون ، والخوض فيه يحتاج إلى تفصيلات ، لا يتسع لها مجال هذه الدراسة ، التي قصدنا بها التعريف بالقرامطة ، وحركتهم بأكثر ما أمكننا من الاِيجاز ، دون الدخول في التناقضات التي تميّزت بها أقوال المحققين.
    كان المجتمعُ الاِسلامي ، في أواخر العهد الاَُموي يسير في طريق مُظلم ، وأنّ الدولة الاَُمويّة الحاكمة ، العربيّة النزعة والطابع ، كما هو جليّ وواضح في تاريخها لم تكن تعتمد إلاّ على العناصر الخالصة التي تنحدر من أصل عربي فلم يُعِنْ بنو أُمية بغير قومهم العرب ، فمنهم الولاة والقوّاد ، وروَساء الدولة ، والعمال وحكّام الاَقاليم ، والمقاطعات ، فضلاً عن أنّ زمام الاَسواق التجارية والمهنيّة والزراعيّة ، والنفوذ والجاه ، كان أيضاً بأيديهم ، وبأيدي أنصارهم ، ولهذا كره الموالي (غير العرب) حكمهم ، وعملوا على إسقاطهم وكانوا معاول هدم في كيان الدّولة الاَُمويّة.
    إنّ المجتمع الاَُموي كان يقوم على سيادة العنصر العربيّ ، فكان لا يتمكن أيُّ إنسان من الانتساب إلى صفوفه إلاّ بطريق الولادة ، ولم يكن أفراده يدفعون الضرائب عن أراضيهم ، وكانوا وحدهم أصحاب الحقّ ، بأن يتجنّدوا في الاَمصار ، ويقبضوا الرواتب الشهرية المغرية ، فضلاً عن حقّهم بالاَعطية من غنائم الفتوح ، ولم يكن حلول العباسيين محلّالاَُمويين أكثر من مجرد تغيير الاَُسرة الحاكمة.
    وبذلك تبين أنّالاَسباب التي أدّت إلى قيام الحركة القرمطية كانت هي أيضاً في جوهرها حركة قوميّة إقليميّة وإقتصاديّة واجتماعيّة ، ولعلّنا لا نأتي بجديد حين نقول : إنّالاَُمويين بسياستهم هذه : قد مهّدوا الطريق لمن يريد ضرب الدّولة الاِسلامية ، وكان أفضل وسيلة للمنفعلين بهذه الاَسباب أن اتخذوا من الصراع العقائدي بين بني أُميّة وبين بني هاشم ، ذريعة لتقويض الحكم العربي العنصريّ ، ونقض التعاليم الاِسلاميّة ، وذلك بادّعائهم الولاء للهاشميين في مطالبتهم


(333)
بحقّهم بالخلافة دون الاَُمويين.
    وهكذا تكون كلّ الحركات الباطنيّة توسلتْ بشعار الولاء لآل البيت النبوي ، من أجل الوصول إلى هدف واحد وهو الثأر من حكام الوقت الّذين أشاعوا البدع الجاهليّة ، تحت غطاء الاِسلام ، ومنها التركيز على العنصر العربي ، والحط من الموالي المسلمين.
    كان ابتداء الدّعوة القرمطيّة في البحرين عن طريق رجل يُعرف بيحيى بن المهدي ، الذي قصد بلدة القطيف ، وحلّ فيها ضيفاً على رجل يُعرف بعلي بن المعلى بن حمدان ، مولى الزياديّين ، فأظهر له يحيى أنّه رسولُ المهدي ، وكان ذلك في سنة 281 هـ ، وذكر أنّه خرج إلى شيعته في البلاد ، يدعوهم إلى أمره وأنّ ظهوره قد قَرُب ، فأخبر عليُّ بن المعلى ، الشيعةَ من أهل القطيف ، وقرأ عليهم الكتاب ، الذي مع يحيى بن المهدي ، المرسل إليهم من المهديّ ، فأجابوه ، وأنّهم خارجون معه ، إذا ظهر أمره. ووجّه إلى سائر قرى البحرين بمثل ذلك ، فأجابوه وكان أبو سعيد الجنابيّ يبيع للناس الطعامَو يحسب لهم بيعهم.
    ويقول موَلّف « البحرين عِبر التاريخ » : إنّحمدان قرمط ابن الاَشعث ، هو موَسّس حركة القرمطيين في واسط بين الكوفة والبصرة ـ حيث أنشأ داراً للهجرة ، وجعلها مركزاً لبث الدّعوة ، ثمّ كلّف دعاته بإنشاء فروع للحركة ، أهمّها على الاِطلاق فرعُ البحرين الذي أقامه أبو سعيد الجنابي.

فرق القرامطة :
    القرامطة توزّعوا في أيّام ظهورهم إلى ثلاث فرق ، ومرّوا في ثلاث مراحل ، وتقلّبوا في ثلاثة أدوار :
    الفرقة الاَُولى : وهي قرامطة السّواد ـ أي سواد العراق ـ وقد أطلق لفظُ السواد على هذه المنطقة لكثرة النخيل الذي يُغَطِّي أرضها ، ويطلق على هذه الفرقة


(334)
كذلك ، اسم قرامطة الشمال ، وأبرز دعاتهم « داندان » و « حمدان » و « عبادان » و « آل مهرويه ».
    الفرقة الثانية : قرامطة البحرين أو الخليج في شطه الغربي ، وأبرزُ دعاتهم آل الجنابي.
    الفرقة الثالثة : قرامطة القطيف وجنوبي البصرة ، وأبرز دعاتهم أبو حاتم البوراني ، وأبو الفوارس ، وهذا يُعدُّ من كبارهم ، وله مع الخليفة العباسي « المعتضد » محاورة مشهورة ، ويُعتبر من أقوى الدعاة الّذين عرفهم القرامطة في تاريخهم.

انقسام القرامطة إلى حركتين بعدما كانت حركة واحدة
    عندما هلك سليمان بن الحسن الجنابي « أبو طاهر » ، زعيم الدولة القرمطية في البحرين ، الذي هتك حرمة الكعبة ، وقتل الكثير من الحجاج ، ترك أولاداً غير أكفاء لخلافته في الزعامة ، فتنافس أخواه سعيد وأحمد على الولاية ، وأدّى هذا التنافس إلى انقسام جماعة القرامطة إلى حركتين متعاديتين بعدَ أن كانوا حركة واحدة متجانسة ، وكان على رأس إحدى هاتين الحركتين أبناء سليمان (أبو طاهرالجنابي ) ومعهم سابور ، وعمه أحمد ، وانضم إليهم كبار هذه الطائفة ، وكان هوَلاء خاضعين للعُبيديين في المغرب يتلقون منهم التوجيه وينفِّذون تعاليمهم ، وقد أطلقوا على أنفسهم اسم « الفرقة العقدانية » أي أصحاب العقيدة.
    وعلى رأس الحركة الثانية ، سعيد المذكور الذي رفض التبعية للعُبيديين وآثر الاستقلال بشوَونه ، ولاَجل تقوية مركزه ضد العبيديّين ، الذين لم يعترفوا به ، اتجه لمصانعة العباسيين الذين سارعوا لموآزرته بهدف تعميق الانقسام في صفوف هوَلاء القرامطة ، لكي يسهل التخلص منهم جميعاً ، وقد أدّى هذا الانقسام الذي رافقته حروب دامية بين الحركتين إلى التعجيل بنهاية القرامطة كقوة سياسية ومذهبية.


(335)
عقائد القرامطة
    إنّ عقائد القرامطة ، هي مزيج من الحق والباطل شأن كلّ فرقة زائفة ، فأخذت بتبنّي الاِمامة لاَئمّة أهل البيت وإظهار الاِخلاص لهم ، ورفض الحكومات الاَُموية والعباسية المخالفة للقرآن والسنّة والسيرة النبوية.و إليك بعض عقائدهم بشكل موجز :

1 ـ نظرية الحلول عند القرامطة
    والقرامطة ، قالوا بنظرية الحلول أو ما يسمى عند بعض الطوائف المعاصرة باسم حلول اللاهوت بالناسوت ، فذهبوا إلى أنّأئمّتهم حلّت فيهم شخصيات الاَنبياء السابقين الذين بعثهم اللّه في الاَُمم الغابرة ابتداءً من آدم وانتهاءً بمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم بل أنّهم تجاوزوا الاَنبياء.
    لما دخل عبيد اللّه المهدي إلى رقادة بالمغرب مدحه محمد البديل ، أحد موظفي الديوان عند أبي قضاعة بقوله :
حل برقادة المسيح حل بها أحمد المصفّى حل بها ذو المعالي حل بها آدم ونوح حل بها الكبش والذبيح و كل شيء سواه ريح

2 ـ الغلو عند القرامطة
    تعتقد القرامطة أنّ الاِمام القائم هو محمد بن إسماعيل الذي يبعث بالرسل ، ويسن شريعة جديدة ينسخ بها شريعة النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
    كما يعتقد القرامطة بأنّ روح اللّه تعالى تحل في أجساد أئمتهم فتعصمهم


(336)
من الزلل وترشدهم إلى صالح العمل.
    وهم يعتقدون أيضاً أنّ أئمّتهم السبعة هم السبع المثاني الذين أشار القرآن الكريم إليهم ، ورفعوهم إلى حدّ المغالاة.

3 ـ التأويل الباطني في تفسير القرآن
    تفردت الباطنية بتفسير القرآن الكريم على طريقة التأويل الباطني ، وهو أن يتجاوز الاِنسان المعنى الظاهري للآية ويتجه إلى فهمها عن طريق تفسير كلماتها بما يخيل إليه أنّه المقصود الحقيقي من كلام اللّه ، ومن الطبيعي أن يعتمد الباطنيون هذه الطريقة لتحميل الآيات المعنى الذي يوَيد وجهة نظرهم وأفكارهم المذهبية.
    إنّ التأويل بمعناه الواقعي لدى الاِسماعيليين يختلف عن التفسير المعمول به لدى عامة الفرق الاِسلامية الاَُخرى ، والتفسير معناه جلاء المعنى لكلّ كلمة غامضة لا يفهم معناها القارىَ والتأويل باطن المعنى أو رمزه أو جوهره وهو حقيقة مستترة وراء لفظة لا تدل عليها ، ومن هنا أعطى النظام الاِسماعيلي ـ ومثله القرمطي ـ الفك ـ ري صلاحية التفسير للناطق ووهب صلاحية التأويل للاِمام ، فالناطق اعتبر ممثلاً للشريعة والاَحكام والفقه والقانون الظاهر ، والاِمام اعتبر ممثلاً للحقيقة والتأويل ، و الفلسفة والباطن ، ومن الواضح أنّ أوّل منهاج دعوا إليه هو نظام التأويل ، فإنّهم هذّبوه وصقلوه بأفكارهم وأدخلوا فيه النظرية العقلية التي تشذب الفعل والتسليم ليثبتوا للعالم الاِسلامي انّهم من العريقين في فهم الاَُصول الاِسلامية ، فقالوا بالباطن وضرورته كما قالوا بالظاهر إلى جانبه ، فلا يقبل الظاهر دون الباطن ، ولا ينفع الباطن دون الظاهر ، لاَنّ الباطن والظاهر كالجسد والروح تولد في اجتماعهما الفوائد ومعرفة المقاصد.
    إنّ للقرآن مدلولاً ، ظاهرياًو باطنياً ، فالمعنى الظاهري واللغوي ليس هو المقصود بالذات والتمسك بهذا المعنى يوجب العذاب والمشقة ، أمّا الاَخذ


(337)
بالمعنى الباطني فهو يوجب الانشراح والسعادة ، لاَنّه يقضي بترك التكاليف والاَعمال الظاهرة وكان ابن ميمون يدس هذه الفكرة بصورة خفية وباطنة وما كان يتظاهر بها تجاه غير الاِسماعيليين ـ القرامطة ـ ولذلك كانت هذه الطريقة مبالغ فيها.

نهاية القرامطة سياسياً وعسكرياً
    في منتصف القرن الرابع الهجري دخل القرامطة النهاية لاَسباب ذاتية وأُخرى خارجية ، وما لبثوا أن زالوا عن مسرح الصراع في المشرق العربي من الناحيتين السياسية والعسكرية.

الاَسباب الذاتية
    من الواضح أنّ الحركة القرمطية لم تستطع إخفاء مقاصدها الحقيقية في محاربة العقيدة الاِسلامية الصحيحة لا سيما بعد الانتصارات المحلية لبعض زعمائها على السلطة العباسية ، فقد أساء المتأخرون من هوَلاء الزعماء التصرف بالنسبة للمجتمع الاِسلامي آنذاك ، حتى أنّ العبيديين وهم على منوالهم في الاتجاه السياسي والعقائدي اضطروا إلى أن يتبرأوا منهم وأن يهاجموهم عسكرياً في أماكن تواجدهم ، حيث أوعزوا إلى قائدهم العسكري « جوهر الصقلي » بأن يذيع بياناً يستنكر فيه أعمال القرامطة ويتبرّأ من تصرفاتهم المغايرة للاِسلام والضارة بالمسلمين ، على أنّجوهر لم يكتف بهذا البيان بل حاربهم فعلاً على أرض فلسطين في الرملة (سنة 368 هـ) و كانت هذه المعركة بداية النهاية بالنسبة للحركة القرمطية ولاَتباعها على مختلف المستويات وفي جميع البلدان التي انتشروا فيها بقوة الدعاية التبشيرية أو بقوة السلاح والاَرهاب.
    وإنّه يمكن القول بأنّ حادثة العدوان الذي قام به القرامطة على مكة


(338)
المكرمة بقيادة أبي طاهر الجنابي ، وما رافق ذلك من قتل الحجاج ، واقتلاع الحجر الاَسود من مكانه ، وأخذه إلى هجر ، إنّ هذه الحادثة كانت بمثابة القنبلة الموقوتة التي انفجرت بعد حين ودمرت الكيان القرامطي من أساسه ، حتى أنّ أبا محمد عبيد اللّه الذي أسس الدولة العبيدية وكان هو نفسه قرمطي العقيدة استهول هذه الحادثة وأفزعته مضاعفاتها السلبية في الاَوساط الاِسلامية ، فأرسل كتاباً لنظرائه قرامطة البحرين ينكر فيه عليهم فعلتهم الشنيعة ويلوم أبا طاهر المذكور ويلعنه ويقيم عليه القيامة ، بقوله :
    قد حقّقت على شيعتنا ودعاة دولتنا اسم الكفر والاِلحاد بما فعلت وإن لم ترد على أهل مكة وعلى غيرهم من الحجاج ما أخذت منهم ، وترد الحجر الاَسود إلى مكانه ، وترد كسوة الكعبة فأنا بريء منك في الدنيا والآخرة.
    وهذه الحادثة المشوَومة كانت (سنة 317 هـ) و هنا فإنّنا نرى من الفائدة تسجيل وجهة نظر القرامطة في هذه الحادثة كما عبّر عنها أبو طاهر القرمطي الذي اقترف هذه الجريمة النكراء ، وذلك من خلال الشعر الذي قاله في هذه المناسبة ، والرد الذي أرسله إلى الخليفة العباسي المقتدر باللّه.
    قال أبو طاهر في تبرير اقتلاع الحجر الاَسود والعدوان على البيت الحرام :
فلو كان هذا البيت للّه ربّنا لانّا حججنا حجة جاهلية و انّا تركنا بين زمزم والصفا و لكن ربّ العرش جلّ جلاله لصب علينا النار من فوقنا صبا مجللة لم تبق شرقاً ولا غرباً كتائب ، لا تبغي سوى ربها ربا لم يتخذ بيتاً ولم يتخذ حجبا
    ومن العوامل الذاتية الاَُخرى التي أضعفت القرامطة وأدّت إلى ذهاب ريحهم واضمحلال شوكتهم ، الانقسام الذي فرّق أمرهم فيما بينهم ، وخاصة بعد موت أبي طاهر سليمان مما اضطرهم إلى تعديل نظام (مجلس العقدانية) وتحويله (إلى مجلس السادة) الذي أوهن قيادتهم المركزية ، والحروب التي شنها بعضهم على


(339)
بعض في عهدي أبي طاهر والاعلم خارج مركز قوتهم (البحرين) ممّا كبدهم أموالاً طائلة ، وأضعف مواقفهم بعد كل معركة ، وأدى إلى قيام حركات انفصالية داخل مجموعتهم لا سيما في عمان وا ليمن.

الاَسباب الخارجية
    أمّا الاَسباب الخارجية التي أدّت إلى زوال الحركة كدولة ونظام ومجتمع ، فإنّ الموَرخين يردّون ذلك إلى الظواهر السلبية التي عانوا منها في أُخريات أيامهم وهي التالية :
    1 ـ ظهور دولة بني بويه المناوئة للقرامطة التي نجحت في جرهم إلى حروب جانبية خلقت لهم أعداء من كلّ جانب ، وخاصة من الدولة العبيدية المصرية.
    2 ـ قلة الاَموال التي كانت بحوزتهم ، فلم يعودوا يتمكنون من الاستمرار في صرف المعتاد من العطايا على البدو ممّا أضعف موالاة هوَلاء لهم ، وتحوّلوا عنهم إلى العباسيين لهذا السبب.
    3 ـ انقلاب قبائل إقليم البحرين نفسها عليهم ، مثل : بني عقيل وبني تغلب ، ونجاح هذه القبائل بالتغلب على بعض أطراف الدولة القرمطية مثل القطيف وما جاورها.
    4 ـ ومن العوامل الخارجية الاَُخرى التي قادت القرامطة إلى نهايتهم وتلاشيهم أنّ أسيادهم وحلفاءهم ورفاقهم في الاتجاه المذهبي والمبادىَ العقائدية ، نعني : العبيديين حكام القاهرة ، انقلبوا عليهم بعد أن ضاقوا ذرعاً بتأرجحهم بين الولاء لبغداد وبين الاستسلام للقاهرة ، وبخروجهم عن كلّحد ، وزاد غيّهم وسفكهم للدماء وغزوا مكة وفتكوا بالحاج واقتحموا البيت الحرام ، ولمّا ذهبوا في جرأتهم إلى مهاجمة الدولة الفاطمية ذاتها في الشام وانتزعوا منها دمشق وهاجموها في مصر منزلها الجديد ، تنكرت لهم وأنكرت ثورتهم وتبرأت منهم.


(340)
نهاية القرامطة
    وقد مرت نهاية القرامطة في مرحلتين :
    الاَُولى : يوم طردوا من جزيرة أوال في البحرين
    ففي سنة 458 هـ خرجت الجزيرة المذكورة عن طاعتهم ووالت العباسيين بعد سلسلة الحروب الداخلية التي خاضها المسلمون والمجاعة في هذه الجزيرة ، فقد بنى أهل البحرين مسجداً لجذب التجار إلى جزيرتهم ، ولمّا فرغوا من بناء هذا المسجد آل أمر الجزيرة إلى العباسيين.
    الثانية : استئصال شأفتهم نهائياً من هذه البلاد
    كانت هزيمة القرامطة في جزيرة أوال ذات أثر سلبي كبير عليهم ، إذ عمد سكان الجزيرة إلى الاتصال بالسلاجقة والعباسيين في العراق وفي سنة 462 هـ بعثت بغداد بجيوش ألحقت الهزيمة تلو الهزيمة بالقرامطة ، فاضطروا للارتداد إلى الاَحساء ، فلحقت بهم إلى الاَحساء وحرضوا عليهم السكان بالمنشورات التي يستحثونهم فيها على الانضواء تحت لواء العباسيين في جهاد المبطلين القرامطة الملحدين ، وفي استئصال ذكرهم ، وتطهير تلك البقعة من دنس كفرهم.
    فاستجاب أهالي البلاد لهذه الاِثارة وانضموا إلى العساكر العباسيّة ، وأصبح القرامطة محاطين بأعدائهم في شمالي الاَحساء الذين انتصروا عليهم في معركة الخندق سنة 470 هـ .
    وتعد هذه الواقعة من الوقائع الحاسمة في تاريخ الحركة القرمطية ، لاَنّها قضت على دولة القرامطة وألغت وجودها نهائياً من خارطة العالم الاِسلامي.
    هذا وقد لخصنا هذا المقال من كتاب طه ولي بتصرف يسير لما لمسنا منه من تطرف للحكم العربي المتمثل في الدولة الاَُموية والعباسية حيث رأى أنّهما يمثلان الدولة الاِسلامية الشرعية المجسدة لاَهداف النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وآماله.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثامن ::: فهرس