المحسن السبط ::: 141 ـ 150
(141)
    2 ـ من ذا سنختار من المصنّفين :
     إنّا سنختار بعون الله ـ وهو من وراء القصد ـ مجموعة من مشاهير المحدّثين والمورّخين ، بدءاً من القرن الثاني وانتهاء بالقرن العاشر الهجري ، ومروراً فيما بينهما من قرون ، ونختار من مؤلّف كلّ منهم نصّاً أو أكثر ممّا يدين السلف الجاني بسوء ما صنعوا ، ومن المتوقع أن تفح أفاعي النواصب ، إذ لا ترضى بكشف ما جهدوا على ستره بحجة : ذلك أمر حدث وانتهى دوره ، فلا حاجة إلى إعادة ذكره ونشر خبره ، وهذه نغمة قيلت ولا تزال تقال لإخفاء الحقائق وحجبها عن أجيال المسلمين ، لتُنسى ثم تُمحى من الذاكرة ، وفي هذا بلاء عظيم ، وسيأتي مزيد عن هذا في مواقف علماء التبرير.
     والآن إلى معرفة المصنّفين الّذين سننقل النصوص من كتبهم :
     1 ـ محمّد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي ( ت 152 هـ ) ، قال فيه شعبة : محمّد بن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث (1) ، وقال : لو كان لي سلطان لأمّرت ابن إسحاق على المحدّثين (2).
     وقال يحيى بن معين وقد سئل عنه فقال : ليس هو عندي بذاك ولم يثبته وضعّفه ، ولم يضعفه جداً ، فقيل له : ففي نفسك من صدقه شيء؟ قال : لا ، كان صدوقاً (3).
1 ـ الكامل لابن عدي 6 : 107.
2 ـ المصدر نفسه.
3 ـ المصدر نفسه 6 : 106.


(142)
ولم يسلم من جرح معاصره مالك بن أنس ، فقيل له : انّ محمّد بن إسحاق يقول : إعرضوا عليّ علم مالك فإنّي أنا بيطاره ، فقال : انظروا إلى دجال من الدجاجلة يقول : إعرضوا عليّ علمي (1).
     وقد ترجمه الخطيب في تاريخ بغداد ودافع عنه فراجع؛ قال ابن عدي في الكامل (2) : ولو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلاّ أنّه صرف الملوك عن كتب لا يحصل منها شيء ، فصرف أشغالهم حتى اشتغلوا بمغازي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومبتدأ الخلق ومبعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فهذه فضيلة لابن إسحاق سبق بها ، ثم بعده صنفه قوم آخرون ، ولم يبلغوا مبلغ ابن إسحاق فيه ، وقد فتشت أحاديثه الكثيرة فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف ، وربما أخطأ أو وهم في شيء بعد الشيء ، كما يخطيء غيره ولم يتخلف عنه في الرواية عنه الثقات والأئمة وهو لا بأس به.
     2 ـ عبد الرزاق بن همام صاحب المصنف ( ت 211 هـ ) ، قال ابن عدي : ولعبد الرزاق بن همام أصناف وحديث كثير ، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم وكتبوا عنه ، ولم يروا بحديثه بأساً ، إلاّ أنّهم نسبوه إلى التشيع ، وقد روى أحاديث غيرهم مما لم أذكره في كتابي هذا ، وأما في باب الصدق فأرجوا أن لا بأس به ، إلاّ أنّه قد سبق منه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير (3).
     أقول : ومن الغريب أن يقول ابن عدي ذلك ، وهو الذي روى لنا قول عبد الرزاق : الرافضي كافر (4) ، وروى لنا قوله : لأفضّل الشيخين بتفضيل عليّ إياهما
1 ـ المصدر نفسه 6 : 106.
2 ـ المصدر نفسه 6 : 112.
3 ـ المصدر نفسه 5 : 315.
4 ـ المصدر نفسه 5 : 312.


(143)
على نفسه ، ولو لم يفضّلهما لم أفضّلهما ، كفى بي إزراء أن أحبّ علياً ثم أخالف قوله (1). فأين التشيع الذي نسبوه إليه؟!
     وأما أحاديث الفضائل التي رواها مما لا يوافقه عليها أحد من الثقات ، فهذه دعوى تحتاج إلى إثبات ، وبين أيدينا كتابه المصنف وهو موسوعة جليلة ، وكل ما وقفنا عليه من أحاديث الفضائل وجدنا المحقق للكتاب ذكر في الهوامش تخريجها عن مصادر الآخرين.
     وحسبي الإشارة في المقام إلى ما أخرجه ابن عدي نفسه من حديث زعم نكارته فقال : حدّثنا أحمد بن محمّد الشرقي قال : ذكر أبو الأزهر قال : كان عبد الرزاق قد خرج إلى ضيعته ، فخرجت خلفه وهو على بغلة له فالتفت فرآني ، فقال : يا أبا الأزهر تعنّيت ها هنا ، فقال : اركب.
     قال : فأمرني فركبت معه على بغلة ، فقال : ألا أخصّك بحديث أخبرني معمر عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لعلي : أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة ، من أحبك فقد أحبني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، وحبيبك حبيب الله ، وبغيضك بغيض الله ، والويل لمن أبغضك بعدي.
     قال أبو الأزهر : فلما قدمت بغداد كنت في مجلس يحيى بن معين ، فذاكرت رجلاً بهذا الحديث ، فارتفع حتى بلغ يحيى بن معين ، قال : فصاح يحيى بن معين فقال : من هذا الكذاب الذي يروي هذا عن عبد الرزاق ، قال : فقمت في وسط المجلس قائماً ، فقلت : أنا رويت هذا الحديث عن عبد الرزاق ، وذكرت له حتى خرجت به إلى القرية ، قال : فسكت يحيى ، قال ابن عدي : قال لنا الشرقي : هذا الحديث بعضه سمعت من أبي الأزهر.
1 ـ المصدر نفسه 5 : 312.

(144)
أقول : فهذا الحديث سبق وأن رواه في ترجمة أحمد بن الأزهر (1) وقال عقبه : وأبو الأزهر هذا بصورة أهل الصدق ، وقد روى عنه الثقات من الناس ، وأما هذا الحديث عن عبد الرزاق ، وعبد الله من أهل الصدق ، وهو ينسب إلى التشيع فلعله شبّه عليه لأنّه شيعي.
     هذا ما عقب به ابن عدي ، وهو مردود عليه بتثريب ، فقد مرّت منّا مناقشة تهمة التشيع لعبد الرزاق ، ثم انّ الحديث المذكور أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (2) في ترجمة أبي الأزهر بأسانيد متعددة ، ثم قال بعد ذكره الحديث : قلت : وقد رواه محمّد بن حمدون النيسابوري ، عن محمّد بن عليّ بن سفيان النجار ، عن عبد الرزاق. فبرئ أبو الأزهر عن عهدته إذ قد توبع على روايته.
     ورواه الحاكم النيسابوري في المستدرك (3) بعدة أسانيد وقال : صحيح على شرط الشيخين. وأبو الأزهر باجماعهم ثقة ، وإذا تفرّد الثقة بحديث فهو على أصلهم صحيح. وقال الذهبي في التلخيص : رواته ثقات ....
     ورواه أحمد بن حنبل في مناقب الإمام في الحديث رقم : 214 ، ورواه الطبراني في المعجم الأوسط كما في مجمع الزوائد (4) وقال : رجاله ثقات ، ورواه المحب الطبري في الرياض النضرة (5) وقال : أخرجه أحمد في المناقب ، وأبو عمر ، وأبو الخير الحاكمي.
     فبعد هذا التظافر على نقل الحديث وتوثيق رواته لاجناح على عبد الرزاق لو رواه ، وقد وافقه على روايته الثقات ، لا كما قال ابن عدي.
1 ـ المصدر نفسه 1 : 193 ، ترجمة : أحمد بن الأزهر.
2 ـ تاريخ بغداد 4 : 41.
3 ـ مستدرك النيسابوري 3 : 127.
4 ـ مجمع الزوائد 9 : 133.
5 ـ الرياض النضرة 2 : 219 ، و334.


(145)
وأما اتهامه بروايته المثالب في الآخرين ، فلم يذكر لنا ابن عدي منها سوى حديث : ( إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه ) (1).
     وهذا حديث ذكر له هو نفسه عدة أسانيد ، وقد رواه من الحفاظ جمع كثير منهم الخطيب البغدادي ، والخطيب الخوارزمي ، ونصر بن مزاحم ، وأحمد بن حنبل ، والطبري ، وابن أبي الحديد ، والذهبي ، وابن حجر ، والسيوطي ، والمناوي ، وأبو الفداء ، والبوصيري وغيرهم وغيرهم ، وقد تلاعبت الأهواء فيه بالتحريف والتصحيف بما لا يسع المجال ذكره ، وقد ذكرت جانباً منها في اعترافات خطيرة في تحريف الحديث والتاريخ والسيرة.
     3 ـ نصر بن مزاحم المنقري ( ت 212 هـ ) ، كوفي المنشأ بغدادي السكنى ، وحدّث ببغداد عن سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج وآخرين ، كما روى عنه أبو الصلت الهروي وأبو سعيد الأشج وجماعة من الكوفيين.
     ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد (2) ، وترجم له ياقوت في معجم الأدباء (3) ، وقال : كان عارفاً بالتاريخ والأخبار ، وذكر مصنفاته ابن النديم في الفهرست (4).
     وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال عنه ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي : ( فهو ثقة ، صحيح النقل ، غير منسوب إلى هوى ولا إدغال ، وهو من رجال أصحاب الحديث ) (5).
     ولم يسلم من تجريح العقيلي في ضعفائه (6) حيث قال : شيعي ، في حديثه اضطراب وخطأ كثير ، من حديثه ما حدّثناه عليّ بن العباس ... قال : حدّثنا محمّد
1 ـ الكامل 5 : 314.
2 ـ تاريخ بغداد 23 : 282 ـ 283.
3 ـ معجم الأدباء 19 : 225.
4 ـ الفهرست : 137.
5 ـ شرح النهج 2 : 206.
6 ـ الضعفاء للعقيلي 4 : 300.


(146)
بن عمارة بن صبيح ، قال : حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن قيس ، عن جابر ، عن عامر ، عن ابن عباس ، قال : قيل : يا رسول الله متى كنت نبياً؟ قال : وآدم بين الروح والجسد.
     حدّثنا محمّد بن محمّد الكوفي ، قال : حدّثنا محمّد بن عمرو السوسي ، قال : حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن عمرو بن سعيد ، عن ليث ، عن مجاهد في قول الله ( عزّ وجلّ ) : « وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ » (1) ، ثم قال : الذي جاء بالصدق محمّد ( صلى الله عليه وآله ) ، والذي صدّق به عليّ ( رضي الله عنه ).
     أما الحديث الأول فقد روي من غير هذا الوجه بإسناد أصح من هذا ، وأما الآخر فلايتابع إليه.
     أقول : إنّ الحديث الآخر الذي قال فيه لا يتابع عليه ، قويّ رواه الحاكم الحسكاني في شواهد التن ـ زيل عن جماعة بسنده عن الحسين بن الحكم الحبري بسنده إلى مجاهد ، وقال : رواه عنه ـ الحبري ـ جماعة بسنده عن العقيلي عن نصر بن مزاحم كما مرّ ، ثم قال : ورواه محمّد بن يحيى بن ضريس عن نصر مثله.
     ورواه الحسكاني أيضاً بسنده عن أبي بكر الجعابي بسنده إلى مجاهد.
     وقال الحسكاني : ورواه أيضاً أبو بكر السبيعي عن الحسين في العتيق.
     ورواه سعد بن أبي سعيد التغلبي عن أبيه ، عن مقاتل بن سليمان ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : هو النبي جاء بالصدق ، والذي صدّق به عليّ بن أبي طالب.
     ورواه الجوهري بسنده إلى ابن عباس كما سبق ، ورواه الحسكاني بسنده إلى أبي الطفيل عن عليّ قال : الذي جاء بالصدق رسول الله ، وصدّق به أنا ، والناس كلهم مكذبون كافرون غيري ... وغيره.
1 ـ الزمر : 33.

(147)
أقول : ورواه السيوطي الشافعي في الدر المنثور (1) في تفسير الآية عن ابن مردويه ، عن أبي هريرة قال : هو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « وَصَدَّقَ بِهِ » قال : هو عليّ بن أبي طالب.
     ورواه ابن المغازلي المالكي في المناقب (2).
     كما رواه الكنجي الشافعي في كفاية الطالب (3).
     ورواه القرطبي المالكي في تفسيره (4).
     ورواه أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط (5).
     كما رواه ابن عساكر في تاريخه في ترجمة الإمام (6).
     فهؤلاء جميعاً رووه بأسانيد متعددة ، وعن جماعة من الصحابة ولم ينبسوا بكلمة في نقد رواة الحديث ، وما أدري كيف يكون حد المتابعة عند العقيلي وقد جاوزوا العشرة؟ ثم انّ ابن حبان ذكره في الثقات.
     ومع هذا فنصر بن مزاحم لهذا الحديث يبقى زائغ الحديث متروك عند أبي حاتم ، وعلى نوله تبعاً للعقيلي وللذهبي سدّى ابن حجر فطاله بلسانه في لسان ميزانه.
     وما ذلك منهم إلاّ لأنّه شيعي ، وكأنّ التشيع ذنب لا يغتفر! وحسبنا الله ونعم الوكيل ، فلكم الله يا شيعة عليّ. على ان أبا الفرج الأصبهاني في المقاتل وابن أبي الحديد قالا بعاميّته ومع ذلك وثّقاه.
1 ـ الدر المنثور 5 : 328.
2 ـ المناقب : 269.
3 ـ كفاية الطالب : 233.
4 ـ تفسير القرطبي المالكي 15 : 256.
5 ـ البحر المحيط 7 : 428.
6 ـ تاريخ ابن عساكر 2 : 418.


(148)
4 ـ عبد الملك بن هشام الحميري ( ت 218 هـ ) ، صاحب السيرة المعروفة باسمه ( سيرة ابن هشام ) ، ولو حقّقنا في صحة تلك النسبة ، لرأينا الأولى أن تسمى بسيرة ابن إسحاق برواية ابن هشام ، أو باختصار ابن هشام ، ولم يكن بمستوى جرأة ابن إسحاق في ذكر الأحداث بأمانة ، فمثلاً ذكر ابن إسحاق اسم العباس مع جيش قريش الكفار في واقعة بدر وأسر المسلمين إياه ، فجاء ابن هشام فحذف الخبر خوفاً من العباسيين.
     وحسبنا اعترافه بذلك حيث قال : ... وتارك بعض ما يذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب مما ليس لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيه ذكر ، ولانزل فيه من القرآن شيء ... وأشياء يشنع الحديث به وبعض يسوء بعض الناس ذكره ....
     ومهما تكن المؤاخذة عليه في ذلك ، فقد حفظ لنا الكثير من سيرة ابن إسحاق ، وكاد الناس ينسون معه مؤلف السيرة الأولى محمّد بن إسحاق ، وفي هذا فضل كبير.
     5 ـ محمّد بن سعد كاتب الواقدي ( ت 230 _ 231 هـ ) ، صاحب كتاب الطبقات الكبير ، وهذا أثنى عليه غير واحد ، بدءاً من قول تلميذه الحسين بن فهم : كان كثير العلم ، كثير الحديث والرواية ، كثير الكتب. ومروراً بقول ابن النديم : كان عالماً بأخبار الصحابة والتابعين ، وكان ثقة مستوراً (1) ، وقول الخطيب البغدادي : كان من أهل العلم والفضل (2).
     وقول ابن خلكان : وكان صدوقاً ثقة (3) ، وقول ابن حجر : وأحد الحفاظ الكبار والثقات المتبحرين (4). وأخيراً فلي دراسة وافية عنه وعن كتابه الطبقات والنصوص الضائعة منها عسى أن تسنح لي الفرصة بنشرها.
1 ـ الفهرست : 111.
2 ـ تاريخ بغداد 5 : 321.
3 ـ وفيات الأعيان 4 : 351.
4 ـ تهذيب التهذيب 9 : 182.


(149)
6 ـ أبو بكر عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة ( ت 235 هـ ) ، صاحب ( المصنف ) قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء (1) : الإمام العلم ، سيد الحفاظ ، وصاحب الكتب الكبار ( المسند ) و ( المصنف ) و ( التفسير ) ... وهو من أقران أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وعلي بن المديني في السن والمولد والحفظ ... حدث عنه الشيخان ـ البخاري ومسلم ـ وأبو داود ، وابن ماجة ... وروى عنه محمّد بن سعد الكاتب ، ومحمد بن يحيى ، وأحمد بن حنبل ، وأبو زرعة ... وأمم سواهم ، وأثنى عليه كل من ترجمه.
     7 ـ أحمد بن حنبل إمام الحنابلة ( ت 241 هـ ) ، كتبت له ترجمة في البحث عن حديث الثقلين وعملية الانقضاض عليه ، اقتبست الكثير فيها من كتاب المصعد الأحمد في ختم مسند الإمام أحمد للحافظ شمس الدين بن الجزري الذي نشره أحمد محمّد شاكر في مقدمة المسند الذي تولّى تحقيقه ، وهذه السطور من تلك الترجمة :
     قال قتيبة : ( أحمد بن حنبل إمام الدنيا ) وقال إسحاق : ( أحمد حجة بين الله وبين خلقه ) ، وكان عند أهل خراسان ( يرون أحمد بن حنبل أنّه لا يشبه البشر ، يظنّون أنّه من الملائكة ) ؟! وقال آخر : ( نظرة من أحمد تعدل عبادة سنة ) إلى غير ذلك من مزايدات في الكرامات نحن في غنى عن ذكرها.
     ولم يسلم مع ذلك من تجريح الخصوم ، وله كلمة في مسنده ارتفع بها إلى أعلا الغلو فقال : ( هذا الكتاب جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف حديثاً وخمسين ألفاً ، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فارجعوا إليه ، فإن وجدتموه وإلاّ فليس بحجة ).
1 ـ سير أعلام النبلاء 11 : 122 ـ 127.

(150)
وللعلماء حول كلمته هذه نقد وردّ وتوجيه ، حفاظاً على مكانة الصحاح خصوصاً صحيح البخاري الذي قالوا عنه أنّه أصح كتاب بعد كتاب الله ، وقد وردت فيه أحاديث لم يذكرها أحمد في مسنده ، وهكذا طال النقاش بين الأخذ والرد حول الموضوع ، وذكرته في البحث عن حديث الثقلين وعملية الانقضاض عليه.
     8 ـ محمّد بن اسماعيل البخاري ( ت 256 هـ ) ، صاحب الجامع الصحيح ، ذكر له ابن حجر في آخر هدى الساري (1) ترجمة مفصلة فيها كثير من المزايدات حتى الرؤى والأحلام ، وفيها من الغلو المرذول نحو قول من يقول : ( محمّد بن إسماعيل إمام فمن لم يجعله إماماً فاتهمه ) ومن يقول : ( عندي لو أنّ أهل الاسلام اجتمعوا على أن يصيبوا آخر مثل محمّد بن إسماعيل لما قدروا عليه ).
     إلى آخر ما ذكره ابن حجر من أقوال أبناء الحلال ، لكنّه لم يذكر ما ذكره الآخرون من عده في المدلسين ، وأخيراً إخراجه من بخارى لفتياه في الرضاع التي لم يوافقه عليها أحد من علماء المسلمين ، وهي نشر الحرمة بين من شرب ألبان البهائم ، فراجع بشأنها المبسوط للسرخسي الحنفي (2).
     9 ـ مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ( ت 261 هـ ) ، صاحب الصحيح ( أحد الأئمة الحفاظ ، وأعلام المحدثين ، رحل إلى الحجاز والعراق والشام ومصر ، وسمع يحيى بن يحيى النيسابوري ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وروى عنه الترمذي ، وكان من الثقات ).
     وقال الحافظ أبو عليّ النيسابوري : ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم في علم الحديث ، وقال الخطيب البغدادي : فكان مسلم يناضل عن البخاري حتى أوحش ما بينه وبين محمّد بن يحيى الذهلي بسببه (3).
1 ـ هدى الساري 2 : 250 _ 266.
2 ـ المبسوط للسرخسي 5 : 139 ـ 140 و30 : 297.
3 ـ وفيات الأعيان 5 : 193.
المحسن السبط ::: فهرس