المحسن السبط ::: 201 ـ 210
(201)
    3 ـ نصوص ثابتة يجب أن تقرأ بإمعان :
     والآن سنقرأ من النصوص الثابتة ما يدحض معاذير علماء التبرير التي ساقوها ، ايغالاً في التحوير والتزوير ، ليخفوا حقائق الأمر الواقع ، ستراً على الشخوص والرموز ، وانصياعاً مع قداسة الموروث.
     وقد يكون الكثير من القرّاء خصوصاً من لا يزال تحت ضغط الرواسب ، لم يطلع عليها من قبل ، أو اطّلع عليها فشك في صحتها ، وتمادى به الشك حتى أنكرها وولّى عنها مستكبراً ، وتحامل بظلم على أصحابه فرماهم بالعظائم مما هم بريئون منه ، وأدنى ما قال فيهم أنهم من الشيعة ، أو رواتهم من الشيعة ، أو ، أو ، كما مرّ في وقفة مع المصادر ، وكأنّه لم يقرأ ولم يسمع قوله تعالى : « أفَمَنْ يَهْدِي إلَى الحَقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمَّنْ لا يَهِدِّي إلا أنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ » (1).
     لذلك فسوف نقرأ النصوص من مصادر موثوقة جميعها من التراث السني ، لما قدمناه أول الرسالة وكررنا ذكره ، انّ ذلك أبلغ في اقناع المنكرين ، وأدحض لحجة المستنكرين ، وأبعد من تهمة المعاندين المستكبرين ، فإذا كان كل ما سنقرأ بروايات أئمة حفاظهم من المحدّثين والمؤرّخين ، كذباً على أبي بكر وبقية رموز المشايعين والمتابعين ، فما ذنب الذين يحتجون عليهم بمروياتهم ، وهم أصحاب التراث السني الكبير الكثير؟
1 ـ يونس : 35.

(202)
والآن لنقرأ حديث أبي بكر مع عبد الرحمن بن عوف في مرضه الذي مات فيه ، وما لحقه من ايهام واستبهام مما ينصب أكثر من علامة استفهام ، فليقرأه أبناء الإسلام.

    في إعتراف أبي بكر كشف خطير :
     أخرج الطبري في تاريخه (1) ، وابن عبد ربه المالكي الأندلسي في كتابه العقد الفريد (2) ، وغيرهما كالجوهري والطبراني ممّن يمكن الرجوع إليهم لغرض المقارنة والتأكيد على صحة جوهر النص؛ لأن التفاوت في المنقول قد يوحي بالشك في صحة المنقول ، ولمّا كانت رواية الطبري وابن عبد ربه أوفى سنداً من رواية غيرهما ، فعنهما نذكر النص ، وهو كما يلي :
     قال الطبري : حدّثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدّثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، قال : حدّثنا الليث بن سعد ... ، وقال ابن عبد ربه : قال أبو صالح : أخبرنا محمد بن وضاح ، قال : حدّثني محمد بن ... بن المهاجر التميمي ، قال حدّثني الليث بن سعد (3) قال : حدّثنا علوان ، عن صالح بن كيسان ، عن عمر (4) بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه أنّه دخل على أبي بكر في مرضه الذي توفي فيه ، فأصابه مهتمّاً (5) فقال له عبد الرحمن : أصبحت والحمد لله بارئاً! فقال أبو بكر :
1 ـ تاريخ الطبري 3 : 429 ـ 431.
2 ـ العقد الفريد 4 : 267.
3 ـ من هنا يتفق سند الطبري مع سند ابن عبد ربه ، فنسوق الخبر برواية الطبري, ونشير إلى الإختلاف بين الروايتين سنداً ومتناً.
4 ـ كذا في الطبري وفي العقد الفريد : عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، وسيأتي ذكره في أحد اسنادين آخرين في آخر الخبر عند الطبري.
5 ـ في العقد : ( مفيقاً ).


(203)
أتراه؟ قال : نعم ، قال : ( أما إنّي على ذلك لشديد الوجع ، ولما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد عليّ من وجعي ) (1).
     إنّي وليت أمركم خيركم في نفسي ، فكلكم ورم أنفه من ذلك ، يريد أن يكون الأمر له دونه ، ورأيتم الدنيا قد أقبلت ولمّا تقبل ، وهي مقبلة ، حتى تتخذوا ستور الحرير ونضائد الديباج ، وتألموا الاضطجاع على الصوف الأذري (2) كما يألم أحدكم أن ينام على حسك ( شوك السعدان ) والله لأن يُقدّم أحدكم فتضرب عنقه في غير حدّ خير له من أن يخوض في غمرة الدنيا ، وأنتم أول ضالّ بالناس غداً ، فتصدونهم عن الطريق يميناً وشمالاً ، يا هادي الطريق إنّما هو الفجر أو البجر (3).
     فقلت له : خفض عليك رحمك الله ، فإنّ هذا يهيضك في أمرك ، إنّما الناس في أمرك بين رجلين : إما رجل رأى ما رأيت فهو معك ، وإما رجل خالفك فهو مشير عليك ، وصاحبك كما تحب ، ولا نعلمك أردت إلاّ خيراً ، ولم تزل صالحاً مصلحاً ، وأنّك لا تأسى على شيء من الدنيا.
     قال أبو بكر : أجل ، إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ وددت أنّي تركتهنّ ، وثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ ، وثلاث وددت أنّي سألت عنهنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ).
     فأمّا الثلاث اللاتي وددت أنّي تركتهنّ : فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء ، وإن كانوا قد غلقوه على حرب ، ووددت أنّي لم أكن حرقت الفجاءة السُلمي (4) ، وانّي كنت قتلته سريحاً أو خلّيته نجيحاً (5) ، ووددت أنّي يوم سقيفة بني
1 ـ ما بين القوسين من العقد الفريد.
2 ـ نسبة إلى آذربيجان.
3 ـ البجر _ بالفتح والضم ـ الداهية والأمر العظيم.
4 ـ كان قد أتى أبا بكر فادعى الإسلام, وطلب إليه مشاركته في جهاد المرتدين وأن يحمله ، فحمله؛وأعطاه سلاحاً فشد غارة على كل مسلم ، ولمّا أمكنت الفرصة منه وجيىء به إلى أبي بكر أمر فأوقدوا ناراً ثم أمر به فرموه مقموطاً فيها. وقول أبي بكر : كنت قتلته سريحاً أو خليّته نجيحاً.
5 ـ القتل السريح : السريع ، والنجيح : الوشيك.


(204)
ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين ـ يريد عمر وأبا عبيدة ـ فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً.
     وأما اللاتي تركتهنّ : فوددت أنّي يوم أتيت بالأشعث بن قيس أسيراً كنت ضربت عنقه ، فإنّه تخيل إليّ أنّه لا يرى شراً إلاّ أعان عليه ، ووددت أنّي حين سيّرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة (1) ، فإن ظفر المسلمون ظفروا ، وإن هربوا كنت بصدد لقاء أو مدداً.
     ووددت أنّي كنت إذ وجّهت خالد بن الوليد إلى الشام ، كنت وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق ، فكنت قد بسطت يديّ كلتيهما في سبيل الله ـ ومدّ يديه_ ، ووددت أنّي كنت سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لمن هذا الأمر؟ فلا ينازعه أحد ، ووددت أنّي كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب؟ ووددت أنّي كنت سألته عن ميراث ابنة الأخ والعمة؟ فإنّ في نفسي منهما شيئاً.
     قال لي يونس : قال لنا يحيى : ثم قدم علينا عُلوان بعد وفاة الليث ، فسألته عن هذا الحديث فحدّثني به كما حدّثني الليث بن سعد حرفاً حرفاً ، وأخبرني أنّه هو حدّث به الليث بن سعد ، وسألته عن أبيه ، فأخبرني أنّه علوان بن داود.
1 ـ موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلاً ، وبه نزل أبو بكر في خلافته لما وجّه خالد بن الوليد لقتال أهل الردة ( معجم البلدان ). وقال عبد الله الليثي : ـ وكانت بنو عبد مناة من المرتدة ـ وهم بنو ذبيان ـ في ذلك الأمر بذي القصة وبذي حمى :
أطعنا رسول الله ما كان بيننا أيورثها بكراً إذا مات بعده وهلاً خشيتم حس راغية البكر وإن التي سالوكم فمنعتمُ فيالعباد الله ما لأبي بكر وتلك لعمر الله قاصمة الظهر فهلا رددتم وفدنا بزمانه لكالتمر أو أحلى إليّ من التمر
     تاريخ الطبري 340 : 246 ، وأوردها دون البيت الرابع الأصبهاني في الأغاني 3 : 157, منسوبة للحطيئة.


(205)
وحدّثني محمد بن إسماعيل المرادي ، قال : حدّثنا عبد الله بن صالح المصري ، قال : حدّثني الليث ، عن عُلوان ، عن صالح بن كيسان ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، أنّ أبا بكر قال : ـ ثم ذكر نحوه ، ولم يقل فيه ( عن أبيه ) _.
     إلى هنا انتهى النص ، وقد عقب عليه الطبري بإسنادين آخرين لروايته زيادة في التوثيق.
     وقد مرّت الإشارة إلى أن هذا الخبر قد رواه أحمد بن عبد العزيز الجوهري ( كان حياً سنة320 هـ ) ، في كتاب السقيفة ، وما ذكره رواه عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (1) ، حيث انتصب قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي مدافعاً عن أبي بكر ، وما طعن به عليه من هذا الخبر ، وذكر ابن أبي الحديد ردّ الشريف المرتضى عليه في كتابه الشافي ، وسيأتي ذكر ذلك.
     كما سيأتي ذكر أكثر من عشرة آخرين رووا الخبر بتفاوت رواياتهم ، وجرى عليه من بعضهم محاولات بائسة ويائسة ، تكتماً وتلعثماً ، حتى أنّ بعضهم ذكر خبر عيادة عبد الرحمن بن عوف وتبرم أبي بكر ، لكنّه ألغى ذكر جميع المثلثات ، وآخر ذكرها دون ذكر ( كشف بيت فاطمة ) فكنّى عنه بقوله : ( كذا وكذا ).
     وثالث ذكرها وسمى البيت بيت علي ، تهرباً من ذكر بيت فاطمة التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها ، غافلاً أو متغافلاً عن أنّ بيتهما واحد ، وهما في الحرمة سيان ، وبيتهما من أفاضل تلك البيوت التي أمر الله سبحانه وتعالى بأن تصان حرمتها ويعرف قدرها ، كما في رواية أنس وبريدة ، وقد رواها الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل (2) ، والسيوطي في الدر المنثور (3) في ذيل تفسير قوله تعالى : « فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللّهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ » (4) في سورة النور قال :
1 ـ شرح نهج البلاغة 2 : 45 ـ 47, وأشار إليه ثانية في17 : 14.
2 ـ شواهد التنزيل 1 : 41.
3 ـ الدر المنثور 5 : 50.
4 ـ النور : 36.


(206)
وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك وبريدة قالا : قرأ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هذه الآية : « فِي بُيُوت أذِنَ اللّهُ أنْ تُرْفَعَ » فقام إليه رجل فقال : أيّ بيوت هذه يا رسول الله؟ قال : بيوت الأنبياء ، فقام إليه أبو بكر فقال : يا رسول الله هذا البيت منها _ لبيت علي وفاطمة ـ قال : نعم ، من أفاضلها _ من أفضلها.
     وهذا فيما أحسب هو الذي حدا بجمع من المحدّثين والمؤرّخين التستر على شناعة المثلثات ، وما فيها من إدانة لأبي بكر والطعن عليه ، خصوصاً ذكر ( كشف بيت فاطمة ) فذكره يعني الاعتراف بالإساءة والمهانة ، وهو حقيق بالإدانة.
     ولئلا يظن ظان مستنكر أو متعال مستكبر أنّ ذلك منّا مجرّد تهويل؛ فلنعرض أمام القرّاء ما لحق مثلثات أبي بكر من تضليل ، فنقول :
     إنّ أول من وقفت عليه مستعظماً ذكر ( كشف بيت فاطمة ) صراحة ، هو أبو عبيد القاسم ابن سلام ( ت 224 هـ ) ، في كتابه ( الأموال ) ، فقد ذكر الخبر وبادر إلى الكناية عن ( كشف بيت فاطمة ) فقال : ( أما الثلاث التي فعلتها ، ووددت أنّي لم أفعلها : فوددت أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا لخلة ذكرها لا أريد ذكرها ) ، وهذا ما جعلنا نهزأ منه حتى قلنا : إنّها لملكية فوق الملك.
     فأبو بكر نفسه يذكر الخلّة ـ كشف بيت فاطمة ـ نادماً عليها وأبو عبيد يأبى ذكرها!
     وللإنصاف أن نقول له : إنّ حميد بن زنجويه ( ت 251 هـ ) ، الذي أتى بعدك زماناً ، وهو أقل ذكراً وشأناً ، كان أفصح بياناً وأقوى جناناً ، فقد ذكر الخبر مرّتين في كتابه الأموال ، كانت الأولى في صفحة 303 ـ 305 ، فذكر الخبر بنصّه وفصّه لم يغير شيئاً مما يمس جوهر القضية ، وحتى في إسناده كان رجاله ثقاة (1).
1 ـ كتاب الأموال لحميد بن زنجويه 1 : 303 ـ 305.

(207)
لكنه في المرّة الثانية في صفحة / 347 فقد ذكر النص بسند آخر. فقال فيه : ( أما اللاتي وددت أنّي تركتهنّ ، فوددت أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا ، لشيء ذكره ... ) وهذا منه مستغرب بعد ذكره أولاً كما مرّ ، ولا أحسبه إلاّ أنّه إنهار أمام تهديد أو وعيد ، فاتقى الشر فذكره كناية.
     أما ثالث القوم الذين تلاعبوا بالنص بصورة غير ذكية ، فهو أبو العباس المبرد في كتابه الكامل (1) ، فقد ذكر الخبر مقتصراً على حديث أبي بكر مع عبد الرحمن بن عوف من دون ذكر المثلثات ، وهذا ممّا يؤاخذ عليه.
     ورابعهم كان المسعودي الشافعي ( ت 345 هـ ) ، فهو ليس بدون من تقدّمه في تعامله مع النص بغير مسوّغ ، فقد ذكره في كتابه مروج الذهب (2) ، فقال : ( ومرض أبو بكر قبل وفاته بخمسة عشر يوماً ، ولمّا احتضر قال : ما آسى على شيء إلاّ على ثلاث فعلتها وددت أنّي تركتها ... ، فوددت أنّي لم أكن فتشت بيت فاطمة ، وذكر كلاماً كثيراً ) ، فعدم ذكره ذلك الكلام الكثير مما يؤاخذ عليه.
     وخامسهم الباقلاني ( ت 403 هـ ) ، فقد ذكر في كتابه إعجاز القرآن (3) ، عيادة عبد الرحمن بن عوف لأبي بكر ، وحديث أبي بكر وتبرّمه من أصحابه ، ولم يذكر عن المثلثات شيئاً ، فحذفها جملة وتفصيلاً ، وقد مرّ في نظرة إلى المصادر ما في طبعتي الكتاب ، وعمل المحققين فيه فراجع.
     وسادس هذا النمط المفرط في الايهام والاستبهام ، أبو نعيم الاصبهاني ( ت430 هـ ) ، فقد ذكر في كتابه حلية الأولياء (4) حديث أبي بكر مع عبد الرحمن
1 ـ الكامل 1 : 6.
2 ـ مروج الذهب 2 : 308.
3 ـ إعجاز القرآن للباقلاني210 ـ 211.
4 ـ حلية الأولياء 1 : 34.


(208)
بن عوف الا ذكر المثلثات ، فلم يأت بشيء عنها أبدا ، لماذا ذلك؟ والجواب لا يخفى على أولي الألباب.
     نعم ، ذكر نصاً يوحي بندامة أبي بكر على ما فرّط ، فقد قال : إنّ عمر دخل على أبي بكر وهو يجبذ لسانه ، فقال له عمر : مه؟ غفر الله لك ، فقال أبو بكر : إن هذا أوردني الموارد (1).
     وسابع تابع لم يتخلّف عن المسيرة ، وذلك هو الحافظ الهيثمي ( ت 807 هـ ) ، فقد ذكر الحديث في مجمع الزوائد (2) ، وقال : رواه الطبراني وفيه علوان بن داود البجلي وهو ضعيف ، وهذا الأثر مما أنكر عليه.
     وثامنهم المتقي الهندي ( ت 975 هـ ) ، ذكر الخبر في كنز العمّال (3) ، وذكر في الكنز مصادره التي روى الخبر عنها فقال : ( أبو عبيد في كتاب الأموال ، عق ، وخيثمة بن سليمان الإطرابلسي في فضائل الصحابة ، طب ، كر ، حن ) وقال : إنّه حديث حسن إلاّ أنّه ليس فيه شيء عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد أخرج ( خ ) في كتابه غير شيء من كلام الصحابة ).
     أقول : إنّ المتقي الهندي أشار إلى المصادر التالية :
     1 ـ كتاب الأموال لأبي عبيد ، وقد تقدم ذكره ، وإنّ المطبوع ليس فيه التصريح بكشف بيت فاطمة ، فراجع.
1 ـ حلية الأولياء 1 : 33 ، قال الجوهري في الصحاح : 1059 ، وفي حديث أبي بكر حيث دخل عليه عمر وهو ينصنص لسانه ، ويقول : هذا أوردني الموارد, قال أبو عبيد هو بالصاد لا غير ، قال : وفيه لغة أخرى ليست في الحديث نضنضت بالضاد, وكذا جاء في لسان العرب, وتاج العروس وغيرهما في مادتي : ( نص ) و ( نض ) , فراجع.
2 ـ مجمع الزوائد 5 : 202 ـ 203.
3 ـ كنز العمال 5 : 368.


(209)
    2 ـ عق= يعني كتاب الضعفاء للعقيلي (1) ( ت 322 هـ ) ، وهو قد ذكر الخبر في ترجمة عُلوان بن داود بأربعة أسانيد ، ومع ذلك فقد جرح عُلوان فوصفه : بأنّه منكر الحديث.
     3 ـ خيثمة = يعني خيثمة بن سليمان الإطرابلسي ، ( ت 343 هـ ) ، له كتاب فضائل الصحابة ، والخبر فيه في ترجمة أبي بكر.
     4 ـ طب = يعني الطبراني ، ذكر الخبر في المعجم الكبير (2).
     5 ـ كر = يعني ابن عساكر في تاريخ دمشق ، والخبر فيه في ترجمة أبي بكر.
     6 ـ ص = يعني سعد بن منصور ( ت 227 هـ ) ، والخبر في سننه.
     فهذه ستة مصادر سبق ذكر الأول منها فقط ، وتضاف الخمسة الباقية إلى الأرقام الثمانية التي استعرضنا ما عند أصحابها ممّن لم يستمرؤا طعم مرارة الاعتراف ، ولم يخضعوا لقبول الحق والإنصاف ، فتحامل بعضهم على الرواة ، وأجهز بعضهم على الخبر فبتر منه ما ظن يجديه ، وما درى أن الحذف أو الاضمار ليس يغنيه ، مهما فعل حفاظاً على قداسة الموروث مما يعنيه ، فأبو بكر نفسه قال ذلك واعياً جازماً ، وآسفاً نادماً.
     وأجدى بهم لو قالوا لأتباعهم وأشياعهم إنّه قال ذلك هجراً من غلبة الوجع عليه ، كما سبق لهم أن قالوا تبعاً لعمر بن الخطاب ومن شايع وتابع ، حين قال في النبي ( صلى الله عليه وآله ) مثل ذلك ، كما في حديث الرزية كل الرزية ويرويه حبر الأمة عبد الله بن عباس ويبكي حتى يبلّ بدموعه الحصباء ، وحديثه في البخاري ومسلم وغيرهما من الصحاح والسنن والسيرة.
1 ـ الضعفاء 3 : 419 ـ 420.
2 ـ المعجم الكبير 1 : 62.


(210)
ولكنّهم تشبثوا في المقام بنسائج العنكبوت ، وأقوى من شمّر فاشتهر بحرارة الدفاع وطول الباع ، هو قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي في كتابه المغني ، إلا أنّه لم يحسن قيلاً ولم يغن فتيلاً ، ولقد انبرى لتفنيد مزاعمه وأباطيله ، وكشف تدجيله وأضاليله ، الشريف المرتضى علم الهدى ( رحمه الله ) (1) في كتابه الشافي ، وهو شافٍ وكافٍ ، وقد لخصه الشيخ الطوسي ( رحمه الله ).
     ومن الخير أن أعرض أمام القارئ ملخص ما قاله الأول ـ عبد الجبار _ وما رد الثاني ـ الشريف المرتضى ـ في خصوص المقام نقلاً عن تخليص الشافي؛ لئلا يظن بنا ظان غير الحق والصدق.
     كما ننقل ذلك برواية ابن أبي الحديد الشافعي المعتزلي في كتابه شرح نهج البلاغة ، فهو قد نقل النص عن الشافي بواسطة تلخيصه ، وإن لم يصرّح بذلك.

    ما ذكره قاضي القضاة عبد الجبار المعتزلي :
     روى ابن أبي الحديد في شرح النهج (2) ، قال : قال : قاضي القضاة ... : ومما طعنوا به على أبي بكر أنه قال عند موته : ليتني كنت سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن
1 ـ أقول : وشمّر ابن أبي الحديد عن ساعديه, وانبرى ناصباً من نفسه قاضياً ، فعقّب على كلام الشريف المرتضى وناقشه في رده على قاضي القضاة ، في مسألة الشك في الإمامة, وتمني أبي بكر السؤال عنها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) , ورده على القاضي في الاستشهاد بالآية المباركة في مسألة إبراهيم ( عليه السلام ) ، وأطال في ذلك فمن أراده فليراجعه.
    ويعنينا في المقام تعقيبه على تمني أبي بكر عدم كشف بيت فاطمة ( عليها السلام ) , وقد أنكره قاضي القضاة وأثبته الشريف المرتضى, قال ابن أبي الحديد : وأما حديث الهجوم على بيت فاطمة ( عليها السلام ) فقد تقدم الكلام فيه ، والظاهر عندي صحة ما يرويه المرتضى والشيعة ، ولكن لا كل ما يزعمونه ، بل كان بعض ذلك ، وحقٌ لأبي بكر أن يندم ويتأسّف على ذلك ، وهذا يدل على قوة دينه وخوفه من الله تعالى ، فهو بأن يكون منقبة له أولى من كونه طعناً عليه ....
2 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 17 : 164.
المحسن السبط ::: فهرس