المحسن السبط ::: 241 ـ 250
(241)
ونحو هذا رواه الشعبي أيضاً من دون ذكر التكبيرات ، أتُريدون كذباً فوق هذا؟! ويبدو أنّ رواة السوء حاولوا فاشلين أن يشوشوا على المسلمين تاريخهم بذكر أكاذيب تعتيماً على الحقائق ومَن يصدقهم ، وأسفارهم تروي أيضاً ما يلي :
     روى ابن سعد (1) بسنده عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت : صلّى العباس بن عبد المطلب على فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ونزل في حفرتها هو وعلي والفضل بن عباس.
     وروى ابن سعد (2) بسنده عن عروة : إن علياً صلّى على فاطمة.
     وروى ابن سعد (3) بسنده عن الزهري قال : دُفنت فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ليلاً ودفنها علي.
     وروى ابن سعد (4) بسنده عن ابن شهاب ـ الزهري ـ قال : دفنت فاطمة ليلاً دفنها علي.
     وكم من نظير نحو ما مرّ عن عروة ، وكسابقه عن عائشة ، وكسابقه عن يحيى بن سعيد ، وأخيراً :
     روى ابن سعد (5) بسنده عن علي بن حسين ـ يعني زين العابدين ـ قال : سألت ابن عباس متى دفنتم فاطمة؟ فقال : دفنّاها بليل بعد هدأة ، قال : قلت : فمن صلّى عليها؟ قال : علي.
     هذه جملة من النصوص التي رواها ابن سعد في طبقاته ، وفيها دلالة واضحة على ظلامة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ).
     ما ذكره ابن أبي شيبة :
     سادساً : ماذا عند ابن أبي شيبة ( ت 235 هـ ) ؟
     النص الأول : أخرج ابن أبي شيبة في كتابه المصنف (6) ، بسنده عن هشام ، عن
1 ـ 5 المصدر نفسه 8 : 19.
6 ـ المصنف 12 : 139 ، برقم : 12355.


(242)
عروة ، عن أبيه : أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان قطع بعثاً قبل موته ، وأمّر عليهم أسامة بن زيد ، وفي ذلك البعث أبو بكر وعمر.
     قال : فكان أناس من الناس يطعنون في ذلك لتأمير رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أسامة عليهم ، قال : فقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فخطب الناس ثم قال : إنّ أناساً منكم قد طعنوا علي في تأمير أسامة ، وإنّما طعنوا في تأمير أسامة كما طعنوا في تأمير أبيه من قبله ، وأيم الله إن كان لخليقاً للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إليّ ، وإنّ ابنه لأحبّ الناس إليّ من بعده ، وإنّي أرجو أن يكون من صالحيكم فاستوصوا به خيراً.
     فهذا الخبر أورده مرّة ثانية (1) ، وذكره ابن سعد في الطبقات (2) ، وعبد الرزاق (3) باختصار ، وأورده في كنز العمّال (4) من رواية ابن أبي شيبة ، كلّهم عن هشام بن عروة.
     والخبر صريح في أنّ أناساً طعنوا على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فمَنْ هم أولئك الذين طعنوا على النبي ( صلى الله عليه وآله ) في تأميره أسامة بن زيد على بعث فيه أبو بكر وعمر؟.
     والجواب : إنّهم لا شك من الصحابة بل ومن وجوه الصحابة ـكما يسمونهم ـ ولو شئت أن أسمي لسميت ، لماذا طعنوا؟ وليس من حقهم أن يطعنوا لو كانوا مؤمنين ، فإن القرآن الكريم يقول : « وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أمْراً أنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أمْرِهِمْ » (5).
     النص الثاني : أخرج ابن أبي شيبة في المصنف (6) بسنده عن ابن جريج عن أبيه أنّهم شكوا في قبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أين يدفنونه؟ فقال أبو بكر : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول :
1 ـ المصنف 14 : 520 ، برقم : 18826.
2 ـ طبقات ابن سعد 4 ، ق 1 : 46.
3 ـ المصنف 11 : 234.
4 ـ كنز العمّال 5 : 312.
5 ـ الأحزاب : 36.
6 ـ المصنف 14 : 553.


(243)
إنّ النبي لا يحوّل عن مكانه ، يدفن حيث يموت ، فنحوا فراشه فحفروا له موضع فراشه.
     وهذا الخبر أورده الهندي في كنز العمّال (1) من طريق ابن أبي شيبة ، والإمام أحمد ، وفيه قال ابن كثير : هذا منقطع ، فإنّ والد ابن جريج فيه ضعف ، ولم يدرك أبا بكر الصديق ، وكأنّ المهم ملاحظة السند فقط أما المتن في ذمة الرواة.
     أقول : وما أدري لماذا يروي مدونوا الحديث والسيرة والتاريخ أمثال هذه الأخبار التي تستبطن كذبها ، أليس هم يروون باتفاق بأنّ أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح ، كانوا في سقيفة بني ساعدة ينازعون الأنصار على الخلافة ، حتى صرح عروة بن الزبير _ وهو ممّن لا يتهم عندهم ـ فقال : إنّ أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كانا في الأنصار ، فدفن قبل أن يرجعاً.
     وهذا أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2) ، وأورده المتقي الهندي في كنز العمّال (3) أيضاً من طريق ابن أبي شيبة ، ويكذبه أيضاً ما رواه النص الثالث ابن أبي شيبة في المصنف (4) بسنده عن سعيد بن المسيب أنّ الذي ولي دفن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وإجنانه أربعة نفر دون الناس : علي وعباس والفضل وصالح مولى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فلحدوا له ونصبوا عليه اللبن نصباً.
     وهذا أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (5) ، وأورده الهندي في كنز العمّال (6) من طريق ابن أبي شيبة.
1 ـ كنز العمّال 4 : 50.
2 ـ مصنف ابن أبي شيبة 14 : 568 ، برقم : 18892.
3 ـ كنز العمّال 3 : 140.
4 ـ مصنف ابن أبي شيبة 14 : 556.
5 ـ السنن الكبرى للبيهقي 4 : 53.
6 ـ كنز العمّال 4 : 60.


(244)
النص الرابع : وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف (1) بسنده عن جعفر عن أبيه قال : خرجت صفية وقد قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهي تلمع بثوبها _ يعني تشير به ـ وهي تقول :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب
     أقول : وهذا أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (2) بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : لما قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) خرجت صفية تلمع (3) بردائها وهي تقول :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب
     ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد (4).
     وهذا الخبر يطوي في بيت شعره أنباءً وهنبثة حدثت بعد موت النبي ( صلى الله عليه وآله ) هزت المسلمين ، وعظم وقعها على أهل البيت خاصة ، حتى خرجت صفية بنت عبد المطلب وهي أم الزبير بن العوام تلمع بثوبها _ تشير به ـ وهذا حال مَن بَلغَ به الأسى مبلغاً ضاق به صاحبه ذرعاً ، فعلاه الحزن لفقد فقيده الغالي ، وزاد أساه ما لاقاه من المآسي التي حيقت به من بعد فقيده ، وما هي تلك الأنباء والهنبثة غير تقديم من أخّر الله وتأخير من قدّم الله ، وغصب الخلافة من صاحبها.
     قال ابن منظور في لسان العرب (5) : الهنابث : الدواهي ، واحدها هنبثة ... ، وفي الحديث : إنّ فاطمة قالت بعد موت سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب فاختل قومك فاشهدهم ولا تغب

1 ـ مصنف ابن أبي شيبة 14 : 556 ، برقم : 18874.
2 ـ المعجم الكبير للطبراني 24 : 253.
3 ـ لمع بثوبه وسيفه لمعاً وألمع أشار, وقيل : أشار للإنذار ، ولمع أعلى وهو أن يرفعه ويحركه ليراه غيره فيجيء إليه ( لسان العرب ) ( لمع ).
4 ـ مجمع الزوائد للهيثمي 9 : 92.
5 ـ لسان العرب 3 : 20.


(245)
الهنبثة واحدة الهنابث ، وهي الأمور الشداد المختلفة ، وقد ورد هذا الشعر في حديث آخر قال : لما قبض سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خرجت صفية تلمع بثوبها وتقول البيتين. انتهى. يقال : لمع بثوبه وألمع به إذا رفعه وحركه ليراه غيره فيجيء إليه.

    وقفة تحقيق :
     وقفة تحقيق عابرة عند هذه الأبيات التي ورد فيها إقواء في القافية وهو من عيوب الشعر ، فنقول :
     لقد ورد البيتان في جملة من المصادر التاريخية والأدبية واللغوية على تفاوت في روايتهما تصحيفاً أو تحريفاً ، ومع الإقواء وبدونه ، وهذا ما يكشف عن أيدٍ أثيمة بدّلت واستبدلت ، حتى غيّرت في معاني الشعر ، فلا إتساق بين الصدر والعجز ، ومِن الذين رووا البيتين مع الإقواء ابن الأثير في النهاية (1) ، والزمخشري (2) في الفائق ، والزبيدي في تاج العروس (3).فهؤلاء رووا أنّ فاطمة ( عليها السلام ) قالت :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطب فاختل قومك فاشهدهم ولا تغب
     وأعطف على هؤلاء علي فهمي جابي زادة في كتابه حسن الصحابة في أشعار الصحابة (4) ، وحكاه نقلاً عن العقد الفريد (5) ، ولدى مراجعتي له وجدت هكذا :
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها فليت قبلك كان الموت صادفنا وغاب مذ غبت عنّا الوحي والكتب لما نُعيت وحالت دونك الكثب

1 ـ النهاية لابن الأثير 8 : 277.
2 ـ الفائق للزمخشري 4 : 116.
3 ـ تاج العروس للزبيدي 3 : 654.
4 ـ حسن الصحابة 128.
5 ـ العقد الفريد 3 : 238.


(246)
وهذا غير ما حكاه علي فهمي كما هو ظاهر.
     أما الذين رووا بتصحيف وتحريف مع الإقواء ، لعل أقدم من رأيت ذلك عنده هو محمد بن سعد صاحب الطبقات ، فقد روى الرثاء منسوباً إلى هند بنت أثاثة ، وهو صحيح في نسبته إلاّ أنّ تحريفاً وتصحيفاً وإقواءاً حصل في البيت الثاني والخامس من أبيات خمسة هي :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها قد كنت بدراً ونوراً يستضاء به وكان جبريل بالآيات يحضرنا فقد رزئت أيا سهلاً خليقته لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطَب فاحتل لقومك واشهدهم ولا تغبِ عليك تنزل من ذي العزة الكتب فغاب عنّا وكل الغيب محتجب محض الضريبة والأعراق والنسبِ
     فلاحظوا التصحيف في البيت الثاني في كلمة ( فاختل ) بالخاء المعجمة ، وهي فعل ماضي من الإختلال ، فصُحّفت إلى ( فاحتل ) بالحاء المهملة ، وهي فعل أمر من إعمال الحيلة؟
     ولاحظوا التحريف في قافية البيت الثاني أيضاً حيث لا معنى يتسق مع سياق البيت ، وفيه إقواء ، وكذلك البيت الخامس ففيه أيضاً تحريف وإقواء.
     أما الذين رووا الأبيات بدون إقواء ، لكنّهم لم يسلموا من ضغط الموروث ، فكان التحريف في اللفظ والتحريف في النسبة ، فمثالهم جسوس في كتابه شرح الشمائل الترمذية (1) ، فقد قال : ويقال إنّ عائشة لما وقفت على القبر الشريف أنشدت :
قل للمغيّب تحت أطباق الثرى هل أنت تسمع ضرعتي وندائيا

1 ـ شرح الشمائل 2 : 182.

(247)
ماذا على من شمّ تربة أحمدٍ صبّت عليّ مصائب لو أنّها أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا صبّت على الأيام صرن لياليا
     ثم قالت للقبر ثانية ، وتمثلت بقول صفية عمّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
قد كان بعدك أنباء وهينمة إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها قدكان جبريل بالآيات يؤنسنا وكنت نوراً وبدراً يستضاء به فقد رزئنا بما لم يرزأ به أحد لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطَب واختلى قومك فافقدهم فقد نكبوا فغاب عنّا فكل الخير محتجب عليك تنزل من ذي العزة الكتب من البرية لا عجمٌ ولا عربُ
     فهذه رواية جسوس جعلت صاحبة الرثاء والإنشاد عائشة ، وهذا ما لم أقف عليه عند غيره ، وكذبه واضح؛ لأنّ صاحبة الرثاء الأول تشكو ما صبّ عليها من مصائب لو أنّها صُبّت على الأيام صرن ليالياً حالكات لشدة وقعها ، وعائشة لم يصبها أيّ أذى بعد فقد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بل أصبحت ذات عزّة ومنعة لتولي أبيها الخلافة ، فلا يمكن التصديق بما ذكره عنها وإن نسبه إلى القيل ، وهو مشعر بالتمريض. وقد صرّح الزرقاني في شرح المواهب (1) ، وعلى القارئ في شرح الشمائل (2) ، بأنّ الشعر أنشأته ـ عند الأول ـ وأنشدته ـ عند الثاني ـ فاطمة ( عليها السلام ).
     ثم إنّ نسبة الأبيات الخمسة إلى صفية هو أيضاً من الخطأ ، فإنّها _ الأبيات _ ليست لها بل هي تمثلت ببيت واحد منها حينما خرجت تلمع بثوبها ، كما سبق في رواية ابن أبي شيبة وراجع لسان العرب (3) ، بل هي ـ الأبيات _ لهند بنت إثاثة كما في طبقات ابن سعد.
1 ـ شرح المواهب للزرقاني 8 : 293.
2 ـ شرح الشمائل 2 : 210.
3 ـ راجع لسان العرب 3 : 30.


(248)
ومما يؤكد أنّ البيت لفاطمة ( عليها السلام ) ، ما ذكره الزمخشري في الفائق (1) أنّ معاوية قال يوم صفّين : آهاً أبا حفص :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطَب
     هي كلمة تأسّف ، وانتصابها على إجرائها مجرى المصادر ، كقولهم ويحاً له ... ، الهنبثة : إثارة الفتنة ، وهي من النبث ، والهاء زائدة ، ويقال للأمور الشدائد : هنابث. يريد ما وقع الناس فيه من الفتن بعد عمر ، وهذا البيت يعزى إلى فاطمة. انتهى.
     النص الخامس : مما أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2) ، بسنده أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لعلي : ستلقى بعدي جهداً ، قال : يارسول الله في سلامة من ديني؟ ، قال : نعم ، في سلامة من دينك.
     وهذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك (3) عن ابن عباس ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في تلخيصه على تخريجه ورمز له : ( خ م ) يعني : البخاري ومسلم.
     وأخرجه غير أولاء ، وحمله بعضهم مفسراً له بما عاناه الإمام ( عليه السلام ) في الحروب الثلاثة : الجمل وصفّين والنهروان ، وهو كذلك. إلاّ أنّ البعَدية في لفظ الحديث تشير إلى ما أصابه بعد فقد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) من غدر الأمة به ، كما رواه أبو إدريس الأودي عن علي قال : إنّ مما عهد إليّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنّ الأمة ستغدر بي بعده.
1 ـ الفائق للزمخشري 1 : 66.
2 ـ المصنف 12 : 78.
3 ـ المستدرك للحاكم 3 : 140.


(249)
أخرجه الحاكم في المستدرك (1) ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في التلخيص على تخريجه وتصحيحه. وللحديث مصادر أخرى كدلائل النبوة للبيهقي ، وتاريخ بغداد ج 11 ، وتاريخ دمشق ج3 ، وخصائص النسائي ، وكنز العمال ، وغيرها كثير.
     النص السادس : وأخرج في المصنف (2) ، بسنده عن أسلم ، وذكر خبر مجيئ عمر إلى فاطمة يريد منها منع علي والزبير من الاجتماع في بيتها ، وتهديدها بقوله : وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم البيت ... ، والخبر إلى هنا ليس فيه ما يستنكر عنه من يعرف شدة عمر ، وعدم مبالاته في شن الغارة على بيت فاطمة ، وأمره بأن يحرق على من فيه.
     ولكن هلم الخطب في بقية الخبر فاقرأ ماذا فيه : ( فلمّا خرج عمر جاؤوها فقالت : تعلمون أنّ عمر قد جاءني ، وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت ، وأيم الله ليمضينّ لما حلف عليه فانصرفوا راشدين ، فروا رأيكم ولا ترجعوا إليّ ، فانصرفوا عنها ، فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر ) ؟
     فهذا الجزء من الخبر نسف الرأي الثابت في مجيئ عمر ومعه قبس من النار ، ومعه من يحمل الحطب ، واقتحامه الدار بعنف ، وإخراج عليّ والزبير ب ـ العنف ، كما سيأتي عن البلاذري وابن قتيبة وغيرهما ، إلى آخر ما هنالك من الأذى الذي لحق بفاطمة من ضرب وإسقاط جنين وو ....
     النص السابع : وأخرج في المصنف (3) بسنده عن عروة أنّ أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، كانا في الأنصار فدفن قبل أن يرجعا.
1 ـ المصدر نفسه 3 : 140.
2 ـ المصنف 14 : 568.
3 ـ المصدر نفسه 14 : 568.


(250)
النص الثامن : وأخرج في المصنف (1) بسنده عن أسلم قال : دخل عمر على أبي بكر وهو آخذ بلسانه ينضنضه ، فقال له عمر : الله الله يا خليفة رسول الله ، وهو يقول : هاه إنّ هذا أوردني الموارد (2).

    تعقيب على حديث غدر الأمة بالإمام :
     لقد وردت عدة أحاديث تندّد مفهوماً بالأمة ، وتصرّح منطوقاً بما سيلقى الإمام من جهد بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) من تلك الأمة ، وألفاظها مختلفة مما يدلنا على اهتمام الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بابن عمه ، فهو إذ يخبره بما سيجري عليه من بعده ، وهو إذ يسلّيه أيضاً يعدّه لمواجهة الأحداث بصبر وثبات ، وهذا ما دلّ عليه جواب الإمام في سلامة من ديني.
     فمن الأحاديث في هذا المعنى خبر الحدايق التي مرّ عليها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومعه الإمام ، فيقول الإمام : ما أحسن هذه ويجيبه النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ولك في الجنة أحسن منها ، ثم اعتنقه وأجهش باكياً ، فقال علي ( عليه السلام ) : ما يبكيك يا رسول الله؟ ، فقال : أبكي لضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك إلاّ بعدي ، فقلت : في سلامة من ديني؟ فقال : في سلامة من دينك. ( أخرجه أبو يعلى في مسنده ، والحاكم في المستدرك ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، والخوارزمي في المناقب ، والحمويني في فرائد السمطين ، وابن أبي الحديد في شرح النهج ، والمتقي الهندي في كنز العمال ، والقندوزي في الينابيع ، وغيرهم ).
1 ـ المصدر نفسه 14 : 568.
2 ـ وهذا أخرجه قبلاً في المصنف 9 : 66 كتاب الأدب ، وذكر في الهامش : أخرجه أبو نعيم في الحلية 1 : 33 ، وأورده الهندي في كنز العمّال 3 : 478. أقول : وذكره غيرهم في تاريخ أبي بكر ، وحتى في بعض مصادر اللغة في مادة ( نضنض ) فراجع.
المحسن السبط ::: فهرس