المحسن السبط ::: 251 ـ 260
(251)
ومن الأحاديث ما أخرجه أبو نعيم في الحلية بسنده عن أبي برزة الأسلمي ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : انّ الله تعالى عهد إليَّ في علي عهداً ، إنّ علياً راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، من أحبّه أحبني ، ومن أبغضه أبغضني ، فبشّره فجاء علي فبشرته بذلك ، فقال : يا رسول الله أنا عبد الله فإن يعذبني فبذنبي ، وإن يتمّ الذي بشّرني به فالله أولى به. قال ( صلى الله عليه وآله ) : قلت : اللّهمّ أجل قلبه واجعله ربيع الإيمان ، فقال الله تبارك وتعالى : قد فعلت به ذلك ، ثم قال تعالى : إنّي مستخصّه بالبلاء ، فقلت : يا رب إنه أخي ووصيي ، فقال تعالى : إنّه شيء قد سبق فيه قضائي ، إنّه مبتلى (1).
     ومن الأحاديث ما أخرجه الموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه قال : أعطى النبي ( صلى الله عليه وآله ) الراية يوم خيبر إلى علي ففتح الله عليه ، وفي يوم غدير خم أعلم الناس انّه مولى كل مؤمن ومؤمنة ، وقال له : أنت منّي وأنا منك ، وأنت تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله ، وقال له : أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ انّه لا نبي بعدي ، وقال له : أنا سلم لمن سالمك ، وحرب لمن حاربك ، وأنت العروة الوثقى ، وأنت تبيّن ما اشتبه عليهم من بعدي ، وأنت ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي ، وأنت الذي أنزل الله فيك : « وَأذَانٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأكْبَرِ » (2) وأنت الآخذ بسنتي ، والذاب عن ملتي ، وأنا وأنت أوّل من تنشق الأرض عنه ، وأنت معي تدخل الجنة والحسن والحسين وفاطمة معنا ، إنّ الله أوحى إليَّ أن أبيّن فضلك ، فقلت للناس وبلّغتهم ما أمرني الله تبارك وتعالى بتبليغه.
1 ـ حلية الأولياء ، وعنه في ينابيع المودة : 134.
2 ـ التوبة : 3.


(252)
ثم قال : اتق الضغائن التي كانت في صدور قوم لا تظهرها إلاّ بعد موتي ، أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ، وبكى ( صلى الله عليه وآله ) ثم قال : أخبرني جبرئيل انّهم يظلمونك بعدي ، وأنّ ذلك الظلم لا يزول بالكلية عن عترتنا ، حتى إذا قام قائمهم ، وعلت كلمتهم ، واجتمعت الأمة على مودتهم ، والشانيء لهم قليلاً ، والكاره لهم ذليلاً ، والمادح لهم كثيراً ، وذلك حين تغيّر البلاد ، وضعف العباد حين اليأس من الفرج ، فعند ذلك يظهر القائم مع أصحابه ، فبهم يظهر الله الحق ، ويخمد الباطل بأسيافهم ، ويتبعهم الناس ، راغباً إليهم وخائفاً منهم ، ابشروا بالفرج ، فإنّ وعد الله حق لا يخلف ، وقضاؤه لا يرد ، وهو الحكيم الخبير ، وانّ فتح الله قريب.
     اللّهمّ إنّهم أهلي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، اللّهمّ اكلأهم وارعهم ، وكن لهم وانصرهم وأعزّهم ولا تذلّهم ، واخلفني فيهم ، إنّك على ما تشاء قدير (1).
     وقال علي كرّم الله وجهه : كل حقد حقدته قريش على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أظهرته فيَّ ، وستظهره في ولدي من بعدي ، مالي ولقريش إنّما وترتهم بأمر الله وأمر رسوله ، أفهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين (2).
     ما ذكره أحمد بن حنبل :
     سابعاً : ماذا عند أحمد بن حنبل ( ت 241 هـ ) ؟
     النص الأول : أخرج في المسند (3) ، قال : حدّثنا عبد الرزاق ، قال : حدّثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان
1 ـ المناقب للخوارزمي الحنفي وينابيع المودة : 135.
2 ـ ينابيع المودة : 135.
3 ـ المسند 1 : 26 ، برقم : 9 ، بتحقيق أحمد محمد شاكر.


(253)
ميراثهما من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك ، وسهمه من خيبر ، فقال لهم أبو بكر : إنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لا نورّث ، ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإنّي والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصنعه فيه إلا صنعته.
     أقول : لقد مرّ هذا الحديث عن المصنف لعبد الرزاق فراجع ( تاسعاً ) ستجد زيادة طويلة بترها أحمد ولم ينقلها ، ومما جاء في تلك الزيادة قال : فهجرته فاطمة فلم تكلّمه في ذلك حتى ماتت ، فدفنها عليّ ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ، قالت عائشة : وكان لعلي من الناس حياة فاطمة حبوة ، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عنه ، فمكثت فاطمة ستة أشهر بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم توفيت. قال معمر : فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي ستة أشهر؟ قال : لا ، ولا أحد من بني هاشم حتى بايعه علي ....
     إلى غير ذلك ممّا مرّ لفظه نقلاً عن المصنف ، وهو كلام كثير يتضمن كيف بايع الإمام ، وتحت طائلة الضغط الاجتماعي ، وقد نبّهت هناك على ما صنعه أحمد والبخاري في اختصار هذا الحديث اختصاراً مهيناً ومشيناً فراجع ، على أنّ تخريج أحمد للحديث هنا في مسند أبي بكر لروايته لا نورّث ، فهو أشبه بمسند عائشة منه بمسند أبي بكر ، فلاحظ.
     النص الثاني : أخرج في المسند (1) ، فقال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة [قال عبد الله : وسمعته من عبد الله بن أبي شيبة] قال : حدّثنا محمد بن فضيل عن الوليد بن جميع ، عن أبي الطفيل قال : لما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أرسلت فاطمة إلى أبي بكر : أنت ورثت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أم أهله؟
     قال : فقال : لا ، بل أهله ، قالت : فأين سهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : فقال أبو بكر : إنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إنّ الله ( عزّ وجلّ ) إذا أطعم نبياً طعمة ثم قبضه جعله للذي
1 ـ المسند 1 : 28 ، برقم : 14.

(254)
يقوم من بعده ، فرأيت أن أرده على المسلمين ، فقالت : فأنت وما سمعت من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أعلم.
     وهذا الحديث علّق عليه المحقق بقوله : إسناده صحيح ، الوليد بن جُميع هو الوليد بن عبد الله بن جميع ، نسب إلى جده وهو ثقة. أبو الطفيل : هو عامر بن واثلة ، من صغار الصحابة ، وهو آخرهم موتاً ، مات سنة : 107 ، أو سنة : 110 هـ.
     والحديث ذكره الحافظ ابن كثير في تاريخه (1) ، نقلاً عن المسند ثم قال : هكذا رواه أبو داود عن عثمان بن أبي شيبة ، عن محمد بن فضيل به ، ففي لفظ هذا الحديث غرابة ونكارة ، ولعله روي بمعنى ما فهمه بعض الرواة ، وفيهم من فيه تشيع ، فليعلم ذلك ، وأحسن ما فيه قولها : أنت وما سمعت من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهذا هو الصواب ، وهو المظنون بها ، واللائق بأمرها وسيادتها وعلمها ودينها _ ( رضي الله عنها ) _ وكأنّها سألته بعد هذا أن يجعل زوجها ناظراً على هذه الصدقة ، فلم يجبها إلى ذلك لما قدمناه ، فتعتبت عليه بسبب ذلك ، وهي امرأه من بنات آدم ، تأسف كما يأسفن ، وليست بواجبة العصمة ، مع وجود نص رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ومخالفة أبي بكر الصديق ، وقد روينا عن أبي بكر أنّه ترضّى فاطمة وتلاينها قبل موتها ، فرضيت ( رضي الله عنها ).
     إلى هنا انتهى ما ذكره أحمد محمد شاكر في الهامش ، ولم يعقّب على ما ذكره ابن كثير بشيء ، فأقول : ومن هنا يعلم موافقته لما قاله ابن كثير ، ومن الواضح أنّ ابن كثير شامي ، والنصب في أهل الشام من مواريثهم من أيام معاوية ، وهو بعدُ تلميذ لابن تيمية ، وذلك يكفي في تعريفه لو شط به القلم وحدا به النصب لأن يقول عن فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : ( وليست بواجبة العصمة ).
1 ـ تاريخ الحافظ ابن كثير 5 : 289.

(255)
غير أنّ العتب على المحقق أحمد محمد شاكر الذي لم يعلّق على هذه الغميزة بما يرفع عنه إصر الموافقة عليها ، وهو لا شك أنّه قد قرأ آية التطهير في سورة الأحزاب : « إنَّمَا يُر ِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » (1).
     ولا شك أنّه قد قرأ قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيها وفي بعلها علي ، وفي ابنيها الحسنين : اللهم هؤلاء أهل بيتي بعد أن جللهم بكساء ولم يدخل معهم أحداً ، ولا شك أنّه قد قرأ قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) الآخر : فاطمة بضعة منّي ... وهو يعرف معنى البضعة؛ فكلّ هذا لا يوجب العصمة لفاطمة ( عليها السلام ) ؟ إنّها لظلامة الآخرين وليست بدون ظلامة الأولين ، فلك الله ناصراً يا بنت رسول الله صلى الله على أبيكِ وعلى بعلكِ وعليكِ وعلى أهل بيتكِ الطاهرين.
     النص الثالث : أخرج في المسند (2) ، قال : حدّثنا يعقوب ، قال : حدّثنا أبي عن صالح ، قال ابن شهاب : أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبرته : أنّ فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مما آفاء الله عليه ، فقال لها أبو بكر : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : لا نورّث ما تركنا صدقة ، فغضبت فاطمة فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ، قال : وعاشت بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ستة أشهر.
     قال : وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة ، فأبى أبو بكر عليها ذلك ، وقال : لست تاركاً شيئاً كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعمل به إلا عملت به ، وإنّي أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن اُزيغ ، فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى علي وعباس فغلبه عليها علي ، وأمّا خيبر
1 ـ الأحزاب : 33.
2 ـ المسند 1 : 34 ، برقم : 25.


(256)
وفدك فأمسكهما عمر ، وقال : هما صدقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه ، وأمرهما إلى من ولي الأمر ، قال : فهما على ذلك اليوم.
     النص الرابع : وأخرج في المسند (1) ، قال : حدّثنا حجاج بن محمد ، حدّثنا ليث ، حدّثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة زوج النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنّها أخبرته : إنّ فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أرسلت إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك ، وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : لا نورّث ، ما تركنا صدقة ، إنّما يأكل آل محمد في هذا المال ، وإنّي والله لا اُغيّر شيئاً من صدقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولأعملنّ فيها بما عمل به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك.
     فقال أبو بكر : والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي ، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال ، فإنّي لم آل فيها عن الحق ، ولم أترك أمراً رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصنعه فيها إلا صنعته.
     النص الخامس : وأخرج في المسند (2) ، قال : حدّثنا عبد الرزاق ، حدّثنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : أنّ فاطمة والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر ، فقال لهما أبو بكر : إنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لا نورّث ، ما تركنا صدقة ، وإنّما يأكل آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) في هذا المال ، وإنّي والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يصنعه فيه إلا صنعته.
     النص السادس : وأخرج في المسند (3) ، قال : حدّثنا عفّان ، حدّثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة أنّ فاطمة قالت لأبي بكر : من يرثك
1 ـ المسند 1 : 45 ، برقم : 55.
2 ـ المسند 1 : 46 ، برقم : 58.
3 ـ المسند 1 : 47 ، برقم : 60.


(257)
إذا متّ؟ قال : ولدي وأهلي ، قالت : فمالنا لا نرث النبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إنّ النبي لا يورّث ، ولكنّي أعول من كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعول ، وأنفق على من كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ينفق.
     وهذا علّق عليه المحقق بأنّه منقطع الإسناد ، ولمّا أعاد أحمد بن حنبل إخراجه مرّة ثانية برقم : 79 بالسند إلى أبي سلمة ، ثم رفعه هنا عن أبي هريرة ، ببركة وجوده تم توصيل الانقطاع ، فقال المحقق : إسناده صحيح ، وقد سبق مطولاً برقم : 60 ، ولكن هناك مطولاً ، ولدى المقارنة نجد بين الخبرين فرقاً واضحاً ، فقارن ما يلي مع ما سبق فالحديث عن أبي هريرة أنّ فاطمة جاءت أبا بكر وعمر تطلب ميراثها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالا : إنّا سمعنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إنّي لا أورّث ....
     النص السابع : وجاء في المسند (1) : حدّثنا عبد الله ، حدّثني أبي ، ثنا إسماعيل ، عن ابن عون ، عن إبراهيم ، عن الأسود قال : ذكروا عند عائشة أنّ علياً كان وصياً ، فقالت : متى أوصى إليه؟ فقد كنت مسندته إلى صدري أو قالت : حجري ، فدعا بالطست فلقد انخنث في حجري ، وما شعرت أنّه مات ، فمتى أوصى إليه؟
     وهذا الخبر يوحي بأنّ أناساً كانوا يذكرون أنّ علياً كان وصياً ، ومتى كان كذلك ، فقيام غيره بالأمر بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان بغير حق وغصباً لحقه ، ودفعاً لذلك صارت عائشة تزعم أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) مات وهي مسندته إلى صدرها أو في حجرها.
     ويبدو أنّ أحمد بن حنبل روى في مسنده أحاديث عائشة على نحو ما وصلت إليه بما فيها من تناقض ، وزعمها أنّ النبي مات وهي مسندته إلى صدرها _ كما هنا _ نجد عدة أحاديث أخرى عنها تختلف ألفاظها ومعانيها ، فمنها : مات ( صلى الله عليه وآله ) بين حاقنتي وذاقنتي (2).
1 ـ المسند 6 : 32.
2 ـ المصدر نفسه 6 : 64 و 77.


(258)
ومنها : مات ( صلى الله عليه وآله ) وهو يوتر بالسحر (1).
     ومنها : مات ( صلى الله عليه وآله ) بين سحري ونحري (2).
     ومنها : كان ( صلى الله عليه وآله ) في حجري حين نزل به الموت (3).
     ومنها : مات ( صلى الله عليه وآله ) ورأسه على فخذ عائشة (4).
     إلى غير ذلك من اختلاف رواياتها مما يشيعه عنها أبناء أختها أسماء ، وهم أبناء الزبير ومن لفّ لفّهم من رواتها ، ولقد نمّت هي على نفسها بأنّها غير مصدقة عند بعض الناس في ذلك ، فكانت تدافع عن نفسها بقولها في حديث رواه أحمد (5) : مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين سحري ونحري ، وفي دولتي لم أظلم فيه أحداً ، فمن سفهي وحداثة سنّي أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة ، وقمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهي (6).
     ومع ذلك كلّه بقيت الأحاديث عنها في ذلك غير مقبولة ، وأثارت الشكوك حول صحتها ، فرباح ـ أحد الرواة ـ قال : قلت لمعمر : قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو جالس؟ قال : نعم (7).
     والأسود بن يزيد راوي الحديث الآنف الذكر أولاً هو أبو غطفان ، وهو الذي يسأل ابن عباس فيقول : أرأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) توفي ورأسه في حجر أحد ، قال : توفي وهو لمستند إلى صدر علي ، قلت : فإنّ عروة حدّثني عن عائشة أنّها
1 ـ المصدر نفسه 6 : 204.
2 ـ المصدر نفسه 6 : 48 و 121 و 274.
3 ـ المصدر نفسه 6 270.
4 ـ المصدر نفسه 6 : 89.
5 ـ المصدر نفسه 6 : 274.
6 ـ وهذا أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 ، ق 2 : 50.
7 ـ المسند 6 : 274.


(259)
قالت : توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين سحري ونحري ، فقال ابن عباس : أتعقل؟ والله لتوفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنّه لمستند إلى صدر علي ، وهو الذي غسّله ... (1).
     ولمزيد من البحث حول الموضوع راجع كتاب ( علي إمام البررة ) (2).
     ونعود إلى حديث الأسود ـ أبي غطفان ـ الذي رواه أحمد كما مرّ فنقول : وهذا أيضاً رواه البخاري ومسلم كما ستأتي الإشارة إليه ، وجميعهم بتروا من آخره سؤال الراوي من ابن عباس ، وجوابه رداً على زعم عائشة مشفوعاً باليمين ، ومستنفراً لمشاعره بقوله : ( أتعقل ) وهي كلمة لها دلالتها في إثارة الوعي والتنبيه على تلقي الجواب ، مع أنّ الحديث رواه ابن سعد بتمامه كما مرّ ، فلاحظ مدى الأمانة عند أحمد والشيخين.
     ويؤكد صحة ما قاله ابن عباس ما رواه أحمد في مسنده (3) من حديث أم سلمة قالت : والذي أحلف به أن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، قالت : عدنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غداة بعد غداة يقول : جاء علي؟ _ مراراً _ ، قالت : وأظنّه كان بعثه في حاجة ، قالت : فجاء بعد فظننت أنّ له إليه حاجة ، فخرجنا من البيت ، فقعدنا عند الباب ، فكنت من أدناهم إلى الباب ، فأكبّ عليه علي فجعل يساره ويناجيه ، ثم قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من يومه ذلك ، فكان أقرب الناس به عهداً.
     ويزيد ذلك تأكيداً ما جاء عن عمر بن الخطاب ـ وهو غير متهم في المقام ـ وقد مرّ فيما عند ابن سعد حيث سأله كعب الأحبار : ما كان آخر ما تكلّم به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ فقال عمر : سل علياً ، قال : أين هو؟ قال : هو هنا فسأله ، فقال علي : أسندته إلى صدري فوضع رأسه على منكبي فقال : الصلاة الصلاة ، فقال كعب : كذلك
1 ـ وهذا أخرجه ابن سعد في الطبقات 2 ، ق 2 : 51.
2 ـ علي إمام البررة 3 : 347 ـ 361 ، ط : دار الهادي.
3 ـ المسند 6 : 300.


(260)
آخر عهد الأنبياء وبه اُمروا وعليه يبعثون ، قال : فمن غسّله يا أمير المؤمنين؟ قال : سل علياً ، قال : فسأله فقال : كنت أنا أغسله ، وكان عباس جالساً (1).
     ومع هذا كله فعائشة تقول : مات بين سحري ونحري ، وبين حاقتني وذاقتني و ، و ... ، كل ذلك لأنّها لا تطيب له نفساً كما قال ابن عباس ، حيث قالت عائشة : فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويدٌ له على العباس ، ( كما في مسند أحمد ) (2) ، أو على الفضل بن عباس ، ( كما في روايتها الأخرى في مسند أحمد ) (3) ، وعلى رجل آخر وهو يخط برجليه الأرض ، فحدّث عبيد الله بن عبد الله راوي الحديث بذلك ابن عباس ، فقال له : أتدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ هو علي ، ولكن عائشة لا تطيب له نفساً.
     بل بلغ بها الحال حين تسمع من يقع في علي صراحة ، فلا تستنكر إلا بما يكشف عن قديم حقدها عليه ، فقد روى أحمد في مسنده (4) بسنده عن عطاء بن يسار قال : جاء رجل فوقع في علي وفي عمار _ رضي الله تعالى عنهما _ عند عائشة فقالت : أما علي فلست قائلة لك فيه شيئاً ، وأما عمار فإنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما.
     ونحن مع روايتها هذه فإنّا ندينها من فمها حيث اختار عمار علياً إماماً دون غيره ، ووقف إلى جانبه منذ حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبعد وفاته في السلم وفي الحرب ، حتى قتلته الفئة الباغية بصفّين ، وهو معه يقول في بعض رجزه كما في وقعة صفّين (5) :
أنا مع الحق أحامي عن علي صهر النبي ذي الأمانات الوفي

1 ـ الطبقات 2 ، ق 2 : 51.
2 ـ المسند 6 : 34.
3 ـ المصدر نفسه 6 : 228.
4 ـ المصدر نفسه 6 : 113.
5 ـ وقعة صفّين : 289.
المحسن السبط ::: فهرس