المحسن السبط ::: 291 ـ 300
(291)
تبايع ، فلم يزل به حتى مشى إلى أبي بكر ، فقام أبو بكر إليه فاعتنقا وبكى كل واحد إلى صاحبه ، فبايعه فسرّ المسلمون وجدّ الناس في القتال ، وقطعت البعوث.
     النص الرابع عشر (1) : بسنده عن محمد بن المنكدر قال : جاء أبو سفيان إلى علي فقال : أترضون أن يلي أمركم ابن أبي قحافة؟ أما والله لئن شئتم لأملأنّها عليه خيلاً ورجلاً ، فقال : لست أشاء ذلك.
     النص الخامس عشر (2) : بسنده قال : إن أبا سفيان جاء إلى علي ( عليه السلام ) فقال : ياعلي بايعتم رجلاً من أذلّ قبيلة من قريش ، أما والله لئن شئت لأضرمنّها عليه من أقطارها ، ولأملأنّها عليه خيلاً ورجالاً ، فقال له علي : إنّك طال ما غششت الله ورسوله والإسلام فلم ينقصه ذلك شيئاً.
     النص السادس عشر (3) : ، بسنده عن أبي هريرة قال : إنّ أبا سفيان كان حين قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) غائباً ، بعث به مصدقاً ، فلما بلغته وفاة النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : من قام بالأمر بعده؟ قيل : أبو بكر ، قال : أبو الفصيل؟ إنّي لأرى فتقاً لا يرتقه إلا الدم.
     النص السابع عشر (4) : بسنده عن الزهري قال : خطب أبو بكر حين بويع واستخلف فقال : ... ألا وإنّي قد وليتكم ولست بخيركم ، ألا وقد كانت بيعتي فلتة وذلك إنّي خشيت فتنة ....
     النص الثامن عشر (5) : بسنده عن أبي عمرو الجوني قال : قال سلمان الفارسي
1 ـ المصدر نفسه 1 : 588.
2 ـ المصدر نفسه 1 : 588.
3 ـ المصدر نفسه 1 : 589.
4 ـ المصدر نفسه 1 : 590.
5 ـ المصدر نفسه 1 : 590.


(292)
حين بويع أبو بكر ( كرداد وناكر داد ) (1) ، أي عملتم وما عملتم ، لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم.
     هذه جملة مقتطفات مما رواه البلاذري في كتاب أنساب الأشراف ، وفيها من التهافت في الروايات ما يلفت النظر ، لكن الذي لا شك فيه هو ما ساقه بإسناده ، وساعد عليه الاعتماد والاشتهار نحو ما يلي :
     1 ـ أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ببعث أسامة ، وجعل فيه أبا بكر وعمر ووجوهاً من المهاجرين والأنصار ، وقد تخلفوا جميعاً فخالفوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حيث كان يقول : نفذوا جيش أسامة ، وقد قال الله تعالى : « لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ أنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ » (2).
     بل روى الشهرستاني في الملل والنحل (3) ، والعضد الإيجي كما في شرح المواقف للشريف الجرجاني (4) ، قوله ( صلى الله عليه وآله ) : جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلّف عنه.
     2 ـ أراد ( صلى الله عليه وآله ) أن يكتب كتاباً لأمته لا يضلون بعده ، فقالوا : أتراه يهجر ، ولغطوا فغمّ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأضجره ، فطردهم وقال : إليكم عنّي.
     3 ـ تصنّع عمر في بلبلة الموقف حتى يأتي أبا بكر ، وكان غائباً بالسنح ، فقال : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يمت ، وردّ العباس على ذلك.
1 ـ كلام فارسي يكتب باللغة العصرية ( كرديد ونه كرديد ) وتلفظ الألف ( كرداد ) بالإمالة ، وذكر هذا الكلام الفارسي أيضاً الجاحظ في الرسالة العثمانية ( هامش المصدر ).
2 ـ النور : 63.
3 ـ الملل والنحل 1 : 23.
4 ـ شرح المواقف للجرجاني 8 : 408.


(293)
     4 ـ استعمال الرشوة في تثبيت الموقف لأبي بكر على حساب الدين ، ورفض العجوز الأنصارية ومصارحتها بذلك.
     5 ـ إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة باعتراف نفسه ، واعتراف عمر أيضاً بذلك ، ومثل ذلك ما قاله الزبير بن العوام في اُخريات عهد عمر ، وهذا يعني أنّ المسلمين حتى ذلك اليوم لم يكونوا جميعاً يرون صحة خلافة أبي بكر ولا شرعيتها ، وإنّما هي فلتة ، وقد سماها أحمد أمين ( غلطة ) (1).
     6 ـ إنّ العباس حاول مبايعة الإمام قبل أن يتم أمر السقيفة ، إلا أنّ الإمام ( عليه السلام ) رفض ذلك العرض لاشتغاله بتجهيز النبي ( صلى الله عليه وآله ).
     7 ـ إنّ أبا بكر أرسل عمر لإحضار الإمام ليبايعه وأن يجيئ به بأعنف العنف ، وانّ عمر جاء بفتيلة فتلقته فاطمة ( عليها السلام ) ، وقالت له : يابن الخطاب أتراك محرقاً عليّ بابي؟ ، قال : نعم ، وذاك أقوى فيما جاء به أبوك ، فكان هذا منه بمنتهى الفظاظة والعنجهية.
     8 ـ إنّ علياً لم يبايع أبا بكر إلا بعد موت فاطمة ( عليها السلام ) وذلك بعد ستة أشهر ، فضرع للبيعة.
     9 ـ وإنّه لم يضرع لو لم ير الردة قد تفشت في العرب ، ولم يخرج أحد إلى العدو ما دام هو لم يبايع ، وكلّمه عثمان في ذلك ، ومع ذلك فقد روى أنّه بايع أول يوم ، وله كلام دل على قناعته بأولوية أبي بكر مما نسجه الأفّاكون؟!
     10 ـ وإنّ أبا سفيان أعلن سخطه على تولي أبي بكر الخلافة ، وأعجب كيف لم يراعي له حقاً وجميلاً سابقاً له عليه ، وذلك فيما رواه البلاذري (2) قال : كان
1 ـ يوم الإسلام : 53 ، قال : ولذلك قال عمر : إنّها غلطة وقى الله المسلمين شرّها. وكذلك كانت غلطة بيعة أبي بكر لعمر.
2 ـ أنساب الأشراف 1 : 488.


(294)
بلال وصهيب وسلمان جلوساً فمرّ بهم أبو سفيان بن حرب ، فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها بعدُ ، فقال أبو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها؟ ثم انطلق أبو بكر إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره ، فقال : يا أبا بكر لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك ، قال : فأتاهم أبو بكر فقال : يا أخوتي لعلكم غضبتم؟ فقالوا : يغفر الله لك يا أبا بكر.
     أقول : وليتني أدري ماذا كان يقول أبو بكر في نفسه حين يأمر بجلب علي بأعنف العنف ، وتهديد عمر باحراق باب فاطمة ، أليس ذلك مما اغضبها؟ وهل غضبها دون غضب الصحابة الثلاث؟ أوليس صح قوله ( صلى الله عليه وآله ) : فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها فقد أغضبني ، ومن أغضبني فقد أغضب الله.
     النص التاسع عشر : قال أيضاً البلاذري في فتوح البلدان (1) :
     ( فدك ) قالوا بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى أهل فدك منصرفه من خيبر ، محيصة بن مسعود الأنصاري يدعوهم إلى الإسلام ، ورئيسهم رجل منهم يقال له يوشع بن نون اليهودي ، فصالحوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على نصف الأرض بتربتها ، فقبل ذلك منهم ، فكان نصف فدك خالصاً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأنه لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، وكان يصرف ما يأتيه منها إلى أبناء السبيل.
     النص العشرون : في فتوح البلدان (2) قال : وحدثنا عبد الله بن ميمون المكتب ، قال : أخبرنا الفضيل بن عياض ، عن مالك بن جعونة ، عن أبيه قال : قالت فاطمة لأبي بكر : انّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جعل لي فدك فأعطني إيّاها ، وشهد لها علي بن أبي طالب فسألها شاهداً آخر فشهدت لها أم أيمن ، فقال : قد علمت يا بنت رسول الله انّه لا تجوز إلاّ شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ، فانصرفت.
1 ـ فتوح البلدان : 36.
2 ـ المصدر نفسه : 38.


(295)
     النص الحادي والعشرون : في فتوح البلدان (1) بسنده عن أم هانئ انّ فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أتت أبا بكر ، فقالت له : من يرثك إذا مت؟ قال : ولدي وأهلي ، قالت : فما بالك ورثت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دوننا؟ قال : يا بنت رسول الله والله ما ورثت أباك ذهباً ولا فضة ولا كذا ولا كذا ، فقالت : سهمنا بخيبر وصدقتنا بفدك ، فقال : يا بنت رسول الله سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إنّما هي طعمة أطعمنيها الله في حياتي ، فإذا مت فهي بين المسلمين.
     النص الثاني والعشرون : في فتوح البلدان (2) بسنده عن الكلبي انّ بني أمية اصطفوا فدك ، وغيّروا سنّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيها ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز ردّها إلى ما كانت عليه.
     النص الثالث والعشرون : في فتوح البلدان (3) بسنده عن أبي برقان انّ عمر بن عبد العزيز لما ولى الخلافة خطب فقال : انّ فدك كانت ممّا أفاء الله على رسوله ، ولم يوجف المسلمون عليها بخيل ولا ركاب ، فسألته فاطمة رحمها الله تعالى فقال : ما كان لكِ أن تسأليني ، وما كان لي أن أعطيك ، فكان يضع ما يأتيه منها في أبناء السبيل.
     ثم ولي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، فوضعوا ذلك بحيث وضعه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم ولي معاوية فقطعها مروان بن الحكم ، فوهبها مروان لأبي ولعبد الملك ، فصارت لي وللوليد وسليمان ، فلما ولي الوليد سألته حصته منها فوهبها لي ، وسألت سليمان حصته فوهبها لي ، فاستجمعتها ، وما كان لي من مال أحب إليَّ منها ، فاشهدوا أنّي قد رددتها إلى ما كانت عليه.
1 ـ المصدر نفسه : 38.
2 ـ المصدر نفسه : 37.
3 ـ المصدر نفسه : 39.


(296)
     ولما كانت سنة 210 أمر أمير المؤمنين المأمون عبد الله بن هارون الرشيد ، فدفعها إلى فاطمة ، وكتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة : أما بعد فإنّ أمير المؤمنين بمكانه من دين الله وخلافة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والقرابة به أولى من استنّ سننه ، ونفذ أمره ، وسلّم لمن منحه منحة وتصدّق عليه بصدقة منحته وصدقته ، وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته ، واليه في العمل بما يقرّبه إليه رغبته.
     وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أعطى فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فدك ، وتصدّق بها عليها ، وكان ذلك أمراً ظاهراً معروفاً لا اختلاف فيه بين آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولم تزل تدعي منه ما هو أولى به من صدّق عليه ، فرأى أمير المؤمنين أن يردّها إلى ورثتها ، ويسلمها إليهم تقرّباً إلى الله تعالى بإقامة حقه وعدله ، وإلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بتنفيذ أمره وصدقته.
     فأمر باثبات ذلك في دواوينه والكتاب إلى عمّاله ، فلأن كان ينادى في كل موسم بعد أن قبض الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يذكر كل من كانت له صدقة أو هبة أو عدة ذلك فيقبل قوله وينفذ عدته ، انّ فاطمة ( رضي الله عنها ) لأولى بأن يصدّق قولها فيما جعل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لها.
     وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك الطبري مولى أمير المؤمنين يأمره برد فدك على ورثة فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بحدودها وجميع حقوقها المنسوبة إليها ، وما فيها من الرقيق والغلاّت وغير ذلك ، وتسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، لتولية أمير المؤمنين إياها القيام بها لأهلها.
     فاعلم ذلك من رأي أمير المؤمنين ، وما ألهمه الله من طاعته ووفقه له من التقرب إليه وإلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأعلمه مَن قبلك وعامل محمد بن يحيى ، ومحمد بن


(297)
عبد الله بما كنت تعامل به المبارك الطبري ، وأعنهما على ما فيه عمارتها ومصلحتها ووفور غلاتها إن شاء الله ، والسلام.
     وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة 210.
     فلما استخلف المتوكل على الله ... أمر بردها إلى ما كانت عليه قبل المأمون.
     ما ذكره الطبري :
     الثالث عشر : محمد بن جرير الطبري ( ت 310 هـ ) ، فماذا عنده في تاريخه من نصوص؟ مما رواه في أحداث السنة الحادية عشرة من الهجرة ، وهي السنة التي توفي فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؛ مما يعنينا نقله ، ولمّا كان جملة مما راه ينتهي بإسناده إلى محمد بن إسحاق ، فسوف لا نذكره جميعه لأنّه سبق لنا أن ذكرنا عن ابن إسحاق ما أردناه ، فلسنا بحاجة إلى الإعادة ، لكن نذكر الآن نصوصاً في ثلاث روايات ساقها الطبري بأسانيد متحدة عن ابن إسحاق ، فقال : حدّثنا ابن حميد ، قال : حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق.
     النص الأوّل : روى الطبري في تاريخه (1) ، بسنده عن ابن إسحاق ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مليكة ، قال : لما كان يوم الإثنين خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عاصباً رأسه إلى الصبح ، وأبو بكر يصلي بالناس ، فلما خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تفرّج الناس فعرف أبو بكر أنّ الناس لم يفعلوا ذلك إلا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فنكص عن مصلاه ، فدفع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ظهره ، وقال : صل بالناس ، وجلس رسول الله إلى جنبه ، فصلى قاعداً عن يمين أبي بكر ، فلما فرغ من الصلاة أقبل على الناس وكلمهم رافعاً صوته ، حتى خرج صوته من باب المسجد يقول : يا أيها الناس سُعّرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، وإنّي والله لا تمسكون عليّ شيئاً ، إني لم أحلّ إلا ما أحلّ لكم القرآن ، ولم أحرّم عليكم إلا ما حرّم عليكم القرآن.
1 ـ تاريخ الطبري 3 : 198.

(298)
فلما فرغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من كلامه ، قال له أبو بكر : يا نبي الله إنّي أراك قد أصبحت بنعمة الله وفضله كما نحبّ ، واليوم يوم ابنة خارجة فأتيها ، ثم دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وخرج أبو بكر إلى أهله بالسُنح.
     النص الثاني : رواه الطبري في تاريخه (1) ، بسنده السابق عن ابن إسحاق ، عن يعقوب بن عتبة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : رجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك اليوم حين دخل المسجد ، فاضطجع في حجري ، فدخل علي رجل من آل أبي بكر في يده سواك أخضر ، قالت : فنظر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى يده نظراً عرفت أنّه يريده ، فأخذته فمضغته حتى ألنته ، ثم أعطيته إياه ، قالت : فاستن به كأشدّ ما رأيته يستنّ بسواك قبله ، ثم وضعه ، ووجدت رسول الله يثقل في حجري ، قالت : فذهبت أنظر في وجهه ، فإذا نظره قد شخص وهو يقول : بل الرفيق الأعلى من الجنة ، قالت : قلت : خُيّرت فاخترت والذي بعثك بالحق ، قالت : وقبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ).
     النص الثالث : رواه الطبري في تاريخه (2) ، بسنده السابق عن ابن إسحاق ، عن يحيى بن عباد بن الزبير ، عن أبيه عباد ، قال : سمعت عائشة تقول : مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين سحري ونحري وفي دوري ، ولم أظلم فيه أحداً ، فمن سفهي وحداثة سني أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة ، وقمت ألتدمُ مع النساء وأضرب وجهي.
     هذه ثلاث روايات رواها الطبري بإسناده عن ابن إسحاق ، ورجال إسناده كما يلي :
     1 ـ محمد ـ ابن حميد ـ ابن حيان التميمي الرازي ( ت 248 هـ ) ، قال ابن أبي شيبة : كثير المناكير ، وقال البخاري : في حديثه نظر ، وقال صالح بن محمد
1 ـ المصدر نفسه 3 : 199.
2 ـ تاريخ الطبري 3 : 199.


(299)
الأسدي : كلّ شيء كان يحدّثنا ابن حميد كنّا نتهمه فيه ، وقال أيضاً : كانت أحاديثه تزيد ، وما رأيت أحداً أجرأ على الله منه ، كان يأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضها على بعض ... إلى غير ذلك من أقوال في تجريحه يراجع بشأنها تهذيب التهذيب (1).
     2 ـ سلمة هو ابن الفضل الأبرش الأنصاري ( توفي بعد سنة 190 هـ ) ، قال البخاري : عنده مناكير ، وقال ابن عدي : عنده غرائب وإفراد ، وعن أبي زرعة : كان أهل الري لا يرغبون فيه لمعانٍ فيه من سوء رأيه وظلم فيه ... ، إلى غير ذلك من تجريح ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب (2).
     3 ـ محمد بن إسحاق صاحب السيرة ( ت 150 هـ ) ، كان مؤرّخ دولة ، وطعنه مالك بقوله : دجّال الدجاجلة ، وقال أحمد بن حنبل : كان ابن إسحاق يدلّس ، وكذّبه سليمان التميمي ، ويحيى القطان ، ووهيب بن خالد. وقد مرّت ترجمته فيما سبق.
     وحسبنا بيان حالهم ، فهو يغنينا عن النظر في حال باقي رجال الإسناد في الروايات الثلاث ، مع الغض عما في متونها من احتجان الساعات الأخيرة من الحياة النبوية ، وجعلها قصراً على أبي بكر وآل أبي بكر ، وبالطبع تكون عائشة هي سيدة الموقف فيما روته ، لولا أنّ سفهها وحداثة سنّها غلبا عليها ـ كما قالت هي عن نفسها ومرّ ذلك في ثالث الروايات ـ فظن خيراً ولا تسل عن الخبر ، هذا هو النص الذي تضمن حضور آل أبي بكر ، وتغييب بني هاشم وباقي الأزواج ، مما يحملنا على الريبة في صحته.
     النص الرابع : قال أبو جعفر (3) بسنده عن الثالوث المتقدم ذكره : ابن حميد عن
1 ـ تهذيب التهذيب 9 : 128 ـ 131.
2 ـ المصدر نفسه 4 : 153 ـ 154.
3 ـ تاريخ الطبري 3 : 200.


(300)
سلمة عن ابن إسحاق ، وهو عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : لما توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قام عمر بن الخطاب فقال : إنّ رجالاً من المنافقين يزعمون انّ رسول الله توفي ، وإنّ رسول الله والله ما مات ، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران ، فغاب عن قومه أربعين ليلة ، ثم رجع بعد أن قيل قد مات ، والله ليرجعنّ رسول الله ، فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أن رسول الله مات.
     وهذا نص له خطره في تقييم الصحابة ، فإنّ عمر رمى أناساً بالنفاق لأنّهم زعموا أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد مات ، وإذا رجعنا إلى تاريخ الطبري نستقريه عن أولئكم الذين رماهم عمر بالنفاق؛ لأنّهم زعموا موت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، نجد أهل البيت جميعاً قالوا بذلك ، وجميع أمهات المؤمنين اللاتي كنّ يلتدمن ويضربن وجوههنّ بما فيهنّ عائشة التي قالت : فمن سفهي وحداثة سنّي أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبض وهو في حجري.
     بل وكل الصحابة رجالاً ونساءاً ، مهاجرين وأنصاراً إلاّ عمر ، فهل يرضى العمريون بذلك؟ أو أنّها كانت منه حبكة وحنكة ليبلغ بها حاجة في نفسه ، واعتذر له العمريون عنها بأنّها من الذهول من شدة الصدمة ، وقال غيرهم : إنّها بلبلة واستغفال لعقول الناس ، وقد بلغ بها ما أراد ، ويكشف عن أنّها تضليل وتهويل ما يأتي في النص الخامس.
     النص الخامس : رواه الطبري (1) عن ابن حميد ، عن جرير ، عن مغيرة ، عن أبي معشر زياد بن كليب ، عن أبي أيوب ، عن إبراهيم قال : لما قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان أبو بكر غائباً فجاء بعد ثلاث ، ولم يجترئ أحد أن يكشف عن وجهه ، حتى اربدّ بطنه ، فكشف عن وجهه وقبّل بين عينيه ، ثم قال : بأبي أنت وأمي طبت حياً وطبت ميّتاً.
1 ـ المصدر نفسه 3 : 201.
المحسن السبط ::: فهرس