المحسن السبط ::: 331 ـ 340
(331)
النص الثالث : قال (1) : الخلاف الخامس في الإمامة ، وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة ، إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كل زمان ، وقد سهّل الله تعالى ذلك في الصدر الأول.
     فاختلف المهاجرون والأنصار فيها ... وقال عمر : ... فقبل أن يشتغل الأنصار بالكلام مددت يدي إليه ـ إلى أبي بكر _ فبايعته وبايعه الناس ، وسكنت النائرة ، إلاّ أنّ بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ، فأيّما رجل بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين ، فإنّه لا يؤمر واحد منهما تغرّة أن يقتلا ....
     ثم لما عاد إلى المسجد انثال الناس عليه ، وبايعوه عن رغبة سوى جماعة من بني هاشم وأبي سفيان من بني أمية ، وأمير المؤمنين علي ـ كرّم الله وجهه ـ كان مشغولاً بما أمره النبي ( صلى الله عليه وآله ) من تجهيزه ودفنه وملازمة قبره من غير منازعة ولا مدافعة.
     النص الرابع : قال (2) : الخلاف السادس في أمر فدك والتوراث عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ودعوة فاطمة ( عليها السلام ) وراثة تارةً ، وتمليكاً أخرى ، حتى دُفعت عن ذلك بالرواية المشهورة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ، ما تركناه صدقة ).
     فهذه النصوص التي اقتبسناها من كتاب الملل والنحل للشهرستاني ، فالأول والثاني صريحان في الخلاف على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ومع ذلك قدّم لهما الرجل بأنّها اختلافات اجتهادية كما قيل ، ويبدو أنّه لم يرتض ذلك التفسير فعقبه بقوله : ( كما قيل ) مشعراً بالتمريض ، كما انّ ما أتبعه من تفسير للغرض هو عين المرض ، لأنّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أراد أن يكتب لأمته ما يعصمهم من الضلال فمنعه عمر ، وقال ما لا ينبغي
1 ـ المصدر نفسه 1 : 16.
2 ـ المصدر نفسه 1 : 17.


(332)
له أن يقول « كَبُرَتْ كَلِمَةٌ تَخْرُجُ مِنْ أفْوَاهِهِمْ » (1) ، وفي طرد النبي ( صلى الله عليه وآله ) لهم دليل على عظيم مخالفتهم ، مع قوله تعالى : « فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ » (2).
     وزاد الأمر وضوحاً قول ابن عباس ـ وهو حبر الأمة وترجمان القرآن ـ : الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولو كان الاختلاف واللغط والتنازع اجتهاداً كما يزعمون ، لفهمه ابن عباس قبل المعذّرين ، ولما جعل تلك المخالفة ومنع عمر رزية وقال : الرزية كل الرزية ، مع بكائه الشديد حتى يبل دمعه الحصباء ، وهذا مما أخرجه البخاري ولم يذكره الشهرستاني.
     وما ورد في النص الثاني من لعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لمن تخلّف عن جيش أسامة ، فيه أقسى الإنذار بالعقوبة ، والله سبحانه يقول : « والذين يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ » (3).
     ومع ذلك فقد تخلّف من تخلف ، وكان منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وآخرين من المهاجرين ذكرهم المؤرّخون ، كما أنّ فيهم من الأنصار قتادة بن النعمان ، وسلمة بن أسلم ، وأسيد بن حضير ، وبشير بن سعد من الأنصار ، وأصحاب هذه الأسماء يجدهم القارئ هم الذين تولوا الهجوم على بيت فاطمة ( عليها السلام ) ، راجع بشأن هؤلاء : طبقات ابن سعد ، وتاريخ اليعقوبي ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ، وفتح الباري لابن حجر ، وكنز العمال (4).
1 ـ الكهف : 5.
2 ـ النور : 63.
3 ـ الأحزاب : 57.
4 ـ طبقات ابن سعد 4 : 46 و 136 ، وتاريخ اليعقوبي 2 : 93 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد 1 : 159 ، وفتح الباري لابن حجر 9 : 218 ـ 219 ، وكنز العمّال 5 : 312.


(333)
     ولا خلاف بين المسلمين أنّ من ردّ على النبي ( صلى الله عليه وآله ) قوله بعد موته مات مرتداً ، فكيف الحال بمن ردّ عليه في حياته حتى أغضبه فطرده ، ثم صعد المنبر فلعنه؟
     ولا خلاف بين المسلمين أنّ الله سبحانه قال في كتابه : « يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأنَّهُ إلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أنَّ اللّهَ شَدِيدُ العِقَابِ » (1).
     ومع ذلك يقول علماء التبرير : ( وأما الاختلافات الواقعة في حال مرضه وبعد وفاته بين الصحابة فهي اختلافات اجتهادية كما قيل ، كان غرضهم فيها إقامة مراسم الشرع وإدامة مناهج الدين ).
     فاقرأ ولا تعجب ، فلعلماء التبرير من التحوير والتطوير وحتى التزوير ، ما فاق التصوير وقصر عنه التفكير : « إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ » (2).
     وأما النص الثالث وهو الخلاف الخامس في الامامة ، وهو ـ كما قال ـ أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة ، إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كل زمان.
     ثم ذكر اختلاف المهاجرين والأنصار فيها ، إلى أن قال عن عمر : فقبل أن يشتغل الأنصار بالكلام مددت يدي إليه ـ إلى أبي بكر _ فبايعته وبايعه الناس وسكنت النائرة ، إلاّ أنّ بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها ... إلى آخر كلام عمر ، وقد مرّ نحوه عند البخاري وغيره.
     واللافت للنظر أنّ الشهرستاني راوغ في آخر كلامه حين قال : ثم لمّا عاد إلى المسجد انثال الناس عليه وبايعوه عن رغبة ، سوى جماعة من بني هاشم ، وأبي
1 ـ الأنفال : 24 ـ 25.
2 ـ العاديات : 11.


(334)
سفيان من بني أمية ، وأمير المؤمنين علي ـ كرّم الله وجهه ـ كان مشغولاً بما أمره النبي ( صلى الله عليه وآله ) من تجهيزه ودفنه وملازمة قبره ، من غير منازعة ولا مدافعة.
     فأول ما فيه زعمه من انثيال الناس على أبي بكر وبايعوه عن رغبة ، بينما مرّ بنا في أقوال عمر وتخلف الأنصار عنهم ، وتخلف جماعة من المهاجرين ، وأخذ الناس إلى البيعة بالرهبة ، وقد احتجزوا بالأزر الصنعانية وبأيديهم عسيب النخل يخبطون الناس إلى البيعة.
     ثانياً ما ذكره عن الذين لم يبايعوا وهم جماعة من بني هاشم ، بينما الصحيح كل بني هاشم وليس بعضهم ، كما هو معنى ( من ) التبعيضية ، وأما أبو سفيان فلم يكن حاضراً يومئذٍ ، وإنّما اتى بعد ذلك ، وقد مرّ بعض خبره وكيف رشوه بما جاء به من مال في سعايته ، وولّوا ابنه يزيد على الشام ، فوالاهم.
     وأما قوله في أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) فصحيح لا غبار عليه ، إلاّ أنّه لم يذكر هل بايع أبابكر بعد ذلك أم لا؟ وهذا ما راوغ فيه الشهرستاني أيضاً.
     وقد حكى عن النظام عدة مسائل ، قال : انّه انفرد عن أصحابه ـ المعتزلة ـ بمسائل ... ، الحادية عشر : ميله إلى الرفض ووقيعته في كبار الصحابة ، قال أولاً : لا إمامة إلاّ بالنص والتعيين ظاهراً مكشوفاً ، وقد نص النبي ( صلى الله عليه وآله ) على علي ـ كرّم الله وجهه ـ في مواضع ، وأظهره إظهاراً لم يشتبه على الجماعة ، إلاّ أنّ عمر كتم ذلك وهو الذي تولى بيعة أبي بكر يوم السقيفة ، ونسبه إلى الشك يوم الحديبية في سؤاله عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) حين قال : ألسنا على الحق؟ أليسوا على الباطل؟ قال : نعم ، قال عمر : فلم نعطي الدنية في ديننا؟ قال : هذا شك في الدين ووجدان خرج في النفس مما قضى وحكم ، وزاد في الفرية فقال : انّ عمر ضرب بطن فاطمة ( عليها السلام ) يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها ، وكان يصيح : أحرقوا الدار بمن فيها ، وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين ... (1).
1 ـ الملل والنحل 1 : 77 ، وهذا الذي ذكره الشهرستاني عن النظام وتحامل عليه في نقله وأنه افتراء؛ فقد جانب الصواب ، وذكر نحوه الصفدي عن النظام ولم يتحامل عليه بظلم كما صنع الشهرستاني ، كما أن ابن قتيبة ذكر التهديد بالإحراق في كتابه الإمامة والسياسة كما مرّ ، ومر كذلك عن غيره, راجع الطبري وابن سعد وغيرهما ممن تقدم ذكره في النصوص, وسيأتي عن أبي الفداء وابن الشحنة ، وحسب القارئ أن يعيد ما تقدم عن ابن عبد البر, وما جرى عليه من تحريف متعمد في قول عمر : ( لأفعلنّ ولأفعلنّ ) كما في نهاية الأرب للنويري 19 : 40 ، نقلاً عن الاستيعاب.

(335)
ما ذكره الجزري :
     العشرون : أبو السعادات ابن الأثير الجزري ( ت 606 هـ ) ، صاحب جامع الأصول وكتاب النهاية في غريب الحديث وغيرهما. وقد نقل في جامع الأصول بعض النصوص عن أصحاب الصحاح مما له علاقة بالمقام ننقل بعضها :
     النص الأول (1) : نقلاً عن سنن أبي داود (2) عن عمر قال : ان أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خاصة ، قرى عرينة وفدك وكذا وكذا ، ينفق على أهله منها نفقة سنتهم ، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدّة في سبيل الله ، وتلا قوله تعالى : « مَا أفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أهْلِ القُرَى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى » (3).
     النص الثاني (4) : عن سنن أبي داود عن مالك بن أوس قال : كان فيما احتج عمر أن قال : كانت لرسول الله ثلاث صفايا : بنو النضير ، وخيبر ، وفدك ....
     أقول : انّ فدكاً وبقية الصفايا كانت خالصة للنبيّ ( صلى الله عليه وآله ) خاصة ، وليس للمسلمين فيها من حق؛ لأنّها ما لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، كما هو نص الكتاب
1 ـ جامع الأصول 2 : 707 ، ح 1202.
2 ـ سنن أبي داود 3 : 141 ، ح 2965.
3 ـ الحشر : 7.
4 ـ جامع الأصول 2 : 706 ، ح 1202 ، عن سنن أبي داود 3 : 141 ، ح 2967.


(336)
المجيد حيث قال تعالى : « مَا أفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أهْلِ القُرَى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى » (1).
     ولما كان ذوو القربى هم علي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) كما ورد عنه ( صلى الله عليه وآله ) في تفسير قوله تعالى : « قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى » (2) ، روى الزمخشري في الكشاف ، والسيوطي في الدر المنثور في تفسير الآية من سورة الشورى ، وقال السيوطي : وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني وابن مردويه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية : « قُلْ لا أسْألُكُمْ عَلَيْهِ أجْراً إلا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى » ، قالوا : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال : علي وفاطمة وولداهما.
     وهذا ما أخرجه أيضاً المحب الطبري (3) ، نقلاً عن أحمد في المناقب ، وذكره الهيثمي (4) ، وقال فيهما : رواه الطبراني ، وذكره ابن حجر المكي في صواعقه (5) ، وقال : أخرجه أحمد ، والطبراني ، وابن أبي حاتم ، والحاكم عن ابن عباس ، ونقله الشبلنجي في نور الأبصار (6) نقلاً عن تفسير البغوي وغيرهم.
     فإذاً حق ذوي القربى فيما أفاء الله مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ثابت على حدّ حق الله وحق الرسول الكريم بنص الآية المباركة ، فلا يقبل قول عمر وغير عمر ممن قال : كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) ينفق على أهله فيها نفقة سنتهم ، ثم يجعل ما
1 ـ الحشر : 7.
2 ـ الحشر : 7.
3 ـ ذخائر العقبى : 25.
4 ـ مجمع الزوائد 7 : 103 ، 9 : 101.
5 ـ الصواعق ( لابن حجر المكي ) : 101.
6 ـ نور الأبصار : 101.


(337)
بقي في السلاح والكراع ، اللّهمّ إلاّ أن يزعم زاعم انّ ذلك التصرّف منه ( صلى الله عليه وآله ) كان بعد احراز رضاهم ، ومع عدمه فلا يمكن التصرّف في حقهم بدون إذنهم ، فاحتجاج عمر وغير عمر ليس بشيء يعتدّ به ، وإنّما كان لغلبة السلطان وشهوة الحكم.
     النص الثالث : من كتابه ( منال الطالب في شرح طوال الغرائب ) ط مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة ، والكتاب هو الثامن من سلسلة ( من التراث الإسلامي ) فقد ذكر في الكتاب المذكور (1) ، خطبة السيدة الزهراء ( عليها السلام ) في مسجد أبيها محتجة على أبي بكر وعلى المهاجرين والأنصار ، وسيأتي على ذكرها وما قاله تعقيباً عليها.
     ما ذكره ابن الأثير :
     الحادي والعشرون : أبو الحسن علي بن محمد ابن الأثير ( ت 630 هـ ) صاحب الكامل في التاريخ ، واُسد الغابة ، واللباب في الأنساب وغيرها ، فماذا عنده؟
     وسأقتصر على نصّ واحد ورد عنده في ترجمة أبي بكر في اُسد الغابة (2).
     قال : وكان عمر بن الخطاب أول من بايعه ، وكانت بيعته في السقيفة يوم وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم كانت بيعة العامة من الغد ، وتخلّف عن بيعته علي وبنو هاشم ، والزبير بن العوام ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وسعد بن عبادة الأنصاري ، ثم انّ الجميع بايعوا بعد موقف فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلاّ سعد بن عبادة ، فانّه لم يبايع أحداً إلى أن مات ، وكانت بيعتهم بعد ستة أشهر على القول الصحيح ، وقيل غير ذلك.
1 ـ منال الطالب في شرح طوال الغرائب : 501 ـ 534.
2 ـ اُسد الغابة 3 : 222 ـ 223.


(338)
     أقول : هذا الذي ذكره ليس بشيء جديد ، غير أنّا أردنا بذكره تذكير الذين يدعون الإجماع على بيعة أبي بكر أين هو الإجماع ، وأيّ إجماع ذلك الذي يتخلّف عنه علي ، وبنو هاشم ، والزبير ، وخالد بن سعيد ، وسعد بن عبادة ، وآخرين لم يذكرهم ابن الأثير هنا ، وهم مذكورون في المصادر الأخرى كالمقداد الذي أخرجوه من بيت الإمام وهم يدفعون في صدره ، وسلمان الذي وجؤوه في عنقه حتى صارت كالسلعة ، وعمار وبريدة ، وستأتي بقية الأسماء في آخر الخاتمة.
     ما ذكره الكلاعي الأندلسي :
     الثاني والعشرون : أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الحميري الكلاعي الأندلسي ( ت 634 هـ ) ، فماذا عنده؟
     النص الأول : (1) قال ابن إسحاق : ولما قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، واعتزل علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة ....
     النص الثاني : ذكر حديث ابن عباس عن خطبة عمر التي قال فيها : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة ... وهذا مر عن البخاري وغيره.
     النص الثالث : ذكر (2) تنازع الأنصار والمهاجرين في مسألة تولّي الحكم ، فقال : فكثر القول حتى كادت الحرب تقع بينهما ، وأوعد بعضهم بعضاً ... ، فقال رجل من الأنصار : اتقوا سعداً لا تطؤوه فتقتلوه ، فقال عمر وهو مغضب : قتل الله سعداً فإنّه صاحب فتنة ....
1 ـ الاكتفاء.
2 ـ نفس المصدر : 54 ـ 55.


(339)
     النص الرابع : (1) قال : وقال ابن أبي عزة القرشي الجمحي في ذلك ـ يعني بيعة أبي بكر _ :
شكراً لمن هو بالثنا نطيق ذهب اللجاج وبويع الصدّيق
     إلى تمام ستة أبيات ، وقد مرت برواية ابن عبد البر في الاستيعاب وغيره ، وقلنا : إنّها كذب ومصنوعة ، وليس في بني جمح إلاّ أبو عزّة الذي قتله النبي ( صلى الله عليه وآله ) صبراً ، وهذا ليس له ولد ، كما في جمهرة أنساب العرب لابن حزم.
     النص الخامس : ذكر موسى بن عقبة أنّ رجالاً من المهاجرين غضبوا في بيعة أبي بكر ، منهم علي والزبير ، فدخلا بيت فاطمة ابنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعهما السلاح ( ؟ ) فجاءها عمر بن الخطاب في عصابة من المهاجرين والأنصار فيهم أسيد بن حضير ، وسلمة بن سلامة بن وقش الأشهليان ، وثابت بن قيس بن شماس الخزرجي ، فكلموهما حتى أخذ أحد القوم سيف الزبير فضرب به الحجر حتى كسره.
     أقول : انّ الجديد الذي فاجأنا به النص انّ علياً والزبير دخلا بيت فاطمة ( ومعهما السلاح ) فجملة ( معهما السلاح ) لم يسبق أن ذكرها من تقدم ، فإن كانت تعني انّ كلاً منهما معه سيفه ، فذلك أمر طبيعي يومئذٍ وليس مستغرباً ، وإن كان المراد غير ذلك فلا شاهد عليه.
     ثم إنّ التعبير فدخلا بيت فاطمة غير صحيح ، لأنّ بيت فاطمة ( عليها السلام ) هو بيت علي ( عليه السلام ) ، وما كان له بيت آخر غير ذلك البيت الذي كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يأتي غداة كل يوم طيلة ستة أشهر ، فيقف على بابه ويقرأ : « إنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً » (2).
1 ـ نفس المصدر : 55.
2 ـ الأحزاب : 33.


(340)
     واليوم بعد وفاته ( صلى الله عليه وآله ) يأتيه عمر في عصابة من المهاجرين والأنصار ليخرجوا علياً والزبير ليبايعا أبا بكر ، واللافت للنظر انّ الكلاعي صاحب الكتاب ، أو موسى بن عقبة الراوي ، أهملا ذكر الحطب وقبس النار الذي أتت به تلك العصابة ، وأيضاً مما يلفت النظر انّ الأسماء التي ورد ذكرها كلها رجال من الأنصار ، فأين صارت أسماء المهاجرين الذين كانوا معهم ضمن العصابة ، وهذا ما سنذكره في آخر الخاتمة إن شاء الله تعالى.
     ما ذكره ابن أبي الحديد :
     الثالث والعشرون : عز الدين ابن أبي الحديد المعتزلي ( ت 656 هـ ) ، وقد مرّت ترجمته وعرفناه معتزلي الأصول ، شافعي الفروع ، إن لم يكن حنفياً حيناً من الدهر ، فالرجل كما قال عنه صاحب نسمة السحر وقد مر قوله فيه : ( وكانت حالة عز الدين المذكور عجباً بيّناً ، وهو شيعي متعصب كما في القصائد ـ السبع العلويات _ المشار إليها ، صار معتزلياً جاحظياً أو أصمعياً كما في أكثر شرحه ).
     والآن لنقرأ بعض ما قاله هو من عنده تعقيباً على بعض الأحداث التي رواها في كتابه شرح نهج البلاغة ، مما يكشف عن حقيقة رأيه في تقويمه لمواقف الصحابة يوم السقيفة وما بعده من أحداث ، ونظراً لكثرة ما روى في ذلك عن مصادر لم تصل إلى أيدينا فكان والحق يقال : هو خير مُعين في الوصول إلى تلك المصادر التي هي خير مَعين ، فلنقرأ بعض ما ذكره مما ينبغي الاطلاع عليه.
     النص الأول : قال (1) : وعمر هو الذي شيّد بيعة أبي بكر ، ورقم المخالفين فيها ، فكسر سيف الزبير لما جرّده ، ودفع في صدر المقداد ، ووطئ في السقيفة سعد بن عبادة ، وقال : اقتلوا سعداً قتل الله سعداً ، وحطّم أنف الحباب بن المنذر الذي قال
1 ـ شرح النهج 1 : 174.
المحسن السبط ::: فهرس