آية الولاية ::: 1 ـ 15

مركز الأبحاث العقائدية ـ سلسلة الندوات العقائدية ( 8 )
آية الولاية
تأليف
السيّد علي الحسيني الميلاني
سلسلة الكتب العقائدية ( 71 )
إعداد
مركز الأبحاث العقائدية


(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدّمة المركز
    لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.
    وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الابحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الاسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن.
    ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد


(6)
والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج.
    ولاجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الانترنت العالمية صوتاً وكتابةً.
    كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم.
    وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.
    وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.
    سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله.
مركز الابحاث العقائدية
فارس الحسّون


(7)
بسم الله الرحمن الرحيم
    تمهيد
    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاولين والاخرين.
    قال الله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1).
    هذه الاية المباركة تسمّى في الكتب بـ « آية الولاية » ، استدلّ بها الاماميّة على إمامة أمير المؤمنين سلام الله عليه ، وكما ذكرنا من قبل ، لابدّ من الرجوع إلى السنّة لتعيين مَن نزلت فيه الاية المباركة ، وبعبارة أُخرى لمعرفة شأن نزول الاية.
1 ـ سورة المائدة : 55.

(8)
    ثمّ بعد معرفة شأن نزول الاية المباركة ، لابدّ من بيان وجه الاستدلال بها على إمامة أمير المؤمنين ، ثمّ يأتي دور الاشكالات والاعتراضات والمناقشات التي نجدها في كتب الكلام والعقائد من قبل علماء السنّة في الاستدلال.
    فالبحث إذن يكون في جهات :


(9)
    أجمعت الطائفة الاماميّة ، ورواياتهم بهذا الامر متواترة ، بأنّ الاية المباركة نزلت عندما تصدّق أمير المؤمنين سلام الله عليه بخاتمه على السائل ، وهو في أثناء الصلاة وفي حال الركوع.
    فالامر مفروغ منه من جهة الشيعة الاماميّة.
    إلاّ أنّ هذا المقدار لا يكفي للاستدلال على الطرف المقابل ، كما ذكرنا من قبل ، فله أن يطالب برواة هذا الخبر من أهل السنّة ، من المحدّثين والمفسّرين ، وله أيضاً أن يطالب بصحّة سند هذا الخبر في كتب السنّة ، ليكون حجّة عليه.
    ونحن على طبق هذه القاعدة المقرّرة في أُصول البحث والمناظرة ، نذكر في الجهة الاُولى أسماء بعض من روى هذه القضيّة ، ونزول هذه الاية المباركة في أمير المؤمنين ، في خصوص


(10)
تصدّقه في حال الركوع بخاتمه على الفقير ، على السائل ، لتتمّ الحجّة حينئذ على من يرى حجيّة كتبه ، على من يرى اعتبار رواياته ، على من يلتزم بلوازم مذهبه ، فحينئذ تتمّ الجهة الاُولى ، ويتعيّن مَن نزلت فيه الاية المباركة ، ويكون الخبر متّفقاً عليه بين الطرفين ، ومقبولاً بين الخصمين أو المتخاصمين.

    قول المفسّرين
    1 ـ يعترف القاضي الايجي في كتابه المواقف في علم الكلام وهو من أهم متون أهل السنّة في علم الكلام وأصول الدين ، فالقاضي الايجي المتوفّى سنة 756 هـ يعترف بإجماع المفسّرين على نزول الاية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة المتعلّقة بأمير المؤمنين ( عليه السلام ) (1).
    2 ـ وأيضاً يعترف بهذا الاجماع : الشريف الجرجاني المتوفّى سنة 816 هـ ، في كتابه شرح المواقف في علم الكلام ، وهذا الكتاب متناً وشرحاً مطبوع وموجود الان بين أيدينا (2).
    3 ـ وممّن يعترف بإجماع المفسّرين على نزول الاية المباركة
1 ـ المواقف في علم الكلام : 405.
2 ـ شرح المواقف 8 / 360.


(11)
في شأن علي ( عليه السلام ) : سعد الدين التفتازاني المتوفّى سنة 793 هـ ، في كتابه شرح المقاصد (1) ، وشرح المقاصد أيضاً من أهم كتب القوم في علم الكلام ، ومن شاء فليرجع إلى كتاب كشف الظنون ليجد أهميّة هذا الكتاب بين القوم ، وفي أوساطهم العلميّة ، حيث كان هذا الكتاب من جملة كتبهم التي يتدارسونها في حوزاتهم العلميّة ، لذلك كثر منهم الشرح والتعليق على هذا الكتاب.
    4 ـ وممّن يعترف بإجماع المفسّرين من أهل السنّة على نزول الاية المباركة في أمير المؤمنين ، في هذه القضيّة الخاصّة : علاء الدين القوشجي السمرقندي في كتابه شرح التجريد ، وهذا الكتاب أيضاً مطبوع وموجود بين أيدينا (2).
    فعلماء الكلام الذين يبحثون عن أدلة الامامة ، وعمّا يقول الطرفان في مقام الاستدلال ، وعمّا يحتجّ به كلّ من الطرفين على مدّعاه ، يقولون بنزول الاية المباركة في هذه القضيّة الخاصّة.
    إذن ، فالمفسّرون من أهل السنّة مجمعون على نزول الاية المباركة في هذه القضيّة ، والمعترِف بهذا الاجماع كبار علماء القوم في علم الكلام ، الذين يرجع إليهم ويعتمد على أقوالهم ويستند إلى كتبهم.
1 ـ شرح المقاصد 5 / 170.
2 ـ شرح التجريد للقوشجي : 368.


(12)
    قول المحدّثين
    فقد رأيت من رواة هذا الحديث في كتبهم :
    1 ـ الحافظ عبد الرزّاق الصنعاني ، صاحب كتاب المصنّف ، وهو شيخ البخاري صاحب الصحيح.
    2 ـ الحافظ عبد بن حميد ، صاحب كتاب المسند.
    3 ـ الحافظ رزين بن معاوية العبدري الاندلسي ، صاحب الجمع بين الصحاح الستّة.
    4 ـ الحافظ النسائي ، صاحب الصحيح ، روى هذا الحديث في صحيحه.
    5 ـ الحافظ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، صاحب التاريخ المعروف والتفسير المعروف المشهور.
    6 ـ ابن أبي حاتم الحافظ الرازي المحدّث المفسّر المشهور ، الذي يعتقد ابن تيميّة في منهاج السنّة بأنّ تفسير ابن أبي حاتم خال من الموضوعات.
    7 ـ الحافظ أبو الشيخ الاصفهاني.
    8 ـ الحافظ ابن عساكر الدمشقي.
    9 ـ الحافظ أبو بكر ابن مردويه الاصفهاني.


(13)
    10 ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني.
    11 ـ الحافظ الخطيب البغدادي.
    12 ـ الحافظ أبو بكر الهيثمي.
    13 ـ الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي.
    14 ـ الحافظ المحبّ الطبري شيخ الحرم المكّي.
    15 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي ، المجدّد في القرن العاشر عند أهل السنّة.
    16 ـ الحافظ الشيخ علي المتّقي الهندي ، صاحب كتاب كنز العمّال.
    هؤلاء جماعة من أعلام الائمّة في القرون المختلفة ، يروون هذا الحديث في كتبهم.
    يقول الالوسي صاحب التفسير المسمّى بروح المعاني : غالب الاخباريين على أنّ هذه الاية نزلت في علي كرّم الله وجهه (1).
    فالقضيّة بين المفسّرين مجمع عليها ، وغالب المحدّثين والاخباريين ينصّون على هذا ، ويقولون بنزول الاية في علي ويروون هذا الحديث. وذكرت لكم أسماء جماعة من أعلامهم ،
1 ـ روح المعاني 6 / 168.

(14)
منذ زمن البخاري إلى القرن الحادي عشر.
    ولو أنّك تراجع تفسير ابن كثير في ذيل هذه الاية المباركة (1) ، تجده يعترف بصحّة بعض أسانيد هذه الاخبار ، واعتراف ابن كثير بصحّة بعض هذه الاسانيد يمكن أن يكون لنا حجة على الخصوم ، لانّ اعتراف مثل ابن كثير بصحّة هذه الروايات ، وهو ممّن لا نرتضيه نحن ونراه رجلاً متعصّباً في تفسيره وتاريخه ، هذا الاعتراف له قيمته العلميّة.
    وأنا شخصيّاً راجعت عدّة من أسانيد هذه الرواية ، ولاحظت كلمات علماء الجرح والتعديل من كبار علمائهم في رجال هذه الروايات والاسانيد ، ورأيت تلك الاسانيد صحيحة على ضوء كلمات علمائهم.
    منها هذا الحديث الذي أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (2) ، فإنّه يرويه عن أبي سعيد الاشج ، عن الفضل بن دكين ، عن موسى بن قيس الحضرمي ، عن سلمة بن كهيل قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع فنزلت الاية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) إلى آخرها.
    فإذن ، هذا الخبر مجمع عليه بين المفسّرين ، وعليه غالب
1 ـ تفسير ابن كثير 2 / 64.
2 ـ تفسير ابن أبي حاتم 4 / 1162.


(15)
المحدّثين باعتراف الالوسي ، وذكرت لكم أسامي عدّة من رواته من الاعلام ، وذكرت لكم اعتراف ابن كثير بصحّة بعض أسانيده ، كما أنّي شخصيّاً حقّقت بعض الاسانيد على ضوء كلمات علمائهم وصحّحتها على طبق قواعدهم.
    وقد اشتهر هذا الخبر وثبت ، بحيث يروى أنّ حسّان بن ثابت الشاعر الانصاري الصحابي المعروف ، قد نظم هذه المنقبة وهذه القضيّة في شعر له ، ـ ومن الناقلين لهذا الشعر هو الالوسي البغدادي صاحب روح المعاني (1) ـ يقول في شعر له :
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً فأنزل فيك الله خيرَ ولاية زكاةً فدتك النفس يا خيرَ راكعِ وأثبتها أثنى كتاب الشرايع
    إذن ، هذه القضيّة لا يمكن المناقشة في سندها بشكل من الاشكال ، ولا مجال لان تكذّب هذه القضيّة. أو تضعّف روايات هذه القضيّة.
1 ـ روح المعاني 6 / 168.
آية الولاية ::: فهرس