آية الولاية ::: 31 ـ 37
(31)
    والجواب :
    أوّلاً :

    لقد عُدّت هذه القضيّة عند الله ورسوله وسائر المؤمنين من مناقب أمير المؤمنين ، فلو كان لهذا الاشكال أدنى مجال لمّا عدّ فعله من مناقبه.
    وثانياً :
    هذا الالتفات لم يكن من أمير المؤمنين إلى أمر دنيوي ، وإنّما كانت عبادة في ضمن عبادة.
    ولعلّ الافضل والاولى أنْ نرجع إلى أهل السنّة أنفسهم ، الذين لهم ذوق عرفاني ، في نفس الوقت الذي هم من أهل السنّة ، ومن كبار أهل السنّة :
    يقول الالوسي (1) : قد سئل ابن الجوزي (2) هذا السؤال ، فأجاب بشعر ، وقد سجّلت الشعر ، والجواب أيضاً جواب عرفاني في نفس ذلك العالم ، يقول :
يسقي ويشربُ لا تلهيه سكرتهُ عن النديم ولا يلهو عن الناسِ

1 ـ روح المعاني 6 / 169.
2 ـ ابن الجوزي هذا جدّ سبط ابن الجوزي ، وإنّما نبّهنا على هذا ، لانّه قد يقع اشتباه بين ابن الجوزي وسبط ابن الجوزي ، فالمراد هنا : أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي الحافظ ، صاحب المؤلّفات الكثيرة ، المتوفى سنة 597 هـ.


(32)
أطاعَهُ سُكرُهُ حتّى تمكّن من فعلِ الصحاةِ فهذا واحدُ الناسِ
    هذا شعر ابن الجوزي الحنبلي ، الذي نعتقد بأنّه متعصّب ، لانّه في كثير من الموارد نرى أمثال ابن تيميّة والفضل ابن روزبهان وأمثالهما يعتمدون على كتب هذا الشخص في ردّ فضائل أمير المؤمنين ومناقبه ، أمّا في مثل هذا المورد يجيب عن السؤال بالشعر المذكور.
    أمير المؤمنين ( عليه السلام ) جمع في صفاته الاضداد ، هذا موجود في حال أمير المؤمنين ، وإلاّ لم يكن واحد الناس ، وإلاّ لم يكن متفرّداً بفضائله ومناقبه ، وإلاّ لم يكن وصيّاً لرسول الله ، وإلاّ لم يكن كفواً للزهراء البتول بضعة رسول الله ، وإلى آخره.
    فحينئذ هذا الاشكال أيضاً ممّا لا يرتضيه أحدٌ في حقّ أمير المؤمنين ، بأن يقال : إنّ عليّاً انصرف في أثناء صلاته إلى الدنيا ، انصرف إلى أمر دنيوي.
    نعم وجدت في كتب أصحابنا ـ ولم أجد حتّى الان هذه الرواية في كتب غير أصحابنا ـ : عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : تصدّقت بخاتمي أربعين مرّة ولم تنزل في حقّي آية.
    إذن هذا الاعتراض أيضاً لا مجال له.


(33)
    الاعتراض الرابع
    وهو الاعتراض المهم الذي له وجه علميّ ، قالوا : بأنّ عليّاً مفرد ، ولماذا جاءت الالفاظ بصيغة الجمع : ( والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ).
    هذا الاشكال له وجه ، ولا يختصّ هذا الاشكال والاعتراض بهذه الاية ، عندنا آيات أُخرى أيضاً ، وآية المباهلة نفسها التي قرأناها أيضاً بصيغة الجمع ، إلاّ أنّ رسول الله جاء بعلي ، مع أنّ اللفظ لفظ جمع ( أنفسنا وأنفسكم ) وجاء بفاطمة والحال أنّ اللفظ لفظ جمع « النساء » ، هذا الاعتراض يأتي في كثير من الموارد التي تقع مورد الاستدلال ، وفي سائر البحوث العلمية المختلفة لا في بحث الامامة فقط.
    الزمخشري الذي هو من كبار علماء العامّة ، وليس من أصحابنا الاماميّة ، صاحب الكشّاف وغير الكشّاف من الكتب الكثيرة في العلوم المختلفة ، يجيب عن هذا الاشكال ، وتعلمون أنّ الزمخشري تفسيره تفسير للقرآن من الناحيّة الادبيّة والبلاغيّة ، هذه ميزة تفسير الكشّاف للزمخشري ، وهذا شيء معروف عن تفسير الزمخشري ، وأهل الخبرة يعلمون بهذا.


(34)
    يجيب الزمخشري عن هذا ما ملخّصه : بأنّ الفائدة في مجيء اللفظ بصيغة الجمع في مثل هذه الموارد هو ترغيب الناس في مثل فعل أمير المؤمنين ، لينبّه أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذا الحد من الحرص على الاحسان إلى الفقراء والمساكين ، يكونون حريصين على مساعدة الفقراء وإعانة المساكين ، حتّى في أثناء الصلاة ، وهذا شيء مطلوب من عموم المؤمنين ، ولذا جاءت الاية بصيغة الجمع. هذا جواب الزمخشري (1).
    فإذن ، لا يوافق الزمخشري على هذا الاعتراض ، بل يجيب عنه بوجه يرتضيه هو ويرتضيه كثير من العلماء الاخرين.
    ولكن لو لم نرتض هذا الوجه ولم نوافق عليه ، فقد وجدنا في القرآن الكريم وفي السنّة النبويّة الثابتة الصحيحة ، وفي الاستعمالات العربيّة الصحيحة الفصيحة : أنّ اللفظ يأتي بصيغة الجمع والمقصود شخص واحد ، كثير من هذا الاستعمال موجود في القرآن وفي السنّة وفي الموارد الاُخرى ، وهذا شيء موجود.
    مضافاً إلى جواب يجيب به بعض علمائنا وعلمائهم : أنّه في مثل هذا المورد أراد الله سبحانه وتعالى أن يعظّم هذه الفضيلة أو
1 ـ تفسير الكشّاف 1 / 649.

(35)
هذا الفعل من علي ، وجاء بلفظ الجمع إكراماً لعلي ولما فعله في هذه القضيّة.
    وتبقى نظرية أُخرى ، أتذكّر أنّ السيّد شرف الدين رحمة الله عليه يذكر هذه النظرية وهذا الجواب ويقول : لو أنّ الاية جاءت بصيغة المفرد ، لبادر أعداء أمير المؤمنين من المنافقين إلى التصرّف في القرآن الكريم وتحريف آياته المباركات عداءً لامير المؤمنين ، إذ ليست هذه الاية وحدها بل هناك آيات أُخرى أيضاً جاءت بصيغة الجمع ، والمراد فيها علي فقط ، فلو أنّه جاء بصيغة المفرد لبادر أُولئك وانبروا إلى التصرّف في القرآن الكريم.
    إنّه في مثل هذه الحالة يكون الكناية ، صيغة الجمع ، أبلغ من التصريح ـ بأن يأتي اللفظ بصيغة المفرد ، والذي آمن وصلّى وتصدّق بخاتمه في الصلاة في الركوع أو آتى الزكاة وهو راكع ـ والروايات تقول هو علي ، فيكون اللفظ وإن لم يكن صريحاً باسمه إلاّ أنّه أدل على التصريح ، أدل على المطلب من التصريح ، من باب الكناية أبلغ من التصريح. يختار السيد شرف الدين هذا الوجه (1).
    ويؤيّد هذا الوجه رواية واردة عن إمامنا الصادق ( عليه السلام ) بسند
1 ـ المراجعات : 263.

(36)
معتبر ، يقول الراوي للامام : لماذا لم يأت اسم علي في القرآن بصراحة بتعبيري أنا ، لماذا لم يصرّح الله سبحانه وتعالى باسم علي في القرآن الكريم ؟ فأجاب الامام ( عليه السلام ) : لو جاء اسمه بصراحة وبكلّ وضوح في القرآن الكريم لحذف المنافقون اسمه ووقع التصرّف في القرآن ، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يحفظ القرآن ( وإنّا له لحافظون ).
    وهذه وجوه تذكر جواباً عن السؤال : لماذا جاءت الكلمة أو الكلمات بصيغة الجمع ؟
    ولعلّ أوفق الوجوه في أنظار عموم الناس وأقربها إلى الفهم : أنّ هذا الاستعمال له نظائر كثيرة في القرآن الكريم ، وفي السنّة النبويّة ، وفي الاستعمالات الصحيحة الفصيحة ، ثم إن الروايات المعتبرة المتّفق عليها دلّت على أنّ المراد هنا خصوص علي ( عليه السلام ).
    إذن ، مجيء اللفظ بصيغة الجمع لابدّ وأن يكون لنكتة ، تلك النكتة ذكرها الزمخشري بشكل ، والطبرسي بنحو آخر ، والسيد شرف الدين بنحو ثالث ، وهكذا.
    وإذا راجعتم كتاب الغدير لوجدتم الشيخ الاميني رحمة الله عليه يذكر قسماً من الايات التي جاءت بصيغة الجمع وأُريد منها الشخص الواحد ، ويذكر الروايات والمصادر التي يُستند إليها في


(37)
شأن نزول تلك الايات الواردة بصيغة الجمع والمراد منها المفرد.
    فإذن ، لا غرابة في هذه الجهة.
    هذه عمدة الاعتراضات المطروحة حول هذه الاية المباركة.
    إذن ، بيّنّا شأن نزول الاية ، وبيّنّا وجه الاستدلال بالاية ، وتعرّضنا لعمدة المناقشات في هذا الاستدلال ، وحينئذ لا يبقى شيء آخر نحتاج إلى ذكره.
    نعم ، هناك بعض الاحاديث أيضاً ـ كما أشرت من قبل ـ هي مؤيّدة لاستدلالنا بهذه الاية المباركة على إمامة أمير المؤمنين ، منها حديث الغدير ، ومنها حديث الولاية الذي أشرت إليه من قبل.
    فحينئذ ، لا أظنّ أنّ الباحث الحر المنصف يبقى متردّداً في قبول استدلال أصحابنا بهذه الاية المباركة على إمامة أمير المؤمنين ، فتكون الاية من جملة أدلّة إمامته عن طريق ثبوت الاولويّة له ، تلك الاولويّة الثابتة لله ولرسوله ، فيكون علي وليّاً للمؤمنين ، كما أنّ النبي وليّ المؤمنين ، وهذه المنقبة والفضيلة لم تثبت لغير علي ، وقد ذكرنا منذ اليوم الاوّل أنّ طرف النزاع أبو بكر ، وليس لابي بكر مثل هذه المنقبة والمنزلة عند الله ورسوله.
    وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
آية الولاية ::: فهرس