حديث الغدير ::: 1 ـ 15

سلسلة الندوات العقائدية ( 10 )
حديث الغدير
تأليف
السيّد علي الحسيني الميلاني
مركز الأبحاث العقائدية


(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدّمة المركز
    لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.
    وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الابحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الاسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن.
    ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد


(6)
والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج.
    ولاجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الانترنت العالمية صوتاً وكتابةً.
    كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم.
    وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.
    وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.
    سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله.
مركز الابحاث العقائدية
فارس الحسّون


(7)
بسم الله الرحمن الرحيم
    تمهيد
    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاولين والاخرين.
    كلامنا في هذه الليلة حول حديث الغدير ، هذا الحديث العظيم الذي اهتمّ به الله سبحانه وتعالى ، واهتمّ به رسوله ، والائمّة الاطهار ، وكبار الصحابة ، والعلماء عبر القرون ، وقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) (1) هذه الاية المباركة من الايات المتعلقة بيوم الغدير ، إلاّ أنّها وردت في القرآن الكريم في سياق آيات يخاطب بها الله سبحانه وتعالى أهل الكتاب : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلاََدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ
1 ـ سورة المائدة : 67.

(8)
النَّعِيمِ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوْا التَّوْرَاةَ وَالاْنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لاََكَلُوْا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ) (1) ، ثمّ بعد الاية أيضاً : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيْمُوا التَّوْرَاةَ وَالانْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيْراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْرَاً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) (2).
    المخاطب في هذه الايات وإنْ كان أهل الكتاب ، لكنّ الايات هذه منطبقة على أُمّة محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أيضاً تمام الانطباق ، إذ يجوز أن يقال : ولو أنّ الاُمّة الاسلاميّة آمنت ، ولو أنّهم آمنوا واتّقوا ، لكفّرنا عنهم سيّئاتهم ولادخلناهم جنّات النعيم ، ولو أنّهم أقاموا الكتاب والسنّة ، وما أُنزل إليهم من ربّهم في أمير المؤمنين وأهل البيت الاطهار ، لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، والاُمّة الاسلاميّة أيضاً منهم أُمّة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون.
    مرّة أُخرى يعود ويقول : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيْمُوا التَّوْرَاةَ وَالاْنجِيلَ ) ، فقبل ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) كانت الاية ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالاْنْجِيلَ ) ،
1 ـ سورة المائدة : 65 ـ 66.
2 ـ سورة المائدة : 68.


(9)
وبعدها أيضاً ( لَسْتُمْ عَلَى شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالاْنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) ومع ذلك ( لَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ) من هذه الاُمّة ( مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ).
    كما أنّ أهل الكتاب أُمروا بالعمل بكتبهم ، أي اليهود مأمورون بالعمل بالتوراة ، والنصارى مأمورون بالعمل بالانجيل ، فالمسلمون مأمورون بالعمل بالكتاب والسنّة ، فإذا عملوا بالكتاب والسنّة وما أُنزل إليهم من ربّهم ، لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ، ولكنْ ليزيدنّ كثيراً منهم ما أُنزل إليك من ربّك طغياناً وكفراً.
    وحديث الغدير من أظهر مصاديق ما أُنزل إلى رسول الله ، وأتمّ به الله سبحانه وتعالى الحجّة على الاُمّة ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ).
    وقد قرأنا في حديث الدار في يوم الانذار : إنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : « أمرني ربّي بأنْ أُبلّغ القوم ما أُمرت به ، فضقت بذلك ذرعاً حتّى نزل جبرئيل وقال : إن لم تفعل لم تبلّغ ما اُرسلت به ».
    فكانت الدعوة وكان إبلاغ إمامة أمير المؤمنين وخلافة إمامنا ( عليه السلام ) من جملة ما أمر به رسول الله منذ بدء الدعوة ، وإلى


(10)
أواخر أيّام حياته الشريفة المباركة ، لانّ هذه الاية في سورة المائدة ، وسورة المائدة آخر ما نزل من القرآن بإجماع المسلمين.
    أتذكّر في تفسير القرطبي يذكر الاجماع بصراحة على أنّ سورة المائدة آخر ما نزل من القرآن ، كما أنّا في رواياتنا أيضاً يوجد عندنا نصّ على أنّ سورة المائدة آخر ما نزل من القرآن.
    فكان النبي مبلِّغاً خلافة علي من بعده وداعياً الناس إلى الايمان بها إلى جنب الايمان بالله والرسول ... في جميع أدوار رسالته المباركة.
    وحديث الغدير حديث عظيم جليل لجهات عديدة :
    منها : تلك الظروف الخاصة التي خطب فيها رسول الله هذه الخطبة.
    ومنها : كون اللفظ الوارد عن رسول الله في هذه الخطبة لفظاً لا مرية فيه ولا ارتياب في دلالته على إمامة أمير المؤمنين.
    ومنها : نزول الايات من القرآن الكريم.
    ولقد بذلت جهود كثيرة في إبقاء هذا الحديث ونقله ونشره ، كما بذلت جهود في ردّه وكتمانه والتعتيم عليه.


(11)
    نصّ حديث الغدير
    وقبل الورود في البحث ، لابدّ من ذكر نصّ أو نصّين من حديث الغدير عن بعض المصادر المعتبرة :
    أخرج أحمد بن حنبل بسند صحيح عن زيد بن أرقم قال :
    نزلنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بواد يقال له : وادي خم ، فأمر بالصلاة فصلاّها بهجير ، قال : فخطبنا ، وظلّل لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بثوب على شجرة سمرة من الشمس ، فقال رسول الله : « ألستم تعلمون ؟ ألستم تشهدون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه ؟ » قالوا : بلى ، قال : « فمن كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه ، اللهمّ عاد من عاداه ووال من والاه » (1).
    وأخرج النسائي بسند صحيح عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال :
1 ـ مسند أحمد 5/501 رقم 18838 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ 1414 هـ.

(12)
لمّا رجع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) من حجة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقممن ـ أي فكنسن ـ ثمّ قال : « كأنّي قد دعيت فأجبت ، وإنّي تارك فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الاخر : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض » ، ثمّ قال : « إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن » ، ثمّ إنّه أخذ بيد علي ( رضي الله عنه ) وقال : « من كنت وليّه فهذا وليّه ، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه ».
    يقول أبو الطفيل : فقلت لزيد : سمعته من رسول الله ؟ فقال : إنّه ـ وفي بعض الالفاظ : والله ، بدل إنّه ـ ما كان في الدوحات أحد إلاّ رآه بعينه وسمعه بأُذنيه (1).
    فهذان لفظان بسندين معتبرين عن زيد بن أرقم.
    وهنا ملاحظات لابدّ من الاشارة إليها :
    الملاحظة الاُولى :
    في حديث الغدير في صحيح مسلم (2) ، وفي المسند (3) ،
1 ـ فضائل الصحابة : 15 رقم 45 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت.
    خصائص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : 96 رقم 79 ـ مكتبة المعلاّ ـ الكويت ـ 1406 هـ.
2 ـ صحيح مسلم 4/1873 رقم 36 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1398 هـ.
3 ـ مسند أحمد 5/498 رقم 18815.


(13)
وفي غيرهما يقول الراوي : فخطبنا أو يقول قام فينا خطيباً ، لكنْ في المستدرك (1) : فقام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه وذكّر ووعظ فقال ما شاء الله أن يقول ، وفي مجمع الزوائد لابي بكر الهيثمي الحافظ (2) : فوالله ما من شيء يكون إلى يوم الساعة إلاّ قد أخبرنا به يومئذ.
    أليس من حقّنا أن نسأل الرواة ، أن نسأل المحدّثين ، أن نسأل الاُمناء على سنّة رسول الله : أين هذه الخطبة ، خطبة الغدير التي لم يترك رسول الله يوم الغدير شيئاً يكون إلى يوم القيامة إلاّ قد أخبرنا به ؟ لماذا لم ينقلوه ؟
    إنّه أثنى على الله ، وذكّر ووعظ فقال ما شاء الله أن يقول ، أين وعظ رسول الله يوم الغدير ؟ وأين ما ذكّر به رسول الله في يوم الغدير ؟ وأين تلك الخطبة ؟ لماذا لم يرووها ؟ أليسوا هؤلاء حفّاظ سنّة رسول الله ؟ أليس من وظيفتهم أن ينقلوا لنا ما قال رسول الله كما قال ؟ لماذا لم ينقلوا ؟
    هذه هي الملاحظة الاُولى ، ألهم جواب على هذا ؟
1 ـ مستدرك الحاكم 3/533 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1398 هـ.
2 ـ مجمع الزوائد 9/104 ـ 105 ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ 1402 هـ.


(14)
    الملاحظة الثانية :
    هناك قاعدة في علم الحديث يعبّرون عنها بقاعدة الحديث يفسّر بعضه بعضاً ، إنّ الحديث كالقرآن يفسّر بعضه بعضاً ، ونحن في هذين اللفظين المذكورين المرويين بسندين صحيحين ، نرى أحدهما يقول : « من كنت مولاه فإنّ عليّاً مولاه » ، والاخر يقول : « من كنت وليّه فهذا وليّه » ، فلو كان هناك إبهام في معنى كلمة المولى ومجيء هذه الكلمة بمعنى الولي ، ومجيء هذه الكلمة بمعنى الاولى ، لو كان هناك إبهام ، فإنّ اللفظ الثاني يفسّر اللفظ الاوّل.
    وكم من شواهد من هذا القبيل عندنا في الحديث ، هذه الشواهد الكثيرة الصحيحة سنداً تأتي مفسرة للفظ المولى لو كان هناك حاجة إلى تفسير هذه الكلمة.
    الملاحظة الثالثة :
    إنّ مسلم بن الحجّاج يروي هذا الحديث في صحيحه إلى حدّ حديث الثقلين ، وذلك لانّه كان عندنا في لفظ النسائي أنّه قال : « كأنّي دعيت فأجبت وإنّي تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الاخر كتاب الله وعترتي » إلى آخر هذا الحديث ، ثمّ قال : « إنّ الله


(15)
مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن » إلى آخره (1).
    ومسلم يروي هذا الحديث إلى حدّ الحديث الاوّل وهو حديث إنّي تارك فيكم الثقلين ، مع تغيير في الالفاظ ، ولا يروي بقية الحديث ممّا يتعلّق بـ « من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه » ، ونحن مع ذلك شاكرون لمسلم ، حيث روى هذا الحديث بهذا المقدار ، لانّ البخاري لم يرو منه شيئاً أبداً ، نشكر مسلم على أمانته بهذا المقدار.
    وربّ قائل يقول : بأنّ مشايخ مسلم ورواة الحديث لم يرووا له أكثر من هذا ، أو أنّ مسلماً على أساس الضوابط والشروط التي تبنّاها في صحيحه لم يجد سنداً آخر من أسانيد هذا الحديث متوفرة فيه تلك الشروط إلاّ هذا الحديث الذي نقله وأورده بهذا الشكل المبتور.
    ولكن كلّ هذا لا يمكننا قبوله ، مع ذلك نشكره على نقله بهذا المقدار.
    انتهت الملاحظات.
    نحن لو أردنا أن نبحث عن حديث الغدير ، أنتم جميعاً أهل
1 ـ خصائص أمير المؤمنين : 93 ، ط الغري.
حديث الغدير ::: فهرس