حديث الدار ::: 16 ـ 30
(16)
    فهذا نص الخبر ، وفيه كما سمعتم أنّ النبي يقول : « فأيّكم يوآزرني على أمري هذا ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فقال أمير المؤمنين : يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ رسول الله برقبة علي وقال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون ويقولون لابي طالب : قد أمرك أن تسمع لعلي وتطيع ».
    وليست الامامة والخلافة إلاّ : وجوب الاطاعة ، وجوب الاقتداء ، وجوب الاخذ ، وجوب التمسّك بالشخص ، وأيّ نصّ أصرح من هذا في إمامة علي أو غير علي ؟
    يعني لو كان هذا اللفظ وارداً في حقّ غير علي بسند معتبر متفق عليه لوافقنا نحن على إمامة ذلك الشخص.
    فهذا هو الخبر ، وهو خبر متفق عليه بين الطرفين ، إذ ورد هذا الخبر بأسانيد علمائنا وأصحابنا في كتبنا المعتبرة المشهورة.
    فمن رواة هذا الخبر :
    1 ـ ابن إسحاق ، صاحب السيرة.
    2 ـ أحمد بن حنبل ، يروي هذا الخبر في مسنده (1).
1 ـ مسند أحمد 1/111 رقم 885 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ 1414 هـ.

(17)
    3 ـ النسائي ، صاحب الصحيح (1).
    4 ـ الحافظ أبو بكر البزار ، صاحب المسند.
    5 ـ الحافظ سعيد بن منصور ، في مسنده.
    6 ـ الحافظ أبو القاسم الطبراني ، في المعجم الاوسط.
    7 ـ الحافظ أبو عبدالله الحاكم النيسابوري ، في مستدركه على الصحيحين.
    8 ـ عرفتم أنّ من رواته أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري.
    9 ـ الحافظ أبو جعفر الطحاوي ، صاحب كتاب مشكل الاثار.
    10 ـ عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، صاحب التفسير.
    11 ـ أبو بكر بن مردويه.
    12 ـ الحافظ أبو نعيم الاصفهاني ، صاحب دلائل النبوة وكتاب حلية الاولياء.
    13 ـ الحافظ البغوي ، صاحب التفسير.
    14 ـ الضياء المقدسي ، في كتابه المختارة ، وهذا الكتاب الذي التزم فيه الضياء المقدسي بالصحة ، فلا يروي في كتابه هذا إلاّ الروايات الصحيحة المعتبرة ، ولذا قدّم بعض علمائهم هذا الكتاب
1 ـ سنن النسائي 6/248 ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

(18)
على مثل المستدرك للحاكم ، ومن جملة من ينصّ على ذلك هو ابن تيميّة صاحب منهاج السنّة ، ينصّ على أنّ كتاب المختارة أفضل وأتقن من المستدرك للحاكم.
    15 ـ الحافظ ابن عساكر الدمشقي ، صاحب تاريخ دمشق.
    16 ـ أبو بكر البيهقي ، صاحب دلائل النبوة.
    17 ـ الحافظ ابن الاثير ، صاحب الكامل في التاريخ.
    18 ـ الحافظ أبو بكر الهيثمي ، في كتابه مجمع الزوائد يروي هذا الحديث (1).
    19 ـ الحافظ الذهبي ، في تلخيص المستدرك ينصّ على صحّة هذا الحديث.
    20 ـ الحافظ جلال الدين السيوطي ، في كتابه الدر المنثور.
    21 ـ الشيخ علي المتقي الهندي ، صاحب كنز العمال ، يرويه صاحب كنز العمال عن : أحمد ، والطحاوي ، وابن إسحاق ، ومحمّد بن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وأبي نعيم الاصفهاني ، والضياء المقدسي.
    هذا بالنسبة إلى متن الحديث ، وعدّة من كبار علماء القوم
1 ـ مجمع الزوائد 9 / 113 ، وفيه : وإسناده جيّد ـ دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ 1403 هـ.

(19)
الرواة لهذا الحديث في كتبهم.
    وأمّا بالنسبة إلى سنده ، فسنده في كتاب محمّد بن إسحاق قد قرأته لكم وصحّحت السند.
    ويقول الحافظ الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد بعد أن يرويه عن أحمد بن حنبل يقول : رواه أحمد ورجاله ثقات (1).
    ويقول بعد أن يرويه بسند آخر عن بعض كبار علمائهم من أحمد وغير أحمد يقول : رجال أحمد وأحد إسنادي البزّار رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة (2).
    إذن ، حصلنا على أسانيد عديدة ينصّون على صحّتها.
    مضافاً : إلى سند الحافظ المقدسي في كتابه المختارة الملتزم في هذا الكتاب بالصحّة.
    كما ذكر المتقي الهندي صاحب كنز العمال : أنّ الطبري محمّد بن جرير قد صحّح هذا الحديث.
    وأيضاً ، صحّحه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس في حديث طويل ، ووافقه على التصحيح الحافظ الذهبي في تلخيص المستدرك.
1 ـ مجمع الزوائد 8/302 ـ باب معجزاته صلّى الله عليه وسلّم في الطعام.
2 ـ مجمع الزوائد 8/303.


(20)
    وأيضاً نصّ على صحّة هذا الحديث الشهاب الخفاجي في شرحه على الشفاء للقاضي عياض ، حيث يذكر هناك معاجز رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومن جملة معاجزه هذه القضية ، حيث أنّ الطعام كان صاعاً واحداً وعليه رِجل شاة فقط ، فأكلوا وكلّهم شبعوا ، وهذا من جملة معاجز رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويقول الشهاب الخفاجي : إنّ سند هذا الخبر صحيح (1).
    وعندما نراجع نصوص الحديث في الكتب المختلفة ، نجد في بعضها هذا اللفظ : « فأيّكم يوآزرني على أمري هذا ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ؟ قال علي : أنا يا نبيّ الله ، أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي فقال : إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون ويقولون لابي طالب : قد أمرك أن تسمع وتطيع لعلي ».
    وهذا لفظ ، وقد قرأناه عن عدّة من المصادر.
    لفظ آخر : « من يضمن عنّي ديني ومواعيدي ويكون معي في الجنّة ويكون خليفتي في أهلي ؟ فقيل له : أنت كنت بحراً ، من يقوم بهذا ، فعرض ذلك على أهل بيته واحداً واحداً ، فقال علي : أنا ،
1 ـ نسيم الرياض ـ شرح الشفاء للقاضي عياض 3 / 35.

(21)
فبايعه رسول الله على هذا » (1).
    ومن ألفاظ هذا الحديث ما يلي : « قال رسول الله : من يبايعني على أن يكون أخي ووصيّي ووليّكم من بعدي ؟ قال علي : فمددت يدي فقلت : أنا أُبايعك. فبايعني رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) » (2).
    فهذه ألفاظ الحديث ، وتلك أسانيد الحديث ، وتلك كلمات كبار علمائهم في صحّة هذا الحديث وتنصيصهم على صحّته.
1 ـ تفسير ابن كثير 6/168 ـ دار طيبة ـ الرياض ـ 1418 هـ ، كنز العمال 13/128 رقم 36408 ـ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1405 هـ.
2 ـ كنز العمال 13/149 رقم 36465.


(22)

(23)
    وهذا الحديث الصحيح المتفق عليه هو من جملة أدلّتنا على إمامة أمير المؤمنين الدالّة على إمامته وولايته بالنص.
    وإنّما اخترت من بين الاحاديث التي هي نصّ على إمامة أمير المؤمنين هذا الحديث في هذه الليلة ، لخصوصيات موجودة في هذا الحديث ، قد لا تكون في غيره ، مضافاً إلى صحّته وكونه مقبولاً بين الطرفين ، بل يمكن دعوى تواتر هذا الحديث :

    الخصوصية الاولى
    صدور هذا الحديث في أوائل الدعوة النبويّة ، وفي بدء البعثة المحمّديّة ، فكأنّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مأمورٌ بأنْ يبلّغ ثلاثة أُمور في آن واحد وفي عرض واحد :


(24)
مسألة التوحيد والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
    ومسألة رسالته.
    ومسألة خلافته من بعده الثابتة لعلي ( عليه السلام ).
    وقد أسفر ذلك المجلس وتلك الدعوة عن هذه الاُمور الثلاثة.

    الخصوصية الثانية
    إنّ القوم من أبي لهب وغيره قالوا ـ وهم يضحكون ـ لابي طالب : قد أمرك أن تسمع وتطيع لابنك علي.
    هذا ممّا يؤيّد استنتاجنا من هذا الحديث واستظهارنا من هذا الكلام ، إنّه حتّى أُولئك المشركون أيضاً فهموا من هذا الحديث ومن هذا اللفظ ومن كلام رسول الله : إنّه يريد أن ينصب عليّاً إماماً مطاعاً من بعده لعموم الناس.

    الخصوصية الثالثة
    استدلال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بهذا الخبر في جواب سائل ، يروي هذا الحديث النسائي في صحيحه (1) يقول : إنّ رجلاً قال لعلي :
1 ـ خصائص أمير المؤمنين : 86 ، ط الغري ، وهو من صحيحه كما ثبت في محلّه.

(25)
يا أمير المؤمنين بم ورثت ابن عمّك دون عمّك ؟ أي ، بأيّ دليل أصبحت أنت وارثاً لرسول الله ولم يكن العباس وارثاً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ فذكر الامام ( عليه السلام ) حديث الانذار ، وجاء في هذا الحديث بهذا اللفظ وقال : أنت أخي ووارثي ووزيري. فذكر أمير المؤمنين في جواب هذا السائل هذا الخبر ثمّ قال : فبذلك ورثت ابن عمّي دون عمّي.
    إذن ، يصبح علي ( عليه السلام ) بحكم هذا الحديث القطعي المتفق عليه خليفة لرسول الله ووزيراً له ووارثاً ووصيّاً وقائماً مقامه ووليّه من بعده ، والناس كلهم مأمورون لانْ يطيعوه ويسمعوه.
    أو ليست الخلافة والامامة هذا ؟
    وأيّ شيء يريدون منّا عند إقامتنا الادلّة على إمامة أمير المؤمنين أوضح وأصرح من مثل هذه الاحاديث الواردة في كتبهم وبأسانيد معتبرة ينصّون هم على صحّتها ؟
    وهل ورد مثل هذا في حقّ أحد غير علي مع هذه الخصوصيات من حيث السند والدلالة والقرائن الموجودة في لفظه ؟


(26)

(27)
    حينئذ يأتي دور مواقف العلماء من أهل السنّة ، الذين يريدون ـ في الحقيقة ـ أن يبرّروا ما وقع ، الذين يحاولون أن يوجّهوا ما كان !!
    اختلفت مواقفهم أمام هذا الحديث الصحيح سنداً ، الصريح دلالةً على إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ).

    يقول الفضل ابن روزبهان (1) : إنّ كلمة خليفتي التي هي مورد الاستدلال غير موجودة في مسند أحمد ، وهي من إلحاقات الرافضة.
1 ـ أنظر : دلائل الصدق 2 / 359.

(28)
    لو لم يكن مسند أحمد موجوداً بين أيدينا ، لو لم ينظر أحد في كتاب مسند أحمد ، لامكن للفضل أن يتفوّه بمثل هذه الكلمة ويقول هذا الكلام ويتركه على عواهنه ، إذا لم يراجع أحد المسند ، أو كان كتاب المسند غير موجود بين أيدينا ، ولكن يقتضي أن يكون الانسان عندما يتكلّم يتصوّر الاخرين يسمعون كلامه ، ويلتفت إلى أنّهم سيراجعون إلى المصادر التي يحيل إليها ، إمّا إثباتاً وإمّا نفياً ، وإلاّ فمن العيب للانسان العاقل عندما يريد أن يتكلّم يتصوّر الناس كأنّهم لا يسمعون ، أو لا يفهمون ، أو سوف لا يراجعون إلى تلك المصادر أو الكتب التي يذكرها.
    إنّ هذا الحديث موجود في غير موضع من مسند أحمد بن حنبل والكلمة أيضاً موجودة في رواية مسند أحمد ، وقد راجعناه نحن ، ومسند أحمد بن حنبل موجود الان بين أيدينا (1).
    فالتكلم بهذا الاُسلوب ، إمّا أن يكون من التعصب وقلة الحياء ، وإمّا أن يكون من الجهل وعدم الفهم ، وإلاّ فكيف يكذّب الانسان مثل العلاّمة الحلّي الذي هو في مقام الاستدلال على العامة بكتبهم ، ينقل عنهم ليستدلّ بما يروونه ، فيلحق كلمة أو كلمات في حديث ،
1 ـ مسند أحمد 1 / 111.

(29)
وهو في مقام الاحتجاج والاستدلال ؟! هذا شيء لا يكون من مثل العلاّمة وأمثاله.
    هذا بالنسبة إلى الفضل ابن روزبهان ، وقد أراد أن يريح نفسه بهذا الاُسلوب.

    وأمّا ابن تيميّة ، فقد أراح نفسه بأحسن من هذا ، وأراد أنْ يريح الاخرين أيضاً ، قال : هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث ، فما من عالم يعرف الحديث إلاّ وهو يعلم أنّه كذب موضوع ، ولهذا لم يروه أحد منهم في الكتب التي يرجع إليها في المنقولات ، لانّ أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أنّ هذا كذب (1).
    إنّ هذا الاُسلوب من الكلام يدلّ بشكل آخر على صحّة هذا الحديث ، وتماميّة الاستدلال بهذا الحديث ، أي لولا صحّة هذا الحديث ولولا تماميّة دلالة هذا الحديث على مدّعى الامامية ، لما التجأ ابن تيميّة إلى أن يقول بهذا الشكل ، وأن يتهجّم على العلماء
1 ـ منهاج السنّة 7 / 302.

(30)
من الشيعة والسنّة أيضاً لروايتهم هذا الحديث ، لانّه يقول : إنّ أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أنّ هذا كذب.
    إذن ، فأحمد بن حنبل مع علمه بكون هذا الحديث كذباً يرويه أكثر من مرّة في مسنده ! ومحمّد بن جرير الطبري في تاريخه يروي هذا الخبر مع علمه بأنّه كذب ! والنسائي أيضاً ! وأبو بكر البزّار كذلك ! وو... إلى آخره ، وهؤلاء كبار علمائهم وأعلام محدّثيهم ، يروون مثل هذا الحديث وهم يعلمون أنّه كذب !!
    ولو أمكن للانسان أن يرتاح بمثل هذه الاساليب ، فلكلّ منكر أن ينكر في أيّ بحث من البحوث ، في أيّ مسألة من المسائل ، سواء في أُصول الدين أو في فروع الدين ، أو في قضايا أُخرى وعلوم أُخرى ، يكتفي بالانكار ، بالنفي ، والتكذيب.
    لكن هذا الاُسلوب ليس له قيمة في سوق الاعتبار ، هذا الاُسلوب لا يسمع ولا يعتنى به ، ولا جدوى له ولا فائدة ، لذلك لابدّ من أساليب أُخرى.

    من جملة الاساليب : تحريف الحديث ، فالطبري يروي هذا الحديث في تاريخه وفي تفسيره أيضاً ، إنْ رجعتم إلى التاريخ
حديث الدار ::: فهرس