حديث الدار ::: 31 ـ 37
(31)
لرأيتم الحديث كما ذكرناه ، ورووه عنه في كتبهم كصاحب كنز العمال (1) وغيره ، وأيضاً السيوطي في الدر المنثور (2) يروي هذا الحديث عن الطبري ، وينصّ صاحب كنز العمال على أنّ الطبري قد صحّح هذا الحديث ، فالحديث في تاريخه كما رأيتم وسمعتم.
    أمّا في تفسيره ، إذا لاحظتم تفسير الطبري في ذيل هذه الاية المباركة : ( وأنذر عشيرتك الاقربين ) تأتي العبارة بهذا الشكل : « إنّ هذا أخي وكذا وكذا » (3) ، وأصل العبارة : « إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم » ، جاء بدل هذه العبارة : « إنّ هذا أخي وكذا وكذا ».
    لكنّنا لا نعلم هل هذا من صنع الطبري نفسه ، أو من النسّاخ لتفسيره ، أو من الطابعين ؟ هذا لا نعلمه ، ولا يمكننا أنْ نرمي الطبري نفسه ، لانّه يكون من باب الرجم بالغيب ، لا نتمكّن أن نقول ، أو أن نتّهم الطبري نفسه ، فربّما كان هذا من النسّاخ للتفسير ، أو كان من الطابعين ، والله العالم.
    هذا أُسلوبٌ ، أُسلوب التحريف.
1 ـ مجمع الزوائد 9 / 113 ، كنز العمال 13 / 131.
2 ـ الدر المنثور 6/324 ـ 329 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1403 هـ.
3 ـ تفسير الطبري 19/75 ـ دار المعرفة ـ بيروت.


(32)
    وأيضاً ، إذا راجعتم الدر المنثور للسيوطي ، ففي الدر المنثور ينقل نفس الحديث عن نفس الاشخاص من ابن إسحاق ، وابن جرير الطبري ، وأبي نعيم ، والبيهقي ، وابن مردويه ، وغيرهم ، عندما يصل إلى هذه الجملة التي هي محل الاستدلال ، تأتي الجملة في الدرّ المنثور بهذا الشكل : « فأيّكم يوآزرني على أمري هذا ، فقلت وأنا أحدثهم سنّاً : أنا ، فقام القوم يضحكون » (1) ، ولا يوجد أكثر من هذا ، يعني حذف من اللفظ جملة : « ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم ». هذا حذف.
    وأيضاً حذفوا منه : قام القوم يضحكون وقالوا لابي طالب : قد أمرك أن تسمع وتطيع لعليّ. هذا أيضاً محذوف.
    وهل هذا من السيوطي نفسه ؟ لا نعلم ، من النسّاخ ؟ لا نعلم ، من الناشرين للكتاب ؟ لا نعلم.

    ومن علماء العامّة المؤلِّفين المعروفين في هذا الزمان : أبو الحسن الندوي.
1 ـ الدرّ المنثور 6 / 324 و 329.

(33)
    وهذا الرجل الذي هو من كبار علماء السنّة ، يسكن في الهند ، وعنده دار الندوة مدرسة كبيرة يعلّم هناك الطلبة ويدرّبهم ، وله ارتباطات ببعض الجهات الكذائية ، له كتب ، ومن جملة مؤلفاته كتاب المرتضى سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) وكرّم الله وجهه ، وهو كتاب صغير في حجمه جدّاً ، وكثير من مطالب هذا الكتاب لا علاقة لها بأمير المؤمنين أصلاً ، لعلّ مائة صفحة أو مائة وخمسين صفحة من هذا الكتاب ـ الذي هو في مائتين وخمسين صفحة تقريباً ـ يتعلّق بأمير المؤمنين ، وأصبح كتاب سيرة علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) وكرّم الله وجهه !! في مائة وخمسين صفحة تقريباً !!
    فهناك عندما يصل إلى هذه القضية يقول : وتكلّم ابن كثير في بعض رواة القصة ، وفيها ما يشكك في صحّتها وضبطها. انتهى ، وهذا غاية ما حقّقه هذا الرجل العالم في نظرهم الذي له أتباع وأنصار في مختلف البلاد.

    وأمّا محمّد حسين هيكل ، فقد قامت القيامة عليه عندما نشر كتابه حياة محمّد ، وذكر القصة كما هي في كتب القوم في كتابه المذكور ، قامت القيامة ضدّه حتّى ألجأوه إلى حذف القصة في


(34)
الطبعة الثانية من كتابه.

    ويأتي محمّد سعيد رمضان البوطي ، فيؤلّف كتاباً في السيرة النبويّة يسمّيها فقه السيرة النبويّة ، يكتب السيرة النبويّة كما يشاء له هواه ، وهناك إذا راجعتم لا يشير إلى هذه القصة لا من قريب ولا من بعيد ، وهذا أيضاً له أنصار وأتباع وأعوان ، ويذكر كعالم من علمائهم في هذا الزمان.


(35)
    فتلخص ممّا ذكرنا : إنّ الحديث حديث متفق عليه بين الطرفين ، مقطوع الصدور ، وقد يمكن دعوى أنّ هذا الخبر قد بلغ إلى حدّ الدراية ولا يحتاج إلى رواية ، ورواه كبار علماء القوم في كتبهم ونصّوا على صحّته كما ذكرت لكم بعض الكلمات.
    كما أنّي حاولت أنْ أُحصّل على سند محمّد بن إسحاق نفسه كي أرى مدى اعتبار هذا السند ، وقد قرأته لكم ووثّقت رجاله ، إلاّ عبد الغفار بن القاسم الذي تكلّموا فيه ، لانّه كان يذكر بعض معايب عثمان ورموه بالتشيّع والرفض ، وقد قلنا : إنّ التشيّع والرفض لا يضرّان بالوثاقة كما نصّ الحافظ ابن حجر العسقلاني في مقدمة شرح البخاري ، مضافاً إلى أنّ هذا الرجل يثني عليه شعبة ويروي عنه ، وشعبة عندهم أمير المؤمنين في الحديث.
    فإذاً تمّ سنده ، وكانت دلالته صريحة ، ورأينا أنّهم ليس لهم


(36)
كلام معقول في الجواب عن هذا الاستدلال.
    مثلاً : إذا تراجعون منهاج السنّة يقول في الاشكال على هذا الخبر : بأنّ رجال قريش في ذلك العهد لم يكونوا يبلغون الاربعين ، وهذا من علائم كذب هذا الخبر.
    هذا وجه يقوله ابن تيميّة ، لا أدري من الّذي يرتضي هذا الكلام من مثل هذا الشخص الذي هو شيخ إسلامهم !؟
    وأيضاً : إنّه يشكل على هذا الخبر بأنّ العرب لم يكونوا أكّالين بهذا المقدار ، بحيث أنّ هؤلاء أكلوا وشبعوا والطعام كفاهم كلّهم ، فهذا من قرائن كذب هذا الخبر.
    ليس عندهم كلام معقول يذكر في مقام ردّ الاستدلال بهذا الحديث ، لذا تراهم يلتجئون إلى التحريف ، يلتجئون إلى التصرّف في الحديث.
    وإنّني على يقين بأنّ الباحث الحرّ المنصف ، إذا وقف على هذا المقدار من البحث ، أيّ باحث يكون ، سواء كان مسلماً أو خارجاً عن الدين الاسلامي ، ويريد أن يحقّق في مثل هذه القضايا ، لو أُعطي هذا الحديث مع مصادره ، وعرف رواة هذا الحديث ، وأنّهم كبار علماء السنّة في العصور المختلفة ، ثمّ لاحظ متن الحديث ولفظه بدقّة ، ثمّ راجع كلمات المناقشين في هذا الحديث


(37)
والمعارضين لهذا الاستدلال ، من مثل ابن تيميّة والفضل ابن روزبهان وأمثالهما ، وثمّ تصرّفات هؤلاء في متن هذا الحديث.
    لو أنّ هذا الباحث الحرّ المنصف يحقّق هذه الاُمور ، وفي ما يتعلّق بهذا الحديث وحده فقط ، أنا على يقين بأنّ الباحث الحر المنصف يكفيه هذا الحديث للاعتقاد بإمامة علي بعد رسول الله ، كما أنّي أعتقد أنّ الذين يأخذون معارف دينهم ومعالم دينهم من مثل الفضل ابن روزبهان أو من مثل ابن تيميّة أو الندوي أو البوطي ، لو دقّقوا النظر وراجعوا القضايا على واقعيّاتها ، واستمعوا القول لاتباع الاحسن ، لرفعوا اليد عن اتباع مثل هؤلاء الاشخاص ، وعن أن يقلّدوهم في أُصولهم وفروعهم.
    ولكنّ الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يهدي أحداً يهديه ، وما تشاءون إلاّ أنْ يشاء الله.
    وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
حديث الدار ::: فهرس