المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 436 ـ 450
(436)
العُرى  ، بأبي من لا غائب فيرتجى  ، ولا جريح فيداوى  ، بأبي من نفسي له الفدى  ، بأبي المهموم حتى قضى  ، بأبي العطشان حتى مضى  ، بأبي من شيبته تقطر بالدماء  ، بأبي من جدّه رسول إله السماء  ، بأبي من هو سبط نبيِّ الهدى  ، بأبي محمد المصطفى  ، بأبي خديجة الكبرى  ، بأبي علي المرتضى  ، بأبي فاطمة الزهراء  ، بأبي من ردَّت له الشمس حتى صلَّى  ، قال : فأبكت والله كل عدوّ وصديق.
    ثم إن سكينة بنت الحسين ( عليه السلام ) اعتنقت جسد أبيها  ، فاجتمع عدَّة من الأعراب حتى جرّوها عنه (1) ولله درّ السيد رضا الهندي عليه الرحمة إذ يقول :
همَّت لِتَقْضِيَ من تَوْدِيعِهِ وَطَراً فَفَارَقَتْهُ ولكنْ رَأْسُهُ مَعَهَا وقد أبى سَوْطُ شِمْر أَنْ تُوَدِّعَهُ وَغَابَ عَنْها ولكنْ قَلْبُهَا مَعَهُ (2)
    ثم إنها ( عليها السلام ) سافرت هذا السفر المحزن وهي حزينة القلب  ، كسيرة الخاطر باكية العين  ، ناحلة الجسم  ، مرتعدة الأعضاء  ، قد فارقت أعزَّ الناس عليها وأحبَّهم إليها  ، تحفّ بها النساء الأرامل والأيامى الثواكل  ، وأطفال يستغيثون من الجوع والعطش  ، ويحيط بها القوم اللئام من قتلة أهل بيتها  ، وظالمي أهلها وناهبي رحلها  ، كشمر بن ذي الجوشن  ، وزجر بن قيس  ، وسنان بن أنس وخولي بن يزيد الأصبحي  ، وحرملة بن كاهل  ، وحجار بن أبجر  ، وأمثالهم ـ لعنهم الله ـ ممن لم يخلق الله في قلوبهم الرحمة فإذا دمعت عيناها أهوت عليها السياط  ، وإن بكت أخاها لطمتها الأيدي القاسية  ، وهكذا كان سفرها هذا (3).
    ولله درّ من قال من الشعراء في وداعها للحسين ( عليه السلام ) ومسيرها من كربلاء :
أَحِجَابَ صَوْني في أَمَانِ اللهِ عَزَّ عليَّ مَسْرَانا وَجِسْمُكَ مُوْدَعُ

1 ـ لواعج الأشجان  ، السيد محسن الأمين : 197 ـ 198.
2 ـ مثير الأحزان  ، الجواهري : 137.
3 ـ وفيات الأئمة ( عليهم السلام )  ، مجموعة من علماء البحرين والقطيف : 452.


(437)
وَدَّعْتُكَ الكافي وَقَدْ سُدَّتْ عليَّ وَسَرَوا بِهَا والعينُ تَرْعَاهُ وَإِنْ مَذَاهِبُ الآراءِ مَا بِكَ أَصْنَعُ حُجِبَتْ أَقَامَ فُؤَادُها يَتَطَلَّعُ
    وقال آخر عليه الرحمة :
لَمْ أَنْسَ لا واللهِ زينبَ إِذْ مَشَتْ تدعوه والأحزانُ مِلْؤُ فُؤَادِها أَأُخَيُّ مَالَكَ عن بَنَاتِكَ مُعْرِضاً أَأُخَيُّ مَاعَوَّدتني مِنْكَ الجَفَا أَنْعِمْ جواباً يا حسينُ أَمَا ترى فَأَجَابَها من فَوْقَ شَاهِقَةِ القَنَا وتكفَّلي حَالَ اليَتَامى وانْظُري وهي الوَقُورُ إليه مَشْيَ المُسْرِعِ والطَّرْفُ يَسْفَحُ بالدموعِ الهُمَّعِ والكلُّ منك بِمَنْظَر وَبِمَسْمَعِ فَعَلاَمَ تجفوني وتَجْفُو مَنْ مَعِي شَمِرَ الخَنَا بالسَّوْطِ كَسَّرَ أَضْلُعي قُضِيَ الْقَضَاءُ بما جرى فاسترجعي ما كنتُ أَصْنَعُ في حِمَاهُمْ فَاصْنَعي

    قال الراوي : وسأل عبدالله بن رباح القاضي أعمى عن عمائه فقال : كنت حضرت كربلاء وما قاتلت  ، فنمت فرأيت شخصاً هائلا قال لي : أجب رسول الله! فقلت : لا أطيق  ، فجرَّني إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فوجدته حزيناً وفي يده حربة  ، وبسط قدّامه نطع  ، وملك قبله قائم في يده سيف من النار  ، يضرب أعناق القوم  ، وتقع النار فيهم فتحرقهم  ، ثم يُحيون ويقتلهم أيضاً هكذا  ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله  ، والله ما ضربت بسيف  ، ولاطعنت برمح  ، ولا رميت سهماً  ، فقال النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ألست كثَّرت السواد ؟ فسلَّمني  ، وأخذ من طست فيه دم فكحَّلني


(438)
من ذلك الدم  ، فاحترقت عيناي  ، فلمَّا انتبهت كنت أعمى (1).
    وروى السيّد ابن طاووس عليه الرحمة في كتاب الملهوف وابن شهر آشوب وغيرهما  ، عن عبدالله بن رباح القاضي قال : لقيت رجلا مكفوفاً قد شهد قتل الحسين ( عليه السلام )   ، فسئل عن بصره فقال : كنت شهدت قتله عاشر عشرة  ، غير أني لم أطعن برمح  ، ولم أضرب بسيف  ، ولم أرم بسهم  ، فلمّا قُتل رجعت إلى منزلي وصلّيت العشاء الآخرة  ، ونمت  ، فأتاني آت في منامي فقال : أجب رسول الله! فقلت : مالي وله ؟ فأخذ بتلابيبي وجرّني إليه  ، فإذا النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) جالس في صحراء  ، حاسر عن ذراعيه  ، آخذ بحربة  ، وملك قائم بين يديه وفي يده سيف من نار يقتل أصحابي التسعة  ، فكلّما ضرب ضربة التهبت أنفسهم ناراً  ، فدنوت منه وجثوت بين يديه  ، وقلت : السلام عليك يا رسول الله  ، فلم يردَّ عليَّ  ، ومكث طويلا  ، ثم رفع رأسه وقال : يا عدوَّ الله  ، انتهكت حرمتي  ، وقتلت عترتي  ، ولم ترع حقي وفعلت وفعلت  ، فقلت : يا رسول الله  ، ما ضربت بسيف  ، ولا طعنت برمح  ، ولا رميت بسهم  ، فقال : صدقت ولكنك كثَّرت السواد  ، ادن مني! فدنوت منه فإذا طست مملوء دماً  ، فقال لي : هذا دم ولدي الحسين  ، فكحَّلني من ذلك الدم  ، فانتبهت حتى الساعة لا أبصر شيئاً (2).
    وروي عن سعيد بن المسيب  ، لما استشهد سيدي ومولاي الحسين ( عليه السلام ) وحجَّ الناس من قابل دخلت على علي بن الحسين ( عليه السلام ) فقلت له : يا مولاي  ، قد قرب الحج فماذا تأمرني ؟ فقال : امض على نيّتك وحجّ  ، فحججت فبينما أطوف بالكعبة وإذا أنا برجل مقطوع اليدين  ، ووجهه كقطع الليل المظلم  ، وهو متعلِّق بأستار الكعبة  ، وهو يقول : اللهم ربَّ هذا البيت الحرام  ، اغفر لي وما أحسبك تفعل
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/303.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/306.


(439)
ولو تشفَّع فيَّ سكَّان سماواتك وأرضك  ، وجميع ما خلقت  ، لعظم جرمي.
    قال سعيد بن المسيب : فشغلت وشغل الناس عن الطواف حتى حفَّ به الناس واجتمعنا عليه  ، فقلنا : يا ويلك  ، لو كنت إبليس ما كان ينبغي لك أن تيأس من رحمة الله  ، فمن أنت ؟ وما ذنبك ؟ فبكى وقال : يا قوم  ، أنا أعرف بنفسي وذنبي وما جنيت  ، فقلنا له : تذكره لنا  ، فقال : أنا كنت جمّالا لأبي عبدالله ( عليه السلام ) لما خرج من المدينة إلى العراق  ، وكنت أراه إذا أراد الوضوء للصلاة يضع سراويله عندي  ، فأرى تكّة تُغشي الأبصار بحسن إشراقها  ، وكنت أتمنّاها تكون لي  ، إلى أن صرنا بكربلاء  ، وقُتل الحسين ( عليه السلام ) وهي معه  ، فدفنت نفسي في مكان من الأرض فلمّا جنَّ الليل  ، خرجت من مكاني  ، فرأيت من تلك المعركة نوراً لا ظلمةً  ، ونهاراً لا ليلا  ، والقتلى مطرَّحين على وجه الأرض  ، فذكرت لخبثي وشقائي التكّة  ، فقلت : والله لأطلبنَّ الحسين وأرجو أن تكون التكة في سراويله فآخذها  ، ولم أزل أنظر في وجوه القتلى حتى أتيت إلى الحسين ( عليه السلام )   ، فوجدته مكبوباً على وجهه وهو جثّة بلا رأس  ، ونوره مشرق مرمَّلٌ بدمائه  ، والرياح سافية عليه  ، فقلت : هذا والله الحسين  ، فنظرت إلى سراويله كما كنت أراها فدنوت منه  ، وضربت بيدي إلى التكة لآخذها فإذا هو قد عقدها عقداً كثيرة  ، فلم أزل أحلّها حتى حللت عقدة منها  ، فمدَّ يده اليمنى وقبض على التكة  ، فلم أقدر على أخذ يده عنها ولا أصل إليها  ، فدعتني النفس الملعونة إلى أن أطلب شيئاً أقطع به يديه  ، فوجدت قطعة سيف مطروح  ، فأخذتها واتكّيت على يده  ، ولم أزل أحزّها حتى فصلتها عن زنده  ، ثمّ نحَّيتها عن التكّة  ، ومددت يدي إلى التكة لأحلَّها  ، فمدَّ يده اليسرى فقبض عليها  ، فلم أقدر على أخذها  ، فأخذت قطعة السيف فلم أزل أحزُّها حتى فصلتها عن التكة  ، ومددت يدي إلى التكة لآخذها  ، فإذا الأرض ترجف والسماء تهتزّ  ، وإذا بغلبة عظيمة  ، وبكاء ونداء  ، وقائل يقول : واإبناه  ، وامقتولاه  ، واذبيحاه  ،


(440)
واحسيناه  ، واغريباه! يا بنيَّ قتلوك وما عرفوك  ، ومن شرب الماء منعوك.
    فلمّا رأيت ذلك صعقت ورميت نفسي بين القتلى  ، وإذا بثلاث نفر وامرأة وحولهم خلائق وقوف  ، وقد امتلأت الأرض بصور الناس وأجنحة الملائكة  ، وإذا بواحد منهم يقول : يا ابناه يا حسين  ، فداك جدّك وأبوك وأخوك وأمك  ، وإذا بالحسين ( عليه السلام ) قد جلس ورأسه على بدنه  ، وهو يقول : لبيّك يا جدّاه يا رسول الله  ، ويا أبتاه يا أمير المؤمنين  ، ويا أمّاه يا فاطمة الزهراء  ، ويا أخاه المقتول بالسمّ  ، عليكم منّي السلام  ، ثمَّ إنه بكى وقال : يا جدّاه ـ قتلوا ـ والله رجالنا  ، يا جدّاه سلبوا ـ والله ـ نساءنا  ، يا جدّاه نهبوا ـ والله ـ رحالنا  ، يا جدّاه ذبحوا ـ والله ـ أطفالنا  ، يا جدّاه يعزّ ـ والله ـ عليك أن ترى حالنا  ، وما فعل الكفار بنا  ، وإذا هم جلسوا يبكون حوله على ما أصابه  ، وفاطمة تقول : يا أباه يا رسول الله  ، أما ترى ما فعلت أمتك بولدي ؟ أتأذن لي أن آخذ من دم شيبه وأخضب به ناصيتي  ، وألقى الله عزّ وجلَّ وأنا مختضبة بدم ولدي الحسين ؟ فقال لها : خذي ونأخذ يا فاطمة  ، فرأيتهم يأخذون من دم شيبه وتمسح به فاطمة ناصيتها  ، والنبيّ وعلي والحسن ( عليهم السلام ) يمسحون به نحورهم وصدورهم وأيديهم إلى المرافق  ، وسمعت رسول الله يقول : فديتك يا حسين! يعزُّ ـ والله ـ عليَّ أن أراك مقطوع الرأس  ، مرمَّل الجبينين  ، دامي النحر  ، مكبوباً على قفاك  ، قد كساك الذارىء من الرمول (1)   ، وأنت طريح مقتول  ، مقطوع الكفين  ، يا بنيَّ! من قطع يدك اليمنى وثنّى باليسرى ؟ فقال : يا جدّاه! كان معي جمّال من المدينة  ، وكان يراني إذا وضعت سراويلي للوضوء  ، فيتمنَّى أن تكون تكّتي له  ، فما منعني أن أدفعها إليه إلاّ لعلمي أنه صاحب هذا الفعل  ، فلمّا قتلت خرج يطلبني بين القتلى  ، فوجدني جثة بلا رأس  ، فتفقَّد سراويلي فرأى التكّة  ، وقد كنت عقدتها عقداً كثيرة  ، فضرب بيده إلى التكة فحلَّ عقدة منها  ، فمددت يدي اليمنى
1 ـ قال في الهامش : جمع الرمل على الرمول على غير قياس.

(441)
فقبضت على التكة  ، فطلب في المعركة فوجد قطعة سيف مكسور فقطع به يميني  ، ثمَّ حلَّ عقدة أخرى  ، فقبضت على التكة بيدي اليسرى كي لا يحلَّها فتنكشف عورتي  ، فحزَّ يدي اليسرى  ، فلمّا أراد حلّ التكة حسَّ بك فرمى نفسه بين القتلى  ، فلمَّا سمع النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) كلام الحسين بكى بكاء شديداً  ، وأتى إليَّ بين القتلى إلى أن وقف نحوي  ، فقال : مالي ومالك يا جمال ؟ تقطع يدين طالما قبَّلهما جبرئيل وملائكة الله أجمعون  ، وتباركت بها أهل السماوات والأرضين ؟ أما كفاك ما صنع به الملاعين من الذلّ والهوان  ، هتكوا نساءه من بعد الخدور  ، وانسدال الستور  ، سوَّد الله وجهك ـ يا جمال ـ في الدنيا والآخرة  ، وقطع الله يديك ورجليك  ، وجعلك في حزب من سفك دماءنا وتجرَّأ على الله  ، فما استتمَّ دعاءه حتى شلَّت يداي  ، وحسست بوجهي كأنه أُلبس قطعاً من الليل مظلماً  ، وبقيت على هذه الحالة  ، فجئت إلى هذا البيت أستشفع وأنا أعلم أنه لا يغفر لي  ، فلم يبق في مكة أحد إلاَّ وسمع حديثه وتقرَّب إلى الله بلعنته  ، وكل يقول : حسبك ما جنيت يا لعين  ، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون.
    وقال بعض الرواة : حُكي عن رجل كوفي حدّاد  ، قال : لما خرج العسكر من الكوفة لحرب الحسين بن علي ( عليهما السلام ) جمعت حديداً عندي  ، وأخذت آلتي وسرت معهم  ، فلمَّا وصلوا وطنَّبوا خيمهم بنيت خيمة  ، وصرت أعمل أوتاداً للخيم  ، وسككاً ومرابط للخيل  ، وأسنّة للرماح  ، وما اعوجَّ من سنان أو خنجر أو سيف كنت بكل ذلك بصيراً  ، فصار رزقي كثيراً  ، وشاع ذكري بينهم  ، حتى أتى الحسين ( عليه السلام ) مع عسكره فارتحلنا إلى كربلاء وخيَّمنا على شاطىء العلقمي  ، وقام القتال فيما بينهم  ، وحرموا الماء عليه  ، وقتلوه وأنصاره وبنيه  ، وكانت مدّة إقامتنا وارتحالنا تسعة عشر يوماً  ، فرجعت غنياً إلى منزلي  ، والسبايا معنا  ، فَعُرِضَتْ على عبيدالله  ، فأمر أن يشهِّروهم إلى يزيد إلى الشام  ، فلبثت في منزلي أياماً قلائل  ، وإذا


(442)
أنا ذات ليلة راقد على فراشي فرأيت طيفاً كأن القيامة قامت  ، والناس يموجون على الأرض كالجراد إذا فقدت دليلها  ، وكلهم دالع لسانه على صدره من شدّة الظمأ  ، وأنا أعتقد بأن ما فيهم أعظم مني عطشاً  ، لأنه كلَّ سمعي وبصري من شدّته  ، هذا غير حرارة الشمس يغلي منها دماغي  ، والأرض تغلي كأنها القير إذا أشتعل تحته نار  ، فخلت أن رجلي قد تقلَّعت قدماها  ، فوالله العظيم لو أني خُيِّرت بين عطشي وتقطيع لحمي حتى يسيل دمي لأشربه لرأيت شربه خيراً من عطشي  ، فبينا أنا في العذاب الأليم  ، والبلاء العميم  ، إذا أنا برجل قد عمَّ الموقف نوره  ، وابتهج الكون بسروره  ، راكب على فرس  ، وهو ذو شيبة  ، قدحفت به ألوف من كلِّ نبيّ ووصيّ وصدّيق وشهيد وصالح  ، فمرَّ كأنه ريح أو سيران فلك  ، فمرَّت ساعة وإذا أنا بفارس على جواد أغرّ  ، له وجه كتمام القمر  ، تحت ركابه ألوف  ، إن أمر ائتمروا  ، وإن زجر انزجروا  ، فاقشعرَّت الأجسام من لفتاته  ، وارتعدت الفرائص من خطراته  ، فتأسَّفت على الأول ما سألت عنه خيفة من هذا  ، وإذا به قد قام في ركابه  ، وأشار إلى أصحابه  ، وسمعت قوله : خذوه  ، وإذا بأحدهم قابض بعضدي كلبة حديد خارجة من النار  ، فمضى بي إليه  ، فخلت كتفي اليمنى قد انقلعت  ، فسألته الخفّة فزادني ثقلا  ، فقلت له : سألتك بمن أمرك عليَّ من تكون ؟
    قال : مَلِكٌ من ملائكة الجبار  ، قلت : ومن هذا ؟ قال : عليّ الكرار  ، قلت : والذي قبله ؟ قال : محمد المختار  ، قلت : والذي حوله ؟ قال : النبيون  ، والصدّيقون  ، والشهداء والصالحون  ، والمؤمنون  ، قلت : أنا ما فعلت حتى أمرك عليَّ ؟ قال : إليه يرجع الأمر  ، وحالك حال هؤلاء  ، فحقَّقت النظر وإذا بعمر بن سعد أمير العسكر  ، وقوم لم أعرفهم  ، وإذا بعنقه سلسلة من حديد  ، والنار خارجة من عينيه وأذنيه  ، فأيقنت بالهلاك  ، وباقي القوم منهم مغلَّل  ، ومنهم مقيَّد  ، ومنهم مقهور بعضده مثلي  ، فبينا نحن نسير وإذا برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الذي وصفه الملك جالس على كرسيّ عال


(443)
يزهو  ، أظنّه من اللؤلؤ  ، ورجلين ذي شيبتين بهيتين عن يمينه  ، فسألت الملك عنهما فقال : نوح وإبراهيم  ، وإذا برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : ما صنعت يا عليّ ؟ قال : ما تركت أحداً من قاتلي الحسين إلاّ وأتيت به.
    فحمدت الله تعالى على أني لم أكن منهم  ، وردّ إليَّ عقلي  ، وإذا برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : قدّموهم  ، فقدَّموهم إليه  ، وجعل يسألهم ويبكي  ، ويبكي كل من في الموقف لبكائه  ، لأنه يقول للرجل : ما صنعت بطفّ كربلاء بولدي الحسين ؟ فيجيب : يا رسول الله! أنا حميت الماء عنه  ، وهذا يقول : أنا قتلته  ، وهذا يقول : أنا وطئت صدره بفرسي  ، ومنهم من يقول : أنا ضربت ولده العليل  ، فصاح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : واولداه  ، واقلّة ناصراه  ، واحسيناه  ، واعليّاه  ، هكذا جرى عليكم بعدي أهل بيتي  ، انظر يا أبي آدم  ، انظر يا أخي نوح  ، كيف خلفوني في ذرّيّتي ؟ فبكوا حتى ارتجَّ المحشر  ، فأمر بهم زبانية جهنم يجرّونهم أولا فأولا إلى النار.
    وإذا بهم قد أتوا برجل  ، فسأله فقال : ما صنعت شيئاً  ، فقال : أما كنت نجّاراً ؟ قال : صدقت يا سيدي  ، لكني ما عملت شيئاً إلاّ عمود الخيمة لحصين بن نمير; لأنه انكسر من ريح عاصف فوصلته  ، فبكى وقال : كثَّرت السواد على ولدي  ، خذوه إلى النار  ، وصاحوا : لا حكم إلاَّ لله ولرسوله ووصيّه.
    قال الحدّاد : فأيقنت بالهلاك  ، فأمر بي فقدَّموني  ، فاستخبرني فأخبرته  ، فأمر بي إلى النار  ، فما سحبوني إلاَّ وانتبهت  ، وحكيت لكلِّ من لقيته  ، وقد يبس لسانه  ، ومات نصفه  ، وتبرَّأ منه كل من يحبّه  ، ومات فقيراً لا رحمه الله  ، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون (1).
    وروي عن داود البكري  ، عن علي بن دعبل بن علي الخزاعي  ، حدَّثه أنه رأى أباه دعبل الخزاعي في المنام  ، وسأله عن حاله فأخبره  ، وقال له فيما قال : لقيت
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/316 ـ 322.

(444)
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء  ، فقال لي : أنت دعبل ؟ قلت : نعم يا رسول الله  ، قال : فأنشدني قولك في أولادي  ، فأنشدته قولي :
لا أضحكَ اللهُ سِنَّ الدَّهْرِ إِنْ ضَحِكَتْ مُشَرَّدون نُفُوا عَنْ عقرِ دَارِهِمُ وآلُ أحمدَ مظلومون قد قُهِرُوا كأنَّهم قَدْ جَنَوا مَا ليس يُغْتَفَرُ
    قال : فقال لي : أحسنت  ، وشفع فيَّ  ، وأعطاني ثيابه  ، وها هي  ، وأشار إلى ثياب بدنه (1).

    قال ابن سيرين : أُخبرنا أن الحمرة التي مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين ( عليه السلام ) (2)   ، وفي رواية أخرى قال : لم يكن في السماء حمرة حتى قتل الحسين (3)   ، إن السماء بكت  ، وبكاؤها حمرتها. وقال غيره : احمَّرت آفاق السماء ستة أشهر بعد قتل الحسين ( عليه السلام )   ، ثمَّ لا زالت الحمرة تُرى بعد ذلك (4).
    وروى أبو نعيم وابن عساكر  ، عن هشام  ، عن محمد قال : لم تُر هذه الحمرة التي في آفاق السماء حتى قُتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) (5).
    قال ابن الجوزي : وحكمته أن غضبنا يؤثِّر حمرة الوجه  ، والحق تنزَّه عن الجسمية  ، فأظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين ( عليه السلام ) بحمرة الأفق إظهاراً لعظم
1 ـ عيون أخبار الرضا ( عليه السلام )   ، الشيخ الصدوق : 1/297.
2 ـ ينابيع المودة  ، القندوزي الحنفي : 3/20 ـ 21 ح 36  ، تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 14/228.
3 ـ المعجم الكبير الطبراني : 3/114 ح 2840  ، مجمع الزوائد  ، الهيثمي : 9/197.
4 ـ ينابيع المودة  ، القندوزي الحنفي : 3/20 ـ 21 ح 36.
5 ـ حلية الأولياء  ، أبو نعيم : 2/276  ، تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 93/493.


(445)
الجناية (1).
    وعن خلاّد صاحب السمسم ـ وكان ينزل بني جحدر ـ قال : حدَّثتني أمي  ، قالت : كنّا زماناً بعد مقتل الحسين ( عليه السلام )   ، وإن الشمس تطلع محمَّرة على الحيطان والجدر بالغداة والعشي (2).
    وروى الطبراني بالإسناد عن أبي قبيل  ، قال : لما قتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) انكسفت الشمس كسفة حتى بدت الكواكب نصف النهار  ، حتى ظننا أنها هي (3).
    وروي عن قرة بن خالد  ، قال : ما بكت السماء على أحد إلاَّ على يحيى بن زكريا والحسين بن علي  ، وحمرتها بكاؤها (4).
    وروي عن ابن سيرين  ، قال : لم تبك السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلاّ على الحسين بن علي ( عليهما السلام ) (5).
    وأخرج ابن أبي حاتم  ، عن عبيد المكتب  ، عن إبراهيم قال : ما بكت السماء منذ كانت الدنيا إلاّ على اثنين  ، قلت لعبيد : أليس السماء والأرض تبكي على المؤمن  ، قال : ذاك مقامه حيث يصعد عمله  ، قال : وتدري ما بكاء السماء ؟ قلت : لا  ، قال : تحمّر وتصير وردة كالدهان  ، إن يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام لما قُتل احمَّرت السماء وقطرت دماً  ، وإن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) لما قُتل احمَّرت السماء (6) وفي ذلك يقول سليمان بن قبة الخزاعي :
وَإِنَّ قَتِيلَ الطفِّ مِنْ آلِ هَاشِم أذلَّ رقاباً من قريش فذلَّتِ

1 ـ الصواعق المحرقة  ، ابن حجر : 295  ، نظم درر السمطين  ، الزرندي : 222.
2 ـ تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 14/226.
3 ـ المعجم الكبير  ، الطبراني : 3/114 ح 2838  ، تهذيب التهذيب  ، ابن حجر : 6/433.
4 ـ تفسير القرطبي : 10/220 و16/141  ، تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 64/217.
5 ـ تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 14/225  ، سير أعلام النبلاء  ، الذهبي : 3/312.
6 ـ تفسير ابن كثير : 4/154  ، الدر المنثور  ، السيوطي : 6/31.


(446)
أَلَمْ تر أن الأرضَ أضحت مريضةً وقد أَعْوَلَتْ تبكي السماءُ لِفَقْدِهِ لِفَقْدِ حُسين والبلادَ اقشعرَّتِ وأَنْجُمُها ناحت عليه وصلَّتِ (1)
    وعن الريان بن شبيب في حديث له عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) أنه قال له : يا ابن شبيب  ، لقد حدَّثني أبي  ، عن أبيه  ، عن جدّه أنه لما قُتل جدي الحسين أمطرت السماء دماً وتراباً أحمر (2).
    وروي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها  ، قالت : لما قتل الحسين ( عليه السلام ) مطرنا دماً (3) وفي رواية ابن حمدون قال : قال سليم القاص : لما قتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) مطرت السماء دماً عبيطاً (4).
    وعن مسلم بن إبراهيم قال : حدَّثتنا أم شوق العبدية  ، قالت : حدَّثتني نضرة الأزدية  ، قالت : لما قتل الحسين بن علي مطرت السماء دماً  ، فأصبح جرارنا وكل شيء لنا ملأى دماً (5).
    وعن جعفر بن سليمان قال : حدَّثتني خالتي أم سالم  ، قالت : لما قتل الحسين مطرنا مطراً كالدم على البيوت والجدر  ، قالت : وبلغني أنه كان بخراسان والشام والكوفة (6).
    وعن قرط بن عبدالله قال : مطرت ذات يوم بنصف النهار  ، فأصاب ثوبي فإذا دم  ، فذهبت بالإبل إلى الوادي فإذا دم  ، فلم تشرب  ، وإذا هو يوم قتل الحسين ( عليه السلام ).
1 ـ أسد الغابة  ، ابن الأثير : 2/21  ، سير أعلام النبلاء  ، الذهبي : 3/314 ـ 315.
2 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/285 ح 23 عن عيون أخبار الإمام الرضا ( عليه السلام ).
3 ـ ذخائر العقبى  ، الطبري : 145  ، سبل الهدى والرشاد  ، الشامي : 11/80.
4 ـ التذكرة الحمدونية  ، ابن حمدون : 9/245  ، رقم : 479.
5 ـ الثقات  ، ابن حبان : 4/329 رقم : 5862  ، تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 14/227.
6 ـ تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 14/228 ـ 229  ، تهذيب الكمال  ، المزي : 6/433 ـ 434.


(447)
    ومن الآيات التي وقعت بعد مقتل الحسين ( عليه السلام ) ظهور الكواكب في النهار  ، قال عيسى بن الحارث الكندي : لما قتل الحسين ( عليه السلام ) مكثنا سبعة أيام إذا صلّينا العصر نظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة  ، ونظرنا إلى الكواكب يضرب بعضها بعضاً (1)   ، وعن خلف بن خليفة  ، عن أبيه قال : لما قتل الحسين ( عليه السلام ) اسودَّت السماء  ، وظهرت الكواكب نهاراً حتى رأيت الجوزاء عند العصر  ، وسقط التراب الأحمر (2).
    وحدَّث عبد الملك بن كردوس  ، عن حاجب عبيدالله بن زياد  ، قال : دخلت معه القصر حين قتل الحسين ( عليه السلام )   ، قال : فاضطرم في وجهه ناراً أو كلمة نحوها  ، فقال هكذا بكمِّه على وجهه  ، وقال : لا تحدّثن بهذا أحداً (3).
    ومن الآيات التي وقعت أنه ما رُفع حجر إلاَّ وتحته دم عبيط  ، فقد حدَّث خلاد صاحب السمسم عن أمه في مقتل الحسين ( عليه السلام ) قالت : وكانوا لا يرفعون حجراً إلاّ وجد تحته دم (4).
    وعن محمد بن عمر بن علي  ، عن أبيه  ، قال : أرسل عبد الملك إلى ابن رأس الجالوت  ، فقال : هل كان في قتل الحسين ( عليه السلام ) علامة ؟ قال ابن رأس الجالوت : ما كُشف يومئذ حجر إلاَّ وجد تحته دم عبيط (5).
    وعن الزهري قال : قال لي عبد الملك بن مروان : أيُّ واحد أنت إن أخبرتني
1 ـ المعجم الكبير  ، الطبراني : 3/114 ح 2839 سير أعلام النبلاء  ، الذهبي : 3/312.
2 ـ تهذيب الكمال  ، المزي : 6/432  ، تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 14/226.
3 ـ تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 37/451  ، المعجم الكبير  ، الطبراني : 3/112 ح 2831.
4 ـ تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 14/226  ، ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) من كتاب بغية الطلب في تأريخ حلب  ، ابن العديم : 173 ح 151.
5 ـ تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 14/230  ، ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) من كتاب بغية الطلب في تأريخ حلب  ، ابن العديم : 173 ح 150.


(448)
أيَّ علامة كانت يوم قتل الحسين بن علي ( عليه السلام )   ؟ قال : قلت : لم تُرفع حصاة ببيت المقدس إلاّ وجد تحتها دم عبيط  ، فقال عبد الملك : إني وإياك في هذا الحديث لقرينان (1).
    ومما جاء وظهر من كرامات الرأس الشريف حينما حمله القوم إلى الكوفة ما رواه أبو مخنف  ، قال : فسرّح برأسه ( عليه السلام ) من يومه ذلك مع خولي بن يزيد  ، وحميد بن مسلم الأزدي إلى عبيدالله بن زياد  ، فأقبل به خولي  ، فأراد القصر فوجد باب القصر مغلقاً  ، فأتى منزله فوضعه تحت إجانة في منزله  ، وله امرأتان : امرأة من بني أسد  ، والأخرى من الحضرميين يقال لها : النوار ابنة مالك بن عقرب  ، وكانت تلك الليلة ليلة الحضرمية.
    قال هشام : فحدَّثني أبي عن النوار بنت مالك  ، قالت : أقبل خولي برأس الحسين ( عليه السلام )   ، فوضعه تحت إجانة في الدار  ، ثمَّ دخل البيت فأوى إلى فراشه  ، فقلت له : ما الخبر ؟ ما عندك ؟ قال : جئتك بغنى الدهر  ، هذا رأس الحسين معك في الدار  ، قالت : فقلت : ويلك  ، جاء الناس بالذهب والفضة  ، وجئت برأس ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ لا والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت أبداً.
    قالت : فقمت من فراشي  ، فخرجت إلى الدار  ، فدعا الأسدية فأدخلها إليه  ، وجلست أنظر  ، قالت : فوالله ما زلت أنظر إلى نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الإجانة  ، ورأيت طيراً بيضاً ترفرف حولها  ، قال : فلما أصبح غدا بالرأس إلى عبيدالله بن زياد لعنة الله.. (2).
    وعن المنهال بن عمرو قال : أنا ـ والله ـ رأيت رأس الحسين بن علي ( عليه السلام ) حين حمل وأنا بدمشق  ، وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف حتى بلغ قوله
1 ـ المعجم الكبير  ، الطبراني : 3/119 ح 2856.
2 ـ تاريخ الطبري : 4/384  ، البداية والنهاية  ، ابن كثير : 8/206.


(449)
تعالى : « أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً » (1).
    قال : فأنطق الله الرأس بلسان ذرب  ، فقال : أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي (2).
    وعن سلمة بن كهيل قال : رأيت رأس الحسين بن علي ( عليه السلام ) على القنا وهو يقول : « فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » (3) (4).
    قال جرير بن محمد : فقلت لصالح : الله إنك سمعته من معاذ بن أسد ؟ قال : الله إني سمعته منه  ، قال معاذ بن أسد : فقلت للفضل : الله إنك سمعته من الأعمش ؟ فقال : الله إني سمعته منه  ، قال الأعمش : فقلت لسلمة بن كهيل : الله إنك سمعته منه ؟ قال : الله إني سمعته منه بباب الفراديس بدمشق  ، مَثُل لي ولا شُبِّه لي  ، وهو يقول : « فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » (5).
    ولله درّ بعضهم إذ يقول :
جاؤوا برأسِكَ يا ابنَ بنتِ محمَّد وكأنَّما بِكَ يا ابنَ بنتِ محمَّد قتلوك عَطْشَاناً ولم يترقَّبوا ويكبِّرون بأَنْ قُتِلْتَ وأنَّما مترمِّلا بدِمَائِهِ ترميلا قَتَلُوا جِهَاراً عامدين رسولا في قَتْلِكَ التنزيلَ والتأويلا قَتَلُوا بك التكبيرَ والتهليلا

1 ـ سورة الكهف  ، الآية : 9.
2 ـ تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 60/369 ـ 370  ، الخصائص الكبرى  ، السيوطي : 2/127.
3 ـ سورة البقرة  ، الآية : 137.
4 ـ تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 22/117.
5 ـ تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 22/118  ، ( هامش تاريخ ابن عساكر  ، زيادة عن نسخة ( م ) ).


(450)
    قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة في اللهوف : وسار ابن سعد بالسبي المشار إليه  ، فلمَّا قاربوا الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهن.
    قال الراوي : فأشرفت امرأة من الكوفيات فقالت : من أيِّ الأسارى أنتنَّ ؟ فقلن : نحن أُسارى آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) فنزلت المرأة من سطحها  ، فجمعت لهن ملاء وأزراً ومقانع  ، وأعطتهن فتغطَّين.
    قال الراوي : وكان مع النساء علي بن الحسين ( عليه السلام ) قد نهكته العلّة  ، والحسن بن الحسن المثنى  ، وكان قد واسى عمَّه وإمامه في الصبر على ضرب السيوف وطعن الرماح  ، وإنما ارتثّ وقد أُثخن بالجراح.
    وروى مصنف كتاب المصابيح أن الحسن بن الحسن المثنى قَتَلَ بين يدي عمّه الحسين ( عليه السلام ) في ذلك اليوم سبعة عشر نفساً  ، وأصابه ثمانية عشر جراحة  ، فوقع فأخذه خاله أسماء بن خارجة  ، فحمله إلى الكوفة وداواه حتى برىء وحمله إلى المدينة.
    وكان معهم أيضاً زيد وعمر  ، ولدا الحسن السبط ( عليهم السلام ) ، فجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون  ، فقال علي بن الحسين ( عليه السلام ) : تنوحون وتبكون مِن أجلِنا فمَن ذا الذي قتلنا ؟ (1)
    قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : رأيت في بعض الكتب المعتبرة روي مرسلا عن مسلم الجصاص قال : دعاني ابن زياد لإصلاح دار الأمارة بالكوفة  ،
1 ـ اللهوف  ، السيد ابن طاووس : 85 ـ 86.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس