|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(451)
فبينما أنا أجصص الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة ، فأقبلت على خادم كان معنا فقلت : مالي أرى الكوفة تضج ؟ قال : الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد ، فقلت : من هذا الخارجي ؟ فقال : الحسين بن علي ( عليهما السلام ) قال : فتركت الخادم حتى خرج ولطمت وجهي حتى خشيت على عيني أن تذهب ، وغسلت يدي من الجص وخرجت من ظهر القصر وأتيت إلى الكناس ، فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس إذ قد أقبلت نحو أربعين شقة تحمل على أربعين جملا فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة ( عليها السلام ) وإذا بعلي بن الحسين ( عليهما السلام ) على بعير بغير وطاء ، وأوداجه تشخب دماً ، وهو مع ذلك يبكي ويقول :
فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت ، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين ( عليه السلام ) وهو رأس أزهري قمري ، أشبه الخلق برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (452)
ولحيته كسواد السبج قد انتصل منها الخضاب ، ووجهه دارة قمر طالع ، والرمحتلعب بها يمينا وشمالا ، فالتفتت زينب ( عليها السلام ) فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل ، حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها وأومأت إليه بخرقة وجعلت تقول :
أتبكون ؟ وتنتحبون ؟ إي والله فابكوا كثيراً ، واضحكوا قليلا ، فلقد ذهبتم 1 ـ بحار الأنوار ، المجلسي : 45/114 ، ينابيع المودة ، القندوزي : 3/87. (453)
بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً ، وأنَّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ، ومعدن الرسالة ، وسيِّد شباب أهل الجنة ، وملاذ حَيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، ومنار حجّتكم ، ومدرة سنتكم ، ألا ساء ما تزرون ، وبعداً لكم وسحقاً ، فلقد خاب السعي ، وتبَّت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة.
ويلكم يا أهل الكوفة ، أتدرون أيَّ كبد لرسول الله فريتم ؟ وأيَّ كريمة له أبرزتم ؟ وأيَّ دم له سفكتم ؟ وأيَّ حرمة له انتهكتم ؟ لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء ( وفي بعضها : خرقاء شوهاء ) كطلاع الأرض أو كملأ السماء ، أفعجبتم أن مطرت السماء دماً ؟ ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تُنصرون ، فلا يستخفَّنَّكم المهل ، فإنه لا يحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثأر ، وإن ربكم لبالمرصاد. قال الراوي : فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم ، ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتى أخضلَّت لحيته ، وهو يقول : بأبي أنتم وأمي ، كهولكم خير الكهول ، وشبابكم خير الشباب ، ونساؤكم خير النساء ، ونسلكم خير نسل ، لا يُخزى ولا يُبزى. وروى زيد بن موسى ، قال : حدَّثني أبي ، عن جدّي ( عليه السلام ) قال : خطبت فاطمة الصغرى بعد أن وردت من كربلاء فقالت : الحمد لله عدد الرمل والحصا ، وزنة العرش إلى الثرى ، أحمده وأؤمن به وأتوكَّل عليه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له ، وأن محمَّداً عبده ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) وأن أولاده ذُبحوا بشطّ الفرات ، بغير ذحل ولا تُرات ، اللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك بالكذب ، أو أن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيِّه عليِّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، المسلوب حقّه ، المقتول من غير ذنب كما قُتل ولده بالأمس ، في بيت من بيوت الله ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم ، تعساً لرؤوسهم ، ما دفعت عنه ضيماً في حياته ، ولا (454)
عند مماته ، حتّى قبضته إليك محمود النقيبة ، طيِّب العريكة ، معروف المناقب ، مشهور المذاهب ، لم تأخذه فيك ـ اللهم ـ لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، هديته ـ اللهمَّ ـ للإسلام صغيراً ، وحمدت مناقبه كبيراً ، ولم يزل ناصحاً لك ولرسولك ( صلى الله عليه وآله ) حتى قبضته إليك زاهداً في الدنيا ، غير حريص عليها ، راغباً في الآخرة ، مجاهداً لك في سبيلك ، رضيته فاخترته فهديته إلى صراط مستقيم.
أمّا بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء ، فإنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا ، فجعل بلاءنا حسناً ، وجعل علمه عندنا ، وفهمه لدينا ، فنحن عيبة علمه ، ووعاء فهمه وحكمته ، وحجّته على الأرض في بلاده لعباده ، أكرمنا الله بكرامته ، وفضَّلنا بنبيِّه محمّد ( صلى الله عليه وآله ) على كثير ممن خلق تفضيلا بيّناً ، فكذَّبتمونا وكفَّرتمونا ، ورأيتم قتالنا حلالا ، وأموالنا نهباً ، كأننا أولاد ترك وكابل ، كما قتلتم جدَّنا بالإمس ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدِّم ، قرَّت لذلك عيونكم ، وفرحت قلوبكم ، افتراءً على الله منكم ، ومكراً مكرتم ، والله خير الماكرين ، فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ، ونالت أيديكم من أموالنا ، فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة في كتاب من قبل أن نبرأها ، إن ذلك على الله يسير ، كيلا تأسوا على مافاتكم ، ولا تفرحوا بما آتاكم ، والله لا يحبُّ كلَّ مختال فخور. تبّاً لكم ، فانتظروا اللعنة والعذاب ، فكأنْ قد حلَّ بكم ، وتواترت من السماء نقمات ، فَيُسحِتكم بعذاب ، ويذيق بعضكم بأس بعض ، ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ، ألا لعنة الله على الظالمين. ويلكم ، أتدرون أيَّة يد طاعنتنا منكم ؟ وأيّة نفس نزعت إلى قتالنا ؟ أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا ؟ والله قست قلوبكم ، وغلظت أكبادكم ، وطبع على أفئدتكم ، وخُتم على سمعكم وبصركم ، وسوَّل لكم الشيطان وأملى لكم ، (455)
وجعل على بصركم غشاوة ، فأنتم لا تهتدون ، فتباً لكم يا أهل الكوفة ، أيَّ تراث لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبلكم ودخول له لديكم ؟ بما غدرتم بأخيه عليّ بن أبي طالب جدي ، وببنيه وعترته الطيّبين الأخيار ( عليهم السلام ) ، فافتخر بذلك مفتخر فقال :
قال : فارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب ، وقالوا : حسبك يا ابنة الطيبين ، فقد أحرقت قلوبنا ، وأضرمت أجوافنا ، فسكتت. قال : وخطبت أم كلثوم بنت علي ( عليه السلام ) في ذلك اليوم من وراء كلتها ، رافعة صوتها بالبكاء ، فقالت : يا أهل الكوفة ، سوأة لكم ، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثتموه ، وسبيتم نساءه ونكبتموه ؟ فتّباً لكم وسحقاً ، ويلكم ، أتدرون أيُّ دواه دهتكم ؟ وأيَّ وزر على ظهوركم حملتم ؟ وأيَّ دماء سفكتموها ؟ وأيَّ كريمة أصبتموها ؟ وأيَّ صبية سلبتموها ؟ وأيَّ أموال انتهبتموها ؟ قتلتم خير رجالات بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ونُزعت الرحمة من قلوبكم ، ألا إن حزب الله هم الفائزون ، وحزب الشيطان هم الخاسرون ، ثم قالت :
(456)
ثم إن زين العابدين ( عليه السلام ) أومأ إلى الناس أن اسكتوا فسكتوا ، فقام قائماً فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ثمَّ صلَّى عليه ، ثمَّ قال : أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أعرِّفه بنفسي ، أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، أنا ابن من انتهكت حرمته ، وسلبت نعمته ، وانتهب ماله ، وسبي عياله ، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات ، من غير ذحل ولا ترات ، أنا ابن من قُتل صبراً ، وكفي بذلك فخراً. أيها الناس ، فأنشدكم الله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه ، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه ؟ فتبّاً لما قدَّمتم لأنفسكم ، وسوأة لرأيكم ، بأيَّة عين تنظرون إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ يقول لكم : قتلتم عترتي ، وانتهكتم حرمتي ، فلستم من أمتي ؟ قال الراوي : فارتفعت الأصوات من كل ناحية ويقول بعضهم لبعض : هلكتم وما تعلمون ، فقال ( عليه السلام ) : رحم الله امرءاً قبل نصيحتي ، وحفظ وصيّتي في الله وفي رسوله وأهل بيته ، فإن لنا في رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أسوة حسنة ، فقالوا بأجمعهم : نحن كلّنا ـ يا ابن رسول الله ـ سامعون مطيعون ، حافظون لذمامك ، غير زاهدين فيك وراغبين عنك ، فمرنا بأمرك يرحمك الله ، فإنّا حرب لحربك ، وسلم لسلمك ، لنأخذنَّ يزيد لعنه الله ، ونبرأ ممن ظلمك ، فقال ( عليه السلام ) : هيهات هيهات أيها الغدرة (457)
المكرة ، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم ، أتريدون أن تأتوا إليَّ كما أتيتم آبائي من قبل ؟ كلا وربِّ الراقصات ، فإن الجرح لمَّا يندمل ، قُتل أبي صلوات الله عليه بالأمس وأهل بيته معه ، ولم ينسني ثكل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وثكل أبي وبني أبي ، ووجده بين لهاتي ، ومرارته بين حناجري وحلقي ، وغصصه تجري في فراش صدري ، ومسألتي أن تكونوا لا لنا ولا علينا ، ثمَّ قال :
قال الراوي : ثم إن ابن زياد جلس في القصر للناس ، وأذن إذناً عاماً ، وجيء برأس الحسين ( عليه السلام ) فوضع بين يديه ، وأدخل نساء الحسين ( عليه السلام ) وصبيانه إليه ، فجلست زينب بنت علي ( عليه السلام ) متنكِّرة ، فسأل عنها فقيل : زينب بنت علي ( عليه السلام ) ، فأقبل إليها فقال : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم ، فقالت : إنما يفتضح الفاسق ، ويكذب الفاجر ، وهو غيرنا ، فقال ابن زياد : كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك ، فقالت : ما رأيت إلاّ جميلا ، هؤلاء قوم كتب عليهم القتال فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتحاجّ وتخاصم ، فانظر لمن يكون الفلج يومئذ ، هبلتك أمّك يا بن مرجانة. قال الراوي : فغضب ابن زياد وكأنه همَّ بها ، فقال له عمرو بن حريث : إنّها امرأة ، والمرأة لا تؤخذ بشيء من منطقها ، فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك ، فقالت : لعمري ، لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن كان هذا شفاك فقد اشتفيت ، فقال ابن زياد : هذه سجاعة ، ولعمري لقد كان أبوك شاعراً وسجّاعاً ، فقالت : يا بن زياد ، ما (458)
للمرأة والسجاعة ؟
ثم التفت ابن زياد إلى علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : من هذا ؟ فقيل : علي بن الحسين ، فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟ فقال علي ( عليه السلام ) : قد كان لي أخ يقال له : علي بن الحسين قتله الناس ، فقال : بل الله قتله. فقال علي ( عليه السلام ) : الله يتوفَّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ، فقال ابن زياد : ألك جرأة على جوابي ؟! اذهبوا به فاضربوا عنقه ، فسمعت به عمّته زينب فقالت : يا بن زياد ، إنك لم تبق منا أحداً ، فإن كنت عزمت على قتله فاقتلني معه ، فقال علي ( عليه السلام ) لعمّته : اسكتي يا عمَّة حتى أكلِّمه ، ثم أقبل فقال : أبالقتل تهدِّدني يا ابن زياد ؟ أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة ؟ ثم أمر ابن زياد بعلي بن الحسين ( عليه السلام ) وأهله فحملوا إلى دار جنب المسجد الأعظم ، فقالت زينب بنت علي ( عليه السلام ) : لا تدخلن علينا عربية إلاّ أم ولد أو مملوكة ، فإنهن سبين كما سبينا. ثمَّ أمر ابن زياد برأس الحسين ( عليه السلام ) فطيف به في سكك الكوفة. ولله درّ الشاعر إذ يقول :
1 ـ اللهوف في قتلى الطفوف ، السيد ابن طاووس الحسني : 86 ـ 95. (459)
جاء في كتاب وفاة السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) للحجة الشيخ فرج آل عمران عليه الرحمة وهو مقتطف من كتاب السيدة زينب ( عليها السلام ) للشيخ جعفر النقدي عليه الرحمة ، قال : ونشأت ( عليها السلام ) نشأة حسنة ، كاملة فاضلة عالمة ، من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، وكانت على جانب عظيم من الحلم ومكارم الأخلاق ، ذات فصاحة وبلاغة ، تفيض من يدها عيون الجود والكرم ، وكفاها فخراً أنها فرعٌ من شجرة أهل بيت النبوّة الذين مدحهم الله تعالى في كتابه العزيز. وعن النيسابوري في رسالته العلوية : كانت زينب بنت علي ( عليها السلام ) في فصاحتها وبلاغتها وزهدها وعبادتها كأبيها المرتضى ( عليه السلام ) ، وأمها الزهراء ( عليها السلام ) ، ولله درّ الشيخ النقدي حيث يقول :
(460)
مدينة العلم النبويّ ، المعتكفة بعده ببابها العلوي ، المتغداة بلبانه من أمِّها الصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها ، وقد طوت عمراً من الدهر مع الإمامين السبطين يزقّانها العلم زقّاً ، فهي اغترفت من عُباب علم آل محمد ، وعُباب فضائلهم الذي اعترف به عدوّهم الألدّ يزيد الطاغية ، بقوله في الإمام السجاد ( عليه السلام ) : إنه من أهل بيت زقّوا العلم زقّاً ، وقد نصَّ لها بهذه الكلمة ابن أخيها علي بن الحسين ( عليه السلام ) : أنت بحمد الله عالمة غير معلَّمة ، وفهمة غير مفهَّمة ، يريد ( عليه السلام ) أن مادة علمها من سنخ ما مُنح به رجالات بيتها الرفيع ، أفيض عليها إلهاماً ، وفي الحديث : ما أخلص عبدٌ لله تعالى أربعين صباحاً إلاّ جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ، ولا شك أن زينب الطاهرة قد أخلصت لله كل عمرها ، فماذا تحسب أن يكون المنفجر من قلبها على لسانها من ينابيع الحكمة ؟
ويظهر من الفاضل الدربندي وغيره أنها ( عليها السلام ) كانت تعلم علم المنايا والبلايا ، كجملة من أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، منهم ميثم التمار ورشيد الهجري وغيرهما. وفي ( الطراز المذهَّب ) أن شؤونات زينب الباطنيّة ومقاماتها المعنويّة كما قيل فيها إن فضائلها وفواضلها وخصالها وبهاءها تالية أُمّها وثانيتها ، وقال ابن عنبة في ( أنساب الطالبيين ) : زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، كنيتها أم الحسن ، تروي عن أمّها فاطمة الزهراء بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ). وقال العلاّمة الفاضل السيد نور الدين الجزائري في كتابه الفارسي المسمَّى بالخصائص الزينبية ما ترجمته عن بعض الكتب : إن زينب كان لها مجلس في بيتها أيام إقامة أبيها ( عليه السلام ) في الكوفة ، وكانت تفسِّر القرآن للنساء. وفي كتاب بلاغات النساء لأبي الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور قال : حدَّثني أحمد بن جعفر بن سليمان الهاشمي ، قال : كانت زينب بنت علي ( عليه السلام ) تقول : (461)
من أراد أن لا يكون الخلق شفعاءه إلى الله فليحمده ، ألم تسمع إلى قولهم ؟ سمع الله لمن حمده : فَخَلفِ الله لقدرته عليك ، واستحِ منه لقربه منك.
وقال الشيخ الطبرسي عليه الرحمة : إن زينب ( عليها السلام ) روت أخباراً كثيرة عن أمّها الزهراء ( عليها السلام ) وعن عماد المحدِّثين أن زينب الكبرى كانت تروي عن أمّها وأبيها وأخويها ، وممن روى عنها ابن عباس وعلي بن الحسين ( عليه السلام ) وعبدالله بن جعفر وفاطمة بنت الحسين ( عليه السلام ) الصغرى وغيرهم. وفي مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الإصبهاني : زينب العقيلة بنت علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأمّها فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة ( عليها السلام ) في فدك ، فقال : حدَّثتني عقيلتنا زينب بنت علي ( عليها السلام ). وقال الفاضل العلاّمة الأجلّ المولى محمد حسن القزويني في كتابه المسمَّى برياض الأحزان وحدائق الأشجان : يُستفاد من آثار أهل البيت جلالة شأن زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ووقارها وقرارها بما لا مزيد عليه ، حتى أوصى إليها أخوها ما أوصى قبل شهادته ، وإنها من كمال معرفتها ووفور علمها وحُسن أعراقها وطيب أخلاقها كانت تشبه أمَّها سيِّدة النساء فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) في جميع ذلك والخفارة والحياء ، وأباها ( عليه السلام ) في قوّة القلب في الشدّة ، والثبات عند النائبات ، والصبر على الملمَّات ، والشجاعة ، الموروثة من صفاتها ، والمهابة المأثورة من سماتها. وعن الصدوق محمد بن بابويه طاب ثراه : كانت زينب ( عليها السلام ) لها نيابة خاصّة عن الحسين ( عليه السلام ) ، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برىء زين العابدين ( عليه السلام ) من مرضه. وأما زهدها ( عليها السلام ) فيكفي في إثباته ما روي عن الإمام السجاد من أنها ( عليها السلام ) ما ادّخرت شيئاً من يومها لغدها أبداً ، وفي كتاب ( جنات الخلود ) ما معناه : وكانت (462)
زينب الكبرى في البلاغة ، والزهد ، والتدبير ، والشجاعة ، قرينة أبيها وأمّها ، فإن انتظام أمور أهل البيت ( عليهم السلام ) بل الهاشميين بعد شهادة الحسين ( عليه السلام ) كان برأيها وتدبيرها.
وأمّا عبادتها ( عليها السلام ) : فهي تالية أمِّها الزهراء ( عليها السلام ) ، وكانت تقضي عامّة لياليها بالتهجُّد وتلاوة القرآن ، ففي مثير الأحزان للعلامة الشيخ شريف الجواهري ( قدس سره ) : قالت فاطمة بنت الحسين ( عليها السلام ) : وأمَّا عمَّتي زينب فإنّها لم تزل قائمة في تلك الليلة ـ أي العاشرة من المحرَّم ـ في محرابها ، تستغيث إلى ربِّها ، فما هدأت لنا عين ولا سكنت لنا رنّة. وعن الفاضل النائيني البروجردي : أن الحسين ( عليه السلام ) لمَّا ودَّع أخته زينب وداعه الأخير قال لها : يا أختاه ، لا تنسيني في نافلة الليل ، وقال بعض ذوي الفضل : إنها ( عليها السلام ) ما تركت تهجّدها لله تعالى طول دهرها حتى ليلة الحادي عشر من المحرَّم. وروي عن زين العابدين ( عليه السلام ) أنه قال : رأيتها تلك الليلة تصلّي من جلوس ، وروى بعض المتقدِّمين عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) أنه قال : إن عمتي زينب كانت تؤدّي صلواتها من الفرائض والنوافل عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام من قيام ، وفي بعض المنازل كانت تصلّي من جلوس ، فسألتها عن سبب ذلك فقالت : أصلّي من جلوس لشدّة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال ، لأنها كانت تقسم ما يصيبها من الطعام على الأطفال ، لأن القوم كانوا يدفعون لكل واحد منّا رغيفاً واحداً من الخبز في اليوم والليلة. وعن الفاضل النائيني البروجردي ، عن بعض المقاتل المعتبرة ، عن مولانا السجاد ( عليه السلام ) أنه قال : إن عمّتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا (463)
إلى الشام ما تركت تهجّدها ليلة (1).
ولله درّ الشيخ عبدالحسين شكر إذ يقول :
فعلى الأطائب من أهل بيت محمَّد وعلي صلَّى الله عليهما وآلهما ، فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم فلتذرف الدموع ، وليصرخ 1 ـ وفاة السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) ، للحجّة الشيخ فرج العمران عليه الرحمة ، ضمن مجموعة وفيات الأئمة ( عليهم السلام ) : 437 ـ 442. 2 ـ رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 324. 3 ـ رياضح المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 13. (464)
الصارخون ، ويضجَّ الضاجون ، ويعجَّ العاجون ، أين الحسن وأين الحسين ، أين أبناء الحسين ، صالح بعد صالح ، وصادق بعد صادق ، أين السبيل بعد السبيل ، أين الخيرة بعد الخيرة ، أين الشموس الطالعة ، أين الأقمار المنيرة ، أين الأنجم الزاهرة ، أين أعلام الدين وقواعد العلم (1).
قال إسماعيل بن سهل : حدَّثني بعض أصحابنا ـ وسألني أن أكتم اسمه ـ قال : كنت عند الرضا ( عليه السلام ) فدخل عليه علي بن أبي حمزة ، وابن السراج ، وابن المكاري ، فقال له ابن أبي حمزة : ما فعل أبوك ؟ قال : مضى ، قال : مضى موتاً ؟ قال : نعم ، قال : إلى من عهد ؟ فقال : إليَّ ، قال : فأنت إمام مفترض الطاعة من الله ؟ قال : نعم ، قال ابن السراج وابن المكاري : قد والله أمكنك من نفسه ، قال : ويلك ، وبم أمكنت ؟ أتريد أن آتي بغداد وأقول لهارون : أنا إمام مفترض الطاعة ؟ والله ما ذلك عليَّ ، وإنما قلت ذلك لكم عندما بلغني من اختلاف كلمتكم ، وتشتّت أمركم ، لئلا يصير سرّكم في يد عدوّكم ، قال له ابن أبي حمزة : لقد أظهرت شيئاً ما كان يظهره أحد من آبائك ولا يتكلَّم به ، قال : بلى ، لقد تكلَّم خير آبائي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، لمَّا أمره الله تعالى أن ينذر عشيرته الأقربين جمع من أهل بيته أربعين رجلا ، وقال لهم : أنا رسول الله إليكم ، فكان أشدَّهم تكذيباً له وتأليباً عليه عمّه أبو لهب ، فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إن خدشني خدش فلست بنبيٍّ ، فهذا أول ما أبدع لكم من آية النبوة ، وأنا أقول : إن خدشني هارون خدشاً فلست بإمام ، فهذا أول ما أبدع لكم من آية الإمامة ، فقال له علي : إنا روينا عن آبائك أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله ، فقال له أبو الحسن ( عليه السلام ) : فأخبرني عن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) ، كان إماماً أو كان غير إمام ؟ قال : كان إماماً ، قال : فمن ولي أمره ؟ قال : علي بن الحسين ، قال ( عليه السلام ) : وأين كان علي بن الحسين ( عليه السلام ) ؟ قال : كان محبوساً في يد عبيد الله بن زياد في الكوفة ، 1 ـ المزار ، محمد بن المشهدي : 578. (465)
قال : خرج وهم كانوا لا يعلمون حتى ولي أمر أبيه ثمَّ انصرف ، فقال له أبو الحسن ( عليه السلام ) : إن هذا الذي أمكن علي بن الحسين ( عليه السلام ) أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه فهو أمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثمَّ ينصرف ، وليس في حبس ولا في إسار ، قال له علي : إنا روينا أن الإمام لا يمضي حتى يرى عقبه ، قال : فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : أما رويتم في هذا الحديث غير هذا ؟ قال : لا ، قال : بلى والله ، لقد رويتم إلاَّ القائم ، وأنتم لا تدرون ما معناه ولم قيل ، قال له علي : بلى والله ، إن هذا لفي الحديث ، قال له أبو الحسن ( عليه السلام ) : ويلك ، كيف اجترأت على شيء تدع بعضه ؟ ثمَّ قال : يا شيخ ، اتق الله ولا تكن من الصادّين عن دين الله تعالى (1).
روى ابن نما الحلي عليه الرحمة في مثير الأحزان ، عن ابن عائشة قال : مرَّ سليمان بن قتيبة العدوي ومولى بني تميم بكربلاء بعد قتل الحسين ( عليه السلام ) بثلاث ، فنظر إلى مصارعهم فاتَّكأ على فرس له عربية وأنشأ :
1 ـ معجم رجال الحديث ، السيد الخوئي : 12/240 ـ 241. 2 ـ مثير الأحزان ، ابن نما الحلي : 88 ـ 89. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|