المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: 451 ـ 465
(451)
فبينما أنا أجصص الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة  ، فأقبلت على خادم كان معنا فقلت : مالي أرى الكوفة تضج  ؟ قال : الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد  ، فقلت : من هذا الخارجي  ؟ فقال : الحسين بن علي ( عليهما السلام ) قال : فتركت الخادم حتى خرج ولطمت وجهي حتى خشيت على عيني أن تذهب  ، وغسلت يدي من الجص وخرجت من ظهر القصر وأتيت إلى الكناس  ، فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس إذ قد أقبلت نحو أربعين شقة تحمل على أربعين جملا فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة ( عليها السلام ) وإذا بعلي بن الحسين ( عليهما السلام ) على بعير بغير وطاء  ، وأوداجه تشخب دماً  ، وهو مع ذلك يبكي ويقول :
يا أمةَ السوءِ لا سقياً لربعكُمُ لو أننا ورسولُ الله يجمعُنا تُسيرونا على الأقتاب عاريةً يا أمةً لم تراع جدنَا فينا يومَ القيامةِ ما كنتم تقولونا كأننا لم نُشيد فيكمُ دينا
    قال : وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز  ، فصاحت بهم أم كلثوم وقالت : يا أهل الكوفة إن الصدقة علينا حرام  ، وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض. قال : كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم.
وأعظم ما يشجيِ ويُودع في الحشا تَصدَقُ أعداها عليها شماتةً حرارةُ وجدِ دونهِا لذعةُ الجمرِ بما نالها بالخبزِ والجوزِ والتمرِ
    ثم إن أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل  ، وقالت لهم : صه يا أهل الكوفة تقُتلنا رجالُكم  ، وتبكينا نساؤكم  ؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله  ، يوم فصل القضاء.
    فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت  ، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين ( عليه السلام ) وهو رأس أزهري قمري  ، أشبه الخلق برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )


(452)
ولحيته كسواد السبج قد انتصل منها الخضاب  ، ووجهه دارة قمر طالع  ، والرمح
تلعب بها يمينا وشمالا  ، فالتفتت زينب ( عليها السلام ) فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل  ، حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها وأومأت إليه بخرقة وجعلت تقول :
يا هلالا لما استتم كما لا ما توهمت يا شقيقَ فؤادي يا أخي فاطم الصغيرة كلمها يا أخي ماترى عليا لدى الأسر كلما أو جعوه بالضرب ناداك ما أذل اليتيم حين ينادي غالهُ خسفهُ فأبدا غروبا كان هذا مقدراً مكتوباً فقد كاد قلبها أن يذوبا مع اليُتم لا يُطيق ركوبا بذل يفيضُ دمعاً سكوبا بأبيه ولا يراه مُجيبا (1)
    قال السيد ابن طاووس عليه الحرمة : قال بشير بن خزيم الأسدي : ونظرت إلى زينب بنت علي ( عليه السلام ) يومئذ  ، ولم أر خفرة قط ـ والله ـ أنطق منها  ، كأنها تفرغ من لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام )   ، وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا  ، فارتدَّت الأنفاس  ، وسكنت الأجراس  ، ثمَّ قالت : الحمد لله  ، والصلاة على أبي محمّد وآله الطيبين الأخيار  ، أمَّا بعد يا أهل الكوفة  ، يا أهل الختل والغدر  ، أتبكون ؟ فلا رقأت الدمعة  ، ولا هدأت الرنَّة  ، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً  ، تتخذون إيمانكم دخلا بينكم  ، ألا وهل فيكم إلاّ الصلف النطف  ، والصدر الشنف  ، وملق الإماء  ، وغمز الأعداء  ، أو كمرعى على دمنة  ، أو كفضة على ملحودة  ، ألا ساء ما قدَّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم  ، وفي العذاب أنتم خالدون.
    أتبكون ؟ وتنتحبون ؟ إي والله فابكوا كثيراً  ، واضحكوا قليلا  ، فلقد ذهبتم
1 ـ بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/114  ، ينابيع المودة  ، القندوزي : 3/87.

(453)
بعارها وشنارها  ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً  ، وأنَّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة  ، ومعدن الرسالة  ، وسيِّد شباب أهل الجنة  ، وملاذ حَيرتكم  ، ومفزع نازلتكم  ، ومنار حجّتكم  ، ومدرة سنتكم  ، ألا ساء ما تزرون  ، وبعداً لكم وسحقاً  ، فلقد خاب السعي  ، وتبَّت الأيدي  ، وخسرت الصفقة  ، وبؤتم بغضب من الله  ، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة.
    ويلكم يا أهل الكوفة  ، أتدرون أيَّ كبد لرسول الله فريتم ؟ وأيَّ كريمة له أبرزتم ؟ وأيَّ دم له سفكتم ؟ وأيَّ حرمة له انتهكتم ؟ لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء ( وفي بعضها : خرقاء شوهاء ) كطلاع الأرض أو كملأ السماء  ، أفعجبتم أن مطرت السماء دماً ؟ ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تُنصرون  ، فلا يستخفَّنَّكم المهل  ، فإنه لا يحفزه البدار  ، ولا يخاف فوت الثأر  ، وإن ربكم لبالمرصاد.
    قال الراوي : فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون  ، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم  ، ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتى أخضلَّت لحيته  ، وهو يقول : بأبي أنتم وأمي  ، كهولكم خير الكهول  ، وشبابكم خير الشباب  ، ونساؤكم خير النساء  ، ونسلكم خير نسل  ، لا يُخزى ولا يُبزى.
    وروى زيد بن موسى  ، قال : حدَّثني أبي  ، عن جدّي ( عليه السلام ) قال : خطبت فاطمة الصغرى بعد أن وردت من كربلاء فقالت : الحمد لله عدد الرمل والحصا  ، وزنة العرش إلى الثرى  ، أحمده وأؤمن به وأتوكَّل عليه  ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له  ، وأن محمَّداً عبده ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) وأن أولاده ذُبحوا بشطّ الفرات  ، بغير ذحل ولا تُرات  ، اللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك بالكذب  ، أو أن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيِّه عليِّ بن أبي طالب ( عليه السلام )   ، المسلوب حقّه  ، المقتول من غير ذنب كما قُتل ولده بالأمس  ، في بيت من بيوت الله  ، فيه معشر مسلمة بألسنتهم  ، تعساً لرؤوسهم  ، ما دفعت عنه ضيماً في حياته  ، ولا


(454)
عند مماته  ، حتّى قبضته إليك محمود النقيبة  ، طيِّب العريكة  ، معروف المناقب  ، مشهور المذاهب  ، لم تأخذه فيك ـ اللهم ـ لومة لائم  ، ولا عذل عاذل  ، هديته ـ اللهمَّ ـ للإسلام صغيراً  ، وحمدت مناقبه كبيراً  ، ولم يزل ناصحاً لك ولرسولك ( صلى الله عليه وآله ) حتى قبضته إليك زاهداً في الدنيا  ، غير حريص عليها  ، راغباً في الآخرة  ، مجاهداً لك في سبيلك  ، رضيته فاخترته فهديته إلى صراط مستقيم.
    أمّا بعد يا أهل الكوفة  ، يا أهل المكر والغدر والخيلاء  ، فإنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا  ، فجعل بلاءنا حسناً  ، وجعل علمه عندنا  ، وفهمه لدينا  ، فنحن عيبة علمه  ، ووعاء فهمه وحكمته  ، وحجّته على الأرض في بلاده لعباده  ، أكرمنا الله بكرامته  ، وفضَّلنا بنبيِّه محمّد ( صلى الله عليه وآله ) على كثير ممن خلق تفضيلا بيّناً  ، فكذَّبتمونا وكفَّرتمونا  ، ورأيتم قتالنا حلالا  ، وأموالنا نهباً  ، كأننا أولاد ترك وكابل  ، كما قتلتم جدَّنا بالإمس  ، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدِّم  ، قرَّت لذلك عيونكم  ، وفرحت قلوبكم  ، افتراءً على الله منكم  ، ومكراً مكرتم  ، والله خير الماكرين  ، فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا  ، ونالت أيديكم من أموالنا  ، فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة في كتاب من قبل أن نبرأها  ، إن ذلك على الله يسير  ، كيلا تأسوا على مافاتكم  ، ولا تفرحوا بما آتاكم  ، والله لا يحبُّ كلَّ مختال فخور.
    تبّاً لكم  ، فانتظروا اللعنة والعذاب  ، فكأنْ قد حلَّ بكم  ، وتواترت من السماء نقمات  ، فَيُسحِتكم بعذاب  ، ويذيق بعضكم بأس بعض  ، ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا  ، ألا لعنة الله على الظالمين.
    ويلكم  ، أتدرون أيَّة يد طاعنتنا منكم ؟ وأيّة نفس نزعت إلى قتالنا ؟ أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا ؟ والله قست قلوبكم  ، وغلظت أكبادكم  ، وطبع على أفئدتكم  ، وخُتم على سمعكم وبصركم  ، وسوَّل لكم الشيطان وأملى لكم  ،


(455)
وجعل على بصركم غشاوة  ، فأنتم لا تهتدون  ، فتباً لكم يا أهل الكوفة  ، أيَّ تراث لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبلكم ودخول له لديكم ؟ بما غدرتم بأخيه عليّ بن أبي طالب جدي  ، وببنيه وعترته الطيّبين الأخيار ( عليهم السلام ) ، فافتخر بذلك مفتخر فقال :
نحن قتلنا عليّاً وبني علي وسبينا نساءَهم سَبْيَ تُرْك بسيوف هِنْدية وَرِمَاحِ ونطحناهُمُ فأيُّ نِطَاحِ
    بفيك ـ أيها القائل ـ الكثكث والأثلب  ، افتخرت بقتل قوم زكَّاهم الله  ، وطهَّرهم الله  ، وأذهب عنهم الرجس  ، فاكظم وأقعِ ـ كما أقعى أبوك  ، فإنما لكل امريء ما كسب وما قدَّمت يداه  ، أحسدتمونا ـ ويلكم ـ على ما فضَّلنا الله.
فَمَا ذَنْبُنَا إِنْ جَاشَ دهراً بُحُورُنا وَبَحْرُكَ ساج ما يواري الدعا مصّا
    ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء  ، والله ذو الفضل العظيم  ، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.
    قال : فارتفعت الأصوات بالبكاء والنحيب  ، وقالوا : حسبك يا ابنة الطيبين  ، فقد أحرقت قلوبنا  ، وأضرمت أجوافنا  ، فسكتت.
    قال : وخطبت أم كلثوم بنت علي ( عليه السلام ) في ذلك اليوم من وراء كلتها  ، رافعة صوتها بالبكاء  ، فقالت : يا أهل الكوفة  ، سوأة لكم  ، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه  ، وانتهبتم أمواله وورثتموه  ، وسبيتم نساءه ونكبتموه ؟ فتّباً لكم وسحقاً  ، ويلكم  ، أتدرون أيُّ دواه دهتكم ؟ وأيَّ وزر على ظهوركم حملتم  ؟ وأيَّ دماء سفكتموها  ؟ وأيَّ كريمة أصبتموها  ؟ وأيَّ صبية سلبتموها ؟ وأيَّ أموال انتهبتموها ؟ قتلتم خير رجالات بعد النبي ( صلى الله عليه وآله )   ، ونُزعت الرحمة من قلوبكم  ، ألا إن حزب الله هم الفائزون  ، وحزب الشيطان هم الخاسرون  ، ثم قالت :
قتلتم أخي صبراً فويلٌ لأُمِّكُمْ سفكتم دِمَاءً حَرَّمَ اللهُ سَفْكَها سَتُجْزَون ناراً حَرُّها يتوقَّدُ وحرَّمها القرآنُ ثُمَّ محمَّدُ


(456)
ألا فابشروا بالنارِ إنَّكُمُ غداً وإنّي لأبكي في حياتي على أخي بدمع غزير مُسْتَهِلٍّ مُكَفْكَف لفي سَقَر حقاً يقيناً تُخَلَّدوا على خَيْرِ مَنْ بَعْدَ النبيِّ سيولَدُ على الخدِّ منّي دائماً ليس يَجْمُدُ
    قال الراوي : فضجَّ الناس بالبكاء والنوح  ، ونشر النساء شعورهن  ، ووضعن التراب على رؤوسهن  ، وخمشن وجوههن  ، وضربن خدودهن  ، ودعون بالويل والثبور  ، وبكى الرجال  ، فلم يُر باكية وباك أكثر من ذلك اليوم.
    ثم إن زين العابدين ( عليه السلام ) أومأ إلى الناس أن اسكتوا فسكتوا  ، فقام قائماً فحمد الله وأثنى عليه  ، وذكر النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ثمَّ صلَّى عليه  ، ثمَّ قال : أيها الناس  ، من عرفني فقد عرفني  ، ومن لم يعرفني فأنا أعرِّفه بنفسي  ، أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، أنا ابن من انتهكت حرمته  ، وسلبت نعمته  ، وانتهب ماله  ، وسبي عياله  ، أنا ابن المذبوح بشطّ الفرات  ، من غير ذحل ولا ترات  ، أنا ابن من قُتل صبراً  ، وكفي بذلك فخراً.
    أيها الناس  ، فأنشدكم الله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه  ، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه ؟ فتبّاً لما قدَّمتم لأنفسكم  ، وسوأة لرأيكم  ، بأيَّة عين تنظرون إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ يقول لكم : قتلتم عترتي  ، وانتهكتم حرمتي  ، فلستم من أمتي ؟
    قال الراوي : فارتفعت الأصوات من كل ناحية ويقول بعضهم لبعض : هلكتم وما تعلمون  ، فقال ( عليه السلام ) : رحم الله امرءاً قبل نصيحتي  ، وحفظ وصيّتي في الله وفي رسوله وأهل بيته  ، فإن لنا في رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أسوة حسنة  ، فقالوا بأجمعهم : نحن كلّنا ـ يا ابن رسول الله ـ سامعون مطيعون  ، حافظون لذمامك  ، غير زاهدين فيك وراغبين عنك  ، فمرنا بأمرك يرحمك الله  ، فإنّا حرب لحربك  ، وسلم لسلمك  ، لنأخذنَّ يزيد لعنه الله  ، ونبرأ ممن ظلمك  ، فقال ( عليه السلام ) : هيهات هيهات أيها الغدرة


(457)
المكرة  ، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم  ، أتريدون أن تأتوا إليَّ كما أتيتم آبائي من قبل ؟ كلا وربِّ الراقصات  ، فإن الجرح لمَّا يندمل  ، قُتل أبي صلوات الله عليه بالأمس وأهل بيته معه  ، ولم ينسني ثكل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وثكل أبي وبني أبي  ، ووجده بين لهاتي  ، ومرارته بين حناجري وحلقي  ، وغصصه تجري في فراش صدري  ، ومسألتي أن تكونوا لا لنا ولا علينا  ، ثمَّ قال :
لاغَرْوَ إِنْ قُتِلَ الحسينُ فشيخُهُ فَلا تَفْرحُوا يا أهلَ كوفانَ بالذي قتيلٌ بِشَطِّ النَّهْرِ روحي فداؤُه قد كان خيراً من حسين وأكرما أصيب حسينٌ كان ذلك أعظما جَزَاءُ الذي أرداه نارُ جهنما
    ثمَّ قال : رضينا منكم رأساً برأس  ، فلا يوم لنا ولا يوم علينا.
    قال الراوي : ثم إن ابن زياد جلس في القصر للناس  ، وأذن إذناً عاماً  ، وجيء برأس الحسين ( عليه السلام ) فوضع بين يديه  ، وأدخل نساء الحسين ( عليه السلام ) وصبيانه إليه  ، فجلست زينب بنت علي ( عليه السلام ) متنكِّرة  ، فسأل عنها فقيل : زينب بنت علي ( عليه السلام )   ، فأقبل إليها فقال : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم  ، فقالت : إنما يفتضح الفاسق  ، ويكذب الفاجر  ، وهو غيرنا  ، فقال ابن زياد : كيف رأيت صنع الله بأخيك وأهل بيتك  ، فقالت : ما رأيت إلاّ جميلا  ، هؤلاء قوم كتب عليهم القتال فبرزوا إلى مضاجعهم  ، وسيجمع الله بينك وبينهم  ، فتحاجّ وتخاصم  ، فانظر لمن يكون الفلج يومئذ  ، هبلتك أمّك يا بن مرجانة.
    قال الراوي : فغضب ابن زياد وكأنه همَّ بها  ، فقال له عمرو بن حريث : إنّها امرأة  ، والمرأة لا تؤخذ بشيء من منطقها  ، فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك  ، فقالت : لعمري  ، لقد قتلت كهلي  ، وقطعت فرعي  ، واجتثثت أصلي  ، فإن كان هذا شفاك فقد اشتفيت  ، فقال ابن زياد : هذه سجاعة  ، ولعمري لقد كان أبوك شاعراً وسجّاعاً  ، فقالت : يا بن زياد  ، ما


(458)
للمرأة والسجاعة ؟
    ثم التفت ابن زياد إلى علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : من هذا ؟ فقيل : علي بن الحسين  ، فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟ فقال علي ( عليه السلام ) : قد كان لي أخ يقال له : علي بن الحسين قتله الناس  ، فقال : بل الله قتله.
    فقال علي ( عليه السلام ) : الله يتوفَّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها  ، فقال ابن زياد : ألك جرأة على جوابي ؟! اذهبوا به فاضربوا عنقه  ، فسمعت به عمّته زينب فقالت : يا بن زياد  ، إنك لم تبق منا أحداً  ، فإن كنت عزمت على قتله فاقتلني معه  ، فقال علي ( عليه السلام ) لعمّته : اسكتي يا عمَّة حتى أكلِّمه  ، ثم أقبل فقال : أبالقتل تهدِّدني يا ابن زياد ؟ أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة ؟
    ثم أمر ابن زياد بعلي بن الحسين ( عليه السلام ) وأهله فحملوا إلى دار جنب المسجد الأعظم  ، فقالت زينب بنت علي ( عليه السلام ) : لا تدخلن علينا عربية إلاّ أم ولد أو مملوكة  ، فإنهن سبين كما سبينا. ثمَّ أمر ابن زياد برأس الحسين ( عليه السلام ) فطيف به في سكك الكوفة. ولله درّ الشاعر إذ يقول :
رأسُ ابنِ بنتِ محمَّد ووصيِّه والمسلمون بمَنْظَر وبِمَسْمَع كُحِلَتْ بمَنْظَرِكَ الْعُيُونُ عَمَايَةً أيقظتَ أجفاناً وكنتَ لَهَا كَرَىً مَا رَوْضَةٌ إلاَّ تَمَنَّتْ أنَّها للناظرينَ على قَنَاة يُرْفَعُ لاَ مُنْكِرٌ مِنْهُمْ وَلاَ مُتَفَجِّعُ وَأَصَمَّ رُزْؤُكَ كُلَّ أُذْن تَسْمَعُ وأنمتَ عيناً لم تكُنْ بكَ تَهْجَعُ لَكَ حُفْرَةٌ وَلِخَطِّ قَبْرِكَ مَضْجَعُ (1)
    وقال آخر :
فقل لسرايا شيبة الحمد مالكم وأعظم ما يشجي الغيور دخولها قعدتم وقد ساروا بنسوتكم حسرى إلى مجلس ما بارح اللهو والخمرا

1 ـ اللهوف في قتلى الطفوف  ، السيد ابن طاووس الحسني : 86 ـ 95.

(459)
أُقيمت لديه آه واذلة الهدى وكلٌ عن النظار تنضم بالأخرى

    جاء في كتاب وفاة السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام ) للحجة الشيخ فرج آل عمران عليه الرحمة وهو مقتطف من كتاب السيدة زينب ( عليها السلام ) للشيخ جعفر النقدي عليه الرحمة  ، قال : ونشأت ( عليها السلام ) نشأة حسنة  ، كاملة فاضلة عالمة  ، من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء  ، وكانت على جانب عظيم من الحلم ومكارم الأخلاق  ، ذات فصاحة وبلاغة  ، تفيض من يدها عيون الجود والكرم  ، وكفاها فخراً أنها فرعٌ من شجرة أهل بيت النبوّة الذين مدحهم الله تعالى في كتابه العزيز.
    وعن النيسابوري في رسالته العلوية : كانت زينب بنت علي ( عليها السلام ) في فصاحتها وبلاغتها وزهدها وعبادتها كأبيها المرتضى ( عليه السلام )   ، وأمها الزهراء ( عليها السلام )   ، ولله درّ الشيخ النقدي حيث يقول :
حَكَتْ خَيْرَ الأَنَامِ عُلا وفخراً وَفَاطِمَ عِفَّةً وَتُقَىً وَمَجْداً ربيبةُ عِصْمَة طَهُرَتْ وَطَابَتْ فكانت كالأئمَّةِ في هُدَاها وكانت في المصلَّى إِذْ تُنَاجي رَوَتْ عن أُمِّها الزهرا عُلُوماً فلولا أُمُّها الزهراءُ سَادَتْ وَحَيْدَرَ في الفصيحِ مِنَ المَقَالِ وأخلاقاً وفي كَرَمِ الْخِلاَلِ وَفَاقَتْ في الصفاتِ وفي الفِعَآلِ وإنقاذِ الأَنَامِ من الضَّلاَلِ وتدعو اللهَ بالدَّمْعِ المُذَالِ بها وَصَلَتْ إلى حَدِّ الكَمَالِ نِسَاءَ العالمينَ بلا جِدَالِ
    وأما علمها ( عليها السلام ) فهو البحر لا يُنزف  ، فإنها سلام الله عليها هي المترباة في


(460)
مدينة العلم النبويّ  ، المعتكفة بعده ببابها العلوي  ، المتغداة بلبانه من أمِّها الصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها  ، وقد طوت عمراً من الدهر مع الإمامين السبطين يزقّانها العلم زقّاً  ، فهي اغترفت من عُباب علم آل محمد  ، وعُباب فضائلهم الذي اعترف به عدوّهم الألدّ يزيد الطاغية  ، بقوله في الإمام السجاد ( عليه السلام ) : إنه من أهل بيت زقّوا العلم زقّاً  ، وقد نصَّ لها بهذه الكلمة ابن أخيها علي بن الحسين ( عليه السلام ) : أنت بحمد الله عالمة غير معلَّمة  ، وفهمة غير مفهَّمة  ، يريد ( عليه السلام ) أن مادة علمها من سنخ ما مُنح به رجالات بيتها الرفيع  ، أفيض عليها إلهاماً  ، وفي الحديث : ما أخلص عبدٌ لله تعالى أربعين صباحاً إلاّ جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه  ، ولا شك أن زينب الطاهرة قد أخلصت لله كل عمرها  ، فماذا تحسب أن يكون المنفجر من قلبها على لسانها من ينابيع الحكمة ؟
    ويظهر من الفاضل الدربندي وغيره أنها ( عليها السلام ) كانت تعلم علم المنايا والبلايا  ، كجملة من أصحاب أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، منهم ميثم التمار ورشيد الهجري وغيرهما.
    وفي ( الطراز المذهَّب ) أن شؤونات زينب الباطنيّة ومقاماتها المعنويّة كما قيل فيها إن فضائلها وفواضلها وخصالها وبهاءها تالية أُمّها وثانيتها  ، وقال ابن عنبة في ( أنساب الطالبيين ) : زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، كنيتها أم الحسن  ، تروي عن أمّها فاطمة الزهراء بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ).
    وقال العلاّمة الفاضل السيد نور الدين الجزائري في كتابه الفارسي المسمَّى بالخصائص الزينبية ما ترجمته عن بعض الكتب : إن زينب كان لها مجلس في بيتها أيام إقامة أبيها ( عليه السلام ) في الكوفة  ، وكانت تفسِّر القرآن للنساء.
    وفي كتاب بلاغات النساء لأبي الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور قال : حدَّثني أحمد بن جعفر بن سليمان الهاشمي  ، قال : كانت زينب بنت علي ( عليه السلام ) تقول :

(461)
من أراد أن لا يكون الخلق شفعاءه إلى الله فليحمده  ، ألم تسمع إلى قولهم ؟ سمع الله لمن حمده : فَخَلفِ الله لقدرته عليك  ، واستحِ منه لقربه منك.
    وقال الشيخ الطبرسي عليه الرحمة : إن زينب ( عليها السلام ) روت أخباراً كثيرة عن أمّها الزهراء ( عليها السلام ) وعن عماد المحدِّثين أن زينب الكبرى كانت تروي عن أمّها وأبيها وأخويها  ، وممن روى عنها ابن عباس وعلي بن الحسين ( عليه السلام ) وعبدالله بن جعفر وفاطمة بنت الحسين ( عليه السلام ) الصغرى وغيرهم.
    وفي مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الإصبهاني : زينب العقيلة بنت علي بن أبي طالب ( عليه السلام )   ، وأمّها فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة ( عليها السلام ) في فدك  ، فقال : حدَّثتني عقيلتنا زينب بنت علي ( عليها السلام ).
    وقال الفاضل العلاّمة الأجلّ المولى محمد حسن القزويني في كتابه المسمَّى برياض الأحزان وحدائق الأشجان : يُستفاد من آثار أهل البيت جلالة شأن زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ووقارها وقرارها بما لا مزيد عليه  ، حتى أوصى إليها أخوها ما أوصى قبل شهادته  ، وإنها من كمال معرفتها ووفور علمها وحُسن أعراقها وطيب أخلاقها كانت تشبه أمَّها سيِّدة النساء فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) في جميع ذلك والخفارة والحياء  ، وأباها ( عليه السلام ) في قوّة القلب في الشدّة  ، والثبات عند النائبات  ، والصبر على الملمَّات  ، والشجاعة  ، الموروثة من صفاتها  ، والمهابة المأثورة من سماتها.
    وعن الصدوق محمد بن بابويه طاب ثراه : كانت زينب ( عليها السلام ) لها نيابة خاصّة عن الحسين ( عليه السلام )   ، وكان الناس يرجعون إليها في الحلال والحرام حتى برىء زين العابدين ( عليه السلام ) من مرضه.
    وأما زهدها ( عليها السلام ) فيكفي في إثباته ما روي عن الإمام السجاد من أنها ( عليها السلام ) ما ادّخرت شيئاً من يومها لغدها أبداً  ، وفي كتاب ( جنات الخلود ) ما معناه : وكانت


(462)
زينب الكبرى في البلاغة  ، والزهد  ، والتدبير  ، والشجاعة  ، قرينة أبيها وأمّها  ، فإن انتظام أمور أهل البيت ( عليهم السلام ) بل الهاشميين بعد شهادة الحسين ( عليه السلام ) كان برأيها وتدبيرها.
    وأمّا عبادتها ( عليها السلام ) : فهي تالية أمِّها الزهراء ( عليها السلام )   ، وكانت تقضي عامّة لياليها بالتهجُّد وتلاوة القرآن  ، ففي مثير الأحزان للعلامة الشيخ شريف الجواهري ( قدس سره ) : قالت فاطمة بنت الحسين ( عليها السلام ) : وأمَّا عمَّتي زينب فإنّها لم تزل قائمة في تلك الليلة ـ أي العاشرة من المحرَّم ـ في محرابها  ، تستغيث إلى ربِّها  ، فما هدأت لنا عين ولا سكنت لنا رنّة.
    وعن الفاضل النائيني البروجردي : أن الحسين ( عليه السلام ) لمَّا ودَّع أخته زينب وداعه الأخير قال لها : يا أختاه  ، لا تنسيني في نافلة الليل  ، وقال بعض ذوي الفضل : إنها ( عليها السلام ) ما تركت تهجّدها لله تعالى طول دهرها حتى ليلة الحادي عشر من المحرَّم.
    وروي عن زين العابدين ( عليه السلام ) أنه قال : رأيتها تلك الليلة تصلّي من جلوس  ، وروى بعض المتقدِّمين عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) أنه قال : إن عمتي زينب كانت تؤدّي صلواتها من الفرائض والنوافل عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام من قيام  ، وفي بعض المنازل كانت تصلّي من جلوس  ، فسألتها عن سبب ذلك فقالت : أصلّي من جلوس لشدّة الجوع والضعف منذ ثلاث ليال  ، لأنها كانت تقسم ما يصيبها من الطعام على الأطفال  ، لأن القوم كانوا يدفعون لكل واحد منّا رغيفاً واحداً من الخبز في اليوم والليلة.
    وعن الفاضل النائيني البروجردي  ، عن بعض المقاتل المعتبرة  ، عن مولانا السجاد ( عليه السلام ) أنه قال : إن عمّتي زينب مع تلك المصائب والمحن النازلة بها في طريقنا


(463)
إلى الشام ما تركت تهجّدها ليلة (1).
    ولله درّ الشيخ عبدالحسين شكر إذ يقول :
وَنِسَاءٌ عَوَّدْتموها المَقَاصِيرَ هذه زينبٌ وَمِنْ قَبْلُ كانت والتي لم تَزَلْ على بَابِهَا الشا أَمْسَت اليومَ واليتامى عليها رَكِبْنَ النِّيَاقَ وهي هِزَالُ بفِنَا دَارِها تَحُطُّ الرِّحَالُ هِقِ تُلْقِي عِصِيَّها السُّؤَّالُ يالَقومي تَصَّدَّقُ الأنذالُ (2)
    وقال آخر :
وَنَادَتْ عَلَى الأَقْتَابِ مِنْ عُظْمِ وَجْدِها أَتَرْضَى وَهَلْ يَرْضى الْغَيُورُ نِسَاؤُهُ أَبَا حَسَن يَا خَيْرَ مَنْ ضمَّه القبرُ سَبَايا إلى الشَّامَاتِ يَسْتَاقُها شِمْرُ (3)
    وقال آخر على لسانها ( عليها السلام ) :
لا والدٌ لي ولا عمٌ ألوذ به أخي ذبيح ورحلي قد أبيح وبي ولا أخٌ لي بقي أرجوه ذو رحمي ضاق الفسيح وأطفالي بغير حمي

    فعلى الأطائب من أهل بيت محمَّد وعلي صلَّى الله عليهما وآلهما  ، فليبك الباكون  ، وإياهم فليندب النادبون  ، ولمثلهم فلتذرف الدموع  ، وليصرخ
1 ـ وفاة السيدة زينب الكبرى ( عليها السلام )   ، للحجّة الشيخ فرج العمران عليه الرحمة  ، ضمن مجموعة وفيات الأئمة ( عليهم السلام ) : 437 ـ 442.
2 ـ رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 324.
3 ـ رياضح المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 13.


(464)
الصارخون  ، ويضجَّ الضاجون  ، ويعجَّ العاجون  ، أين الحسن وأين الحسين  ، أين أبناء الحسين  ، صالح بعد صالح  ، وصادق بعد صادق  ، أين السبيل بعد السبيل  ، أين الخيرة بعد الخيرة  ، أين الشموس الطالعة  ، أين الأقمار المنيرة  ، أين الأنجم الزاهرة  ، أين أعلام الدين وقواعد العلم (1).
    قال إسماعيل بن سهل : حدَّثني بعض أصحابنا ـ وسألني أن أكتم اسمه ـ قال : كنت عند الرضا ( عليه السلام ) فدخل عليه علي بن أبي حمزة  ، وابن السراج  ، وابن المكاري  ، فقال له ابن أبي حمزة : ما فعل أبوك ؟ قال : مضى  ، قال : مضى موتاً ؟ قال : نعم  ، قال : إلى من عهد ؟ فقال : إليَّ  ، قال : فأنت إمام مفترض الطاعة من الله ؟ قال : نعم  ، قال ابن السراج وابن المكاري : قد والله أمكنك من نفسه  ، قال : ويلك  ، وبم أمكنت ؟ أتريد أن آتي بغداد وأقول لهارون : أنا إمام مفترض الطاعة ؟ والله ما ذلك عليَّ  ، وإنما قلت ذلك لكم عندما بلغني من اختلاف كلمتكم  ، وتشتّت أمركم  ، لئلا يصير سرّكم في يد عدوّكم  ، قال له ابن أبي حمزة : لقد أظهرت شيئاً ما كان يظهره أحد من آبائك ولا يتكلَّم به  ، قال : بلى  ، لقد تكلَّم خير آبائي رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، لمَّا أمره الله تعالى أن ينذر عشيرته الأقربين جمع من أهل بيته أربعين رجلا  ، وقال لهم : أنا رسول الله إليكم  ، فكان أشدَّهم تكذيباً له وتأليباً عليه عمّه أبو لهب  ، فقال لهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إن خدشني خدش فلست بنبيٍّ  ، فهذا أول ما أبدع لكم من آية النبوة  ، وأنا أقول : إن خدشني هارون خدشاً فلست بإمام  ، فهذا أول ما أبدع لكم من آية الإمامة  ، فقال له علي : إنا روينا عن آبائك أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله  ، فقال له أبو الحسن ( عليه السلام ) : فأخبرني عن الحسين بن علي ( عليهما السلام )   ، كان إماماً أو كان غير إمام ؟ قال : كان إماماً  ، قال : فمن ولي أمره ؟ قال : علي بن الحسين  ، قال ( عليه السلام ) : وأين كان علي بن الحسين ( عليه السلام ) ؟ قال : كان محبوساً في يد عبيد الله بن زياد في الكوفة  ،
1 ـ المزار  ، محمد بن المشهدي : 578.

(465)
قال : خرج وهم كانوا لا يعلمون حتى ولي أمر أبيه ثمَّ انصرف  ، فقال له أبو الحسن ( عليه السلام ) : إن هذا الذي أمكن علي بن الحسين ( عليه السلام ) أن يأتي كربلاء فيلي أمر أبيه فهو أمكن صاحب هذا الأمر أن يأتي بغداد فيلي أمر أبيه ثمَّ ينصرف  ، وليس في حبس ولا في إسار  ، قال له علي : إنا روينا أن الإمام لا يمضي حتى يرى عقبه  ، قال : فقال أبو الحسن ( عليه السلام ) : أما رويتم في هذا الحديث غير هذا ؟ قال : لا  ، قال : بلى والله  ، لقد رويتم إلاَّ القائم  ، وأنتم لا تدرون ما معناه ولم قيل  ، قال له علي : بلى والله  ، إن هذا لفي الحديث  ، قال له أبو الحسن ( عليه السلام ) : ويلك  ، كيف اجترأت على شيء تدع بعضه ؟ ثمَّ قال : يا شيخ  ، اتق الله ولا تكن من الصادّين عن دين الله تعالى (1).
    روى ابن نما الحلي عليه الرحمة في مثير الأحزان  ، عن ابن عائشة قال : مرَّ سليمان بن قتيبة العدوي ومولى بني تميم بكربلاء بعد قتل الحسين ( عليه السلام ) بثلاث  ، فنظر إلى مصارعهم فاتَّكأ على فرس له عربية وأنشأ :
مَرَرْتُ على أبياتِ آلِ محمَّد أَلَمْ تَرَ أَنَّ الشَّمْسَ أضحت مريضةً وكانوا رجاءاً ثمَّ أَضْحَوا رَزِيَّةً وتسألُنا قَيْسٌ فَنُعْطِي فَقِيرَها وعندَ غَنِيٍّ قَطْرَةٌ من دِمَائِنا فَلاَ يُبْعِدُ اللهُ الديارَ وأهلَها فإِنَّ قتيلَ الطفِّ من آلِ هاشم وقد أَعْوَلَتْ تبكي السَّماءُ لِفَقْدِهِ فَلَمْ أَرَها أَمْثَالَها يومَ حَلَّتِ لِفَقْدِ حسين والبلادَ اقشعرَّتِ لَقَدْ عَظُمَتْ تلك الرزايا وجَلَّتِ وَتَقْتُلُنا قيسٌ إذَا النَّعْلُ زَلَّتِ سَنَطْلُبُهم يوماً بها حيثُ حَلَّتِ وَإِنْ أصبحت منهم برَغْم تَخَلَّتِ أذلَّ رِقَابَ المسلمينَ فَذَلَّتِ وأنجمُنا ناحت عليه وصلَّتِ (2)
    جاء في مقتل الحسين ( عليه السلام ) للسيِّد عبد الرزّاق المقرَّم عليه الرحمة : ولما أقبل
1 ـ معجم رجال الحديث  ، السيد الخوئي : 12/240 ـ 241.
2 ـ مثير الأحزان  ، ابن نما الحلي : 88 ـ 89.
المجالس العاشورية في المآتم الحسينية ::: فهرس