الوهابية في صورتها الحقيقية

الوهابية
في صورتها الحقيقية
تأليف
الأستاذ صائب عبد الحميد


1 ـ الوهابية ومؤسسها
     تنسب الفرقة الوهابية الى محمد بن عبد الوهاب بن سليمان النجدي ، المولود سنة 1111 هـ ، والمتوفى سنة 1206 هـ.
     وكان هذا قد أخذ شيئا من العلوم الدينية ، كما كان مولعا بمطالعة اخبار مدعى النبوة كمسيلمة الكذاب وسجاح والاسود العنسي وطليحة الاسدي ، فظهر منه ايام دراسته زيغ وانحراف كبير ، مما دعا والده وسائر مشايخه الى تحذير الناس منه ، فقالوا فيه : سيضل هذا ، ويضل اللّه به من ابعده واشقاه !
     وفي سنة 1143 هـ أظهر محمد بن عبد الوهاب الدعوة الى مذهبه الجديد ، ولكن وقف بوجهه والده ومشايخه ، فابطلوا اقواله ، فلم تلق رواجا حتى توفى والده سنة 1153 هـ فجدد دعوته بين البسطاء والعوام فتابعه حثالة من الناس ، فثار عليه اهل بلده وهموا بقتله ، ففر الى ( العيينه ) وهناك تقرب الى امير العيينه وتزوج اخت الامير ، ومكث عنده يدعو الى نفسه والى بدعته ، فضاق اهل العيينه منه ذرعا فطردوه من بلدتهم ، فخرج الى ( الدرعيه ) شرقي نجد ، وهذه البلاد كانت من قبل بلاد مسيلمة الكذاب التي انطلقت منها احزاب الردة. فراجت افكار محمد بن عبد الوهاب في هذه البلاد واتبعه اميرها محمد بن سعود ، وعامة اهلها.
     وكان في ذلك كله يتصرف وكأنه صاحب الاجتهاد المطلق ، فهو لا يعبأ بقول احد من ائمة الاجتهاد لا من السلف ولا من المعاصرين له ، هذا ولم يكن هو على الحقيقة ممن يمت الى الاجتهاد بصلة !!
     هكذا وصفه اخوه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب ، وهو اعرف الناس به ، وقد الف كتابا فى ابطال دعوة اخيه واثبات زيفها ، ومما جاء فيه عبارة موجزة وجامعه فى التعريف بالوهابيه ومؤسسها ، قال فيها : ( اليوم ابتلى الناس بمن ينتسب الى الكتاب والسنة ويستنبط من علومهما ولا يبالي من خالفه ، ومن خالفه فهو عنده كافر ، هذا وهو لم يكن فيه خصلة واحدة من خصال اهل الاجتهاد ، ولا واللّه ولا عشر واحدة ، ومع هذا راج كلامه على كثير من الجهال ، فانا للّه وانا اليه راجعون ).

2 ـ اصول الفكر الوهابي
     للفرقة الوهابية اصل معلن واصل خفي..
     اما الاصل المعلن ، فهو : اخلاص التوحيد للّه ، ومحاربه الشرك والاوثان. ولكن ليس لهذا الاصل ما يصدقه من واقع الحركة الوهابية كما سترى.
     واما الاصل الخفي ، فهو : تمزيق المسلمين واثارة الفتن والحروب فيما بينهم خدمة للمستعمر الغربى. وهذا هو المحور الذي دارت حوله جهود الوهابية منذ نشأتها وحتى اليوم.. فهو الاصل الحقيقي الذي سخر له الاصل المعلن من اجل اغواء البسطاء وعوام الناس.
     فلا شك ان شعار ( اخلاص التوحيد ومحاربة الشرك ) شعار جذاب سيندفع تحته اتباعهم بكل حماس ، وهم لا يشعرون انه ذريعة لتحقيق الاصل الخفي.
     ولقد اثبت المحققون في تاريخ الوهابية ان هذه الدعوة قد انشئت في الاصل بأمر مباشر من وزارة المستعمرات البريطانية. انظر مثلا : ( اعمدة الاستعمار ) لخيري حماد ، و ( تاريخ نجد ) لسنت جون فيلبي او عبداللّه فيلبي ، و ( مذكرات حاييم وايزمن ) اول رئيس وزراء للكيان الصهيوني ، و ( مذكرات مستر همفر ) ، و ( الوهابية نقد وتحليل ) للدكتور همايون همتي.

3 ـ مصادر الفكر الوهابي
     قسمت الوهابية العقائد الى قسمين :
     الاول : ما ورد فيه نص في الكتاب او السنة .. فزعموا ان هذا يأخذونه من الكتاب والسنة مباشرة ، دون الرجوع الى اجتهاد المجتهدين في معناه ، سواء كانوا من الصحابة او التابعين او غيرهم من ائمة الاجتهاد.
     والقسم الثاني : ما لم يرد فيه نص .. وزعموا انهم يرجعون فيه الى فقه الامام احمد بن حنبل وابن تيمية.
     لكنهم اخفقوا في الامرين معا ، ووقعوا في التناقض وارتكبوا المحذور ، فمن ذلك :
     ا ـ انهم جمدوا على معان فهمومها من ظواهر بعض النصوص ، فخالفوا الاصول والاجماع. ومن هنا وصفهم الشيخ محمد عبده بأنهم : ( اضيق عطنا واحرج صدرا من المقلدين ، فهم يرون وجوب الأخذ بما يفهم من اللفظ الوارد والتقيد به بدون إلتفات الى ما تقتضيه الاصول التي قام عليها الدين ).
     ب ـ خالفوا الامام احمد صراحة في تكفيرهم من خالفهم من المسلمين ، في حين لم يجدوا في فتاوى الامام احمد ما يشهد لعقيدتهم هذه ، بل على العكس ، كانت سيرته وفتاواه كلها بخلاف ذلك ، فهو لا يكفر احدا من اهل القبلة بذنب كبيرا كان او صغيرا ، الا بترك الصلاة.
     وايضا : لم يجدوا عند ابن تيميه ما يشهد لعقيدتهم هذه ، بل الذى ورد عن ابن تيميه هو العكس من ذلك تماما ..
     قال ابن تيمية : ان من والى موافقيه وعادى مخالفيه ، وفرق جماعة المسلمين ، وكفر وفسق مخالفيه في مسائل الاراء والاجتهادات ، واستحل قتالهم ، فهو من اهل التفرق والاختلاف.
     فالوهابية اذن وفقا لعقيدة ابن تيمية هم من اهل التفرق والاختلاف !!
     ج ـ ان عقيدة الوهابية في زيارة المشاهد تقضي بان الامام احمد نفسه ومن وافقه من السلف هم من المشركين الذين تجب البراءة منهم ويجب هدر دمائهم واموالهم..
     فقد نقل ابن تيمية ان الامام احمد قد كتب جزءا في زيارة مشهد الامام الحسين (ع) في كربلاء ، وما ينبغي ان يفعله الزائر هناك ، وقال ابن تيمية : ان الناس في زمن الامام احمد كانوا ينتابونه ، اي يقصدون زيارته.
     اما في عقيدة الوهابية فإن شد الرحال الى المشاهد وقصد زيارتها من الشرك الذي تهدر معه الدماء والاموال..
     وبهذا فقد حكموا بالشرك وهدر الدماء والاموال على الامام احمد ومن عاصره ومن كان قبلهم من السلف الذين كانوا يفعلون ذلك ويستحبونه.
     بل لازم قولهم : ان الامة منذ ذلك العصر كلهم مشركون وكفار !! وهذا يتعدى حتى الى الصحابة ايضا.
     فبأي شيء اذن ينسبون انفسهم الى الامام احمد والى السلف ؟!
     د ـ مثل ذلك يقال ايضا عن عقيدتهم بالاستشفاع بالنبي (ص) ، فعندهم ان من طلب الشفاعة من النبي (ص) بعد موته فقد اشرك الشرك الاكبر ، وقد جعل النبي عندئذ وثنا يعبده من دون اللّه ، وعلى هذا اوجبوا هدر دمه وماله.
     بينما ثبت في الصحيح ان كثيرا من اجلاء الصحابة والتابعين كانوا يفعلون ذلك ويستجاب لهم عاجلا ، وقد صحح ذلك ابن تيمية ايضا في كتابه ( الزيارة 7 : 101 ـ 106 ) من طرق عديدة نقلها بطولها عن البيهقي والطبراني وابن ابي الدنيا واحمد بن حنبل وابن السني ، رغم انه اصر على خلافها اصرارا على الرأى رغم اعترافه بوجود البرهان على خلافه ، الا ان ابن تيمية لا يرى ذلك من الشرك الاكبر كما فعلت الوهابية.
     فيكون اولئك الصحابة والتابعون ـ وفقا لعقيدة الوهابية ـ من المشركين الذين يجب قتلهم !!
     وليس هولاء وحدهم مشركين في عقيدة الوهابية ، بل الاخرون ممن كان يبلغه فعلهم هذا في استشفاعهم بالنبي (ص) ولا ينكر عليهم ولا يكفرهم ، هولاء ايضا محكوم عليهم بهدر الدماء والاموال..
     فمن ابقوا يا ترى من هذه الامة على الاسلام ؟! ومن هو اذن سلفهم الذي يقتدون به ؟!

4 ـ عقيدتهم في الصحابة
     ا ـ ثبت في ما تقدم ان عقيدة الوهابية تقضى على جل الصحابه بالكفر والشرك.. هذا حكمهم على جل الصحابة الذين عاشوا بعد النبي (ص) واجازوا الاستشفاع به (ص) ، او اجازوا السفر لزيارة قبره الشريف ، او راوا من يجيز ذلك او سمعوا به فلم يحكموا عليه بالكفر والشرك ولا هدروا دمه ولا استباحوا امواله !!
     هذا هو لازم عقيدتهم ، وهذا هو حكمهم بالفعل. اما حين يروغون عنه بالقول في ما يزعمونه من تعظيم الصحابة ، فانما يريدون منه اغواء البسطاء وتضليل الناس ، كما يخشون ايضا عواقب تصريحهم بذلك.
     ب ـ لم تقف الوهابية عند هذا الحد ، بل تناولوا الصحابة الذين كانوا حول الرسول (ص) في حياته ايضا .. فقال محمد بن عبد الوهاب مؤسس الوهابية ما نصه : ان جماعة من الصحابة كانوا يجاهدون مع الرسول ويصلون معه ويزكون ويصومون ويحجون ، ومع ذلك فقد كانوا كفارا بعيدين عن الاسلام !!
     ج ـ مما يؤكد عقيدتهم هذه في الصحابة مبالغه كتابهم وعلمائهم في الدفاع عن يزيد بن معاوية والثناء عليه ، في حين لم يعرف التاريخ عدوا للصحابة كيزيد ، ولا عرف التاريخ احدا اباح دماء الصحابة واعراضهم كما فعل يزيد في وقعة الحرة بالمدينة المنورة حيث اباحها لجنده ثلاثة ايام يقتلون رجالها وكلهم من الصحابة وابناء الصحابة ، ويهتكون الاعراض وهي اعراض الصحابة فافتضوا العذارى من بنات الصحابة حتى انجبت منهن نحو الف عذراء لا يدرى من اولدهن !!
     وقبل ذلك كان فعله في كربلاء في قتل ثمانية عشر رجلا من اهل بيت الرسول (ص) ، فيهم سبطه وريحانته الحسين ، واولاده واولاد اخيه الحسن ، ومن معه من اخوته وابناءهم وحتى الرضع منهم.
     وبعد ذلك فعله في مكة المكرمة واحراق الكعبة.. ذلك هو يزيد الذي يثنون عليه.. ومن يدري لعلهم يثنون عليه لاجل اعماله تلك وفعله ذلك في الصحابة ونسائهم وذرياتهم ؟!
     واغرب من ذلك ان يزيد كان لا يقيم الصلاه ، وكان يشرب الخمره.. فهم بحكم انتسابهم الى فقه الامام احمد ينبغي ان يفتوا بكفره لأجل هذا وحده.. ولكنهم اثنوا عليه واعتذروا له..
     فلأي شيء اثنوا على يزيد مع علمهم بكل ما تقدم من فعله وخصاله ، بينما كفروا من استشفع بالرسول او قصد زيارته وان كان من كبار الصحابة والتابعين ومجتهديهم ؟
     هل لان يزيد افنى صحابة رسول اللّه (ص) وهتك اعراضهم واستباح اموالهم وذراريهم ؟!

5 ـ عقيدتهم في الصفات
     عقيدة الوهابية في الصفات هي من صنف عقائد المجسمة..
     فهم ينسبون الى اللّه تعالى الاعضاء على الحقيقة : كاليد ، والرجل ، والعين ، والوجه.. ثم يصفونه تعالى شأنه بالجلوس والحركة والانتقال والنزول والصعود ، على الحقيقة كما يفهم من ظاهر اللفظ.. تعالى اللّه عما يصفون.
     وهذه العقيدة قلدوا فيها ابن تيمية.. وهي في الاصل عقيدة الحشوية من اصحاب الحديث الذين لا معرفة لهم بالفقه والثابت من اصول الدين ، فيجرون وراء ما يفهمون من ظاهر اللفظ ، وقد أخذوا ذلك عن مجسمة اليهود.
     فجاءوا بكلام لم يستطيعوا ان ينقلوا منه حرفا واحدا عن واحد من الصحابة ولا واحد من الطبقة الاولى من التابعين ، ثم زعموا ان هذا هو اجماع السلف ، وزوروا ذلك بكلام طويل كله لف ودوران خال من اي برهان صادق.
     بل لم يجدوا الا كلمة واحدة اطلقها ابن تيمية جزافا ، وهي محض افتراء لا ينطلي الا على البسطاء الذين لا يتثبتون مما يسمعون ، وعلى المقلدين المتعصبين..
     يقول ابن تيمية في حجته الكبرى على مصدر هذه العقيدة ما نصه : ان جميع ما في القرآن من آيات الصفات فليس عن الصحابة اختلاف فى تأويلها ، وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة وما رووه من الحديث ، ووقفت على ما شاء اللّه من الكتب الكبار والصغار ، اكثر من مئة تفسير ، فلم اجد الى ساعتي هذه عن احد من الصحابة انه تأول شيئا من آيات الصفات او احاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف.
     وقال في نفس الموضع انه كان يكرر هذا الكلام في مجالسه كثيرا..
     لكنه كلام باطل يشهد على بطلانه كل ما ورد في تفسير آيات الصفات ، وخاصة في الكتب التي نقلت تفاسير الصحابة ، والكتب التي كان يؤكد عليها ابن تيمية ويقول : انها تروى تفاسير الصحابة والسلف بالاسانيد الصحيحة وليس فيها شىء من الموضوعات والاكاذيب ، واهمها : تفسير الطبري ، وتفسير ابن عطية ، وتفسير البغوى.
     فهذه التفاسير جميعا نقلت عن الصحابة تأويل آيات الصفات بخلاف ظاهرها ، وهذا جار في جميع آيات الصفات.
     أنظر مثلا تفسير آية الكرسي عند الطبري وابن عطية والبغوي ، فهم جميعا يبداون بقول ابن عباس : كرسيه علمه.
     واكتفى ابن عطية بهذا ووصف ما ورد عن غير ابن عباس بأنه من الاسرائيليات واخبار الحشوية التي يجب ان لا تحكي.
     وهكذا مع جميع الايات التي جاء فيها ذكر الوجه : ( وجه ربك ) او ( وجهه ) او ( وجه اللّه ) ، فاول ما ينقلونه عن الصحابة هو التأويل بالقصد او الثواب او نحوها كما يقتضي المقام.
     اذن فبرهانهم الوحيد على عقيدتهم في التجسيم هو افتراء على الصحابة ، وتزوير في الحقائق الدينية ، ونسبه الباطل حتى الى كتب التفسير المتداولة بين الناس رغم سهولة التحقق من ذلك.
     فهل سيحاول القارىء ان ينظر في هذه التفاسير ليقف على الحقيقة بعينه ؟ خذ مثلا تفسير البغوي الذي عظمه ابن تيميه كثيرا وقال انه لم يروا الموضوعات ، وقف على تفسير هذه النبذة من آيات الصفات : البقرة آية 115 و 255 ( آية الكرسي ) و 272 ، الرعد آية 22 ، القصص آية 88 ، الروم آية 38 و 39 ، الدهر آية 9 ، الليل آية 20.
     لترى بعدئذ عظمة ما ارتكبه هولاء من افتراء وزيف وبهتان نسبوه الى هذا الدين العظيم والى السلف.

6 ـ الوهابيه والمسلمون
( البدعه الوهابيه الكبرى )
     يعتقد الوهابية انهم وحدهم اهل التوحيد الخالص ، واما سائر المسلمين فهم مشركون لا حرمة لدمائهم وذراريهم واموالهم ، ودارهم دار حرب وشرك !!
     ويعتقدون ان المسلم لا تنفعه شهادة ان ( لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه ) ما دام يعتقد بالتبرك بمسجد الرسول ـ مثلا ـ ويقصد زيارته ويطلب الشفاعة منه !
     ويقولون ان المسلم الذي يعتقد بهذه الامور فهو مشرك وشركه اشد من شرك اهل الجاهلية من عبده الاوثان والكواكب !
     ففي رسالة ( كشف الشبهات ) اطلق محمد بن عبد الوهاب لفظ الشرك والمشركين على عامة المسلمين عدا اتباعه في نحو 24 موضعا ، واطلق عليهم لفظ : الكفار ، وعباد الاصنام ، والمرتدين ، وجاحدي التوحيد ، واعداء التوحيد ، واعداء اللّه ، ومدعي الاسلام في نحو 20 موضعا. وعلى هذا النحو سار اتباعه فى سائر كتبهم.
     فهل جاءوا بعقيدتهم هذه من اجماع السلف ، ام هي بدعه منكره ؟
     لقد نقل ابن حزم الاصل القائل : ( انه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد او فتيا ) ثم عد ائمة السلف القائلين به ، الى ان قال : ( وهذا هو قول كل من عرفنا له قولا في هذه المسألة من الصحابة ، ولا نعلم فيه خلافا ).
     ام ابن تيمية فقد صرح بأنه لم يكفر المسلمين بالذنوب والاجتهادات الا الخوارج.
     اذن ليس للوهابية سلف يقتدون به في بدعتهم هذه سوى الخوارج !!
الوهابية في صورتها الحقيقية ::: فهرس