المكاسب ـ جلد الأول ::: 361 ـ 370
(361)
    والرواية (1) ـ على تقدير صحتها ـ تدل على أن السامع لغيبة كقائل تلك الغيبة ، فإن كان القائل عاصيا كان المستمع كذلك ، فتكون دليلا على الجواز فيما نحن فيه.
    نعم ، لو استظهر منها أن السامع للغيبة كأنه متكلم بها ، فإن جاز للسامع التكلم بغيبة (2) جاز سماعها ، وإن حرم عليه حرم سماعها أيضا ، كانت الرواية ـ على تقدير صحتها ـ دليلا للتحريم فيما نحن فيه ، لكنه خلاف الظاهر من الرواية على تقدير قراءة المغتابين بالتثنية ، وإن كان هو الظاهر على تقدير قراءته بالجمع ، لكن هذا التقدير خلاف الظاهر ، وقد تقدم في مسألة التشبيب أنه إذا (3) كان شك السامع في حصول شرط حرمته من القائل لم يحرم استماعه ، فراجع (4).
    ثم إنه يظهر من الأخبار المستفيضة وجوب رد الغيبة :

    [ الأخبار المستفيضة الظاهرة في وجوب ردّ الغيبة ]
    فعن المجالس بإسناده عن أبي ذر رضوان الله عليه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من اغتيب عنده أخوه المؤمن وهو يستطيع نصره فنصره ، نصره الله تعالى في الدنيا والآخرة ، وإن خذله وهو يستطيع نصره ، خذله الله في الدنيا والآخرة (5).
1 ـ وهي قوله عليه السلام : إن السامع للغيبة أحد المغتابين ، المتقدم في الصفحة : 359.
2 ـ ظاهر ف : بغيبته.
3 ـ في ن ، ع و ص : إذا كان.
4 ـ راجع الصفحة : 181.
5 ـ أمالي الطوسي 2 : 150 ، وعنه الوسائل 8 : 608 ، الباب 156 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 8.


(362)
    ونحوها عن الصدوق بإسناده عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام (1).
    وعن عقاب الأعمال بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من رد عن أخيه غيبة سمعها في مجلس رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا والآخرة ، فإن لم يرد عنه وأعجبه كان عليه كوزر من اغتابه (2).
    وعن الصدوق بإسناده عن الصادق عليه السلام ـ في حديث المناهي ـ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من تطول على أخيه في غيبة سمعها [ فيه ، في مجلس ] (3) فردها عنه رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا والآخرة ، فإن هو لم يردها وهو قادر على ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة ... الخبر (4) (5).

    [ المراد بالردّ الانتصار للغائب ، لا صِرف النهي عن الغيبة ]
    ولعل وجه زيادة عقابه أنه إذا لم يرده تجرأ المغتاب على الغيبة ، فيصر على هذه الغيبة وغيرها.
    والظاهر أن الرد غير النهي عن الغيبة ، والمراد به الانتصار
1 ـ الفقيه 4 : 372 ، باب النوادر ، الحديث 5762 ، وعنه الوسائل 8 : 606 ، الباب 156 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأول.
2 ـ عقاب الأعمال : 335 ، وعنه الوسائل 8 : 607 ، الباب 156 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 5.
3 ـ من ع ، ص والمصدر.
4 ـ كذا في النسخ ، والظاهر زيادة الخبر ، لأن الحديث مذكور بتمامه.
5 ـ الفقيه 4 : 15 ، الحديث 4968 ، وعنه الوسائل 8 : 600 ، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 13.


(363)
للغائب بما يناسب تلك الغيبة ، فإن كان عيبا دنيويا انتصر له بأن العيب ليس إلاما عاب الله به من المعاصي التي من أكبرها ذكرك أخاك بما لم يعبه الله به ، وإن كان عيبا دينيا وجهه بمحامل تخرجه عن المعصية ، فإن لم يقبل التوجيه انتصر له بأن المؤمن قد يبتلي بالمعصية ، في نبغي أن تستغفر له وتهتم له ، لا أن تعير عليه ، وأن تعييرك إياه لعله أعظم عند الله من معصيته ، ونحو ذلك.
    [ الأخبار الواردة في عقوبة ذي اللسانين وذمّه ]
    ثم إنه قد يتضاعف عقاب المغتاب إذا كان ممن يمدح المغتاب في حضوره ، وهذا وإن كان في نفسه مباحا إلا أنه إذا انضم معذمه في غيبته سمي صاحبه ذو اللسانين (1) وتأكد حرمته ، ولذا ورد في المستفيضة : أنه يجيء ذو اللسانين يوم القيامة وله لسانان من النار (2) ، فإن لسان المدح في الحضور وإن لم يكن لسانا من نار ، إلا أنه إذا انضم إلى لسان الذم في الغياب صار كذلك. وعن المجالس بسنده عن حفص بن غياث ، عن الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من مدح أخاه المؤمن في وجهه واغتابه من ورائه فقد انقطعت العصمة بينهما (3).
1 ـ في خ و م زيادة : يوم القيامة.
2 ـ الوسائل 8 : 581 ، الباب 143 من أبواب أحكام العشرة ، الأحاديث 1 و 7 و 8 و 9 ، وفي الجميع : لسانان من نار ، بدون الألف واللام.
3 ـ أمالي الصدوق : 466 ، المجلس 85 ، الحديث 21 مع اختلاف يسير ، وعنه الوسائل 8 : 583 ، الباب 143 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 10.


(364)
    وعن الباقر عليه السلام : بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين ! يطري أخاه شاهدا ويأكله غائبا ، إن اعطي حسده ، وإن ابتلي خذله (1).
    [ البهتان أغلظ تحريماً من الغيبة ]
    واعلم أنه قد يطلق الاغتياب على البهتان وهو أن يقال في شخص ما ليس فيه ، وهو أغلظ تحريما من الغيبة ، ووجهه ظاهر ، لأنه جامع بين مفسدتي (2) الكذب والغيبة ، ويمكن القول بتعدد العقاب من جهة كل من العنوانين والمركب.
    وفي رواية علقمة ، عن الصادق عليه السلام : حدثني أبي ، عن آبائه عليهم السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه قال : من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة أبدا ، ومن اغتاب مؤمنا بماليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما ، وكان المغتاب خالدا في النار وبئس المصير (3).
1 ـ الوسائل 8 : 582 ، الباب 143 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 2.
2 ـ في ف : جامع لمفسدتي.
3 ـ الوسائل 8 : 601 ، الباب 152 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 20 ، باختلاف يسير.


(365)
خاتمة
في بعض ما ورد من حقوق المسلم على أخيه
    ففي صحيحة مرازم ، عن أبي عبد الله عليه السلام : ما عبد الله بشيء أفضل من أداء حق المؤمن (1).

    [ حقوق المسلم على أخيه ]
    وروي في الوسائل وكشف الريبة ، عن كنز الفوائد ـ للشيخ الكراجكي ـ ، عن الحسين بن محمد بن علي الصيرفي ، عن محمد بن علي الجعابي ، عن القاسم بن محمد بن جعفر العلوي ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : للمسلم على أخيه ثلاثون حقا ، لا براءة له منها إلا بأدائها أو العفو : يغفر زلته ، ويرحم عبرته ، ويستر عورته ، ويقيل عثرته ، ويقبل معذرته ، ويرد غيبته ، ويديم نصيحته ، ويحفظ خلته ، ويرعى ذمته ، ويعود مرضه ، ويشهد ميتته (2) ، ويجيب دعوته ، ويقبل هديته ، ويكافئ صلته ، ويشكر نعمته ، ويحسن نصرته ، ويحفظ حليلته ، ويقضي حاجته ، ويستنجح مسألته ، ويسمت عطسته ، ويرشد ضالته ، ويرد سلامه ، ويطيب كلامه ، ويبر إنعامه ، ويصدق أقسامه ، [ ويوالي وليه ] (3) ولا يعاديه (4) وينصره ظالما ومظلوما
1 ـ الوسائل 8 : 542 ، الباب 122 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأول.
2 ـ كذا في ف و ص والمصادر ، وفي غيرها : ميته.
3 ـ كذا في النسخ ، وشطب عليه في ف ، وكتب بدله : ويواليه ، والعبارة في كشف الريبة أيضا : ويواليه.
4 ـ في الوسائل : ولا يعاد ، وأما في كنز الفوائد فهكذا : ويوالي وليه ويعادي عدوه.


(366)
ـ فأما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه ، وأما نصرته مظلوما فيعينه على أخذ حقه ـ ، ولا يسلمه ، ولا يخذله ، ويحب له من الخير ما يحب لنفسه ، ويكره له [ من الشر ] (1) مايكره لنفسه ، ثم قال عليه السلام : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضى له عليه (2).
    والأخبار في حقوق المؤمن كثيرة (3).
    والظاهر إرادة الحقوق المستحبة التي ينبغي أداؤها ، ومعنى القضاء لذيها على من هي عليه (4) : المعاملة معه معاملة من أهملها بالحرمان عما اعد لمن أدى حقوق الاخوة.

    [ اختصاص الأخبار بالأخ العارف بالحقوق المؤدّي لها حسب الإمكان ]
    ثم إن ظاهرها وإن كان عاما ، إلا أنه يمكنت خصيصها بالأخ العارف بهذه الحقوق المؤدي لها بحسب اليسر ، أما المؤمن المضيع لها فالظاهر عدم تأكد مراعاة هذه الحقوق بالنسبة إليه ، ولا يوجب إهمالها مطالبته (5) يوم القيامة ، لتحقق المقاصة ، فإن التهاتر يقع في الحقوق ، كما يقع في الأموال.
1 ـ لم ترد في أصل النسخ ، إلا أنها استدركت في هامش بعضها من المصدر.
2 ـ كنز الفوائد 1 : 306 ، وعنه كشف الريبة : 114 ، والوسائل 8 : 550 ، الباب 122 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 24 ، وفيها : فيقضي له وعليه.
3 ـ انظر الوسائل 8 : 542 ، الباب 122 من أبواب أحكام العشرة.
4 ـ كذا في ش ومصححة ص ، وفي ف ، ن ، م و ع وهامش ش ( خ ل ) : لذيها على من عليها.
5 ـ في ن ، خ ، م ، ع و ص : مطالبة.


(367)
    [ الأخبار الظاهرة في جواز ترك الحقوق لبعض الإخوان ]
    وقد ورد في غير واحد من الأخبار ما يظهر منه الرخصة في ترك هذه الحقوق لبعض الاخوان ، بل لجميعهم إلا القليل :
    فعن الصدوق رحمه الله ـ في الخصال ، وكتاب الإخوان ـ ، والكليني بسندهما عن أبي جعفر عليه السلام (1) قال : قام إلى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام رجل بالبصرة ، فقال : أخبرنا عن الإخوان ، فقال عليه السلام : الإخوان صنفان ، إخوان الثقة وإخوان المكاشرة (2) ، فأما إخوان الثقة فهم كالكفو الجناح والأهل والمال ، فإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك ويدك ، وصاف منصافاه ، وعاد من عاداه ، واكتم سره وعيبه (3) ، وأظهر منه الحسن ، واعلم أيها السائل أنهم أعز من الكبريت الأحمر ! ، وأما إخوان المكاشرة فإنك تصيب منهم لذتك ، فلا تقطعن ذلك منهم ، ولا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم ، وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان (4). وفي رواية عبيد الله الحلبي ـ المروية في الكافي ـ عن
1 ـ في ف زيادة : ففي مرسلة أحمد بن محمد بن عيسى ، عن بعض أصحابه ، عن أبي جعفر عليه السلام.
2 ـ كاشره : إذا تبسم في وجهه وانبسط معه ( مجمع البحرين 3 : 474 ـ كشر ).
3 ـ كذا في ش والكافي والخصال ، وفي سائر النسخ : وأعنه ، كما في كتاب مصادقة الإخوان والوسائل.
4 ـ الخصال 1 : 49 ، باب الإثنين ، الحديث 56 ، مصادقة الإخوان : 30 ، الحديث الأول ، الكافي 2 : 248 ، الحديث 3 ، وانظر الوسائل 8 : 404 ، الباب 3 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأول.


(368)
    [ حدود الصداقة ]
     أبي عبد الله عليه السلام ، قال : لا تكون الصداقة إلا بحدودها فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها فانسبه إلى الصداقة ، ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة :
    فأولها ـ أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة.
    والثانية ـ أن يرى زينك زينه وشينك شينه.
    والثالثة ـ أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال.
    والرابعة ـ أن لا يمنعك شيئا تناله مقدرته (1).
    والخامسة ـ وهي تجمع (2) هذه الخصال ـ : أن لا يسلمك عند النكبات (3).
    ولا يخفى أنه إذا لم تكن الصداقة لم تكن الاخوة ، فلا بأس بترك الحقوق المذكورة بالنسبة إليه.
    وفي نهج البلاغة : لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث : في نكبته ، وفي غيبته ، وفي وفاته (4).
    وفي كتاب الإخوان ، بسنده عن الوصافي ، عن أبي جعفر عليه السلام ،
1 ـ كذا في ص والمصدر ، وفي سائر النسخ : بقدرته.
2 ـ كذا في ف والمصدر ، وفي سائر النسخ : مجمع.
3 ـ الكافي 2 : 639 ، الحديث 6 ، وعنه الوسائل 8 : 413 ، الباب 13 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأول.
4 ـ نهج البلاغة : 494 ، الحكمة رقم : 134 ، وفيه : في نكبته ، وغيبته ، ووفاته.


(369)
قال : قال لي : أرأيت من كان قبلكم (1) إذا كان الرجل ليس عليه رداء وعند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه ؟ قلت : لا ، قال : فإذا كان ليس عنده إزار يوصل إليه بعض إخوانه بفضل إزاره حتى يجد له إزارا ؟ قلت : لا ، قال : فضرب بيده على فخذه! وقال : ماهؤلاء بإخوة ... الخ (2) (3) دل على أن من لا يواسي المؤمن ليس بأخ له ، فلا يكون له حقوق الاخوة المذكورة في روايات الحقوق.
    ونحوه رواية ابن أبي عمير عن خلاد ـ رفعه ـ قال : أبطأ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل ، فقال : ما أبطأ بك ؟ قال : العري يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أما كان لك جار له ثوبان يعيرك أحدهما ؟ فقال : بلى يا رسول الله ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : ما هذا لك بأخ (4).
    وفي رواية يونس بن ظبيان ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : اختبروا إخوانكم بخصلتين ، فإن كانتا فيهم ، وإلا ، فاعزب ثم
1 ـ في المصدر : من قبلكم.
2 ـ كذا في النسخ ، والظاهر زيادة : الخ ، فإن ما ورد هو تمام الحديث.
3 ـ مصادقة الإخوان : 36 ، الحديث الأول ، وعنه الوسائل 8 : 414 ، الباب 14 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأول.
4 ـ مصادقة الإخوان : 36 ، الحديث 4 ، وعنه الوسائل 8 : 415 ، الباب 14 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث 3.


(370)
اعزب (1) : المحافظة على الصلوات في مواقيتها ، والبر بالإخوان في اليسر والعسر (2).
1 ـ كذا في المصدر ، وفي سائر النسخ : فاغرب ثم اغرب ، وفي المصدر زيادة : ثم اعزب. قال في مجمع البحرين ( 2 : 120 ) : اعزب ثم اعزب على [ عن ـ ظ ] الأمر : أي أبعد نفسك عن الأمر ثم ابعد.
2 ـ الوسائل 8 : 503 ، الباب 103 من أبواب أحكام العشرة ، الحديث الأول.
المكاسب ـ جلد الأول ::: فهرس