المراد بالفطام زمانه لانفسه









هل يعتبر كون ولد المرضعة في الحولين ؟
ثم إن المراد بالفطام في الأخبار المطلقة هو زمان الفطام ـ أعني الحولين ـ كما دلت عليه روايتا الفضل وحماد ، فلا عبرة بنفس الفطام ، حتى أنه لو لم يفطم الرضيع إلى أن تجاوز الحولين ، ثم ارتضع بعدهما قبل الفطام لم يثبت التحريم ، كما أنه لو فطم قبل الحولين ، ثم ارتضع قبلهما ثبت التحريم .
وحكي عن ابن الجنيد المخالفة في الحكم الأول وثبوت التحريم إذا وقع الرضاع بعد الحولين قبل الفطم (1) ولعله لرواية داود بن الحصين المروية في الفقيه (2) والتهذيب (3) المردودة فيه بالمخالفة للأحاديث كلها ، وفي كلام محكيّ عن الشهيد : أنّ هذه الفتوى مسبوقة بالإجماع وملحوقة به (4) .
وأما الحكم الثاني : فلم يحك فيه الخلاف إلا عن موهم ظاهر كلام العماني ، حيث قال : الرضاع الذي يحرّم عشر رضعات قبل الفطام (5) ، وعن المختلف (6) الإستدلال له برواية الفضل بن عبدالملك المتقدمة : « الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم » .
والجواب عنه : بأنّ المراد : قبل أن يستحقّ الفطم . وهو حسن وجار في عبارة العماني أيضا ، فيرتفع الخلاف .
ثم إنه هل يعتبر في ولد المرضعة الذي يحصل اللبن من ولادته كونه في
____________
(1) كما في المختلف : 519 .
(2) الفقيه 3 : 476 ، الحديث 4667 .
(3) التهذيب 7 : 318 ، الحديث 22 .
(4) غاية المراد : 205 .
(5) كما في المختلف : 519 .
(6) المصدر السابق .

( 29 )

الحولين حين ارتضاع المرتضع من لبنه ، بحيث لايقع شيء من الارتضاع بعد تجاوزه إياهما ، أم لا ؟ فيه قولان :
المحكيّ عن أبي الصلاح ، وابن زهرة وابن حمزة : الأول (1) تمسكا بظاهر الخبر : « لا رضاع بعد فطام » الشامل لفطام المرتضع وولد المرضعة ، بل لم يفهم منه ابن بكير إلا فطام ولد المرضعة ، لمّا سأله ابن فضّال عن امرأة أرضعت غلاما سنتين ، ثم أرضعت صبية لها أقلّ من سنتين حتى تمت لها سنتان (2) أيفسد ذلك بينهما ؟ قال : لا [ يفسد ذلك بينهما ] (3) ؛ لأنه رضاع بعد فطام ، وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا رضاع بعد فطام » ، أي أنه إذا تم للغلام سنتان ، أو الجارية ، فقد خرج كل عن حدّ اللبن ، ولايفسد بينه وبين من شرب منه (4) .
والأكثر على الثاني ؛ وهو الأظهر ؛ للأصل والإطلاقات ؛ ولظهور الخبر المذكور في فطام المرتضع ، أو عدم ظهوره في العموم الموجب للشك في تقييد المطلقات .
وتفسير ابن بكير للخبر معارض بما فسّره به ثقة الإسلام ، والصدوق في الكافي والفقيه ؛ قال في الكافي : معنى قوله : « لا رضاع بعد فطام » إن الولد إذا شرب لبن المرأة بعدما تفطمه لايحرم ذلك الرضاع التناكح (5) . وقريب
____________
(1) الكافي في الفقه : 285 ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : 547 ، الوسيلة : 301 .
(2) في الوسائل : حتى تمت السنتان .
(3) الزيادة من الوسائل .
(4) الوسائل 14 : 291 ، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 6 .
(5) الكافي 5 : 444 ، الحديث 5 .

( 30 )

المعتبر في الحولين : الأهلة

الشرط الخامس : كون اللبن غير ممتزج بشيء
منه ما قاله في الفقيه (1) .
ثم اعلم : أن شيخنا في المسالك ناقش المحقق في نسبة حديث « لا رضاع بعد فطام » إليه صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال : إنه لم يرد إلا عن الصادق عليه السلام(2) ، ولا يخفى أن إسناد الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشهور ؛ وقد عرفت ان ابن بكير نسبه اليه صلى الله عليه واله وسلام ، وكذا رواه في الفقيه مرسلا عنه صلى الله عليه وآله وسلم (3) .
وأصدق من ذلك ما رواه في الكافي عن منصور بن حازم عن أبي عبدالله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « لا رضاع بعد فطام ، ولا وصال في صيام ، ولا يُتم بعد احتلام ... إلى آخر الحديث » (4) . ومع ذلك فلا وجه للمناقشة المذكورة ، إلاّ أن يرجع إلى المناقشة في الإسناد ، مع عدم ثبوت النسبة بطريق صحيح يجوّز الإسناد على وجه الجزم .
ثم إن المعتبر في الحولين : الأهلّة ، ولو انكسر الشهر الأول اعتبر ثلاثة وعشرون شهرا بعد المنكسر بالأهلّة ، وإكمال المنكسر بالعدد من الشهر الخامس والعشرين ، كغيره من الآجال ، على أظهر الاحتمالات في نظائر المسألة ، والله العالم .
الخامس : أن يكون اللبن بحاله غير ممتزج بشيء ، فلو اُلقي في فم الصبيّ شيء جامد ـ كالدقيق وفتيت السكّر ـ ، أو مائع ـ كيسير من الأطعمة
____________
(1) الفقيه 3 : 476 ، الحديث 4666 .
(2) المسالك 1 : 375 ، وفيه : إلا عن الصادقين عليهما السلام .
(3) تقدم آنفا .
(4) تقدم آنفا .

( 31 )

المائعة ـ ثم اُرضع بحيث امتزج اللبن حتى يخرج عن كونه لبنا ، لم يعتدّ به ، وكذا لو جُبّن اللبن ؛ والوجه في ذلك عدم صدق الإطلاقات مع الخروج عن اسم اللبن ، أو عدم انصرافها إلا إلى الخالص .
السادس : الكمية ، أي بلوغ الرضاع حدا خاصا ؛ فإنه لا خلاف بين علمائنا ـ ظاهرا ـ في أن مسمى الرضاع ومطلقه غير كاف في النشر ، والأخبار بذلك متواترة معنى تأتي الإشارة إلى أكثرها في بيان التقديرات .
نعم ، قد يوهم ظاهر (1) بعض الأخبار حصول الحُرمة بالمسمى ، كما سيأتي ذكره في أدلة مذهب الإسكافي المكتفي بالرضعة التامة .
وخالف في المسألة بعض العامة (2) فاكتفى بالمسمى وقدّره بما يفطر الصائم ، ولم يقنع بذلك ، حتى ادّعى إجماع أهل العلم عليه ، على ما حكي في المسالك (3) .
ثم إن أصحابنا قدّروا المقدار الخاصّ الذي اعتبروه بثلاثة تقديرات :
أحدها : بالأثر ، وهو ما أنبت اللحم وشدّ العظم ، وحصول النشر مع تحقق هذا الأثر مما لا خلاف فيه بين علماء الإسلام ، ويدل عليه ـ مضافا إلى الإجماع ـ الأخبار المستفيضة :
منها : صحيحة عليّ بن رئاب ، عن أبي عبدالله عليه السلام « قلت : ما يحرّم من الرضاع ؟ قال : ما أنبت اللحم وشدّ العظم . قلت : يحرّم عشر
الشرط السادس : بلوغ الرضاع حدا خاصا






تقديرات الحد الخاص

الأول : ما أنبت اللحم وشد العظم
____________
(1) في « ق » : من ظاهر .
(2) نسبه في التذكرة 2 : 619 ، إلى الليث من فقهاء العامة .
(3) المسالك 1 : 373 .

( 32 )

رضعات ؟ فقال : لا ، لأنها لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم » (1) .
ومنها : حسنة ابن أبي عمير عن زياد القندي ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : « قلت له : يحرم من الرضاع الرضعة والرضعتان والثلاث ؟ قال : إلا ما اشتدّ عليه العظم ونبت اللحم » (2) .
ومنها : رواية هارون بن مسلم تارة عن أبي عبدالله عليه السلام (3) وتارة عن مسعدة بن زياد عنه عليه السلام قال : « لايحرم من الرضاع إلا ما شدّ العظم وأنبت اللحم » (4) .
ومنها : رواية عبدالله بن سنان ، قال : « سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : لايحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم ، وشدّ العظم » (5) .
وفي غير واحد من الروايات وقع التقدير بإنبات اللحم والدم ، مثل صحيحة عبيد بن زرارة (6) وحسنة حماد بن عثمان بابن هاشم (7) .
ولايبعد تلازم التقديرين ، ومع الانفكاك فالأجود ثبوت النشر بتحقق كل منهما ؛ لاعتبار أدلة التقدير الثاني أيضا ، إلا أن الأصحاب لم يتعرضوا لتحقق الحكم به نفيا وإثباتا ؛ ولعله لعدم انفكاكه عن الأول ، فتدبّر .
ثم إن مقتضى النصوص المذكورة : اعتبار تحقق كلا الأمرين : من
____________
(1) الوسائل 14 : 283 ، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 2 .
(2) الوسائل 14 : 288 ، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 23 .
(3) الإستبصار 3 : 194 ، الحديث 702 .
(4) الوسائل 14 : 285 ، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 9 .
(5) الوسائل 14 : 289 ، الباب 3 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 2 .
(6) الوسائل 14 : 287 ، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث 18 .
(7) الوسائل 14 : 289 : الباب 3 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث الأول .

( 33 )

إنبات اللحم ، واشتداد العظم ، وهو المعروف بين الأصحاب ايضا .
وحكي عن بعض عبارات الشهيد قدس سره الاجتزاء بأحد الأمرين (1) ، ونسبه في المسالك إلى الشذوذ (2) .
وكيف كان ، فالتقدير بهذا الأثر وإن كان اعتباره في غاية القوة والمتانة ، بل مقتضى أدلته الحاصرة للرضاع المحّرم فيه أنه أصل لأخويه الآتيين ، إلا أنه قليل الفائدة ؛ لأن ظهوره للحس في موضع الحاجة أمر لا يكاد يطّلع عليه إلا بعض أهل الخبرة ، وقلّما يتفق شهادة عدلين فيهم بذلك ، ولعله لذا كشف عنه الشارع بأخويه ، وجعلهما طريقا إليه ، كما يؤمي إليه صحيحة ابن رئاب المتقدمة (3) .
وثانيها : بالزمان ، وقدّر بيوم وليلة على المعروف بين الأصحاب ، ومستندهم فيه موثّقة زياد بن سوقة : « قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : هل للرضاع حد يؤخذ به ؟ فقال : لا يحرّم الرضاع أقلّ من رضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها ، فلو أنّ ارضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وأرضعتهما امرأة اُخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات ، لم يحرم نكاحهما » (4) .

اعتبار تحقق أحد الأمرين





الثاني : الارتضاع يوما وليلة
____________
(1) اللمعة الدمشقية : 187 ، قوله قدس سره : « وأن ينبت اللحم أو يشدّ العظم » ، اُنظر الروضة البهيّة 5 : 156 .
(2) المسالك 1 : 372 .
(3) في الصفحة : 31 ـ 32 .
(4) الوسائل 14 : 282 ، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث الأول .